الأحد 21 أبريل / أبريل 2024

آية الله حسين منتظري.. رفيق الخميني الذي كشف "عمق" أزمة "ولاية الفقيه"

آية الله حسين منتظري.. رفيق الخميني الذي كشف "عمق" أزمة "ولاية الفقيه"

Changed

كان منتظري رفيقًا للخميني قبل أن تفسد السياسة العلاقة بينهما، حتى بلغ الأمر بالخميني أن أمر بعزله من منصبه عام 1989، ووضع الرجل المعمَّم تحت الإقامة الجبرية.

أربعة عقود مضت على الثورة الإيرانية، ولا تزال محطّ اهتمام الدارسين حتى الآن، لا سيَّما مع صدور الكثير من الشهادات التي روت الأحداث خلف الكواليس.

وإذا كانت هذه الكواليس ظلّت سرية تحت حكم روح الله الخميني، وسلفه علي خامنئي، لا يعلم عنها سوى من شهدوها، فإنّ أبرز الشهادات جاءت من قلب الحلقة الضيقة للخميني، آية الله علي منتظري.

ولأّنّ منتظري، الذي يُعَدّ مرجعًا دينيًا بارزًا في إيران، كان يُعتَبَر الرجل الثاني بعد الخميني، فقد ألقت مذكّراته حجرًا في المياه الراكدة، بعد أن أزاحت بعض الغموض عن كواليس الثورة الإسلامية الإيرانية.

وكان منتظري رفيقًا للخميني قبل الثورة، كما كان من أبرز منظّري الحوزة العلمية في قم. وفور انتصار الثورة استعان به الخميني للمساهمة في بناء الجمهورية الإسلامية الجديدة، حتى إنه اختاره ليكون نائبه الأول ووريث حكمه.

لكن تلك الحظوة كانت قبل أن تفسد السياسة العلاقة بين الرجلين، حتى بلغ الأمر بالخميني أن أمر بعزل منتظري من منصبه عام 1989، ووضع الرجل المعمَّم تحت الإقامة الجبرية.

وقد عكف منتظري لاحقًا على كتابة مذكّراته، الأمر الذي أزعج السلطات في إيران، فمنعت تداولها بحجّة أنّها تضرّ بالدولة وتسيء إلى حكم المراجع الدينية.

من "سوّد" صفحة منتظري لدى الخميني؟

في العام 2020 أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة "ترجمان" ترجمة عربية لكتاب "نقد الذات: آية الله حسين علي منتظري في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية"، بقلم نجله سعيد منتظري، الذي جمع في الكتاب جزءًا كبيرًا من مذكرات أبيه وأوراقه، لتكشف الشهادة عن عمق الأزمات التي تسبّب بها نظام ولاية الفقيه الذي وضعه الخميني بعد الثورة، وتضيء على أولئك الذين استغلوا عباءة الإمام في تحقيق أهدافهم.

وتوضح مترجِمة الكتاب والباحثة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي أنّ هذا الكتاب يشكّل "إضافة في مجال الدراسات حول إيران، وفي مجال الدراسات التي تحاول أن تفهم حالات التغيير التي تحدث في المجتمعات، وكيف تدار الأمور بعد الثورات".

وتظهر عدة شخصيات مهمة، عند قراءة الكتاب، منهم محمد ري شهري، وهو الوزير الأول لوزارة الاستخبارات بعد انتصار الثورة الإسلامية، وروح الله حسينيان، وغيرهما ممّن ساهموا في تسويد صفحة منتظري لدى الخميني.

منتظري وفضيحة "إيران كونترا"

وتُعتبَر مذكرات منتظري بمثابة شهادة من قلب النظام، تُزيل النقاب عن العلاقة المعقدة التي كانت تجمع بين الخميني ودائرته الخاصة.

ويتطرق في مذكراته إلى كواليس الحرب العراقية الإيرانية، وفضيحة السلاح الأميركي الذي وصل إيران إبان الحرب.

كما يتطرق منتظري إلى عمليات الإعدام الجماعية التي لم تهدأ وتيرتها منذ انتصار الثورة، والتي دفعته إلى انتقاد النظام الحاكم في إيران، ولو أنّ الكلفة كانت باهظة.

ويتوقف الكتاب مليًا عند فضيحة "إيران كونترا"، حيث حصلت إيران على صفقة سلاح أميركي عن طريق إسرائيل، بعد زيارة ماكفارلين مستشار الرئيس ريغان للأمن القومي إلى إيران.

هنا، تشير رواية منتظري إلى عدم علمه بالصفقة، وقد كان يشغل منصب نائب المرشد الأعلى، ما أشعل نيران غضبه تجاه مهندس الصفقة الأول هاشمي رفسنجاني الذي تمادَى في حرصه على استمرار الحرب بأي ثمن.

الخميني "لم يكن معصومًا"

يقول منتظري: "لاحظت في بعض التحليلات - ومنها تحليلات لمحللين في الخارج - القول: إن سبب إفشاء زيارة ماكفارلين هو الصراع على السلطة بعد الخميني مع أشخاص مرتبطين بي، أقول وليس لدي أي اطّلاع على هدف الآخرين ونيّاتهم، ولو كنتُ أريد الحفاظ على السلطة، لكان بمقدوري وبأقل التكاليف والوسائل - وهو ما يجيزه الساسة - أن أحافظ على مكانتي الظاهرية وأجعلها مستحكمة؛ وفيما يتعلق بذلك، فأنا مطّلع على الأساليب كلها التي يؤخذ بها في العرف السياسي للتعامل مع مراكز السلطة والقوة ومنابعهما، بما يشمل السلطة الداخلية والسلطة الخارجية".

ويتابع: "فيما يتعلق بأمر المرجعية الدينية (واتهامي بأنني كنت أخطط لها) أيضًا، أعرف جيدًا الأفعال والأساليب التي يمكن أن تقويها وتوسّع انتشارها، والأسلوب والحديث اللذَين يحدّان منها أيضًا. لكنني وطوال حياتي العلمية والسياسية لم أكن مشغولًا بكسب السلطة والمكانة الاجتماعية والمكانة السياسية".

ويصف منتظري الخميني بقوله بأنه "حكيمٌ، وعارفٌ، وزاهدٌ، وفقيهٌ وسياسيٌ، وصاحب تقوى والتزام؛ وأنا متأكد من أنه لم يكن مستعدًا لإلحاق الأذى ظلمًا بإنسانٍ، ولو بمقدار رأس إبرة، أو أن يهضم حق شخصٍ ما. لكن الواقع أنه لم يكن معصومًا؛ إذ وقع، من دون أن يعي، تحت تأثير بعض التقارير المغلوطة، واعتمد أكثر مما يلزم على بعض الأفراد، واتّخذ قرارات غير صحيحة ألحقت خسائر. وهو وإن كان قد قاد الحركة والثورة الإسلامية بشكل جيد، فقد كان يُنتظر منه أداءٌ أفضل في التدبير وإدارة الحكم بعد الثورة".

حصار وإقامة جبرية

في النتيجة، حوصر منتظري في قم وأزيلت صوره من المؤسسات الحكومية وتعرّض لحملة تشويه واسعة على أوراق الصحف ومنابر المساجد، وهو تنكيل لم يُرحَم منه حتى بعد وفاة الخميني.

ومع تولي محمد خاتمي رئاسة الجمهورية الإيرانية عام 1997 علا صوت منتظري المنتقد لولاية الفقيه مجددًا؛ ما أدى به للإقامة الجبرية نحو خمسة أعوام.

وبعد رفع الإقامة الجبرية عنه، بقي منتظري فيما تبقى من أيام في حياته مخلصًا لموقعه، مرجعًا أول لصوت المعارضة، وأصبحت دروسه قبلة لكل الغاضبين على الحكومة، وطالب بإجراء تعديلات على نظرية ولاية الفقيه، التي كان من أبرز منظّريها.

وظلّ الرجل في موقع المعارضة، حتى توفي بعد أيام من إعلان تجديد رئاسة أحمدي نجاد.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close