الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

علاقة الجيش بالسياسة في العالم العربي.. كيف أثرت على تطور الدولة والمجتمع؟

علاقة الجيش بالسياسة في العالم العربي.. كيف أثرت على تطور الدولة والمجتمع؟

Changed

تناولت حلقة "قراءة ثانية" دور الجيوش في الحياة السياسية وجذور العلاقة بين العسكر والسياسة في العالم العربي
وجدت المؤسسات العسكرية في دول العالم الثالث لها مهمة أخرى غير الموكلة بها تتمثل بالتدخل في شؤون الحكم والانقلاب على القادة المدنيين وتولي الحكم بدلًا منهم.

تقوم المؤسسة العسكرية في الدولة الحديثة على مهمات أساسية هي حماية الحدود والحفاظ على سيادة الأمة والمساهمة في إنتاج الهوية الوطنية عبر العلم والزي العسكري والتجنيد والنشيد الوطني وإكساب الدولة مكانًا في النظام الدولي حين تكون قوية وذات تسليح عالٍ وقادرة على حماية المصالح الإستراتيجية للدولة.

لكن المؤسسة العسكرية في دول العالم الثالث وجدت لها مهمة أخرى وهي التدخل في شؤون الحكم والانقلاب على القادة المدنيين وتولي الحكم بدلًا منهم.

ويقول نونيهال سينج في كتابه "الاستيلاء على السلطة - المنطق الإستراتيجي للانقلابات العسكرية" إن نحو 471 محاولة انقلابية وقعت في العالم بين عامي 1945 و2000، ونجح منها 238 محاولة.

ومنذ ذلك الحين بدأ السياسيون والأكاديميون يطرحون سؤالًا أساسيًا وهو :"كيف يمكن للقادة المدنيين في النظام الديمقراطي ضبط القوات المسلحة وتدخلها في العملية السياسية؟".

وجاءت المحاولة الأولى للإجابة من عالم السياسة الأميركي صامويل هنتنغتون عام 1957 في كتابه "الجندي والدولة"، لكن مقاربته لاقت نقدًا لاذعًا وتبعه في العام 1960 موريس جانويتز في كتابه "الجندي المحترف"، وسامويل فاينر في كتابه "الرجل على صهوة الجواد" ثم زولتان باراني في كتابه "الجندي والدولة المتغيرة"، الذي طرح السؤال بطريقة عكسية: "لماذا يطيع حملة البنادق أناسًا لا يحملون البنادق؟".

"أربعة مفاتيح لفهم الأحجية"

وقدم باراني 4 مفاتيح لفهم الأحجية كما وصفها، الأول هو أن العسكريين يطيعون القادة المدنيين لسبب بسيط، وهو أنهم يعتبرونهم حكام الدولة الشرعيين، ويعتقدون أن عدم التدخل في السياسة وشؤون الحكم هو التصرف السليم، وذلك في الديمقراطيات الليبرالية مثل فرنسا وإسبانيا واليابان وغيرها.

أما المفتاح الثاني فيشير إلى أن القادة المدنيين المستندين إلى الإيديولوجية كالشيوعية والنازية يمتلكون آليات تمنع الجيش من الانقلاب والسيطرة على الحكم كخلق أجهزة منافسة ومتصارعة فيما بينها والقيام بعمليات الضبط الأيديولوجي والمراقبة الأمنية.

ويلفت المفتاح الثالث إلى أن الجنرالات يقررون الانسحاب من الحياة السياسية لأنهم فشلوا ولم يحظوا بالشعبية في ظل تميز فترات حكمهم بالتراجع الاقتصادي أو تحمل وزر حرب أهلية أو هزيمة في حرب مع عدو خارجي وهو ما حصل في اليونان والأرجنتين.

أما المفتاح الرابع فيتحدث عن أن النخب العسكرية تتنازل عن الحكم للمدنيين وتسمح بالنظام الديمقراطي في حال شعرت أنها حكمت البلاد وأنجزت مهمتها وفق معاييرها أو أدركت أن وجودها في الحياة السياسية سيعرض منزلتها الاجتماعية للخطر، وهو ما حصل في تشيلي بعد الحقبة البريتورية وكوريا الجنوبية.

"الجيوش لم تساهم ببناء الدول بمفردها"

وحول العلاقة بين العسكر والسياسة في العالم العربي، يشير الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية والنقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا سيد قوجيلي إلى أن التاريخ الحديث لهذه العلاقات ظاهرة خاصة بالقرن العشرين.

ويعتبر في حديث إلى "العربي" من الدوحة، أن عصر الانقلابات ربما فتح عصر ظاهرة تدخل الجيش في السياسة.

وردًا على سؤال، يلفت قوجيلي إلى أن القول إن الجيوش ساهمت ببناء بعض الدول العربية صحيح، إلا أنها لم تكون بمفردها في هذه العملية بحيث أن دور المدنيين في هذا الإطار كان واضحًا أيضًا.

ويقول إن الجيش الجزائري ساهم فعلًا بعد الاستقلال ببناء الدولة وتطوير المجتمع، إلا أن فرنسا وبعد خروجها من البلاد تركت بنى أساسية في ما يخص العمران والبيروقراطية، "وكان التحدي الأكبر للجيش حينها هو مواجهة نسبة الأمية المرتفعة في المجتمع".

ويشدد على أن هذه الحقبة شهدت بناء متبادلًا بين الجيش والدولة، بحيث أن المؤسسة العسكرية في الجزائر ساهمت في بناء الدولة وهو ما ينطبق على العديد من الدول العربية أيضًا، إلا أن الدولة وعندما تطورت ساهمت في بناء وتوسيع وتطوير الجيش من خلال العائدات ومساهمة القوى المدنية.

ويدعو قوجيلي إلى "عدم المبالغة في قراءة التاريخ" والقول إن الجيوش العربية بنت لوحدها الدول العربية، مشددًا على ضرورة القيام بإعادة قراءة نقدية للتاريخ.

متى بدأ تدخل الجيش في السياسة بالعالم العربي؟

بدوره يرى الباحث في القانون الدستوري والعلاقات المدنية والعسكرية رشاد توام أنه يصعب تحديد تاريخ البداية الحقيقية لتدخل الجيش بالسياسة في العالم العربي، ويقول: "إذا كان المعيار في ذلك الحدث الأقدم فبإمكاننا أن نقول إنه بدأ في الدولة العربية الإسلامية وبالتحديد في الدولة الأموية ومن ثم استفحل بشكل أكبر خلال الدولة العباسية".

لكن توام يرجح في حديث إلى "العربي" من رام الله، أن يكون الحدث الأقرب حول تحديد تاريخ بداية هذا التدخل قد حصل خلال "ثورة الضباط الأحرار" في العام 1952 في مصر.

ويشير إلى أن الخبرة التاريخية العربية في تعاطي الجيش مع السياسة لا تقتصر فقط على العرب، معتبرًا أن ما اختبره العرب في هذا الإطار هو حلقة في سلسلة متصلة من التجارب التاريخية، معتبرًا أن هذا الأمر ليس خصوصية عربية.

ويرى توام أن غالبية الجيوش العربية وجيوش دول العالم الثالث كانت هي المبادرة في مرحلة ما بعد الاستقلال باستثناء تونس التي ولد فيها الجيش ما بعد الثورة، موضحًا أن الجيش في بقية التجارب العربية كان موجودًا في حركة التحرر الوطني السابقة لاستقلال الدولة.

كما يتحدث عن قواسم مشتركة بين التجربتين المصرية والجزائرية "حيث يمكن القول إن الجيش المصري هو من حقق الاستقلال التام من الاستعمار البريطاني"، ويلفت الانتباه إلى "الرصيد" الذي تحدث عنه الجيش المصري خلال الانتقال الذي تلا ثورة 2011، موضحًا أن هذا الجيش في كل مرة كان يحصل فيها تصادم عنيف مع الشعب، كان يقول إن "رصيده" لدى الشعب يسمح له أن يعتذر.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close