الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

دماء وراء الخط الأخضر.. إسرائيل "تغذّي" الجريمة المنظمة ضد عرب الداخل

دماء وراء الخط الأخضر.. إسرائيل "تغذّي" الجريمة المنظمة ضد عرب الداخل

Changed

وصل معدّل جرائم القتل داخل الخط الأخضر إلى أرقام كبيرة، وبات إطلاق الرصاص أمرًا شبه يومي في البلدات العربية.

باتت الجريمة المنظّمة وغير المنظّمة في البلدات العربية داخل الخط الأخضر عنوانًا يثير قلق الفلسطينيين هناك، بعد أن بلغ درجات غير مسبوقة.

فقد أصبحت عصابات الإجرام تتصرف بصفتها دولة داخل دولة؛ إذ تمتلك أكثر من 400 ألف قطعة سلاح، وتنفذ مئات جرائم القتل التي ما زالت قيد التحقيق دون أي نتيجة.

ولا تُعتبَر هذه الظاهرة عادية، فقد وصل معدّل جرائم القتل داخل الخط الأخضر إلى أرقام كبيرة، وبات إطلاق الرصاص أمرًا شبه يومي في البلدات العربية.

لكن من أين تأتي كل هذه الأسلحة؟ وهل تعجز إسرائيل أن تجمع هذه الأسلحة، وهي التي لم تهدأ قبل أن تمسك بمن يشتبه بهم على خلفية أمنية، حتى وإن كان يحمل سكّينًا؟

لذا يُسأل السؤال بحق، هل تقوم إسرائيل بتغذية الجريمة المنظمة ضد عرب الداخل؟

"لغز" تعجز الشرطة الإسرائيلية عن حلّه

في ديسمبر/كانون الأول 2021، نشرت صحيفة والا العبرية تقريرًا أمنيًا يرصد بعضًا من جرائم القتل في البلدات العربية، حيث بلغت حصيلة تلك الجرائم أكثر من 121 ضحية منذ بداية العام، منها ما هو ناتج عن جريمة منظمة، ومنها ما هو فرديّ يعبّر عن تفاقم العنف.

ويؤكد التقرير أنّ الشرطة الإسرائيلية لم تتمكّن من حلّ "لغز" معظم تلك الجرائم التي وقعت في أوساط فلسطينيي الداخل. في الوقت نفسه، وتبريرًا لتواطئها وتقاعسها عن محاربة عصابات الجريمة المنظّمة، على عكس ما تقوم به في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، تزعم الشرطة الإسرائيلية أنّ العرب هم الذين يرفضون التعاون معها في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.

وبالنظر في ملفات الجرائم وتقارير الشرطة الإسرائيلية، فإنّ المئات من القضايا المحفوظة قيد التحقيق ومئات جرائم القتل بحق فلسطينيي 48 جلّها قُيّدت ضدّ "مجهول".

جرائم بالجملة تقيَّد ضدّ "مجهول"

على سبيل المثال، كان يوم الأحد 27 يونيو/ حزيران 2021 حافلًا بجرائم القتل. فخلال 24 ساعة فقط، أكثر من أربع جرائم قتل ضحاياها عرب، وقُيّدت ضدّ مجهول، كجريمة قتل الشاب جميل الزبارقة الذي كان الضحية الرابعة خلال ذلك اليوم.

قتل بطلق ناري عند مدخل محطة الوقود في مدينة اللد، وخلال ذلك اليوم أيضًا قُتِلت أسرة كاملة، يوسف ونوال جاروشي وابنتهما ريان البالغة من العمر 16 عامًا. جاءت الجريمة بعد إطلاق نار على سيارتهم في شارع 806 قرب قرية عيلبون، وغير ذلك من الأسماء ومسارح الجريمة التي لم تغلق بعد.

تقول حنين الزعبي، القيادية في التجمع الوطني الديمقراطي إننا إزاء "جريمة دولة"، مشيرة إلى أنّ عصابات الجريمة المنظّمة مسؤولة عن 80% من جرائم القتل.

وتضيف: "حين نتحدث عن جريمة منظمة وعن مخططات، نتكلم عن شرطة هي جزء من تكوين الجريمة في الداخل الفلسطيني"، موضحة أنّ الشرطة تحضّر "بيئة مريحة جدًا لعصابات الجريمة".

"قنبلة ديمغرافية"

تختصر المدن المختلطة وراء الخط الأخضر النكبة الفلسطينية، اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا، حيث ما زالت ثمة أحياء تقطنها أقلية من العرب في فلسطين المحتلة عام 1948

واستنادًا إلى البيانات الرسمية الإسرائيلية، فإنّ المواطنين العرب يشكّلون ما نسبته 21% من مجمل عدد سكان إسرائيل البالغ أكثر من 9 ملايين نسمة، أي إن تعداد فلسطينيي الداخل قد وصل إلى مليون ونصف مليون فلسطيني.

ووراء الخط الأخضر أكبر آثار النكبة. إنهم البقية الباقية من هذا الشعب الذي شُرّد في أرجاء الأرض، أقلية عربية في مدن أصبحت يهودية بعد النكبة. إنهم الفلسطينيون الذين ندمت إسرائيل على عدم تهجيرهم.

فبالنسبة إلى إسرائيل، هم يشكّلون قنبلة ديمغرافية ولكنهم لا يتكاثرون فقط، بل يعملون ويتعلمون ويبنون ويرتفع سقف مطالبهم أكثر فأكثر. لقد أدّت مصادرة الأرض إلى تحويل القرى العربية إلى أحياء مزدحمة، هي أشبه بأحياء الفقر التي تشكّل ضواحي للمدن اليهودية.

المجتمع العربي "على الهامش"

يرى البعض في انتشار الجريمة نتيجة طبيعية لهذا الواقع، في حين أنّ السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الجريمة بوصفها حليفًا ضدّ التشكيل الوطني للعرب في الداخل، فهي تغرقهم بهموم الأمن الشخصي والمجتمعي، والخوف وتفاصيله، فبعد أن فشلت في تقسيم السكان العرب دينيًا وطائفيًا وعشائريًا، أصبحت الجريمة المنظمة حليفها في وأد نهوض عرب الداخل.

وتشرح مها كركبي، وهي باحثة في جامعة بن غوريون، أن "المجتمع الفلسطيني داخل دولة إسرائيل كان على الهامش طيلة سنين طويلة"، موضحة أنّه كان على الهامش السياسي، ولكن أيضًا على هامش الخطط الاقتصادية والتنموية.

وتتحدث عن عملية تراكمية، مشيرة إلى أنّ ما يحدث اليوم ليس وليد الساعة، ولا وليد ما حدث في السنوات الأخيرة من تغيرات اجتماعية، إنما هو نتيجة لعملية تراكمية طويلة الأمد.

العرب "مواطنون في دولة ليست دولتهم"

يقول المفكّر العربي عزمي بشارة الذي طوّر العديد من المداخل المعرفية المتعلقة بفهم فلسطينيي 48: "لم يرغب العرب أن يكونوا جزءًا من إسرائيل ولم تكن إسرائيل ترغب أن يكونوا جزءًا منها. لقد أفرغت عملية التحديث المفروضة من الاستعمار الاستيطاني المجتمع من بناه التقليدية دون أن يُملأ بمؤسسات مدنية قومية ووطنية، ولم يعد المجتمع العربي قادرًا على التعامل مع أزماته الداخلية كما كان قبل النكبة".

ويضيف: "لقد سُلِب منه الوطن ولم يحصل على دولة، فالعرب مواطنون في دولة ليست دولتهم. لقد فقدوا المدينة وفقدوا القرية، وأصبحوا يعيشون على هامش المشروع الاستيطاني الذي بني على أنقاض المشروع الوطني الفلسطيني. فقدت القرية العربية الأرض الزراعية، ولكنّها لم تفقدها لصالح صناعة عربية، بل لصالح العمل في الاقتصاد الاستيطاني اليهودي، وبموجب حاجاته، لا بموجب حاجات تطوير المجتمع العربي. أما القرية العربية فراحت تنتفخ وتزدحم لتصبح بلدة مكتظّة بالسكان، وأشبه بأحياء الفقر، كلّها على هوامش المدن اليهودية".

انطلاقًا ممّا سبق، فإنّ قضية العنف والقتل المنظّم في أوساط فلسطينيي 48 في جوهرها قضية مختلفة عن كل الجرائم التي تحدث في أي مدينة حول العالم، فهنا ما يزال المحتل جاثمًا بكلّ ثقله، ينكر هوية البلاد وسكّانها الأصليّين، ويميّز بين المواطنين إلى درجة استخدام لغة التطهير العرقي التي لم ينتهِ منها بعد.

أرقام مقلقة ومؤشرات خطيرة

أكثر من ذلك، فإنّ 64% من جرائم القتل في إسرائيل تقع داخل المجتمع العربي وفقًا لتقرير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية. وبحسب التقرير، فإنّ نسبة ضحايا جرائم القتل العرب أعلى بخمسة أضعاف من نسبة القتلى في المجتمع اليهودي، حيث أظهر تقرير مراقب الدولة لعام 2018 أنّ جرائم إطلاق النار في المجتمع العربي هي أعلى بنسبة 17.5% من المجتمع اليهودي.

وأشار التقرير إلى أنّ عدد قتلى جرائم إطلاق النار في المجتمع العربي قد وصل إلى أكثر 1236 قتيلًا منذ عام 2000. واللافت أنّ السنوات الخمس الأخيرة كانت الأعلى نسبة في عدد القتلى، فخلال 2020 فقط تجاوز عدد القتلى 100 قتيل فلسطيني في مناطق 48.

وفي أروقة الكنيست قدّم بعض النواب العرب تقريرًا حول ملف الجريمة المنظمة الموجّهة ضدّ عرب الداخل، خلصوا فيه إلى أنّ 70% من الجرائم التي يكون فيها الضحية عربيًا ويكون المشتبه به عربيًا، تغلق دون محاكمة، كما أنّ 49% من قضايا القتل في المجتمع العربي قد أغلقت بسبب عدم العثور على مشتبه بهم، بينما أغلقت 39% من تلك القضايا بسبب عدم معرفة الجاني.

كيف بدأت الجريمة المنظّمة في إسرائيل؟

بالعودة إلى الجذور التاريخية للظاهرة، فقد كانت بداية الجريمة المنظمة في المجتمع اليهودي، فمنذ عقود، اتسعت دوائر الجريمة المنظمة، بحيث خرجت عن سيطرة الدولة، من القتل إلى الاتجار بالبشر إلى انتعاش تجارة المخدرات والسلاح، حتى باتت كابوسًا يطارد حياة اليهود في إسرائيل.

حينها، وجدت عصابات من كل العالم في إسرائيل أرضًا خصبة لممارسة الجريمة دون رادع، وقد شكّلت هذه الظاهرة عقدة حقيقية في وجه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حتى جاء عام 2005، في عهد رئيس الحكومة الأسبق أرييل شارون، حيث قرّرت إسرائيل أن تضع حدًا لظاهرة العنف الذي يهدّد المجتمعات اليهودية.

هكذا، جاءت القضية التي عُرفت بالقضية 512، الخطة التي كان يفترض أن تقتلع الجريمة المنظمة من المدن الإسرائيلية الكبرى، وفعلًا في غضون سنوات قليلة، شُنّت حملات أمنية متتالية لاعتقال قادة العصابات المنظمة، الأمر الذي كان كفيلًا بالقضاء عليها.

يقول المفتش العام للشرطة الإسرائيلية: إنّ قضية 512 مثّلت نموذجًا لمكافحة الشرطة الإسرائيلية في عالم الجريمة الخطيرة، وأن ما فعلناه سيؤثّر مستقبلًا على عمل الجريمة المنظمة في إسرائيل.

وبال على فلسطينيي 48

فعلًا تمكّنت الحكومة الإسرائيلية من حل أزمة العصابات المنظمة في المناطق اليهودية، بل وجّهت ضربة في صميم الإجرام المنظمة.

لكن النتيجة كانت وبالًا على فلسطينيي 48، ففي تقرير لوحدة الأبحاث في بنك إسرائيل الذي رصد عالم الجريمة المنظمة في إسرائيل بين عامي 1990 و2010، يؤكد التقرير بالفعل تراجع مستوى الجريمة بعد عام 2005، ممّا يوضح قدرة الحكومة الإسرائيلية على فرض سيطرتها عندما أرادت.

لكن، وفي مقابل تراجع الجريمة في المناطق اليهودية، كانت تتصاعد في البلدات العربية شيئًا فشيئا، حتى شهدت صعودًا مضطردًا بعد أن انتقلت دوائر عمل العصابات إلى قلب الأحياء العربية.

في هذا السياق، يتحدث نهاد علي وهو متخصص في شؤون العنف والجريمة، عن ظاهرة غريبة جدًا حصلت في تلك الفترة، تتمثل في "تصدير عائلات الجريمة من المجتمع اليهودي إلى المجتمع العربي".

7 منظمات إجرامية كبيرة

هكذا، برزت حالة من الهجرة المضطردة لمنظمات الإجرام من مناطق اليهود إلى مناطق العرب، وتُرِك الفلسطينيون لمصيرهم، فهم لا يملكون دولة ولا شرطة، والدولة تتصرف بوصفها "دولة اليهود"، وليست دولتهم.

وكانت المناطق العربية بيئة خصبة لعصابات الإجرام المنظمة، هذا عدا عن تصاعد العنف الجنائي الفردي بسبب الفقر والبطالة واليأس وتراكم العنف المكبوت داخل النفوس المحتقنة.

لكن ما كان أسفل جبل الجليد كان أكبر بكثير ممّا ظهر منه، ففي تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، تحدّثت عن وجود 7 منظمات إجرامية كبيرة داخل المجتمع العربي مرتبطة بالمنظمات اليهودية بشكل مباشر، ذكر التقرير أنّها منظمات عائلية كبيرة، مدّعيًا أنّها خارجة عن سيطرة الشرطة وتقدّم خدماتها لحساب المنظمات اليهودية.

وأشار التقرير إلى أنّ جلّ تلك المنظمات تملك القدرة على الوصول إلى سلاح الجيش الإسرائيلي شريطة ألا تقترب المنظمات من المجتمع اليهودي وألا تمسّ بالأمن القومي للدولة.

دولة مبنية على "الفوقية اليهودية"

باختصار، هي دولة مبنية على الفوقية اليهودية، منطقها الداخلي تمثيل اليهود وخدمتهم. تقول وثيقة الاستقلال الإسرائيلية: إنّ إسرائيل دولة الشعب اليهودي.

أما العرب المتبقون داخل دولة إسرائيل فهم الأعراض الجانبية لمخلفات حرب عام 1948، وقد خضع هؤلاء بعد النكبة مباشرة إلى الحكم العسكري.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close