الأربعاء 8 مايو / مايو 2024

عزمي بشارة: دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل مهمة والمسار لن يكون طويلاً

أكد المفكر العربي عزمي بشارة في حديث إلى "العربي"، أن مسار دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لن يكون طويلاً، وقد لا يحتاج لأكثر من أسابيع
أكد المفكر العربي عزمي بشارة في حديث إلى "العربي"، أن مسار دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لن يكون طويلاً، وقد لا يحتاج لأكثر من أسابيع
عزمي بشارة: دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل مهمة والمسار لن يكون طويلاً
عزمي بشارة: دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل مهمة والمسار لن يكون طويلاً
الثلاثاء 2 يناير 2024

شارك

أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ الخطوة التي أقدمت عليها جنوب إفريقيا بمقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، هي خطوة مهمّة جدًا على المستويين السياسي والقانوني.

وشدّد بشارة في حديث إلى "العربي"، ضمن التغطية المفتوحة للحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، على أنّ دعوى جنوب إفريقيا تشمل كل الأدلة اللازمة لإثبات أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية، معربًا عن اعتقاده بأنّ المسار لن يكون طويلاً، وقد لا يحتاج لأكثر من أسابيع.

وفي حين اعتبر بشارة أنّ ثمّة "شيئًا ناقصًا" في الموضوع، في إشارة إلى غياب الدول العربية الموقّعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية عن هذه الدعوى حتى الآن، لفت إلى أنّ المحكمة الدولية سبق أن حسمت مسألة الدفاع عن النفس، واعتبر أنّ مثل هذا الحق لا يُعطى لقوة احتلال.

من جهة ثانية، أكّد الدكتور عزمي بشارة أنّ الإجماع الإسرائيلي على الحرب وأهدافها لا يزال قائمًا رغم ظهور خلافات بين المستويين السياسي والعسكري، مشدّدًا على أنّ إسرائيل لم تحقق حتى الآن أهدافها العسكرية المعلنة في قطاع غزة.

وجدّد بشارة انتقاده للموقف الأميركي من الحرب، لافتًا إلى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن اتخذ "قرارات صهيونية"، واحتضن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل كامل. كما انتقد أيضًا الموقف الروسي، الذي وصفه بـ"الانتهازي" بالمجمل.

ونوّه بشارة مرّة أخرى بحركات الاحتجاج حول العالم، تنديدًا باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي تتركز بشكل خاص في الولايات المتحدة وأوروبا، داعيًا إلى تحويل حالة التضامن مع فلسطين إلى حالة دائمة، قادرة على التغيير.

أكّد الدكتور عزمي بشارة أنّ الإجماع الإسرائيلي على الحرب وأهدافها لا يزال قائمًا رغم ظهور خلافات بين المستويين السياسي والعسكري
أكّد الدكتور عزمي بشارة أنّ الإجماع الإسرائيلي على الحرب وأهدافها لا يزال قائمًا رغم ظهور خلافات بين المستويين السياسي والعسكري

خطوة جنوب إفريقيا وجريمة الإبادة الجماعية

من خطوة جنوب إفريقيا التي تقدّمت بطلب أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لإقامة دعوى ضد إسرائيل لانتهاكها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، استهلّ المفكر العربي عزمي بشارة حديثه إلى "العربي"، واصفًا الأمر بأنّه "مهمّ من الناحية السياسية" بالدرجة الأولى.

وأوضح بشارة أنّ مثل هذا المسار من شأنه حسم النقاش حول مسألة ارتكاب إسرائيل لجرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، لافتًا إلى خطأ في التفسير يقع فيه البعض حين يوحي وكأن الإبادة الجماعية يعني أنه يجب أن يباد الشعب الفلسطيني بأسره.

ولفت إلى أنّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية كما أول قرارات الأمم المتحدة في هذا السياق تحسم الجدل، لجهة أنّ الأمر متعلق بالنية لإبادة، إذ إنّ أحدًا لن يُحاكَم لأنه أنجز إبادة شعب، وإنما لأنّه يمارس خطوات تتخذ في سياق إبادة جماعية أي القضاء على جماعة عرقية أو قومية أو إثنية "أو جزء منها".

وذكّر بشارة بأنّ جريمة الإبادة الجماعية تاريخيًا لم تُصنَّف جريمة ضد الإنسانية بسبب الهولوكوست فقط، وإنما بسبب مجمل ممارسات ألمانيا في المناطق المحتلّة.

ولفت بشارة إلى "دلالة رمزية" لرفع جنوب إفريقيا تحديدًا للدعوى، وهي التي عانت لعقود طويلة من نظام فصل عنصري (أبارتايد)، فضلاً عن كون إسرائيل حافظت على علاقاتها مع هذا النظام حتى اللحظة الأخيرة.

وفيما أشار إلى أنّ قرار رفع الدعوى لم يكن سهلاً، فهناك لوبي إسرائيل داخل جنوب إفريقيا، كما أنّ لدى السلطات هناك علاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، اعتبر أنّ هذا الأمر "ينمّ عن إرادة قوية"، واصفًا إياه بأنّه "موقف مبدئي أخلاقي" يسجّل لجنوب إفريقيا.

ورأى أنّه "لا يوجد أي سبب يدعو جنوب إفريقيا لتذهب لمعركة مع إسرائيل"، سوى الإرث والحاجة لاتخاذ موقف أخلاقي ضد آخر دولة أبارتايد في هذا العالم.

هل يكون مسار المحكمة الدولية سريعًا؟

وفي سياق شرح البعد القانوني للأمر، لفت بشارة إلى أنّ الدول الموقّعة على اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية، من دون تحفّظات، هي وحدها التي تستطيع أن ترفع دعاوى في هذا السياق ضدّ دول أخرى.

وأشار إلى أنّ المحكمة الدولية في لاهاي هي الذراع القانوني للأمم المتحدة، ولديها عمومًا صلاحية استشارية، لأنها لا تستطيع أن تفرض رأيها على الدول، ويكون قرارها بالتالي استشاريًا إلا في هذه الحالة، حيث يكون قرارها ملزمًا.

وأعرب عن اعتقاده بأنّ المسار يكون أيضًا سريعًا، فهو لا يأخذ أكثر من أسابيع وفي بعض الأحيان يحتاج فقط إلى أيام، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ دعوى جنوب إفريقيا تتضمن كل الأدلة اللازمة لإثبات تورط إسرائيل في الإبادة الجماعية.

خطأ في التفسير يقع فيه البعض حين يوحي وكأن الإبادة الجماعية يعني أنه يجب أن يباد الشعب الفلسطيني بأسره، في حين أنّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية تحسم الجدل، لجهة أنّ الأمر متعلق بالنية لإبادة، إذ إنّ أحدًا لن يُحاكَم لأنه أنجز إبادة شعب

واستنادًا إلى ما تقدّم، رأى بشارة أنّ الأمر لن يكون صعبًا قانونيًا، لافتًا إلى أنّ المحكمة في لاهاي حسمت موضوع الدفاع عن النفس في الدعوى التي رُفِعت بشأن بناء الجدار، مذكّرًا بأنّ إسرائيل ادّعت حينها أنها تبني الجدار دفاعًا عن النفس، إلا أنّ المحكمة الدولية قالت إنّ هذا الحق يُعطى لدولة تتعرض لهجوم، وليس لقوة احتلال كما هو واقع إسرائيل.

أكثر من ذلك، لفت بشارة إلى أنّ الإسرائيليين أنفسهم لا يخفون نواياهم خصوصًا عندما يتحدّثون بالعبرية، حيث يتردّد على ألسنتهم الحديث عن "عقاب جماعي" لسكان غزة، وعن مخطط تهجير قسري، وعن جعل قطاع غزة غير قابل لاحتضان الحياة البشرية.

وتوقف عند تقرير أصدره أخيرًا البنك الدولي وفيه حديث عن أن أكثر من نصف مباني غزة و70% من بيوتها دُمّرت، فضلاً عن المستشفيات التي خرجت عن الخدمات، والمدارس التي قُصِفت وغير ذلك. وأضاف: "إذا نظرت إلى هذه الأرقام في سياق فكرة التهجير أو العقاب الجماعي ووضعته في السياق تجد أنه ضمن مخطط وليس عبارة عن أضرار جانبية".

الحرب "ليست مبررًا" لجرائم الإبادة الجماعية

إلى ذلك، شدّد بشارة على أنّ إسرائيل لا تستطيع الدفاع عن نفسها عبر القول إنّ هذه الأفعال ارتُكِبت في زمن الحرب، موضحًا أنّ المعاهدة الأممية تنصّ صراحة على اعتبارها جرائم فعليّة، سواء ارتُكِبت ارتكبت في زمن الحرب أو في زمن السلم.

وقال: "يعرف من صاغوا المعاهدة أن هذا يجري في الحرب، وبالتالي فإنّ الحرب ليست مبرّرًا لارتكاب جرائم كهذه". وأضاف: "كل هذا لن يُعَدّ أعذارًا أو حتى شروطًا مخفّفة".

وردًا على سؤال حول ما إذا كانت المحكمة الدولية تمتلك الأدوات التنفيذية اللازمة لتنفيذ قراراتها، ميّز بشارة بين نوعين من القرارات التي يمكن أن تتخذها هذه المحكمة، بينها القرارات المانعة التي تكون موجّهة بشكل مباشر للدولة المعنيّة، التي يفترض بها تنفيذها، والقرارات التي تتطلب فعل أشياء معيّنة، والتي يتمّ اللجوء فيها إلى مجلس الأمن.

ومع أنّ بشارة أكد أنّ احتمال استخدام الفيتو يبقى واردًا في مجلس الأمن في هذه الحالة، لفت إلى وجود نوع من "الحَرَج" في هذا الموضوع، ولا سيما أنّ المسؤولية ليست سهلة. وأضاف: "حق الفيتو هنا لا يُستخدَم ضد قرار اتخذته روسيا أو مجموعة الدول العربية، وإنما ضدّ 15 قاضيًا من مختلف الدول بما فيها الولايات المتحدة لا يوجد نقاش حول نزاهتهم".

وتابع: "إذا استخدمت حقّ الفيتو في هذا المضمار، فأنت بذلك تضرب كل مصداقية المنظمات الدولية"، مشدّدًا على أنّ التصويت بالفيتو على قرار من هذا النوع محرج جدًا، وهو مختلف تمامًا عن أي فيتو آخر.

شدد بشارة على أنّ دعوى جنوب إفريقيا تشمل كل الأدلة اللازمة لإثبات أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية
شدد بشارة على أنّ دعوى جنوب إفريقيا تشمل كل الأدلة اللازمة لإثبات أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية

أين الدول العربية من دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل؟

وفي سياق متّصل، لفت المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أنّه يفضَّل عادة في مثل هذه الدعاوى أن تكون من عدّة دول وحتى من عدة قارات إذا أمكن.

وكشف عن اتصالات جرت مع بوليفيا، التي رجّح انضمامها إلى الدعوى، وكذلك مع ماليزيا، لكنه أعرب عن اعتقاده بضرورة أن تكون إحدى الدول العربية الموقّعة على معاهدة منع جريمة الإبادة الجماعية مشاركة أيضًا في هذا المسار.

وفيما رأى أنّ العديد من الدول العربية تتخوف على الأرجح من أثر ذلك على علاقته بالولايات المتحدة، لفت إلى أنّ دولة قطر سبق أن استخدمت مصطلح الإبادة الجماعية في توصيف الأفعال الإسرائيلية، لكنه أشار إلى أنّ قطر لا تستطيع رفع دعوى، لكونها غير موقّعة على المعاهدة.

وإذ تحدّث عن "شيء ناقص" في المسار، بغياب أيّ دولة عربية عنه، اعتبر أنّ هناك سؤالاً كبيرًا يُطرَح حول الموقف العربي ممّا يجري في غزة، بعدما استُنفِدت الاجتماعات والبيانات وزيارات الوفود وغير ذلك. وسأل: "ماذا بعد كل ذلك؟ هل يقف العرب موقف المتفرّج، أم يكتفون بالنضال عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟".

واستغرب الاستنفار العربي المحصور حاليًا بموضوع التهجير، "وكأنّه مسموح لإسرائيل أن تفعل كل شيء ما عدا التهجير"، قائلاً: "هذا الأمر حقيقة مؤسف، فهناك مشكلة في نظرة العرب إلى أنفسهم وعلاقة الأنظمة مع الشعب، وبالتالي نحن أمام عبء حقيقي ستُطرَح حوله أسئلة في المستقبل، فلماذا لم تقم الدول العربية بما نعتبره في لغتنا أضعف الإيمان؟".

الإجماع حول الحرب وأهدافها لا يزال قائمًا في إسرائيل

بالانتقال إلى التطورات السياسية والميدانية المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة، أكّد المفكر العربي عزمي بشارة أنّ الإجماع حول الحرب وأهدافها لا يزال قائمًا داخل إسرائيل، رغم الخلافات التي بدأت تظهر للعيان بين المستويين السياسي والعسكري.

وأوضح بشارة أنّ هناك نقاشات تدور حاليًا في داخل إسرائيل، وهناك أزمة حقيقية تجلّت بظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحده في المؤتمر الصحفي الأخير، وإن كان من الصعب "تشخيصها بصورة دقيقة" حتى الآن.

وفي السياق نفسه، لفت إلى وجود بوادر بداية معركة انتخابية داخل إسرائيل، "وهذا واضح من التنافس في التشديد على نقاط الاختلاف وليس الأمور المتفق عليها". لكنّه شدّد على أنّه "فيما يتعلق باستمرار الحرب وأهداف الحرب ما تزال هناك وحدة في المجتمع الإسرائيلي، ولا يزال هناك اتفاق بين القيادات الرئيسية وأيضًا بين المستويين السياسي والعسكري".

وأضاف: "إذا راجعت تاريخ الحروب الإسرائيلية الأمر لم يصبح بعد غير قابل للاحتمال حتى من ناحية الخسائر، فكل شيء يتوقف على رؤيتهم السياسية، وعلى وجود قناعة أن هذه الحرب ضرورية أم غير ضرورية، وعدم حصول شرخ حقيقي في المجتمع الإسرائيلي".

وقارن في هذا السياق بين الواقع الإسرائيلي الحالي والواقع في حروب سابقة، فلفت إلى أنّ عدد القتلى الإسرائيليين مثلاً في فترة حصار بيروت خلال حرب لبنان، بين يونيو وأكتوبر، كان 368، في حين أنّ العدد المُعلَن حاليًا هو 174، وأشار إلى أنّ عدد المصابين في حرب لبنان الأولى حتى عام 1985 كان 7162، وحتى عام 2000 بلغ 1836 جريحًا.

ولاحظ بشارة أنّ عدد المصابين في الجيش الإسرائيلي حاليًا كبير، ويُحتسَب بعدّة آلاف، وقد يتجاوز أربعة أو خمسة آلاف وفق بعض المصادر العبرية، كصحيفتي هآرتس ويديعوت أحرونوت. لكنه لفت إلى أنّ الإسرائيليين استمرّوا في احتلال لبنان حتى عام 2000، بعد هذا العدد من القتلى والجرحى، أي لمدّة 18 عامًا، بعدما انسحبوا إلى حدود 1985، وفي السنوات الأخيرة كان يسقط بمعدل 25 إلى 30 في العام، لكن لم يتحمّلوه لأنه لم يعد هناك إجماع.

وأشار بشارة إلى أنّه في حرب 1948 أيضًا، قُتِل نحو أربعة آلاف مسلح إسرائيلي أعضاء في ميليشيات، "وإذا أخذنا مجموع القتلى في حرب 1948 كانوا ستة آلاف"، كما أنّه في حرب الاستنزاف لوحدها بين مصر وإسرائيل وهي لم تكن حربًا مُعلَنة، قُتِل أيضًا نحو 1700.

وأكد بشارة أنّ الملف الاقتصادي يمكن أن يكون عاملاً ضاغطًا، لكن حتى الآن ثمّة قناعة بأنّ هذه حرب ولها ثمن ويجب تحمّله. مع ذلك، أعرب عن اعتقاده بأنّ الاقتصاد أحد عوامل إعادة نشر قوات الاحتياط وسحبها من غزة.

إسرائيل لم تحقق أهدافها العسكرية المعلنة في غزة

من جهة ثانية، اعتبر الدكتور عزمي بشارة أنّ العنصر الأهمّ الذي تغيّر نسبيًا هو إلحاح الولايات المتحدة على أن تبدأ ما تسمّى بلغتهم المرحلة الثالثة، بمعنى التوقف عن الحرب الشاملة والقصف الهمجي والبدء بعمليات موضعية ومحددة أكثر.

لكنّه لفت إلى أنّ هذا الأمر لن يحصل بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى بضعة أسابيع، وربما أسابيع قليلة، من أجل الانتقال إلى ما يسمّونها بالمرحلة الثالثة، من دون الإعلان عن ذلك صراحة وجهارًا، معتبرًا أنّ التركيز الآن هو على خانيونس وبعض المناطق في الوسط.

وشدّد على أنّ هذا الأمر لن يكون مجانيًا، فالمقاومة بالمرصاد وكذلك حركات الاحتجاج متواصلة، لافتًا إلى أنّ من الأمور المهمّة التي يمكن تسجيلها بكلّ ثقة أيضًا، هو أنّ إسرائيل لم تحقّق حتى الآن أهدافًا عسكرية حقيقية في غزة، أو بالحدّ الأدنى لم تحقق أهدافها المُعلنة من الحرب.

وبالحديث عن محور فيلادلفيا، أشار بشارة إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلم جيدًا نّ مصر عمليًا حاربت الأنفاق، خصوصًا في مرحلة الصراعات في سيناء بين العامين 2013 و2016.

وقال: "بلا شكّ، إذا كان هذا هدفًا حقيقيًا لنتنياهو فهو يدخل ضمن الخطة لبناء غلاف داخلي عسكري لاستكمال العمليات التي يتكلمون عنها". واستبعد أن توافق مصر على ذلك، "مع أنها تتعامل مع غزة كمنطقة محتلة"، وفق وصفه.

وأوضح أنّ مصر لم تعترف يومًا بأنّ غزة منطقة مستقلة تحكمها حماس، "فحتى بدون وجود إسرائيلي على الحدود، كانت مصر ترسل الشاحنات للتفتيش في منطقة حدود إسرائيلية، وهي تعاملت مع غزة كأنها منطقة محتلة، منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع".

ولم يستبعد بشارة أن يكون التعاطي الإسرائيلي مع موضوع محور فيلادلفيا "نوعًا من الابتزاز" للحصول على شروط أفضل من مصر، لكنه أشار إلى أنّه من الممكن أن يكون نتنياهو ومن حوله يفكّرون فعلاً في تهجير قسم من سكان قطاع غزة وأن يبقوا هم فعلاً على غور الأردن والحدود وأن تبقى المناطق المحتلة 1967 تحت السيطرة الإسرائيلية، "وهذا جزء ممّا يخطَّط له لليوم التالي".

أكد الدكتور عزمي بشارة أن إسرائيل لم تحقق حتى الآن أهدافها العسكرية المعلنة في قطاع غزة
أكد الدكتور عزمي بشارة أن إسرائيل لم تحقق حتى الآن أهدافها العسكرية المعلنة في قطاع غزة

"مؤامرة التهجير".. الشعب بات أكثر وعيًا

وتعليقًا على تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، شدّد بشارة على أنّه لا يمكن الحديث عن "تهجير طوعي" لسكان قطاع غزة، فكل ما يجري الآن هو "قسرًا".

وقال: "ما دمت دمرت المدارس والمستشفيات وكل شيء، لا يوجد شيء اسمه طوعي، وبالتالي فإنّ كل ما سيفعله أي فلسطيني لاحقًا هو قسري". وأضاف: "حتى الطوعي لم يعد طوعيًا، بمعنى أنّ ما كان يُعتبَر طوعيًا لم يعد طوعيًا، طالما أنّ الجو العام هو جو جعل غزة غير صالحة لحياة البشر".

وتحدّث عن "مؤامرة واضحة" في هذا السياق، بمعنى أنّ هناك من يخطط لمثل هذا السيناريو منذ اليوم الأول، وأنّ هذا المخطط ليس عفويًا بالمُطلَق، متسائلاً إن كانت دول ستتواطأ مع إسرائيل على تنفيذه مثلاً.

وأعرب عن اعتقاده بأنّ الشعب الفلسطيني هو القادر على إحباط هذا المخطط، مسجّلاً في هذا السياق كيف أنّ أحد أهم المطالب في الهدن الإنسانية التي تمّ التوصل إليها سابقًا كان السماح للناس بالعودة إلى الشمال، مضيفًا: "هذا دليل أنّه حتى في هذه الظروف تريد الناس العودة إلى بيوتها".

وشدّد على أن تكرار تجربة 1948 ليس واقعيًا، موضحًا أنّ "الشعب الفلسطيني براء تمامًا من هذا الموضوع"، مضيفًا أنّ الشعب بات الآن "أكثر وعيًا من عام 1948 حين قيل لهم يمكن أن تتركوا بيوتكم وستعودون خلال أيام".

"العسكرة" في إسرائيل وإسقاط نتنياهو المرجَّح

وفي سياق الحديث عن معادلات الداخل الإسرائيلي، وما إذا كانت حرب غزة ستجبر إسرائيل على تغيير معادلات أو شروط تشكيل الحكومات، لفت بشارة إلى أنّ إسرائيل مرّت بمرحلة "لبرلة سياسية" حوّلتها من حكم الحزب الواحد ونظام شبه اشتراكي بين المستوطنين أنفسهم، إلى نظام تعددي من الناحية السياسية.

وقال: "حصلت لبرلة رافقتها بعض اللبرلة السياسية الداخلية حيث أصبحت دولة مؤسسات أكثر من السابق، ومن هذه الناحية أصبحت إسرائيل إحدى الدول المتطورة من ناحية التعددية السياسية، وإن تزامن مع مسار تديّن سياسي وقومي صهيوني بمعنى أنهم لا يفصلون بين الأمة القومية والأمة الدينية".

وأشار إلى أنّ الحرب الأخيرة أدخلت عنصرًا ثالثًا كان قد بدأ يتّخذ صورًا غير ساخرة كما في السابق وهو العسكرة وأهمية الجيش ودوره في السياسة، علمًا أنّ ذلك لم يكن واضحًا في السابق. وقال: "بعد التمدن واللبرلة أصبح الفرز واضحًا، حتى إن نتنياهو لم يتمكن من شن الحرب إلى أن انضمّ الجنرالات إلى الحكومة وأصبحوا يشكّلون حزامًا حول القرار السياسي".

فيما يتعلق باستمرار الحرب وأهدافها ما تزال هناك وحدة في المجتمع الإسرائيلي، ولا يزال هناك اتفاق بين القيادات الرئيسية وأيضًا بين المستويين السياسي والعسكري، على الرغم من الخلافات التي بدأت تظهر جليًا، خصوصًا بعد ظهور نتنياهو وحيدًا في المؤتمر الصحفي الأخير

وفيما توقع أنه سيكون لهم شأن في السياسة القادمة، ورأى أنّه قد يكون من المستحيل إعادة انتخاب نتنياهو، لفت إلى وجود ظاهرة لافتة وهي المطالبة بالانتخابات وتغيير رئيس الوزراء في زمن الحرب، وهذا ما يناقض الحديث عن "انهيار مؤسساتي" في إسرائيل.

وقال: "هذا لا يعني أن إسرائيل أصبحت دولة ديمقراطية، لكن بنية النظام الداخلي الإسرائيلي تعددية". لكنه استبعد الذهاب إلى انتخاب في الوقت الحالي، وفي زمن الحرب، وإن رجّح ألا يتأخّر إسقاط نتنياهو كثيرًا بعد انتهاء الحرب، وخلال عام 2024.

بايدن "اتخذ قرارات صهيونية واحتضن نتنياهو"

على مستوى المواقف الغربية من الحرب على غزة، انتقد الدكتور عزمي بشارة مجدّدًا موقف الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال إنّه "اتخذ قرارات صهيونية، واحتضن نتنياهو احتضانًا كاملاً"، مشيرًا إلى أنّه "ردّد ما يقوله من أكاذيب حول ما جرى في 7 أكتوبر كالببغاء، ولم يحاول أن يتخذ أي مسافة نقدية".

ولفت إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، "الذي لا يقلّ صهيونية كما يبدو" عن بايدن، تبنّى المواقف نفسها، حتى إنّه اتخذ أخيرًا قرارًا بلا سبب بتمرير مساعدات لإسرائيل من دون المرور عبر الكونغرس، وهو ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام.

ورأى أنّ الموقف الأميركي بالمجمل ما زال سيئًا، وإن سجّل تغييرًا نسبيًا على خطه عبر طلب الولايات المتحدة من إسرائيل الانتقال بسرعة إلى ما يسمّونه المرحلة الثالثة، وقد جاء ذلك وفقًا لبشارة، "نتيجة لإنجازات المقاومة على الأرض ونتيجة للتحول الكبير في الموقف من القضية الفلسطينية على مستوى الشارع في الدول الغربية".

الموقف الأوروبي وخفض سقف الحريات

وفيما رأى أنّ حركات الاحتجاج الرئيسية هي في أوروبا والولايات المتحدة، انتقد بشارة الموقف الأوروبي أيضًا، الذي يتسلّل من بوابة "المعاداة للسامية"، معتبرًا أنّ العقدة الحقيقية على صعيد الموقف الأوروبي تبقى في ألمانيا، وهي ذات خلفيّات تاريخية، بدأت منذ الوحدة الألمانية.

وقال: "لم يحصل نقد حقيقي لتاريخهم لأنهم يواصلون السياسة السابقة لكن ضد المسلمين والأجانب، وبالتالي لا يوجد نقد ذاتي حقيقي، فهم فقط قاموا بعملية إزاحة وهذه خدعة كبيرة".

واعتبر أنّه من المهم جدًا ألا يسمح الأجانب في أوروبا والمسلمون عمومًا بوضع إملاءات ومعايير وسوابق جديدة تخفض سقف الحريات وهذه معركة مصيرية، ويجب أن تُحسم في هذا الوقت.

ورأى أنّ هذا الأمر ينطبق أيضًا على فلسطينيي الداخل، إذ إنّ إسرائيل تحاول أن تستغلّ موضوع الحرب والهستيريا الموجودة لتحديد علاقة جديدة مع العرب في الداخل وتخفيض سقف الحريات. وتحدّث في هذا السياق عن محاولة لإعادة صياغة قواعد اللعبة لتخفيض سقف الحريات، "وهذا لا يجب أن يمرّ".

شدّد بشارة على أنّ إسرائيل لا تستطيع الدفاع عن نفسها عبر القول إنّ أفعال الإبادة الجماعية ارتُكِبت في زمن الحرب
شدّد بشارة على أنّ إسرائيل لا تستطيع الدفاع عن نفسها عبر القول إنّ أفعال الإبادة الجماعية ارتُكِبت في زمن الحرب

الموقف الروسي "انتهازي"

وتوقف بشارة أيضًا عند الموقف الروسي الذي وصفه بالمجمل بـ"الانتهازي"، معتبرًا أنّ ما وُصِف سابقًا بالموقف "الجيّد" في مجلس الأمن كان في الحقيقة موقفًا ضد الولايات المتحدة وليس ضدّ إسرائيل.

وفيما رأى أنّ الولايات المتحدة عرّضت نفسها لذلك بتبعيتها العمياء للموقف الإسرائيلي، لفت إلى أنّ العلاقات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "ممتازة"، لافتًا كذلك إلى وجود تنسيق إسرائيلي روسي في سوريا.

ولاحظ في هذا السياق أنّ إسرائيل لم تتخذ موقفًا ضد روسيا على خلفية حرب أوكرانيا رغم كل ممارسات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكس التي وصلت حدّ التوسّل.

وختامًا، رأى بشارة أنّ من أهمّ ما خرجت به هذه الحرب من أمور إيجابية، إلى جانب أداء المقاومة المشرّف في مواجهة الكارثة الكبرى المتمثلة في معاناة المدنيين في قطاع غزة، هو عودة القضية الفلسطينية لتحتلّ صدارة عالمية إلى حدّ ما.

واعتبر أنّ أهمية هذا الموضوع، لا تكمن في وجود رغبة بـ"صنمية القضية"، وإنما منع "تهميشها"، كما كان يخطط البعض، مشيرًا إلى أنّ الأمر الإيجابي الثاني الذي حصل يتمثّل في حركات الاحتجاج والتضامن. وشدّد على أهمية التركيز على فكرة "عدالة القضية"، فالمهمّ هو كيف تجعل ذلك حالة دائمة، وليس مؤقتة تتبدّد مع الوقت.

وقال: "جنوب إفريقيا مثلاً لا تتضامن معنا لأسباب دينية أو غيبية أو حتى مصلحية، وإنما تتضامن لأنّ هذه قضية عادلة"، مضيفًا: "يجب أن نصوغ خطابنا حول قضيتنا بلغة العدالة حتى يحصل تزامن وتشابك في الوقت ذاته بيننا وبين كل المتضامنين معنا لتصبح فعلاً هذه الحركة تاريخية قادرة على التغيير".


تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع المفكر العربي عزمي بشارة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، التي سلط فيها الضوء على أهمية خطوة جنوب إفريقيا برفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة وأسباب عدم اتخاذ الدول العربية لخطوة مماثلة، كما ناقش مسار الحرب وتطور الموقف الأميركي وأسباب تغير موقف روسيا من رفضها للحرب في بدايتها إلى وصف أهدافها بأنها مشابهة لأهداف الحرب الروسية على أوكرانيا.

المصادر:
العربي

شارك

Close