الإثنين 29 أبريل / أبريل 2024

تفكك الاتحاد السوفياتي.. "العربي" يكشف خبايا سقوط مملكة الروس

تفكك الاتحاد السوفياتي.. "العربي" يكشف خبايا سقوط مملكة الروس

Changed

"كنت هناك" يستعرض ظروف وتداعيات تفكك الاتحاد السوفيتي (الصورة: غيتي)
لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي مجرد استبدال علم بآخر، بل كان إيذانًا بتفكك قوة عظمى وبتغيير كبير في موازين القوى وخريطة النفوذ في العالم.

في الساعة السابعة و32 دقيقة بتوقيت موسكو من مساء 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991، تم إنزال العلم الأحمر للاتحاد السوفيتي عن مبنى الكرملين للمرة الأخيرة، ورُفع بدلًا منه علم جمهورية روسيا الاتحادية. 

ولم يكن الأمر مجرد استبدال علم بآخر، بل كان إيذانًا بتفكك قوة عظمى وبتغيير كبير في موازين القوى وخريطة النفوذ في العالم. 

ولم يكن عام 1945 ينتصف، حتى وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، مخلفة نظامًا عالميًا جديدًا يتكون من قطبين متصارعين على القوة والنفوذ وهما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي. 

أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي

وخاض خلال تلك الفترة القطبان سباقًا في كل المجالات وهو ما عُرف بالحرب الباردة. لكن نهاية تلك الحرب لم تكن باردة بحال من الأحوال، حيث استيقظ العالم على تفكك الاتحاد السوفيتي بشكل اعتبره البعض مفاجئًا واعتبره البعض الآخر نتيجة عوامل كانت تتراكم وتتفاعل على مدى سنوات. 

ويقول الدبلوماسي السابق أندريه باكلانوف: "كانت الأسباب المباشرة لانهيار الاتحاد السوفيتي كثيرة، وهو لم يكن متوقعًا بالنسبة للكثيرين".

ويشير المدير التنفيذي لصندوق "تاريخ الوطن" الروسي غرغكويف روسلان غريغوريفيتش إلى أنه كان هناك تباطؤ في التنمية الاقتصادية للاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى التخلف في التنمية الاقتصادية وإلى عدم إدخال الإنجازات العلمية الأكثر تقدمًا في الاقتصاد، بما في ذلك إنجازات العلوم السوفيتية. ويقول: "نشأ توتر معين في المجال الاجتماعي والذي بدأ يشعر به جميع سكان الاتحاد السوفيتي طوال الثمانينيات". 

دور ميخائيل غورباتشوف

الحديث عن تفكك الاتحاد السوفيتي يقترن بالضرورة باسم زعيمه ميخائيل غورباتشوف الذي انتُخب في 11 مارس/ آذار 1985 أمينًا عامًا للحزب الشيوعي السوفيتي، ليجد نفسه قائدًا لقطب عالمي يعاني من ركود اقتصادي نتج عن تراجع معدلات النمو فضلًا عن تكاليف الحرب الباردة وسباق التسلح والاستنزاف العسكري جراء التورط في غزو أفغانستان. 

سعى زعيم الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف إلى إدخال تحولات في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد
سعى زعيم الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف إلى إدخال تحولات في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد

وقد سعى غورباتشوف إلى إدخال تحولات في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، فأعلن عن سياسة "الغلاسنوست" أي العلانية والشفافية في إدارة البلاد.

كما قدّم خطة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية سمّاها "البيريسترويكا" أي إعادة البناء، لكنه لم يتمكن من تطبيق ما خطط له.

وواجهته مشكلات جمة بداية من تهاوي أسعار النفط عام 1986 ما أثر على مداخيل الاتحاد ودعمه لحلفائه في حلف وارسو، إضافة إلى كارثة محطة تشيرنوبل النووية في أوكرانيا، وما تبعها من انتشار للإشعاعات؛ فتعقد وضع الاتحاد على الساحة الدولية.

حالة من عدم الرضا

ويشير نائب عميد كلية علم السياسة لجامعة موسكو الحكومية أنيكين دانييل أليكساندروفيتش إلى أنه يمكن القول إن سكان الاتحاد السوفيتي نفسه عانوا من عدم الرضا عن الوضع الاجتماعي والسياسي.

ويوضح أن هذا الاستياء تزايد على الرغم من أن العوامل السياسية ساهمت بشكل مباشر في انهيار الاتحاد السوفيتي، "إلّا أن التناقضات الداخلية المتراكمة أثرت على انهيار الاتحاد لفترة أطول بكثير من سنوات البيريسترويكا أي السنوات الأخيرة من وجوده". 

ولا يعتبر أليكساندروفيتش أن تفكك الاتحاد كان نوعًا من المؤامرة التي تورط فيها غورباتشوف ولا يؤمن بأي نظرية في هذا السياق.

مظاهرات مناهضة للأنظمة الشيوعية

كما يؤكد الدبلوماسي السابق أندريه باكلانوف أن عدم قدرة الدولة على حماية نفسها كان عاملًا رئيسيًا في انهيار الاتحاد السوفيتي. 

شهدت العديد من دول أوروبا الشرقية مظاهرات مناهضة للأنظمة الشيوعية في هذه البلاد في عام 1989
شهدت العديد من دول أوروبا الشرقية مظاهرات مناهضة للأنظمة الشيوعية في هذه البلاد في عام 1989

وفي عام 1989، بدأت مطالب الاستقلال في بعض الجمهوريات السوفيتية تطفو على السطح. وشهدت العديد من دول أوروبا الشرقية مظاهرات مناهضة للأنظمة الشيوعية في هذه البلاد. 

وتطور الأمر إلى انقلاب عسكري في 19 أغسطس/ آب عام 1991. وقال منفذوه إنهم يستهدفون إنقاذ البلاد من الانهيار. لكن رئيس جمهورية روسيا آنذاك برويس يلتسن لعب دور البطولة في التصدي للانقلابيين. 

استقالة غورباتشوف

احتاج غورباتشوف إلى ثلاثة أيام فقط لكي يعود إلى قيادة الاتحاد السوفيتي بعد إجهاض الانقلاب، لكنه لم يعد كما كان، كما لم يبق الاتحاد كما كان.

وقد اضطر غورباتشوف للاستقالة من رئاسة الحزب الشيوعي وما هي إلًا أيام حتى قرر البرلمان السوفيتي وقف عمل الحزب وإغلاق مقارّه. 

وفي الـ25 من ديسمبر/ كانون الأول 1991، أُسدل الستار على حقبة الاتحاد السوفيتي، حيث أعلن غورباتشوف استقالته وقال إن مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية قد تم إلغاؤه. كما أعلن تسليم كافة سلطاته الدستورية بما فيها السلطة على الأسلحة النووية إلى الرئيس الروسي بوريس يلتسن ثم غادر مقر الكرملين تحت جنح الظلام. 

وفي اليوم التالي، تم الاعتراف الرسمي باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة وإنشاء رابطة الدول المستقلة تحل محل الاتحاد السوفيتي المنحل. 

تأثير الغرب

من جهتها، ترى الصحافية الروسية أولغا بولياكوفا، التي عاصرت تفكك الاتحاد، أن غورباتشوف لعب أحد الأدوار الرئيسية لأنه كان على اتصال كبير بالزعماء الغربيين وفتح الباب أمام الاتحاد السوفيتي.

وتقول: "كما تعلمون، قبل ذلك كان هناك ما يسمى بالجدار الحديدي وكانت الاتصالات مع الدول الأجنبية محدودة للغاية". 

وضعت الحرب الباردة بين القطبين أوزارها بعد أن استمرت لأكثر من أربعة عقود بتفكك الاتحاد السوفييتي
وضعت الحرب الباردة بين القطبين أوزارها بعد أن استمرت لأكثر من أربعة عقود بتفكك الاتحاد السوفيتي

ويشير باكلانوف إلى أن انخفاض التوتر وضعف المواجهة العسكرية بين الشرق والغرب واتساع الاتصالات بينهما أثر على مصير الاتحاد السوفيتي، حيث توسعت روابط وقنوات تأثير الغرب على الاتحاد وعلى الجمهور وخاصة الشباب.

ويقول: "من وجهة نظر الدعاية فقد خسر الاتحاد السوفيتي المعركة من أجل شعبه وبالأخص من أجل الشباب وتبين أن الدعاية والتحريض التي تقوم بها الدول الغربية كانت أكثر فعالية بكثير من التحريض والدعاية السوفيتية".

ويلفت إلى أن الأيديولوجية الاشتراكية كانت قديمة جدًا وفقدت حيويتها في وقت جمعت الرأسمالية قوتها وذهبت إلى الهجوم وانتصرت. 

وبالإضافة إلى التطورات الداخلية في روسيا قائدة الاتحاد السوفيتي، فقد كان تنامي الحس القومي لدى شعوب الجمهوريات السوفيتية السابقة يلعب دورًا مهمًا باتجاه إنهاء مسيرة هذا الاتحاد.

وهو ما يشير إليه المدير التنفيذي لصندوق "تاريخ الوطن" الروسي غرغكويف روسلان غريغوريفيتش، ويقول: "بفضل التغييرات التي حدثت في النصف الثاني من الثمانينيات أصبحت العزلة القومية الإقليمية واستقلال هذه الدول المستقبلية ممكنة". 

حنين لكنف الاتحاد

وبالتوازي مع الحرب الروسية الأوكرانية وما سبقها من مساع روسية لمحاولة توسيع دائرة نفوذها العالمي، يبدو جذابًا طرح التساؤل عن النظرة في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق إلى هذا الاتحاد، رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا على رحيله. 

وفي هذا السياق، يشير نائب عميد كلية علم السياسة لجامعة موسكو الحكومية أنيكين دانييل أليكساندروفيتش إلى أنه يمكن الاعتماد على بيانات استطلاعات الرأي حيث أظهرت أن 63% من السكان يأسفون لانهيار الاتحاد السوفيتي.

ويرجع ذلك إلى عوامل كثيرة بينها الضمان الاجتماعي الذي تم توفيره لسكان الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك الثقة بالمستقبل رغم السلبيات المحتملة، بحسب غريغوريفيتش.

ويقول: "كانت هناك أشياء إيجابية تستحق الندم على خسارتها في أيامنا هذه". 

الإعلام في ظل انهيار الاتحاد

وكانت لحظة انهيار تلك القوة العظمى فارقة بالنسبة إلى العاملين في الإعلام في روسيا، فرغم ما اكتنفها من ترقب وما صاحبتها من مصاعب، فقد كانت لحظة تحرر للإعلام من سيطرة الكرملين، حيث تمكنت للمرة الأولى بعد عقود من الحديث بكل حرية ودخول مناطق كانت محظورة في السابق. 

مظاهرة في روسيا بعد انهيار الاتحاد - غيتي
مظاهرة في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي - غيتي

وحول تغطية الإعلام السوفيتي لما جرى في تلك الفترة، يقول الدبلوماسي الروسي السابق أندريه باكلانوف: "أشعر بالخجل من المثقفين السوفييت وممثلي وسائل الإعلام ولعدد من زملائي لأنهم حرفيًا غيروا مواقفهم في يوم واحد".

ويضيف: "دافعوا في وقت سابق عن نظام الاشتراكية وقد بدأوا بشكل مقنع في الدفاع عن نظام الرأسمالية". وهو ما يعتبر "مفهومًا كون الوضع تغير وهم يريدون المال لإعالة أسرهم وكان عليهم التكيف مع القيادة الجديدة التي طالبت بحماية الرأسمالية وإنكار القيم الاشتراكية، ولكن من وجهة نظر أخلاقية تصرف المثقفون السوفييت بطريقة مخزية" . 

ووقع النصيب الأكبر من آثار انهيار الاتحاد السوفيتي على جمهورية روسيا الاتحادية التي كانت قائدة القوة العظمى وقلبها النابض.

وتعتبر الصحافية الروسية أولغا بولياكوفا، التي عاصرت تفكك الاتحاد أن انهيار الاتحاد كان بمثابة صدمة للكثير من الناس في روسيا على المدى القصير، حيث وجد عمال المصانع والمهندسين والعلماء الذين عملوا في ظل الاقتصاد المخطط أنفسهم عاطلين عن العمل.

وفي 24 فبراير/ شباط 2022، بدأت روسيا "عملية عسكرية" استهدفت أوكرانيا التي كانت في السابق أحد شركائها ضمن الاتحاد السوفيتي السابق وتطور الأمر إلى حرب كبرى أكملت عامها الأول.

وكان من نتائجها أن أعادت  التساؤل مجددًا عما إذا كانت روسيا تسعى لأن تكون وريثًا شرعيًا للاتحاد السوفيتي.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close