الإثنين 13 مايو / مايو 2024

مصيره مجهول منذ عقود.. عدنان عقلة الذي سخر الأسد كل إمكانياته لاعتقاله

كان عدنان عقلة قائد الطليعة المقاتلة - حلب، واختفى في العام 1983 في ريف إدلب
كان عدنان عقلة قائد الطليعة المقاتلة - حلب، واختفى في العام 1983 في ريف إدلب
مصيره مجهول منذ عقود.. عدنان عقلة الذي سخر الأسد كل إمكانياته لاعتقاله
مصيره مجهول منذ عقود.. عدنان عقلة الذي سخر الأسد كل إمكانياته لاعتقاله
الأربعاء 21 يونيو 2023

شارك

مضت أربعون سنة على اعتقال عدنان عقلة من دون أي دليل على مصيره الذي ما يزال مجهولًا، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت الأيام ستنبئ بذلك، وهو أحد أشد المعارضين لنظام الأسد.

فعدنان عقلة المهندس المدني الذي كان شابًا وقياديًا في الطليعة المقاتلة في حلب، سخّر النظام السوري في عهد حافظ الأسد كل إمكانياته للقبض عليه لضمان عدم قيام أي معارضة على نظامه. 

ويلفت الباحث في الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي، إلى أن عائلة عدنان عقلة لم تتمكن بعد اختفائه من معرفة مصيره، شأنه في ذلك شأن الكثير من الذين اختفوا قسريًا، ولم يُعلم أي خبر يقيني بشأن مصيرهم في سجون النظام.

اعتقال عدنان عقلة؟

وُلد عدنان عقلة عام 1951. كان قائد الطليعة المقاتلة - حلب، واختفى في العام 1983 في ريف إدلب.

كان الرجل خارج سوريا بعد قضاء حافظ الأسد على تنظيم الطليعة في حماة عام 1982 بعملية عسكرية ضخمة، إلا أنه بدأ يستعد لكي يعود إلى الداخل ويجمع شتات الطليعة المقاتلة التي تأثرت بخروجه.

لكن الوسيط لعملية عودته كان أحد عملاء المخابرات السورية واسمه جاهد دندش، زُرع إلى جانب عدنان انتظارًا لفرصة تسليمه. فكان أن قُبض على عدنان ومجموعته بعد عبورهم الحدود السورية التركية.

ويستذكر زياد، شقيق عدنان عقلة، أن دندش الملقب بـ"أبي عبد الله الجسري" التقى بعدنان وأخبره عن خلايا للطليعة في منطقة إدلب وجبل الزاوية، وطلب منه أن ينزل إلى سوريا، ويتأكد من الأمر.

بدوره، يلفت القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين محمد عادل فارس، إلى أن "جاهد دندش وصل إلى بغداد وادّعى أنه مجاهد هارب من الاعتقال، وزعم معرفته بمناطق جبال النصيرية ومداخل الحدود من تركيا إلى إسكندرون وسوريا جيدًا، فراح يغري عدنان عقلة بالعودة".

ويروي أن دندش عمد إلى إرسال مجموعة من الشبان إلى الداخل، ثم راح هؤلاء يرسلون له الرسائل، التي كُتبت تحت ضغط المخابرات؛ يطمئنون فيها بأن الوضع جيد ويدعونه إلى الدخول إلى سوريا.

ويردف بأن "عدنان عقلة عبَر الحدود بأمان بدايةً، قبل أن يقع في الداخل في فخ كان يُفترض أنه مكان آمن، فيما كان وكرًا للمخابرات التي قامت باعتقاله".

وُلد عدنان عقلة في العام 1951
وُلد عدنان عقلة في العام 1951

وكان المقاتل السابق في الطليعة المقاتلة محمود حماد، من الشباب الذين لحقوا بعدنان عقلة إلى سوريا واعتقل بالطريقة نفسها. 

والرجل الذي استطاع الحديث إلى عدنان عقلة داخل السجن قبل أن يتمكن من الهروب، يشير إلى أنه اعتقل في 13 سبتمبر/ أيلول 1983، وبعدما نُقل من السجن الانفرادي إلى الجماعي علم بوجود عقلة في الزنزانة المقابلة للمهجع الجماعي، وأنه والسجناء يتحدثون عبر الكوة التي يتسلقونها متى تيسر الأمر.

ويضيف: "في أول فرصة تيسرت لي صعدت على ظهر أحد الشبان، ورأيته في منظر مؤلم".

عدنان عقلة ومروان حديد

نشأ عدنان عقلة، النازح من الجولان السوري في مدينة الرقة وانتقل لاحقًا إلى مدينة حلب، ودرس الهندسة المدنية فيها ونشط مع جماعة الإخوان المسلمين بداية السبعينيات.  

بعد أحداث الدستور عام 1973، تظاهر السوريون رفضًا لدستور حافظ الأسد الجديد، الذي ألغى الهوية الإسلامية للدولة السورية، إلا أن تلك التظاهرات قمعت بوحشية. 

في ذلك الوقت، بدأ تيار ضمن جماعة الإخوان المسلمين يدعو إلى تغيير أسلوب عمل الجماعة والجهاد ضد النظام. 

وكان من أبرز الداعمين لهذا النهج مروان حديد، الذي نادى بذلك علنًا على أحد منابر مدينة حماة ببيان إلى العلماء المسلمين، طالبهم فيه بالوقوف ضد نظام حافظ الأسد. وقد كان من المنضمين إلى ندائه من مدينة حلب عدنان عقلة.

ويوضح القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين محمد عادل فارس، أن "مروان حديد الشخصية الأولى في سوريا التي عُرفت بالدعوة إلى الجهاد المسلح".

ويذكر بأن "الرجل كان من الإخوان المسلمين، وظل حتى العام 1974 ينشر فكر العمل المسلّح والمقاومة للنظام الطائفي البعثي في سوريا".

ويضيف: "حتى ذلك الوقت تبيّن له أن الإخوان المسلمين ليس من منهجهم حمل السلاح أو الجهاد المسلح، فقال إنه سينشئ جماعة مستقلة له، وعندما يتبنى الإخوان المسلمون العمل المسلح سيكون وجنوده من جنود الإخوان المسلمين".

أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانًا تتبرأ فيه من عملية المدرسة المدفعية
أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانًا تتبرأ فيه من عملية المدرسة المدفعية

وفي هذا الصدد، يلفت زياد شقيق عدنان عقلة إلى أن "جماعة مروان حديد انضم إليها كل من كان يؤمن بالعمل المسلح، ومن بينهم عدنان عقلة".

إلى ذلك، سطع اسم عدنان عقلة بعد هجوم مدرسة المدفعية في حلب عام 1979، حيث كانت المدرسة تعد لتخريج المزيد من الطلاب الضباط. 

في ذلك الوقت، أبلغ إبراهيم اليوسف صديقه عدنان عقلة أن المناسبة ستشكل فرصة سانحة لعملية جديدة للطليعة المقاتلة في حربها ضد نظام البعث بقيادة حافظ الأسد.

ويروي القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين محمد عادل فارس، عن العملية التي حضر خلالها عشرة أشخاص بلباس مجندين، في حين ارتدى عدنان عقلة لباس ملازم أول، متحدثًا عن الخطة التي تم تنفيذها.

ويقول: "أحد لا يعرف العدد الحقيقي لمن قُتل ومن أُصيب خلالها، لكن الدولة أعلنت عن 32 قتيلًا".

وبحسب زياد عقلة، شقيق عدنان عقلة، أصبحت المواجهة مع النظام علنية بعد عملية المدفعية، حيث أعلنت الطليعة المقاتلة عن هويتها وأنها هي من كانت تقوم بعمليات الاغتيال.

والعملية تلك أثارت غضب حافظ الأسد، فبدأ حملة أمنية في حلب وأصدر قرارًا بإعدام بعض المعتقلين بتهمة الانتماء إلى الطليعة المقاتلة.

بدورها، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانًا تتبرأ فيه من عملية المدرسة، التي شكلت نقطة تحوّل في الطليعة.

التخطيط للانقلاب ومجزرة حماة

وباشتداد الحملة الأمنية للنظام السوري في مدينة حلب وملاحقة عناصر تنظيم الطليعة المقاتلة، التي شهدت ازديادًا غير مسبوق في أعداد مقاتليها بشكل يفوق قدرة التنظيم على استيعابهم، اضطر عدنان عقلة إلى قبول دعوة جماعة الإخوان المسلمين للقائهم في الأردن، لتنسيق العمل ضمن إطار الوفاق الوطني مقابل حصوله على الدعم.

وأواخر عام 1981، كانت الطليعة المقاتلة تخطط بالتنسيق مع بعض الضباط في الجيش السوري لتنفيذ انقلاب على النظام. لكن الخبر تسرّب إلى النظام وباغتهم وقبض عليهم، وبدأ بالتخطيط لمعركة كبيرة على مدينة حماة.

ويلفت زياد عقلة، شقيق عدنان عقلة، إلى أن "المواجهة حصلت في بداية فبراير/ شباط 1982 بين النظام والشبان في حماة، وبينما استمرت لما يقارب الأسبوعين دمّرت حماة بالكامل، فقتل من قتل واعتقل من اعتقل وهرب من هرب".

إلى ذلك، يفيد الباحث في الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي، بأن عدنان عقلة كان خارج سوريا في تلك الأوقات. 

كان جاهد دندش ينسق مع المخابرات السورية
كان جاهد دندش ينسق مع المخابرات السورية

ويذكر أنه "عندما خرج بعض الناجين من حماة وصلت الشهادات لكوادر الطليعة، فكان الطلاق النهائي بين جماعة عدنان عقلة وجماعة الإخوان المسلمين الموجودة في عمان وبغداد".

وعقب تدمير حماة وارتكاب النظام مجزرة كبيرة فيها، تراجعت عمليات الطليعة المقاتلة في سوريا. وقرر عدنان عقلة العودة إلى سوريا وبدأ حشد أنصاره، فيما تكفل بإيجاد طريق آمن لدخول سوريا جاهد دندش الذي كان ينسق مع المخابرات السورية لتنفيذ ذلك.

وقد اعتقل عدنان عقلة ومرافقاه عند دخولهم إلى سوريا قرب مدينة جسر الشغور شمالي البلاد، ونقل بعدها إلى دمشق للتحقيق معه.

وبحسب القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين محمد عادل فارس، كانت ترد بعض الأخبار المتناثرة والتي لا يمكن التأكد من مدى صحتها تمامًا، عن أن عدنان عقلة عندما وقع في الفخ نُقل إلى دمشق حيث خضع للتحقيق وتعرّض لتعذيب شديد.

بدوره، يتحدث زياد عقلة، شقيق عدنان عقلة، عن صدمة كل من عائلة عدنان وجماعته ومحبيه بعد اعتقاله، قائلًا: "عند اعتقال أي شخص في سوريا لا يمكن لأهله أن يعلموا أي خبر عنه، فماذا لو كان المعتقل عدنان عقلة".

ويضيف: "ترك عدنان زوجة وأولادًا، ونحن كعائلة يهمنا أن نعرف مصيره، حاولنا ذلك مع عدة جهات ومنظمات، فكان الجواب أن موضوعه خط أحمر".

من ناحيته، يتطرق الباحث في الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي إلى رواية عن لسان السجين نزار علي ديب يقول فيها إنه شهد بعينه إعدام عدنان عقلة في سجن المزة العسكري في العام 1988.


المزيد من أسرار وخبايا قصة عدنان عقلة، في الحلقة المرفقة من سلسلة "مختفون" الوثائقية التي تسلط الضوء على عملية مدرسة المدفعية التي أثارت الجدل، وصولًا إلى تحضيراته للعودة إلى سوريا عام 1983 التي أدت إلى تحضير كمين للقبض عليه وسجنه ثم إخفاء مصيره الذي بقي مجهولا حتى اليوم.
حلقة "مختفون" تستعرض تفاصيل غامضة عن اختفاء عدنان عقلة 
المصادر:
العربي

شارك

Close