بعد ساعات قليلة من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير/ شباط الحالي، هرع قائد الشرطة في مدينة حارم في محافظة إدلب السورية إلى منزل ابن عمّه محمود على أمل العثور عليه وأفراد عائلته الثمانية على قيد الحياة.
لكنّ رحّال لم يسمع أي علامات للحياة طوال الصباح. وفجأة وفي الساعة 12:30 بالتوقيت المحلي، سمع صوتًا خافتًا من تحت الأنقاض: "أخرجوني من هنا".
هناك على بعد أمتار قليلة من قمة كومة الحطام، ترقد جنان ابنة محمود، البالغة من العمر خمس سنوات، مع شقيقها عبد الله البالغ من العمر تسعة أشهر. محاصرة بين الخرسانة، كانت جنان تحمي أخيها، وإلى جانبهما جثة والدتهما سعاد التي لم تظهر سوى ذراعها، والتي بدت وكأنها حاولت احتضان أطفالها لحمايتهم.
حاول رحال إخراجهما من تحت الأنقاض، لكنه أدرك أنه لا يستطيع فعل ذلك بمفرده. فصوّر مقطع فيديو للطفلين المحاصرين، وأرسله إلى زملائه في الشرطة طالبًا منهم المساعدة.
"رمز المأساة في إدلب"
سرعان ما انتشر الفيديو من هاتف إلى آخر إلى خارج الحدود السورية، حيث حصد حوالي 5 ملايين مشاهدة خلال ساعة واحدة على موقع تويتر وحده. وأصبح هذا الفيديو "رمزًا للمأساة في إدلب".
"بس طلعني من هون، بعملك اللي بدك إياه"💔 اللهم كُن عونهم، وألهمهم الصبر والسلوان، وتغشاهم برحمتك يا أرحم الراحمين. pic.twitter.com/5BZJ8oLaiu
— 🅝🅞🅤🅡 𓂆 (@Os2b_34) February 7, 2023
وقال رحال لصحيفة "الغارديان" البريطانية: "وصل رجالي على الفور، وساعدوني في إخراج عبد الله الصغير، الذي لحسن الحظ لم يتعرض لأذى سوى ببضعة خدوش صغيرة. لكن المشكلة كانت بإخراج جنان من تحت لوح خرساني كبير حيث انغرز قضيب حديدي في ساقها".
وأضاف رحال: "لرفع الكتلة الخرسانية، استخدمنا رافعة تُستخدم لرفع السيارات عند تغيير الإطارات. لكن المشكلة كانت في القضيب الحديدي المغروز في رجلها. وكان لا بد من قطعه".
حاول رجال الإنقاذ قطع القضيب بشفرة فولاذية سميكة، بينما كانت جنان تبكي من الألم.
"الوقت ليس ترفًا"
وما عقّد الأمور أكثر، أن هزة ارتدادية قوة ضربت المدينة مرة أخرى، وبدأت المباني المتبقية بالانهيار.
وبينما توسّلت جنان الرجال لإخراجها، أدرك هؤلاء أن الوقت ليس ترفًا.
يجلس على الركام، منتظرا صوتا يأتيه من أخيه وعائلته تحت الأنقاض.. هذا هو حال "العم أبو محمد" في #إدلب 👇 📸 الدفاع المدني السوري #زلزال_سوريا pic.twitter.com/w2gmkHAyi9
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 14, 2023
وقال رحال: "لم يكن لدينا خيار. لقد جازفنا بالموت وفقدان الطفل أيضًا. لذلك قررنا أن نفعل ما لم نرغب فيه أبدًا، وهو إخراج جنان بينما كانت ساقها لا تزال معلقة جزئيًا على القضيب".
في حوالي الساعة الثانية من صباح يوم الثلاثاء، أي بعد حوالي 22 ساعة تحت الأنقاض، تم اخراج جنان وهي تصرخ.
الجرح "خطير"
وبعد أسبوع من عملية الإنقاذ، تقبع جنان وشقيقها الصغير في مستشفى تم تحويله من مدرسة سابقة، حيث كان أطفال حارم الجرحى يتلقون العلاج. هناك كان عبد الله نائمًا ملفوفًا في بطانية صوف، بينما كانت جنان مستلقية على سرير ما زالت تتألم.
وقال طبيبها وجيه القرّاط للصحيفة: "الجرح في ساقها خطير للغاية. إذا لم يتحسّن، فقد نضطر إلى بتر ساقها".
بعد انتشار فيديو جنان، ذكرت بعض وسائل الإعلام أن والدها لا يزال على قيد الحياة. لكن الحقيقة للأسف مغايرة. فجنان وعبدالله هما الناجيان الوحيدان من عائلتهما. وقد تكفّل عمّهما وزوجته برعايتهما.
جنان وشقيقها هما من بين عدد لا يحصى من الأطفال اليتامى جراء الزلزال في إدلب.
قال الطبيب القرّاط بصوت منخفض: "إنها مأساة. تعرف جنان أنها تُركت وحدها مع شقيقها. لكنّ هؤلاء الأطفال هنا، بجانب سرير جنان، أيتام أيضًا"، مضيفًا أن غالبيتهم يتساءلون عن مكان آبائهم ومتى سيأتون لمقابلتهم.