اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت شرق سوريا، أمس الجمعة، "يجب أن تنظر إليها إيران على أنها تحذير".
وأضاف بايدن خلال جولة له في تكساس لتفقّد الأضرار الناجمة عن عاصفة ضربت المنطقة، متوجّهًا إلى المسؤولين في طهران: "لن تفلتوا من العقاب؛ احذروا".
وجاءت الضربات التي ندّد بها النظام السوري وحليفته موسكو، على خلفيّة توتّر بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الإيراني والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، مساء أمس الجمعة: إنّ الرئيس جو بايدن "يبعث رسالةً لا لبس فيها بأنّه سيتحرّك لحماية الأميركيّين. وعندما يتمّ توجيه التهديدات، يكون له الحقّ في اتّخاذ إجراء في الوقت والطريقة اللذين يختارهما".
من جهته، قال المتحدّث باسم البنتاغون جون كيربي: إنّ طائرتَي "إف -15 إي" من طراز "سترايك إيغلز" أسقطتا سبع ذخائر دقيقة التوجيه الخميس على منشآت في شرقي سوريا تستخدمها مجموعات مسلّحة يُعتقد أنّها وراء سلسلة هجمات صاروخيّة على القوّات الأميركيّة في العراق.
ووصف كيربي، في بيان، الضربات بأنها "دفاعية". وأوضح أنها دمّرت "بنى تحتيّة عدّة تقع في نقطة حدودية تستخدمها جماعات مسلحة مدعومة من إيران، وتحديدًا كتائب "حزب الله" و"سيد الشهداء"، المنضويان في الحشد الشعبي العراقي".
Pentagon spokesman John Kirby @PentagonPresSec on Syria strike: pic.twitter.com/UtZin79PHV
— Molly O'Toole (@mollymotoole) February 26, 2021
النظام السوري يندّد بالضربات الأميركية
وندّدت وزارة خارجية النظام السوري بما وصفته بـ"العدوان الأميركي الجبان". واعتبرت أنّه "يشكّل مؤشّرًا سلبيًا" على سياسات الإدارة الأميركية الجديدة. وحذّرت في بيان من أنّه "سيؤدّي إلى عواقب من شأنها تصعيد الوضع في المنطقة".
من جهتها، وصفت كتائب "حزب الله" في العراق، في بيان، الضربة الأميركيّة بأنّها "جريمة نكراء مخالفة للقانون الدولي ومستهينة بسيادة العراق"، واعتبرتها "عدوانًا همجيًا يدلّ بلا أدنى شكّ أنّ السياسات الأميركيّة العدوانيّة تجاه شعوبنا لا تتغيّر بتغيّر إدارتها".
وتنشر السلطات العراقية الحشد الشعبي، وهو ائتلاف فصائل عراقية بارزة شبه عسكرية، على طول الحدود المتداخلة مع سوريا منذ الإعلان في العام 2017 عن الانتصار على تنظيم |الدولة".
وتنفي قيادة الحشد عمل فصائلها خارج العراق، لكنّ مقاتلين من مجموعات منضوية فيه يشاركون في القتال داخل سوريا.
إسرائيل و"التموضع الإيراني" في سوريا
وتخضع المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال والميادين لنفوذ إيراني، عبر مجموعات موالية لها تقاتل الى جانب قوات النظام السوري. وغالبًا ما تتعرّض شاحنات تنقل أسلحة وذخائر أو مستودعات في المنطقة لضربات تُنسب لإسرائيل التي تؤكد غالبًا عزمها على إنهاء "التموضع الإيراني" في سوريا.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان، يوم أمس الجمعة: "طالما أنّي رئيس للوزراء، لن تمتلك إيران أسلحة نوويّة. سأفعل كلّ شيء لمنع ذلك، وقلت ذلك للرئيس بايدن باتّفاق أو من دونه".
إخطار أميركي "متأخر" للجيش الروسي
ونفت وزارة الدفاع العراقية تلقّيها معلومات من الجانب الأميركي قبل تنفيذ القصف، فيما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ واشنطن أخطرت الجيش الروسي قبل أربع أو خمس دقائق فقط. وقال: "هذا النوع من التحذير، عندما تكون الضربات قيد التنفيذ، لا ينفعنا".
كذلك نددت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا "بشدة" بالقصف الأميركي. ودعت إلى "احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها من دون شروط".
"رد عسكري متكافئ"
وبينما ينتظر بايدن ردًا من طهران حول العودة إلى طاولة التفاوض، قال كيربي: "إنّ الضربات جاءت ردًا على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأميركي وقوات التحالف في العراق والتهديدات المستمرة ضد هؤلاء".
وسقطت صواريخ بالقرب من السفارة الأميركية في بغداد يوم الإثنين الماضي، بينما استهدف قصفٌ السبت الماضي قاعدة بلد الجوية العراقية الواقعة إلى الشمال؛ ما أدى إلى إصابة موظف عراقي في شركة أميركية مسؤولة عن صيانة طائرات "أف-16".
كذلك أصابت صواريخ قاعدة عسكرية تتمركز فيها قوات التحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة" في مطار أربيل (شمال) في 15 فبراير/ شباط، وقُتل شخصان أحدهما متعاقد مدني أجنبي يعمل مع التحالف.
وجاءت الهجمات الأخيرة بعد أشهر على هدوء نسبي في إطار هدنة وافقت عليها الفصائل الموالية لإيران في مواجهة تهديدات من واشنطن بإغلاق سفارتها في العراق.
وأكد المتحدث باسم البنتاغون أنّ "هذا الرد العسكري المتكافئ تمّ بالتوازي مع إجراءات دبلوماسية ولا سيما مشاورات مع شركاء" التحالف الدولي.
وبعد إطلاق النار الأخير الإثنين، أعلنت واشنطن أنّ إيران ستتحمّل "مسؤولية تصرفات شركائها الذين يهاجمون الأميركيين"، لكنها شددت على أن قواتها ستتجنب "التصعيد".
لعبة توازن القوى
وقالت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة لفرانس برس: إنّ واشنطن تبدو كمن يرسل "إشارة إلى أنها لن تتساهل مع أنشطة إيران الإقليمية لصالح المحادثات النووية". و أضافت: "لا أرى في ذلك (القصف) موقفًا متشددًا على نحو خاص، إذ كان رد الولايات المتحدة موجهًا إلى هدف غير مهم نسبيًا".
وتوجّه إدارة بايدن، وفق الباحث في معهد دراسات الحرب نيكولاس هيراس، رسائل إلى "خصوم سياسته تجاه إيران في الداخل بأن الولايات المتحدة قادرة أن تكون قاسية تجاه إيران"، وأخرى إلى إسرائيل بأن واشنطن قادرة أيضًا على ضرب المجموعات التابعة لإيران.
وأضاف: "إن الضربات الأخيرة لا تتعلق بما حصل في العراق فقط، بل إنها جزء من لعبة دبلوماسية أوسع تجاه إسرائيل والحزب الجمهوري".