الثلاثاء 30 أبريل / أبريل 2024

حقوق الإنسان والشريعة الإسلامية.. ما حدود الاتفاق والاختلاف؟

حقوق الإنسان والشريعة الإسلامية.. ما حدود الاتفاق والاختلاف؟

Changed

تناولت حلقة "قراءة ثانية" المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحدود الاختلاف والاتفاق مع الشريعة الإسلامية
هنالك من رأى ألا تناقض بين حقوق الإنسان في بعدها العالمي وبين الثقافة الإسلامية، مقابل من رأى أنّ ثمّة اختلافات وخصوصيات يجب أن تؤخذ في الاعتبار.

في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلى إثر ذلك، دارت نقاشات عدّة في السياق العربي والإسلامي حول إعلان الأمم المتحدة، وما وُصِف بالتصور الغربي لحقوق الإنسان ومدى ملاءمته للمجتمعات العربية وللدين وللخصوصيات الثقافية.

وفي هذا السياق، هنالك من رأى ألا تناقض بين حقوق الإنسان في بعدها العالمي وبين الثقافة العربية الإسلامية، لكن هنالك في المقابل من رأى أنّ ثمّة اختلافات وخصوصيات يجب أن تؤخذ في الاعتبار، في وقت ذهب فريق آخر إلى أنّ الإسلام سبق الإعلان العالمي في إقرار هذه الحقوق.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصًا حدود الاختلاف والاتفاق مع الشريعة الإسلامية، في ظلّ بروز اتجاهات عديدة في الثقافة العربية والإسلامية في مقاربة هذا الموضوع، الذي يبدو أنّه لا يزال "جدليًا" في بعض المجتمعات.

كيف تتالت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟

منذ القدم، تطلّع الإنسان المتحضّر إلى إدراك صورة مطلقة مجردة للقانون والحق والعدالة تكون سابقة على ما تقرره أي سلطة حاكمة معيّنة من قواعد توجّه سلوك الناس.

في كتابه "حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي"، يقول الدكتور محمد فتحي عثمان إنّ الفكر السياسي الحديث اتجه في حمايته لحقوق الأفراد وحريتهم إلى مواصلة استخدام المفاهيم المجردة العامة ليجعل منها نطاقًا مضروبًا حول السلطة الحاكمة، لا يجوز لها تجاوزه بحال، وحدودًا تقيّد سلطة الدولة في وضع النظم والقواعد القانونية.

ومن أقدم هذه التصوّرات الذهنية، وفقًا لعثمان، المفاهيم العامة المجردة، الفكرة التي ظهرت في الفلسفة اليونانية، وانتقلت إلى القانون الروماني، عن وجود قانون ثابت لا يتغيّر يعتبر المثل الأعلى الذي يجب أن تُنسَج على منواله قوانين المجتمع، لأنه قائم على مبادئ لم تؤخذ من تقاليد متواضع عليها، ولا من قواعد محدودة في كتاب، بل مصدره الطبيعة ويكشفه العقل من روح المساواة والعدالة الكامنة في النفس، وعُرِف ذلك بالقانون الطبيعي.

ويتابع الدكتور محمد فتحي عثماني أنّ فكرة القانون الطبيعي هذه انتقلت إلى بريطانيا عن طريق الآداب اليونانية والقانون الروماني، وانبثق عنها فكرة العدالة في القرن الثالث عشر، ومفادها أنّ العدالة ينبغي أن تتفوق على مبادئ القانون العادي السائد، أو القانون الحرفي المتشدّد كما يوصَف أحيانًا، وإنما يرشد إلى مبادئ العدالة الضمير والوجدان ممثّلًا بضمير الملك، إذ يختصّ الملك بامتياز توزيع العدالة بين رعاياه بمختلف الوسائل.

وساهمت فكرة القانون الطبيعي أيضًا بظهور نظرية العقد الاجتماعي، والتي قرّرت أنّ الدولة ترجع في أصل نشأتها إلى عقد من جانب الأفراد الذين كانوا يعيشون حياة فطرية بدائية لتكوين مجتمع سياسي يخضع لسلطة عليا، هي سلطة الأمّة التي أقامت الدولة. ومن هنا، فالسيادة المشروعة للأمة وليس الدولة، إلا إذا كانت الدولة وليدة الإرادة العامة للأمة واختيارها.

حقوق الإنسان

ساهمت هذه الأفكار في إنضاج تصور حقوقي ظهر مع الثورة الأميركية على بريطانيا، ونصّ إعلان استقلال الولايات المتحدة في 6 يوليو/ تموز 1776 على أنّ كلّ الرجال ولدتهم أمهاتهم سواسية. وتضمّن الإعلان حقوق الإنسان في المساواة والحرية والحياة والسعادة وتغيير الحكومات التي لا ترعى هذه الحقوق.

وعلى إثر قيام الثورة الفرنسية، صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن في الرابع من أغسطس/ آب عام 1789، تتصدّره عبارة "يولد الناس أحرارًا ومتساوين في الحقوق"، وركّز على الحقوق من دون الواجبات، ثمّ صدر الإعلان عن الحرية في مدلولها السياسي والقانوني بوجه خاص.

ثمّ صدر الإعلان الذي سبق دستور 24 يونيو/ حزيران 1793، وركّز بصفة خاصة على المساواة، وأشار إلى الواجبات، كما أشار إلى حق الجميع في التعليم والمساعدات العامة، ثمّ صدر إعلان آخر في 22 أغسطس عام 1795 سبق دستورًا آخر صدر آنذاك، وسادت مبادئ الإعلان الفرنسي الصادر سنة 1789 الدساتير الفرنسية التالية، وكثيرًا من دساتير دول أوروبا الغربية الصادرة خلال القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين الميلاديين.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1944، صدرت دساتير جديدة لبعض الدول الغربية، منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا الاتحادية، سبقتها إعلانات جديدة لحقوق الإنسان، أو مقدّمات للدساتير تتضمّن هذه الحقوق.

حقوق الإنسان

كيف ينظر الإسلاميون إلى حقوق الإنسان؟

في ديسمبر عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجاء معبّرًا عن التجربة الأوروبية مع القوانين والدساتير والصراعات والحروب، وساهمت بعض دول العالم الإسلامي والمفكّرون العرب والمسلمون في مناقشته وصياغته بأشكال مختلفة.

ويفترض الإعلان الأوروبي وأصحابه أنّ حقوق الإنسان عالمية كونية يجب أن يتمتع بها جميع البشر بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والقومية والثقافية والحضارية، الأمر الذي استدعى استجابات عربية وإسلامية مختلفة ومتنوّعة.

في كتابه "حقوق الإنسان في فكر الإسلاميين"، يميّز الباقر العفيف بين عدّة تصنيفات ومناهج لكتابات الإسلاميين حول حقوق الإنسان، منها المنهج الإخفائي، وينطلق أصحابه من الفهم التقليدي الكلاسيكي للإسلام ويُظهِرون مواضع الاتفاق بين هذا الفعل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فيما يسكتون عن مواضع الاختلاف. ومن أشهر أمثلته كتابات أبي الأعلى المودودي، وحسن الترابي، ومحمد عمارة.

أما المنهج الثاني فهو المنهج الدفاعي، وأصحاب هذا المنهج يتبنّون قاعدة الهجوم خير وسيلة للدفاع، حيث يهاجمون بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمفاهيم الغربية التي انبثق عنها بغرض إظهار أفضلية المفاهيم الإسلامية المقابلة لها، أو تبرير ما اعتاد الغرب أن ينتقده منها. وينتقد أصحاب هذا المنهج تركيز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الفرد في مقابل الدولة والمجتمع، وهو ما تسبّب وفق رؤية أصحاب هذا الاتجاه في انتشار الإباحية في الغرب، حتى أصبح العريّ الجماعي وممارسة الجنس بأشكاله الطبيعية والشاذة ليس فقط مسموحًا به، بل يستحسنه ويستمتع به الناس.

إلى المنهج الثالث وهو المنهج الخطابي، ويحترف أصحابه إطلاق التصريحات ذات الطابع الدعائي، ويرسلونها بغير حساب من دون توفير أدلة تثبت مزاعمهم. ومن أمثلة هذه التصريحات أنّ الشعوب الإسلامية قد تمتّعت بالفعل بجميع الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما صرّح به محمد أحمد حسن خان في ورقة بعنوان "التصوّر الإسلامي لحقوق الإنسان"، وأشار فيها إلى آخرين يشاركونه الرأي نفسه.

وأخيرًا ثمّة ما يُعرَف بالمنهج الشامل، ويعترف أصحابه بأنّ ثمّة تناقضًا بين حقوق الإنسان في التصور الغربي الحديث والشريعة الإسلامية وفق الفهم التقليدي لها، ويدعو أصحاب هذا المنهج إلى رؤية إسلامية تطوّرية تتجاوز المشكلة عبر مزيد من الإيغال في الدين، وليس الخروج منه أو عليه.

حقوق الإنسان

حقوق الإنسان ليست "جامدة"

يشير رئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا معتز الفجيري إلى أنّ الجدل حول مسألة الخصوصية والعالمية يعود إلى الخمسينيات والستينيات، ويتمحور تحديدًا حول ما إذا كانت حقوق الإنسان تعبر عن الثقافة الغربية وأنها امتداد للمواثيق التي ظهرت في أوروبا بعد الثورة الأميركية أو الثورة الفرنسية.

ويوضح الفجيري في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، أنّ الموضوع أعقد من ذلك لأنه حتى مع صدور مثل هذه المواثيق في السياق الغربي كان هناك جدل داخل المجتمعات الغربية وانتقادات توجَّه من بعض الاتجاهات. ويلفت إلى أنّ الأمر نفسه موجود في الثقافة العربية الإسلامية، بين من يعطي الأولوية لأولويات الجماعة على الأفراد، ومن يتحدّث عن نزعات إنسانية موجودة منذ التراث الإسلامي.

ويشير إلى أنّ قراءات مختلفة للتراث العربي والإسلامي كما أن له روافد مختلفة، نافيًا في الوقت نفسه الفرضيّة التي تقول إنّه عندما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان هناك دعم له في المجتمعات الغربية. ويشرح أنّ حقوق الإنسان أصبحت تأخذ طفرة عالمية منذ السبعينيات، ما يعني أنّ الإعلان العالمي استمرّ هامشيًا حتى مرحلة السبعينيات.

وإذ يلفت إلى أنّه داخل الثقافة الغربية هناك اتجاهات والأمر نفسه داخل الثقافة العربية والإسلامية، يشدّد على أنّ حقوق الإنسان ليست جامدة وليست خطابًا نهائيًا للإنسانية فهناك تطور مستمر.

حقوق الإنسان

"تشابك" بين الجانبين السياسي والقانوني

أما الباحث والمفكر التونسي رضا خالد فيعتبر أنّ المشكلة واضحة وهي في تعاطي الأنظمة السياسية مع مسألة حقوق الإنسان.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من بروكسل، أنّ الاعتراضات من الجانب العربي والإسلامي تنطلق من أن حقوق الإنسان تعني الاعتراف بحق الأفراد في المعارضة والتعبير وفي حرية المعتقد وفي تغيير الدين، "وهذه كلها مسائل لا تساعد الكثير من الأنظمة القائمة".

ويتحدّث عن تشابك بين الجانبين السياسي والقانوني في المسألة، مشيرًا إلى أنّ المبدأ الأول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقول إن جميع الناس يولدون متساوين في الكرامة والحقوق، "ولا أحد يقف ضد ذلك".

وينفي أن تكون الدول الغربية تطبق حقوق الإنسان بحذافيرها أو كلية. أما في ما يتعلق بالدول الإسلامية، فيقول: "ما زلنا نحافظ على أحكام وتشريعات منذ قرون وطبعت العقليات". ويعطي مثلًا على ذلك مسألة إعدام من يغيّر دينه، "فهذا شيء يتعارض بصفة مباشر مع حقوق الإنسان وتحديدًا مع حرية المعتقد".

ويضيف: "كثير من الدول الإسلامية حافظت على التشريع الموروث دون النظر إلى تعارضه مع المبدأ الديني "لا إكراه في الدين".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close