لم تعد أنقرة تسعى لإسقاط نظام الأسد كما كانت تؤكد طيلة أكثر من عشر سنوات، إذ باتت لتركيا حسابات جديدة في سوريا من دون أطماع في الأراضي السورية كما يؤكد المسؤولون الأتراك.
ويقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مصير النظام لا يهمه، بل يمضي إلى التشديد على أن المحادثات معه يجب أن تنتقل إلى مستويات متقدمة، وذلك في تصريحات جديدة بعد أيام قليلة من تصريحات أخرى أثارت جدلًا واسعًا لوزير خارجيته.
وللأسبوع الثاني على التوالي، يتظاهر النشطاء في مدن الشمال السوري احتجاجًا على الموقف التركي الجديد بشأن العلاقة مع نظام الأسد ومن أجل التأكيد على سيادة القرار الوطني.
وبالتزامن مع تلك التصريحات والاحتجاجات، أسفر هجوم صاروخي على مدينة الباب مركز القوات السورية المعارضة المدعومة من تركيا، عن مقتل 14 مدنيًا بينهم 5 أطفال في هجوم وُجهت أصابع الاتهام فيه إلى قوات سوريا الديمقراطية.
تطبيع صعب
في هذا السياق، أشار أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول سمير صالحة إلى أن رسائل تركيا تجاه النظام السوري ليست جديدة، بل بدأت منذ أكثر من عام.
وقال في حديث إلى "العربي" من إسطنبول: "إن المرحلة الانفصالية بدأت بعد قمة سوتشي والتفاهمات التركية الروسية".
وأكد صالحة على أهمية مواقف الرئيس التركي الأخيرة تجاه سوريا، لكنه اعتبر أن عملية تطبيع العلاقات لن تكون سهلة وأنه من المبكر معرفة شكل العلاقات التركية السورية في المرحلة المقبلة.
ورأى صالحة أن التفاهمات بين الجانبين التركي والسوري هي جزئية بسيطة من إستراتيجية تموضع تركي روسي أوسع في التعامل مع ملفات إقليمية ومنها ملف الغاز.
أسباب داخلية وخارجية لموقف تركيا
من جهته، أكد مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي، مروان قبلان، أن سياسة إسقاط النظام السوري بالنسبة لتركيا تغيرت منذ أواخر عام 2016، بعد الاتفاق على خروج المعارضة من مدينة حلب وانطلاق مسار أستانة مطلع عام 2017.
وحول السياقات الإقليمية والدولية التي قادت إلى هذه الاستدارة في الموقف التركي، أوضح قبلان، أن هناك شقين للموقف التركي، الأول داخلي يتعلق بالانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا، والثاني خارجي متعلق بالملف الكردي.
ويعتقد الأتراك أنهم كلما ضغطوا على قوات سوريا الديمقراطية إلا ودفعوها أكثر باتجاه النظام وإيران وروسيا، بحسب قبلان. وقال في حديث إلى "العربي" من الدوحة: "يبدو أنهم يريدون أن يقطعوا الطريق على أي نوع من أنواع التقارب بين قسد والروس والإيرانيين والنظام السوري، في محاولة لإجراء نوع من الاتفاق، فبدل أن يذهب الأكراد إلى النظام، يفعل ذلك الأتراك بهدف تحييد الخطر التركي الذي تراه أنقرة".
كما يريد الأتراك حلا لملف اللاجئين قبل انتهاء ولاية أردوغان، بحسب قبلان، الذي أشار إلى أن تركيا تحاول أن تمارس ضغطًا، بالاتفاق مع الروس والإيرانيين، لخروج القوات الأميركية من شرق الفرات.
مناورة سياسية
بدوره، لفت الناشط السوري المعارض محمود الحمزة إلى أن المعارضة كانت تعوّل كثيرًا وما زالت على الموقف التركي الداعم، مشيرًا إلى أن "المعارضة الرسمية فاشلة وغير قادرة على تقديم أي شيء للثورة السورية".
واعتبر الحمزة من غازي عنتاب أن التصريحات التركية الأخيرة توضح أن هناك بوادر لتوجه جديد في العلاقات مع النظام، مؤكدًا أن الموقف التركي ليس وليد اللحظة.
كما لفت الحمزة إلى أن جميع المواقف التركية تصب في المصلحة الروسية، معتبرًا أن روسيا لديها مصالح كبرى مع تركيا ولن تفرط بها من أجل سوريا. لكنه رجّح أن تكون المواقف الروسية الأخيرة مناورة سياسية.