تمد الولايات المتحدة يدها نحو خمسين دولة إفريقية وتحيي تقليدًا بدأه الرئيس الأسبق باراك أوباما، في وقت تزدحم فيه الأسئلة على طاولة الرئيس جو بايدن بشأن قدرة واشنطن على تلبية المصالح الإفريقية ونزع غطاء الصين وروسيا عنها، لا سيّما أن الغموض يكتنف أجواء القمة حتى قبل انطلاقها.
وفي مستهل القمة الأميركية- الإفريقية، حذّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن من أنّ نفوذ الصين وروسيا يمكن أن يُزعزع الاستقرار في القارة السمراء.
مواجهة الصين وروسيا
من جهته، أشار وزير الخارجية أنتوني بلينكن صراحة، خلال منتدى للجالية الإفريقية على هامش القمة، إلى إستراتيجية "إفريقيا الجديدة" الصيف المقبل، مع الإعلان عن إصلاح شامل للسياسة الأميركية في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك لمواجهة النفوذ الصيني والروسي هناك.
لكن، بحسب محللين، تؤكد قائمة الضيوف الأفارقة المعاناة التي سيواجهها الرئيس جو بايدن وفريقه الحكومي في موازنة قيام واشنطن بتنفيذ المطالب الملحّة لسياسات النفوذ والقوة.
ومع أن رغبة واشنطن تتزايد في ربح مزيد من الدول الإفريقية ضد المد الروسي والصيني النشط، فإن ذلك يصطدم بصعوبة التواصل الحقيقي مع المواطنين القابعين تحت أنظمة قمعية، وفقًا للأمم المتحدة.
وفي دلالة واضحة على حاجة واشنطن إلى إظهار هذه الحقيقة، لم تتمّ دعوة 4 دول من بينها السودان، حيث شهدت تلك الدول انقلابات أدت إلى تحوّلات غير قانونية. وكل ذلك يصبّ في إطار التنافس المحموم بين القوى العظمى.
بحضور 49 رئيس دولة.. واشنطن تحتضن قمة أميركية إفريقية لتعزيز الشراكة بين القارة السمراء و #الولايات_المتحدة تقرير: رشدي رضوان pic.twitter.com/Pa7zlrSWVh
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 13, 2022
بينما جاء كثير من هؤلاء القادة، وفي جعبتهم أجندات خاصّة منفصلة، تتراوح بين المساعدة في سداد الديون، أو مواجهة ما خلّفته جائحة كورونا، أو تغيّر المناخ، أو الدعم العسكري، فضلًا عن ارتفاع التضخّم وتعطيل الإمدادات الغذائية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
خطط للمساعدة
في المقابل، أعلنت الإدارة الأميركية حتى الآن، أنها ستمنح مليارات الدولارات بحلول عام 2025، تصبّ أغلبها في مجال الرعاية الصحية في إفريقيا.
بينما يُفترض أن يُلقي الرئيس جو بايدن خطابًا أمام الزعماء الأفارقة، وهو الذي لم يزر دول جنوب الصحراء منذ بداية ولايته، حيث تشير التوقّعات إلى أنه سيدعو إلى تعزيز دور إفريقيا على الساحة الدولية، مع منحها مقعدًا في مجلس الأمن الدولي، وتمثيل الاتحاد الإفريقي رسميًا في قمة مجموعة العشرين.
"إفريقيا ساحة قتال إستراتيجي"
وتعليقًا على انعقاد القمة، يشير دانييل ليبمان، مراسل مجلة "بوليتيكو" في البيت الأبيض، إلى أن إدارة بايدن تنظر إلى قارة إفريقيا على أنها مهمة لممارسة النفوذ الأميركي، والقيام بدور إيجابي لتنمية القارة.
ويقول ليبمان، في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إنّ واشنطن تعتبر إفريقيا ساحة قتال إستراتيجي بينها وبين الصين وروسيا على مشاريع البنية التحتية والأمن والعقود والاتفاقيات، بينما تحاول الدول الإفريقية بناء اقتصادياتها، وتعويض خسائرها جراء جائحة كورونا.
"شراكة تنمية لا شراكة أمنية"
من جهته، يشرح عبد الشكور عبد الصمد، الكاتب الصحفي، أن المطلوب من واشنطن في هذه المرحلة أن لا تتعامل بحساسية مع شركاء إفريقيا الآخرين، وأن لا تنظر إلى القارة السمراء على أنها حكر عليها، وأن تمنح قادة الشعوب الإفريقية حرية بناء علاقات شراكة مع دول أخرى.
ويقول عبدالصمد، في حديث إلى "العربي"، من أديس أبابا، إنّ الشعوب الإفريقية حريصة على أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية، وحريات، وتنمية عادلة، ولذلك يُنتظر من واشنطن أن تُساهم في تعزيز هذه المطالب ودعم هذه الاتجاهات.
كما يعتبر أن الشراكة الأميركية- الإفريقية يجب أن تكون شراكة تنمية وعمل لا شراكة أمنية وإستراتيجية فقط بهدف المناكفات باعتبارها مصدرًا للموارد.
ويوضح أنه إذا تحقّقت هذه المطالب، فبالإمكان أن يكون هناك عمل مشترك يصبّ في مصلحة الجميع، لكنه في الوقت نفسه، أبدى خشيته من أن يكون هناك توتر وأن يكون الاستقطاب نحو القارة الإفريقية على حساب الشعوب الإفريقية.
"واشنطن تصحّح أخطائها مع إفريقيا"
بدوره، يوضح إسماعيل ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا، الباحث المتخصّص في الشأن الإفريقي، أن الولايات المتحدة تريد تصحيح خطأين اثنين، هما: الجفاء الكبير بينها وبين القارة الإفريقية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي حرّم الأراضي الأميركية على بعض الإفريقيين، إضافة إلى استكمال ما بدأه الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي لم تُستثمر مدة رئاسته لتنمية العلاقات بين بلده ودول القارة الإفريقية.
ويقول ولد سيديا، في حديث إلى "العربي"، من نواكشوط، إن البرنامج الموسّع لاستقبال 7 آلاف بضاعة إفريقية من دون جمرك والذي ينتهي العمل به عام 2025، وتسعى واشنطن إلى تطويره من أجل جذب التجار الأفارقة مقابل تبرير الإستراتيجية الأميركية التي يرى كثيرون أنها تهتم كثيرًا بإفريقيا جنوب الصحراء على حساب شمال إفريقيا.