الثلاثاء 30 أبريل / أبريل 2024

قاعدة حميميم في سوريا.. "العربي" يكشف خفايا الأدوار السرية لروسيا في المنطقة

قاعدة حميميم في سوريا.. كلمة السر الروسية ونقطة ارتكاز لأدوارها السياسية والعسكرية في المنطقة (العربي)
قاعدة حميميم في سوريا.. كلمة السر الروسية ونقطة ارتكاز لأدوارها السياسية والعسكرية في المنطقة (العربي)
قاعدة حميميم في سوريا.. "العربي" يكشف خفايا الأدوار السرية لروسيا في المنطقة
قاعدة حميميم في سوريا.. "العربي" يكشف خفايا الأدوار السرية لروسيا في المنطقة
الجمعة 24 ديسمبر 2021

شارك

أعلنت روسيا مطلع عام 2016 بدء سحب قواتها جزئيًا من سوريا بعد 6 أشهر من انطلاق عملياتها العسكرية، فالمهمة القتالية التي جاءت لأجلها "انتهت".

لكن مصادر الاستخبارات المفتوحة مثل صور الأقمار الاصطناعية ومؤشرات حركة طائرات الشحن العسكري التي رصدها فريق "العربي" الاستقصائي كانت تشي بأمر آخر: روسيا جاءت لتبقى وتتوسع.

قاعدة للمستقبل

تقع قاعدة حميميم شمالي سوريا بقرية تحمل الاسم نفسه على منتصف الطريق بين جبلة وبلدة القرداحة.

وعندما بدأت الطائرات الحربية الروسية عملياتها الجوية في 30 سبتمبر/ أيلول 2015 كانت الصور في القاعدة تظهرها شبه خاوية بعدد قليل من الطائرات ومنشآت عشوائية، لكن خلال 3 أشهر كانت التغييرات تتوالى حتى أصبحت القاعدة مليئة بالأبنية والمعدات العسكرية الثقيلة.

موقع قاعدة حميميم الروسية في سوريا بحسب صور الأقمار الصناعية (العربي)
موقع قاعدة حميميم الروسية في سوريا بحسب صور الأقمار الصناعية (العربي)

أواخر عام 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتهاء العمليات القتالية واسعة النطاق في سوريا. لكن عام 2021 نشر موقع "ذا درايف" المتخصص في الشؤون العسكرية تقريرًا يؤكد بصور الأقمار الاصطناعية أنّ روسيا توسعت بالمدرج الغربي لقاعدة حميميم بزيادة قدرها 305 أمتار تقريبًا.

وبحسب تحليل "ذا درايف"، تعطي هذه التوسعة قدرة الهبوط لقاذفات (TU-22M3) القادرة على حمل رؤوس نووية، ولتكون حلقة في سلسلة تغييرات كبرى أدخلتها روسيا على سواحل مياه البحر المتوسط الدافئة.

ومن خلال استخبارات المصادر المفتوحة، قام فريق "العربي" عبر برنامج "شيفرة" بإعادة تحليل صور الأقمار الاصطناعية عبر موقع "Sentinel Hub"، وتبين أن روسيا قامت بتوسعة إضافية ما بين فبراير/ شباط وسبتمبر عام 2021 تبلغ قرابة 76 مترًا.

وبحسب تحليل موقع "ذا درايف" تسمح التوسعة الجديدة لطائرات ميغ-31 من الهبوط والإقلاع من قاعدة حميميم، وهي الطائرات الوحيدة القادرة على الإقلاع بصواريخ "كينزهام" التي تحلق أسرع من الصوت بعشر مرات بمدى يزيد عن ألفي كيلومتر.

قامت روسيا بتوسعة إضافية مطلع عام 2021 سمحت لطائرات ميغ-31 من الهبوط والإقلاع من القاعدة (العربي)
قامت روسيا بتوسعة إضافية مطلع عام 2021 سمحت لطائرات ميغ-31 من الهبوط والإقلاع من القاعدة (العربي)

وحتى أغسطس/ آب عام 2021، أنجز الروس عشرات الإضافات المتتابعة كزيادة المنشآت اللوجستية وتوسعة مواقف الطائرات. ففي شمال غربي القاعدة زادت مساحة مصفّ الطائرات من 14 ألف متر مربع إلى 44 ألف متر مربع لتتسع لمزيد من طائرات روسيا المقاتلة.

وربضت على مصفاة القاعدة 12 طائرة من طراز "SU-25" و12 طائرة أخرى من نوع "SU-24" وأربع طائرات من نوع "SU-34"، كما أضافت موسكو منظومة للدفاع الجوي من طراز "S-400" في الجزء الشمالي الغربي من القاعدة.

أنجز الروس عشرات الإضافات المتتابعة كزيادة المنشآت اللوجستية وتوسعة مواقف الطائرات في قاعدة حميميم (العربي)
أنجز الروس عشرات الإضافات المتتابعة كزيادة المنشآت اللوجستية وتوسعة مواقف الطائرات في قاعدة حميميم (العربي)

ويقول الخبير في الأكاديمية الروسية للعلوم (RAS) فلاديمير سوتنيكوف في حديثه إلى "العربي": إنه "ليس على علم بحقيقة أن الوجود العسكري الروسي والمعدات العسكرية في تزايد" بقاعدة حميميم الجوية.

لكنه يضيف أنّهما "يتزايدان في الواقع لأن مجرد عامل التوقيت لا نقرره نحن بل روسيا من تقرر"، إلا أنه يوضح أنّ "كل شيء يتم وفقًا لموافقة وطلب النظام السوري".

مهام أبعد من سوريا

نشر منظومة دفاعية على قدر كبير من التطور في مواجهة خصم لا يمتلك أي قدرات جوية، كان يعني أن الوجود الروسي في سوريا ذو صلة بالمنافسة الدولية. فغالبًا ما تستخدم منظومات الدفاع الجوي في فرض مناطق حظر الطيران وخلق فقاعات جوية أمام الطائرات المعادية.

لكن السؤال الأهم: لماذا تقوم روسيا بكل ذلك بالرغم من إعلانها انتهاء العمليات القتالية في سوريا؟

في مايو/ أيار عام 2020 قالت القيادة الأميركية في إفريقيا: إنّ طائرات ميغ-29 الروسية قد حلقت من قاعدة حميميم بخط مباشر إلى ليبيا. وأضافت أنّ الطائرات أعيد طلاؤها في سوريا "لإخفاء العلم الروسي"، وأنها ربضت في قاعدة الجفرة بهدف دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر وأنشطة المرتزقة الروس المقدر عددهم بألف عنصر.

وتقول أنا آن أربور شيف، المتخصصة في نهج روسيا في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: إنه "من الواضح أن روسيا توسع وجودها، حيث أعلنت الحكومة الروسية عام 2020 أنها توسع قاعدة حميميم الجوية بعد إجراء محادثات مع النظام السوري".

وتضيف في حديث إلى "العربي": أن "سبب التوسع الروسي في القاعدة لم يكن عسكريًا فحسب".

وتذكر أن هذه التوسعة "تنبئ عن أهداف روسيا الأوسع، وهي ترسيخ روسيا في الشرق الأوسط"، معتبرة أنّ قاعدة حميميم هي "الأداة للجهود الروسية من أجل توسيع جهودها في المنطقة".

رحلات "شحن عسكرية" إلى إفريقيا

كان طرف الخيط في طائرة الشحن العسكرية الروسية التي هبطت بالرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير بسوريا في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018.

ومن خلال تتبع فيديوهات الزيارة المنشورة على موقع "يوتيوب"، تمكن فريق "العربي" من كشف رقم الطائرة "RA-85155"، حيث قاد الرقم إلى تتبع رحلاتها عبر موقع "فلايت رادار" ورصد عشرات الرحلات غير المنتظمة نحو إفريقيا.

وسافرت تلك الطائرة من اللاذقية إلى الخرطوم 9 مرات عام 2018، ومن السودان إلى ليبيا مرة واحدة، بينما عام 2020 أقلعت الطائرة من اللاذقية إلى ليبيا 6 مرات، ومن اللاذقية إلى القاهرة ثم إلى ليبيا وعادت بالخط نفسه ما بين 12 و14 من يناير/ كانون الثاني عام 2020. وكانت تلك رحلات لطائرة شحن عسكرية روسية في ذروة فترة دعم خليفة حفتر.

تتبع الطائرة الروسية ذات الرقم "RA-85155" في رحلاتها غير المنتظمة نحو إفريقيا (العربي)
تتبع الطائرة الروسية ذات الرقم "RA-85155" في رحلاتها غير المنتظمة نحو إفريقيا (العربي)

والمفارقة الأخرى، لاحظها فريق برنامج "شيفرة" عند تتبع الطائرة العسكرية الروسية التي حملت رقم "RA-85041" والتي أقلعت من قاعدة حميميم وهبطت في بانغي عاصمة إفريقيا الوسطى في أغسطس عام 2018 بعد أن كانت توقفت في العاصمة السودانية الخرطوم.

وباستخدام أدوات استخبارات المصادر المفتوحة، كانت الصورة تتكشف أكثر في قاعدة حميميم التي أصبحت أكثر القواعد الخارجية الروسية اهتمامًا وتطورًا، حيث تحوي قاذفات (TU-22M3) القادرة على حمل رؤوس نووية وطائرات "SU-57" الشبحية وطائرة التحكم والإنذار المبكر من طراز "A-50" المكملة لمنظومة "S-400"، الأمر الذي يوفر لروسيا قدرة كبيرة على فرض حظر جوي على مساحة تتجاوز جزيرة قبرص.

أعطت توسعة منشأت قاعدة حميميم قدرة الهبوط لقاذفات TU-22M3 الروسية القادرة على حمل رؤوس نووية (العربي)
أعطت توسعة منشأت قاعدة حميميم قدرة الهبوط لقاذفات TU-22M3 الروسية القادرة على حمل رؤوس نووية (العربي)

وتوضح أربور شيف في حديث إلى "العربي" أنّ الروس يعملون على إنشاء "قوس للردع" يمتد من الشمال إلى الجنوب، مشيرة إلى أنّ "سوريا هي آخر وأدنى نقطة في قوس الردع الروسي".

وتقول: إنّ هذا القوس الردعي "مصمم لردع الغرب وباستخدام سلاح منع دخول المنطقة".

لماذا ميزت روسيا قاعدتها السورية؟

تمتلك روسيا قواعد عسكرية عدة خارج أراضيها، لكن في أرمينيا وأبخازيا وقيرغيزستان وطاجيكستان لم يرصد فريق "شيفرة" وجود أسلحة متطورة بالشكل الذي تم رصده في قاعدة حميميم.

لقد ميزت روسيا قاعدتها السورية وحوّلتها من مطار بدائي إلى قاعدة قادرة على استعمال أقوى العتاد الروسي.

كان الوصول إلى المياه الدافئة على الدوام حلم القياصرة الروس منذ مئات السنين، الأمر الذي نجح في تحقيقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فكما أجّر حافظ الأسد قاعدة طرطوس البحرية للاتحاد السوفييتي عام 1971 منح ابنه بشار قاعدة حميميم الجوية لروسيا الاتحادية عام 2015 ومجانًا.

كانت موسكو تتذرع بقولها إنّ تدخلها العسكري في سوريا جاء بهدف محاربة "تنظيم الدولة"، لكن ما أثبته تحليل مقاطع الفيديو الخاصة بالضربات الجوية الروسية والذي أجراه المركز الأطلسي، تبيّن أن هناك موقعًا واحدًا فقط مرتبطًا بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" تم استهدافه من بين 36 موقعًا قصفها الطيران الروسي خلال الأيام الأولى للعمليات العسكرية.

كما أنّ عدد الطائرات المقاتلة في حميميم كان أكثر مما يلزم لشن عمليات جوية ضد "تنظيم الدولة" فقط، خصوصًا في ظل وجود تحالف كبير تقوده الولايات المتحدة.

وفي فبراير عام 2018 رصدت الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية وصول طائرتين شبحيتين من طراز "SU-57" إلى قاعدة حميميم، وهي مقاتلات هجومية من الجيل الخامس الأكثر تطورًا. وقام فريق "شيفرة" بإعادة الرصد عبر برنامج "Sentinel Hub" لنتأكد من وجود مقاتلة واحدة بالفعل.

ميزت روسيا قاعدتها السورية وحوّلتها إلى قاعدة قادرة على استعمال أقوى العتاد ومن بينها طائرة شبحية من طراز "SU-57" رصد فريق "شيفرة" وجودها في حميميم (العربي)
ميزت روسيا قاعدتها السورية وحوّلتها إلى قاعدة قادرة على استعمال أقوى العتاد ومن بينها طائرة شبحية من طراز "SU-57" رصد فريق "شيفرة" وجودها في حميميم (العربي)

لكن لماذا تستمر موسكو في إرسال هذه الطائرات المتطورة إلى القاعدة؟

هناك كلمة سر أخرى تكمن في إفريقيا.

قاعدة حميميم.. "حجر الزاوية"

لا تخفي روسيا رغبتها في إنشاء قواعد عسكرية في القارة السمراء. ووفقًا لوثيقة روسية مسربة فقد تم اختيار كل مصر والسودان وإريتريا ومدغشقر وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى من أجل تحقيق ذلك الهدف. فتحقيق النفوذ الجيوسياسي لروسيا يرتبط بتشابك النفوذين العسكري والاقتصادي، وخلال العقدين الماضيين تمكنت روسيا من أنّ تصبح أكبر مصدر للأسلحة إلى إفريقيا.

وبناء على قاعدة البيانات في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، مثلت حصة موسكو نحو 37.6% من حصة سوق السلاح الإفريقية، تليها الولايات المتحدة بنحو 16% وفرنسا بـ14% والصين بـ9%.

ومثلت قاعدة حميميم في هذه المبيعات "حجر الزاوية" إما باستعراض الأسلحة أو كمعبر لنقلها. وقد رصد فريق "شيفرة" عبر مصادر الاستخبارات المفتوحة رحلات طيران كثيرة ما بين عامي 2018 و2021 تنطلق من روسيا ثم تعبر إلى حميميم، ومن هناك تتوزع إلى وجهات إفريقية متعددة.

وكانت إحدى هذه الرحلات لطائرة الشحن الروسية "RA-85041" حيث تم رصد 6 رحلات خلال ثلاثة أيام فقط، ما بين 26 من أغسطس وحتى 29 من أغسطس عام 2018. وأقلعت الطائرة من موسكو فاللاذقية ثم إلى الخرطوم وبانغي ثم سلكت نفس الخط في طريق العودة.

وقام فريق "العربي" بمقاطعة الرصد مع التقارير الإعلامية. وكانت تلك على الأرجح "عملية نقل أسلحة ومرتزقة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى"، حيث يؤكد تقرير لصحيفة "ذا أتلانتك" أن "روسيا أرسلت خمسة من الضباط العسكريين و170 من المدربين إلى بانغي في مارس/ آذار عام 2018".

ورفض الخبير في الأكاديمية الروسية للعلوم (RAS) فلاديمير سوتنيكوف التعليق على الرحلات العسكرية الروسية إلى إفريقيا الوسطى.

ويقول في حديث إلى "العربي": إنه "لا يملك المعلومات ولم يجر إبلاغه بمثل هذا التحرك من سوريا إلى إفريقيا".

وكانت طائرة الشحن الروسية نفسها تقوم بعمليات نقل وشحن بين اللاذقية والسودان وليبيا، حيث تم رصد رحلتها في 14 مايو 2021 من اللاذقية إلى الخرطوم، وفي اليوم التالي سافرت من الخرطوم إلى ليبيا ثم عادت بنفس اليوم من ليبيا برحلة مباشرة إلى اللاذقية.

أما طائرة الشحن التي تحمل رقم جناح "RA-85042" فتعطي مؤشرًا إضافيًا، وبحسب رصد نمط رحلاتها عبر موقع "فلايت رادار 24" تأكد أنها سافرت من اللاذقية إلى ليبيا في ثلاث مناسبات خلال عام 2020. وسافرت مرة واحدة في 2021، وقام فريق برنامج "شيفرة" برصد رحلة معاكسة من ليبيا إلى قاعدة حميميم في العام نفسه.

بينما قامت طائرة الشحن العسكرية الروسية "RA-85155" برحلة من قاعدة حميميم إلى ليبيا في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020.

رصد فريق "شيفرة" عبر مصادر الاستخبارات المفتوحة رحلات طيران كثيرة ما بين عامي 2018 و2021 تنطلق من روسيا ثم تعبر إلى حميميم، ومن هناك تتوزع إلى وجهات إفريقية متعددة.

وتؤكد المتخصصة في الشأن الروسي أنا آن أربور شيف حدوث الرحلات الجوية العسكرية الروسية، لكن حسب قولها "لا توجد الكثير من التفاصيل حول كيفية حدوث تلك الرحلات".

وترى أن "روسيا تستخدم قاعدة حميميم كمركز عمليات لوجستية، باعتبار أن ذلك مهم من حيث المصالح الإستراتيجية الروسية في إفريقيا".

تتبع حركة الطائرات العسكرية الروسية

بحث فريق "شيفرة" عن أدلة أقوى لتعطي مؤشرات عن رحلات طيران أبعد، حيث تم رصد نمط رحلات مستمر للطائرة "AN-124" تحمل رقم جناح "RA-82038"، فقد حلقت من عدة قواعد عسكرية روسية باتجاه اللاذقية ذهابًا وعودة. وهذه الطائرة تعد من أكبر طائرات الشحن العسكرية في العالم.

ومع التتبع الدقيق لمساراتها، تبيّن أن الطائرة خرجت من قاعدة حميميم واقتربت من مصر يوم 24 سبتمبر عام 2019 قبل اختفائها عن الرادار، لكن بعد يومين من ذلك ظهرت في أجواء تنزانيا، واختفت كذلك عن الرادار وهي متجهة شمالًا.

ولاحقًا في اليوم نفسه ظهرت على الرادار فوق البحر المتوسط متوجهة نحو قاعدة حميميم، فهل حطت الطائرة في موزمبيق؟

بحسب صورة انتشرت على موقع "Defence Web" بالفترة الزمنية نفسها تأكد أن الطائرة حطت في مدينة نكالا، حيث جرت متابعة الحدث خبريا، ووجد الفريق خبرًا في "سي.أن.أن" الأميركية يتحدث عن "نقل أسلحة ومرتزقة روس إلى موزمبيق دعمًا لحكومتها".

وتتقاطع الخيوط أكثر فأكثر في إفريقيا الوسطى، فالتوسع الروسي فيها جاء بناء على طلب رئيسها فوستان آركانغ تواديرا، لينمو نفوذ موسكو بشكل كبير منذ 2017.

ومع تولي ضابط الاستخبارات الروسية السابق فاليري زاخاروف منصب مستشار الأمن القومي لبوتين، نجح الروس في السيطرة على المهام الأمنية الحساسة في إفريقيا الوسطى حتى تولوا مهمة الحراسة الشخصية لرئيسها ومهام تدريب وحدات جيشها وقواتها الخاصة. كما أعلن أن بانغي تدرس إقامة قاعدة عسكرية روسية على أراضيها.

وبالرغم من أنّ جمهورية إفريقيا الوسطى لم تكن حليفة للاتحاد السوفييتي إلا أنّ عمق تورط روسيا في هذا البلد الإفريقي هدفه التوسع في بقية أرجاء القارة السمراء، وهذا ما يفسر الجسر الجوي الذي ينطلق من حميميم.

كانت قاعدة حميميم الروسية في سوريا نقطة ارتكاز وكذلك فرصة للاستعراض أتاحت لموسكو عقد صفقات بيع أسلحة بالمليارات (العربي)
كانت قاعدة حميميم الروسية في سوريا نقطة ارتكاز وكذلك فرصة للاستعراض أتاحت لموسكو عقد صفقات بيع أسلحة بالمليارات (العربي)

لكن الخبير في الأكاديمية الروسية للعلوم (RAS) فلاديمير سوتنيكوف يقول إنه "لا توجد رغبة أو خطة لروسيا للتواجد العسكري في إفريقيا".

ويعتبر في حديث إلى "العربي" أن بلاده "تقدم المساعدة للدول الإفريقية الصديقة لتعزيز الأمن والاستقرار الداخلي في هذه البلدان".

أما الباحثة أربور شيف فترد بأن "الوجود العسكري الروسي في إفريقيا قد يبدو ظاهريًا محدود". وتؤكد لـ"العربي" أن هذا الأمر "مضلل بعض الشيء، نظرًا لأن روسيا تنتهج إستراتيجية الموارد المحدودة". وتقول: "لن ينشروا وحدات عسكرية ضخمة في إفريقيا"، لكنها توضح أنّ موسكو تعتمد على موارد صغيرة جدًا في عملياتها على غرار مجموعة فاغنر.

وتشير إلى أن مجموعة فاغنر أو "ما يسمى بالمقاولين العسكريين الخاصين الذين لديهم بالطبع علاقات بوزارة الدفاع الروسية" هم الذين تنشرهم موسكو في تلك الأماكن.

تعزيز النفوذ الروسي

كانت العين الروسية صوب إفريقيا على الدوام. ومنذ عام 2014 وقعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع حوالي 19 دولة إفريقية، حيث تشمل هذه الاتفاقيات تصدير طائرات مقاتلة وأسلحة ثقيلة ومتوسطة، إضافة إلى الخدمات الأمنية المتنوعة مقابل وعود بالثروات والنفوذ.

إذن، كانت قاعدة حميميم نقطة ارتكاز، فقد نجح الاستعراض في سوريا وتمت بعده صفقات بيع أسلحة بالمليارات، ونجح النموذج الروسي في حماية النظام السوري ما دفع زعماء أفارقة لطلب الحماية الروسية.

وتعتبر المختصة في الشأن الروسي أربور شيف أن "روسيا تحاول من خلال وجودها العسكري ردع الغرب" وأن هذا الأمر "لا يزال إلى يومنا هذا".

توسعات كبيرة في القاعدة

الطائرة AN-124 الضخمة التي كانت قد انتهت في موزمبيق عام 2019 قادمة من حميميم لم يكن لها لتهبط في القاعدة الروسية في سوريا لولا عمليات التوسيع المتكررة في القاعدة.

وعبر رصد الأقمار الاصطناعية لقاعدة حميميم قبل التدخل الروسي تحديدًا في يوليو/ تموز عام 2015 كانت القاعدة شبه خاوية ولكن على مدار عدة سنوات تم رصد زيادة مضطردة في المساحة والبناءات إذ زادت مساحات الغرف السكنية والمنشآت اللوجستية، إضافة إلى زيادة أعداد المدرجات ومنشآت الطائرات.

ومنذ عام 2016 وحتى عام 2020 قام الروس بزيادة منطقة أسفلت كاملة مساحتها 26 ألف متر مربع في الجهة الشرقية لتكون مدرجًا يحمل 8 هيلوكبترات إضافية. وجرى أيضًا إضافة منطقة إسفلتية جديدة 11 ألف متر مربع للمركبات العسكرية، إضافة إلى الانتهاء من بناء منشأتين مساحتهما 1200 متر مربع و800 متر مربع بالتوالي.

وبالتوازي مع ذلك، أضافت روسيا مدخلًا جديدًا يصل بين الشارع الداخلي للقاعدة والشارع الخارجي لتسهيل الحركة من وإلى القاعدة. كما أضيفت ثلاث منشآت لوجستية أو مساكن للجنود حيث تبلغ مساحة بعضها بين 950 مترًا مربعًا وآخر أكثر من 1000 متر مربع، فيما تبلغ مساحة المبنى الأخير 2422 مترًا مربعًا.

زيادة منطقة أسفلت مساحتها نحو 26 ألف متر مربع في الجهة الشرقية لقاعدة حميميم الروسية في سوريا (العربي)
زيادة منطقة أسفلت مساحتها نحو 26 ألف متر مربع في الجهة الشرقية لقاعدة حميميم الروسية في سوريا (العربي)
منشآت لوجستية مساكن للجنود تمت إضافتها إلى قاعدة حميميم بالتزامن مع زيادة قدرة القاعدة العسكرية (العربي)
منشآت لوجستية مساكن للجنود تمت إضافتها إلى قاعدة حميميم بالتزامن مع زيادة قدرة القاعدة العسكرية (العربي)

أما على مستوى التسليح، فقد أظهرت الصور وجود عشرات الطائرات المتطورة، إذ وصلت إلى حميميم 8 طائرات من طراز "SU-35". كما تم رصد وجود الطائرة الشبحية "SU-57" والتي تمثل "درة الصناعة الروسية" التي تسعى موسكو إلى تسويقها.

ومن أجل استيعاب التدفق الجديد من الطائرات المقاتلة، فقد أنشئ مدرج جديد بمساحة 6685 مترًا مربعًا. ووفق ما تم رصده من وسط القاعدة، تم إفراغ المدرج الغربي القديم للطائرات المقاتلة من طراز "سوخوي"، فيما نقلت جميع طائرات التجسس وطائرات الشحن العسكري الكبيرة إلى المدرج الشرقي الجديد، الأمر الذي يفسر الهدف من بناء المدرج.

كما رُصدت طائرات الشحن العسكري من نوع "AN-124" على المدرج الجديد للقاعدة، بالإضافة إلى طائرتين من طراز "IL-76" القادرة على نقل الجنود والمعدات العسكرية الثقيلة، وطائرتين جديدتين من نوع "IL-20" و"IL-22" الخاصتين بالتجسس.

ورصد كذلك وجود طائرة من طراز "A-50"، الأمر الذي أصبح ممكنًا بعد الانتهاء من تلك التوسعات في قاعدة حميميم.

قاعدة مهمة للعقيدة البحرية الروسية

نشرت محطة التلفزيون الرسمية التابعة لوزارة الدفاع الروسية في يونيو/ حزيران عام 2021 مقطع فيديو يظهر وصول طائرات ميغ-31 و TU-22M3 للمشاركة في تدريبات مشتركة بين القوات الجوية والبحرية الروسية. فحميميم مهمة جدًا في العقيدة البحرية الروسية التي نشرت عام 2012 وتم تعديلها عام 2016 فهي توفر مظلة جوية للبحرية الروسية العاملة في البحر المتوسط.

وبحسب موقع "ذا درايف" يمثل وجود القاذفات البحرية طويلة المدى من طراز TU-22M3 في حميميم تحديًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهذه القاذفات ستكون قادرة على ضرب أهداف أوروبية جنوبًا وتستطيع الاشتباك مع السفن البحرية. وقد حضرت أقوى قوة بحرية في تاريخ روسيا إلى شواطئ سوريا قادمة من مدينة سفيرومورسك الروسية في 15 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016.

وفي مايو عام 2020 رصد فريق برنامج "شيفرة" عبر صور الأقمار الصناعية وجود ثلاث طائرات سوخوي-35 وطائرة واحدة من طراز "سوخوي-34" مخبأة تحت شجرة.

وفي نفس التاريخ وبمقاطعة الصور مع الأخبار عثر الفريق على اتهام أميركي بوقوع اعتراض روسي غير آمن لطائرة استطلاع تابعة للبحرية الأميركية من طراز "B-8" فوق البحر المتوسط نفذته طائرتين من نوع "SU-35"، حيث تؤكد روسيا عمليات اعتراض تكررت أكثر من مرة.

وقال موقع "سبوتنيك"، الممول من الحكومة الروسية، إنّ "طائرة سوخوي-35 اعترضت طائرة أميركية فوق المجال الجوي السوري"، ملمحًا إلى ما أسماه "تفوق الطائرات الروسية".

حميميم كلمة السر الروسية

كل ذلك كان إشارة واضحة إلى أنّ دور قاعدة حميميم سيكون أكبر من سوريا. فعلى الرغم من ادعاء الانسحاب الجزئي كانت عملية استثمار القاعدة تتم بوتيرة متصاعدة لتحقيق أهداف طويلة الأمد تتجاوز حدود سوريا.

والعقيدة الروسية العسكرية لعام 2010 والمعدلة عام 2014 تؤكد على مبدأ الدفاع الاستراتيجي الذي يعني فيما يعنيه أن متطلبات الدفاع قد تحتاج إلى الهجوم أحيانًا.

وتقول العقيدة "لروسيا الحق في استخدام قواتها المسلحة خارج حدودها لمواجهة أي أخطار تهدد أمنها القومي". والبحر المتوسط مساحة مائية غنية بالثروات لم يكن لروسيا فيها يد عليا عبر تاريخها القيصري، والآن تمكنت من يسط يدها إلى حد ما.

كما يعد المتوسط خاصرة أوروبا الجنوبية وهو بوابة إفريقيا الشمالية، فيما تعد قاعدة حميميم عقدة مواصلات تعني نفوذًا حيويًا في الشرق الأوسط، وسرعة وانسيابية وصول إلى إفريقيا وتأمين الطوق في مواجهة الناتو، ومزيدًا من تجريب السلاح، ومزيدًا من صفقات البيع.

وربما آتى الوجود الروسي كبديل للوجود الأميركي، فبعد أن ساعد الروس نظام الأسد في البقاء أظهر "الدب الروسي" نفسه حليفًا يمكن الاعتماد عليه، لذا فإن موسكو "جاءت لتبقى وحجر الزاوية كان قاعدة حميميم الجوية".


خفايا التوسّعات والأدوار السرية الروسية شرق المتوسّط
المصادر:
العربي

شارك

Close