الخميس 2 مايو / مايو 2024

مشروع استعماري منذ العهد العثماني.. جذور صهيونية أسّست لنكبة 1948 

مشروع استعماري منذ العهد العثماني.. جذور صهيونية أسّست لنكبة 1948 

Changed

حلقة خاصة من "قراءة ثانية" عن جذور النكبة الفلسطينية (الصورة: غيتي)
أسست الحركة الصهيونية البنى التحتية لمشروعها الاستيطاني في فلسطين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 بوقت طويل.

تعود جذور نكبة فلسطين التي تجلّت صورتها المأساوية عام 1948، إلى 100 عامٍ سابقة وتحديدًا إلى منتصف القرن التاسع عشر عندما ضعفت الدولة العثمانية، وتلاقت مصالح الاستعمار البريطاني مع مصالح الحركة الصهيونية، وبدأ الطرفان يؤسسان للوجود اليهودي على أرض فلسطين.

فماذا عن الجذور المؤسسة للنكبة؟ وماذا عن المؤسسات الصهيونية التي عملت ومهدت لقيام دولة إسرائيل؟

البنى التحتية للمشروع الاستيطاني

أسست الحركة الصهيونية البنى التحتية لمشروعها الاستيطاني في فلسطين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 بوقت طويل، مستغلة ضعف الإمبراطورية العثمانية في النصف الثاني من القرن الـ 19 وبداية القرن العشرين.

فقد استقوت الحركة الصهيونية ببريطانيا التي دخلت فلسطين عام 1917 وأتاحت لها بناء مؤسسات تعليمية وصحية، وهيئات زراعية وصناعية، ومصارف وجمعيات واتّحادات عمالية، إلى جانب الميليشيات التي راكمت الخبرات العسكرية من الحربين العالميتين ومن الجيش البريطاني، إلى أنّ أصبحت تشكل معًا "جيش إسرائيل النظامي" بعد النكبة.

وانبثقت عن الحركة الصهيونية قبل النكبة عدة مؤسسات تخدم مشروعها أهمها الوكالة اليهودية، والجمعية اليهودية للاستعمار بفلسطين، وصندوق الائتمان اليهودي، والصندوق القومي اليهودي.

كما انبثق الاتحاد العمالي "الهستدروت" الذي نظم طبقة المستوطنين العامل اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا حيث أسس عام 1921 بنك العمّال "هبوعليم"، ليصبح فيما بعد ذراعه المالي ويقوم بدور مهم في تقديم الاعتمادات المصرفية للقطاع المالي، مما زاد الإقبال عليه حتى بلغ عدد أعضائه 9 آلاف عضو عام 1929، وفق روز ماري صايغ في كتابها "الفلاحون الفلسطينيون: من الاقتلاع إلى الثورة".

ولم يقل اعتناء الصهيونية بالتعليم والثقافة عن اهتمامها بالمؤسسات الاقتصادية والعسكرية، إذ أسست جهازًا تعليميًا شكل لاحقًا حجر أساس لوزارة التعليم الإسرائيلية واعتمدت العبرية لغة التدريس الأساسية في المدارس كما في مؤسسات التعليم العالي كمعهد "التخنيون" للعلوم الهندسية والتقنية الذي افتتح عام 1924 كأول معهد صناعي صهيوني في فلسطين.

هذا إلى جانب الجامعة العبرية التي وضع حاييم فايتسمان حجرها الأساس في الرابع والعشرين من يوليو/ تموز عام 1918 على جبل المكبر في مدينة القدس. وقد افتتحت رسميًا في الأول من أبريل/ نيسان عام 1925 بحضور مسؤولين بريطانيين وصهاينة كاللورد جيمس بلفور، والجنرال أللنبي وهربرت صمويل.

ويرى بعض الباحثين أن هذه المؤسسات شكلت في فترة الاستعمار البريطاني دولة داخل دولة بدعم مادي سخي ومؤسساتي من البريطانيين أنفسهم، إلى جانب فتح أبواب الهجرة على مصراعيها أمام يهود أوروبا وتسهيل انتقال أراضي وممتلكات الفلسطينيين للحركة الصهيونية.

هجرة شبان وشابات صهاينة من أوروبا إلى فلسطين - أرشيف غيتي
هجرة شبان وشابات صهاينة من أوروبا إلى فلسطين - أرشيف غيتي

التمهيد لنكبة 1948

ورغم أن جذور النكبة تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية، وإلى ما قبل هزيمة الدولة العثمانية، إلا أن تاريخ النكبة الذي رسخ في أذهان الكثيرين ارتبط بإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948.

متابعةً لهذا الملف، يشرح إيلان بابيه المؤرّخ ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة "إكستر" البريطانية إن المراحل التي سبقت قيام دولة إسرائيل بدأت أولها بإنشاء المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1878، حينما أعلن نشطاء صهاينة عن عزمهم تحويل فلسطين إلى دولة يهودية.

المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1897 – أرشيف غيتي
المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1897 – أرشيف غيتي

أما المرحلة الثانية، فكانت وفق بابيه محاولة إقناع الدولة العثمانية بالسماح لليهود باستعمار أجزاء من فلسطين وبناء مستعمرات، حيث لم يكن ذلك سهلًا إذ لم ير معظم الساسة في الدولة العثمانية هذا المشروع من زاوية إيجابية، إلا أنهم سمحوا رغم ذلك لبعض المستوطنين بالاستقرار في أنحاء من فلسطين.

بعد ذلك، تمثلّت المرحلة الثالثة في إقناع بريطانيا بأن فلسطين ينبغي أن تكون جزءًا من الإمبراطورية البريطانية عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وأنه ينبغي أن تكون دولةً يهودية، ويردف المؤرّخ أنه لهذا السبب أسس الصهاينة مؤسسات عدّة لضمان وجود صلة دبلوماسية مستمرة مع صناّع السياسة في بريطانيا ما مهّد لاحقًا لوعد بلفور.

أما وعد بلفور، فهو تعهّد بريطاني بمنح فلسطين للحركة الصهيونية بينما بدأت مؤسسات أخرى في شراء أراضي الفلسطينيين وبناء مستوطنات يهودية فيها.

ويردف بابيه في حديث مع "العربي" من حيفا: "شملت بقية المراحل في ظلّ الانتداب البريطاني، بناء القوة الاقتصادية والسياسية التي مكّنت الحركة الصهيونية من تنفيذ مخطّطها".

قاعدة المشروع الصهيوني

من جهتها، تطرقت أريج صباغ خوري أستاذة علم الاجتماع وعلم الإنسان في الجامعة العبرية في القدس إلى وجود عدد من المؤسسات الصهيونية التي أقيمت داخل فلسطين وخارجها، مثل الوكالة اليهودية في أوروبا، والصندوق القومي اليهودي وغيرهما من مؤسسات عسكرية واقتصادية، شكّلت جميعها قاعدة لبناء شبه دولة على حدّ تعبيرها.

وتتابع خوري من الناصرة: "في أذهاننا، النكبة تؤرّخ عام 1948 لكن من المهم جدًا الرجوع إلى فترة الدولة العثمانية والانتداب البريطاني، الذي شكّل عمليًا دفيئة للمشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود والاستعمار".

وتشددّ أستاذة علم الاجتماع وعلم الإنسان على أن المشروع الصهيوني أسس له كحركة استعمارية واستيطانية، جاءت  لتستبدل السكان الأصليين الفلسطينيين بمهاجرين مستوطنين صهاينة.

وتم تحقيق هذا الهدف عن طريق الاستعمار بواسطة الشراء، حيث لفتت خوري لـ"العربي" إلى أنه تمّ تهجير نحو 70 قرية فلسطينية وطرد أهلها قبل نكبة عام 1948.

وتكمل: "صحيح أن النكبة كانت مفصلية في القضية الفلسطينية، ولكن السنوات التي سبقتها شكّلت مرحلة مهمة لإقامة المشروع الصهيوني مهّدت لإعلان السيادة عام 1948، وهذا ما لا يتم التطرق إليه كثيرًا".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close