Skip to main content

مرحلة تجاذبات جديدة.. إلى أين تتجه تونس في ظل قرارات قيس سعيّد؟

الإثنين 30 مايو 2022

تشهد تونس حوارًا وطنيًا بمقاييس خاصة وصياغة دستور جديد تبعد عنه الأحزاب السياسية والقوى المدنية عنوة، بعدما أراد الرئيس التونسي قيس سعيّد تعبيد مسار دستوري وسياسي يفتقد للشراكة الوطنية.

وبدأت مرحلة جديدة من التجاذبات تلوح في الأفق مع اتساع دائرة الرفض للحوار الوطني بشكله ومضامينه الحالية. فالأزمة مستمرة في تونس، فيما يتواصل الجدل والانقسام بشأن الحوار الوطني الذي دعا إليه سعيّد تمهيدًا لاستفتاء على دستور جديد للبلاد.

تساؤلات عديدة بشأن الحوار

وفيما أقص سعيّد الأحزاب السياسية من الحوار، حتى تلك المؤيدة لتدابير 25 يوليو/ تموز الماضي، فإنّه دعا منظمات وطنية ومجموعة من الأكاديميين إلى الانخراط في لجان، رغم رفض بعض هؤلاء الصريح والواضح.

وتطرح هذه المقومات تساؤلات بشأن الهدف من حوار لا يعود بالبلاد إلى مسارها الديمقراطي، ولا يقدم مقاربة تصحيحية، كما كان متوقعًا من المؤيدين على الأقل.

وما يبدو واضحًا أنّ سعيّد يسعى إلى تغيير النظام الدستوري بإرادة منفردة بعيدًا عن الأحزاب، ويبحث في المقابل عن شرعية قانونية ودستورية لتدابيره الاستثنائية بعد حله للبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وإعادة هيكلة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وتتماهى خطوة سعيّد مع نواة مشروعه الدستوري المعروف باسم "البناء القاعدي"، ويصرّ الرجل على الإمساك بأطرافه كاملة والمحافظة على القرار النهائي لنتائجه.

وجاء رفض الاتحاد العام التونسي للشغل مربكًا لحوار سعيّد وعكس وعي أكبر المنظمات في تونس بالطابع الشكلي لهذا الطرح، حيث تبرز دلالات هذا الرفض في نزع الشرعية التي يمكن أن يمنحها الاتحاد لمشروع سعيّد وتأثيره على مواقف بقية المنظمات المدنية في البلاد.

وتتوسع الجبهة ضد مشروع الرئيس التونسي الذي يبدو واعيًا بصعوبة التفاف معارضيه حول رؤية موحدة، ما يطرح تساؤلات بشأن خيارات القوى المدنية والسياسية لمواجهتها هذا الطرح، وقدرتها على إيجاد تصور يضمن العودة إلى المسار الديمقراطي.

فأيّ سيناريوهات تواجهها تونس في ظل واقع سياسي متأزم يتمسك فيه سعيّد بمشروعه الفردي وتظهر فيه المعارضة منقسمة وفاقدة لآليات واضحة وبرنامج موحد؟

ما الغاية من حوار سعيّد؟

وفي هذا الإطار، تؤكد الناشطة في مجال حقوق الإنسان والحريات فاطمة كمون أنّ سعيّد عبر حواره "يريد إضفاء مشروعية على مساره وليس إخراج البلاد من أزمة دستورية واجتماعية واقتصادية أصبحت خانقة".

وتشير في حديث إلى "العربي" من تونس إلى أنّ سعيّد دعا إلى الحوار الوطني بـ"نفس رباعي الحوار الذي شارك في السنوات الماضية" مع استبعاد بعض الوجوه غير الموالية له في اتحاد الفلاحين.

وترى كمون أنّ سعيّد "صدم" من ردة فعل الاتحاد العام التونسي للشغل ورفضه المشاركة في حواره، لافتة إلى أن رفض الاتحاد "أربك هذا المسار بحجة واقعية وصحيحة". وتؤكد أن موقف اتحاد الشغل "اصطف" إلى غالبية الشارع التونسي في رفضه للحوار الذي دعا إليه سعيّد.

وتشدد على أن المؤتمر الصحافي الذي عقده الاتحاد للإعلان عن موقفه "كان صريحًا ومباشرًا" في نقده لحوار سعيّد "الأفقي والأحادي".

وترى أنّ غاية سعيّد من وراء دعوته إلى الحوار هي أن يظهر أنه "لا يزال مقبولاً شعبيًا" رغم عدم اعترافه بفشله عبر الاستفتاء والاستشارة الإلكترونية، كما تؤكد أن المؤيدين من حوله "أصبح عددهم محدودًا جدًا".

وتلفت إلى أن الغاية أيضًا من وراء دعوة سعيّد هي "التسويق للخارج بأن الحوار ناتج عن إرادة شعبية"، مشيرة إلى أنه "خطأ ارتكب جراء اختياره رئيسًا عام 2019 ويُدفع ثمنه اليوم".

لماذا استبعدت الأحزاب السياسية بما فيها الداعمة لمسار الخامس والعشرين من يوليو من الحوار؟ - رويترز

هل الحوار رسالة إلى الخارج؟

من جانبه، يذكّر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس د. مهدي مبروك بأن الرئيس قيس سعيّد رفض في عام 2021 مبادرة "حقيقية" تقدم بها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل الحوار الوطني تهدف إلى الخروج من أزمة تونس الحادة.

ويلفت في حديث إلى "العربي" من تونس، إلى أنّ الرئيس التونسي ظل مترددًا وعبّر عن رفضه الضمني لهذه المبادرة التي كانت ذات "أهداف واضحة وجدول زمني حيث قسم الحوار من خلالها إلى ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي".

ويرى أنّ سعيّد استطاع بعد ذلك أن "يفكك منظومة الانتقال الديمقراطي" قبل "الوصول إلى حالة من الفراغ"، حيث يريد "حوارًا من أجل محاورة نفسه"، على حدّ وصفه.

ويؤكد أنّ ما يريده سعيّد ليس حوارًا حقيقيًا بل من "المفترض أن يجمع الحوار الحقيقي المختلفين وينطلق من مسودة مفتوحة لجميع الآراء"، لكن سعيّد بحسب مبروك، يذهب إلى الحوار استنادًا إلى قناعاته وأفكاره حول الأحزاب السياسية التي "طمسها" من خلال مرسومه الرئاسي. ويرى مبروك أن سعيّد يريد من الحوار "إعطاء مشروعية للاستفتاء" ولمشروعه "الهلامي الفوضي".

ما دلالات رفض المشاركة في الحوار؟

أمّا الأستاذ الجامعي والوزير السابق سالم لبيض فيلفت إلى أنّ الرافضين للمشاركة في صياغة الدستور هم من "عمداء الكليات والمعاهد القانونية والمعنيون بالمشاركة في هذا الحوار".  

ويؤكد في حديث إلى "العربي"، من باريس، أنّ الأسباب التي دعت الاتحاد العام التونسي للشغل لرفض المشاركة في الحوار هي نفسها التي دعت هؤلاء إلى عدم المشاركة في لجان صياغة الدستور الجديد.

ويعتبر لبيض أن هناك سؤالاً مركزيًا موجهًا إلى الرئيس نفسه حول "جدية" الهيئة التي شكّلها لتأسيس دستور جديد للجمهورية، مذكّرًا بأن دستور عام 1959 يحمل شرعية وتاريخية ونضال الحركة الوطنية وتأسيس الدولة الوطنية، إضافة إلى أنّ دستور 2014 جاء على أساس جملة من النضالات وتأسيس الجمهورية الثانية.

ويتساءل عن واقع التجديد الذي يهدف إليه سعيّد من وراء "دستور جديد" لتونس، مؤكدًا عدم وجود هذا التجديد. ويرى أن هذا الاستفتاء يستند إلى مرسومين رئاسيين يتحدث فيهما عن "الاهتداء إلى مرسوم 117" و"الاهتداء إلى نتائج الاستشارة الإلكترونية". ويؤكد أن نتائج هذه الاستشارة تلقى رفضًا واسعًا من التونسيين بدليل "عدم مشاركة نحو 95% من منهم فيها".

المصادر:
العربي
شارك القصة