الخميس 9 مايو / مايو 2024

عزمي بشارة: عودة السلطة لإدارة غزة غير ممكنة دون القبول بشراكة حماس

شدّد الدكتور عزمي بشارة في حديثه للعربي على أن الولايات المتحدة لا تعمل على وقف الحرب بل على تغيير قواعدها
شدّد الدكتور عزمي بشارة في حديثه للعربي على أن الولايات المتحدة لا تعمل على وقف الحرب بل على تغيير قواعدها
عزمي بشارة: عودة السلطة لإدارة غزة غير ممكنة دون القبول بشراكة حماس
عزمي بشارة: عودة السلطة لإدارة غزة غير ممكنة دون القبول بشراكة حماس
الإثنين 4 مارس 2024

شارك

أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة أنّ حلفاء إسرائيل باتوا يشعرون بحرج حقيقي من تصرفاتها، في إشارة إلى المجازر التي ترتكبها، وآخرها مجزرة شارع الرشيد التي أيقظت ما تبقى من ضمير عالمي.

وأشار بشارة في حديث إلى "العربي"، ضمن التغطية المفتوحة للعدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة، إلى أنّ الولايات المتحدة لا تعمل على وقف الحرب، بل على تغيير قواعدها، في حين أنّ إسرائيل تريد استكمالها بالأساليب الحالية.

وفيما لفت إلى أنّ الإدارة الأميركية الحالية أثبتت أنها عاجزة عن تقييد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووضعه عند حده، شدّد على أنّ إنزال المساعدات بالطائرات إلى قطاع غزة إهانة وتواطؤ مع أساليب إسرائيل المتمثلة في التجويع والحصار.

ورأى بشارة أن إسرائيل لا تريد إطلاقًا عودة أي مظهر من مظاهر التنظيم والإدارة في قطاع غزة، متحدّثًا في هذا السياق عن إصرار إسرائيلي على التحكم بحركة الناس من الجنوب إلى الشمال والعكس حتى في فترة الهدن، في حال تمّ إبرامها.

وجدّد التأكيد على ضرورة استغلال وجود القضية الفلسطينية في مركز الاهتمام الدولي، وذلك من خلال وجود قيادة فلسطينية موحدة. وإذ تحدّث عن حشد عالمي غير مسبوق لصالح قضية فلسطين، لفت إلى أنّه لا يمكن للسلطة الفلسطينية العودة إلى إدارة قطاع غزة من دون القبول بحماس شريكًا أساسيًا.

أكد الدكتور عزمي بشارة أن حلفاء إسرائيل باتوا يشعرون بحرج حقيقي من تصرفاتها
أكد الدكتور عزمي بشارة أن حلفاء إسرائيل باتوا يشعرون بحرج حقيقي من تصرفاتها

مفاوضات الصفقة.. بين ضغط العالم ومناورات نتنياهو

من المفاوضات المستمرّة للتوصل إلى ما بات يُعرَف بـ"هدنة رمضان"، انطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه لـ"العربي"، حيث تحدّث عن ضغط عالمي شديد يدفع نحو هذه الهدنة، خصوصًا بعد الإحراجات التي تسببها إسرائيل لحلفائها بارتكاب مجازر وموبقات من دون أي روادع كما حصل في شارع الرشيد الذي أيقظ فعلاً الضمير العالمي إذا كان هناك من ضمير عالمي.

ورأى بشارة أنّ ازدياد نسبة الجرائم أصبح على ما يبدو دافعًا لحصول حراك، رغم أنّ الجريمة الإسرائيلية ممتدّة بلا توقف منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، معتبرًا أنّ ما وصفها بمذبحة الجوعى ومن ينتظرون الطعام فعلت فعلها في هذا الإطار، ولا سيما في ظلّ قناعة بأنّ إيقاف الحرب ولو مؤقتًا من خلال هدنة معيّنة يخفف الحرج عن حلفاء إسرائيل.

لكنّه اعتبر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير معنيّ بذلك ويحاول الاستمرار بالحرب، فهو يخشى أن انقطاعًا طويلاً فيه وقف إطلاق نار شامل وحقيقي قد يصعّب العودة للحرب، مشيرًا إلى أنّه يفضّل تهدئة من النوع الذي تتحكم به إسرائيل أي تهدئ بمبادرتها وتعود للقصف متى شاءت، وهو يفضّل هذا الخيار على إملاء كامل على إسرائيل.

وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ نتنياهو ما زال يناور، معتبرًا أنّ كل ما يفعله الآن قد لا يكون سوى مناورة لتحصيل شروط أفضل. وفي حين لفت إلى أنّ نجاحه كما فشله في عرقلة ما يجري يبقى احتمالاً، رأى أنّ التكتيك الذي يعتمده يقوم على أنّه إما ينجح، أو على الأقل إذا فشل يحقّق أفضل شروط ممكنة لإسرائيل.

الولايات المتحدة "لا تسير باتجاه" وقف الحرب

واعتبر بشارة أنّ مدى جدية الولايات المتحدة يبقى على المحكّ، لكنّه رأى أنّ الإدارة الأميركية الحالية أثبتت أنها عاجزة عن تقييد نتنياهو أو لجمه أو وضعه عند حده. ونبّه إلى أنّ عدم وقف إطلاق النار بهذه الظروف سيكون مسًا كبيرًا بهيبة هذه الإدارة، خصوصًا بعد "تورّط" الرئيس جو بايدن في تحديد الإثنين موعدًا لحصول أمر ما.

ومع ذلك، رأى بشارة أنّ الولايات المتحدة لا تسير باتجاه وقف الحرب، وإنما تعمل على تغيير قواعد الحرب بمعنى وقف هذا النوع من الحرب، في حين أنّ إسرائيل تريد الاستمرار بطريقتها وبالأساليب الموجودة. وأشار إلى أنّ كلاً من أميركا وإسرائيل ترفضان الوعد بوقف الحرب.

وأوضح في هذا السياق أنّ كل ما يمكن الحصول عليه في المفاوضات بموجب المسار الموجود هو مفاوضات في المرحلة التالية من الهدن على وقف إطلاق النار، وليس وعدًا بوقف إطلاق النار بعيدًا عن الحديث الأميركيّ عن "صعوبة" العودة إلى الحرب بعد هدنة طويلة، وهو حديث لا يقترن بأيّ ضمانات فعليّة أو ملموسة.

ثمّة ضغط عالمي شديد على إسرائيل، خصوصًا بعد الحرج الذي تسبّبه لحلفائها بارتكاب مجازر وموبقات من دون أي روادع كما حصل في شارع الرشيد الذي أيقظ فعلاً الضمير العالمي إذا كان هناك من ضمير عالمي

وأكّد أنّ الحديث هو عن هدنة طويلة، لكن على خطّها ثمّة صراعات لم تُحسَم بعد، حول أعداد الأسرى والعودة إلى الشمال والإغاثة وإعادة البناء إضافة إلى تموضع الجيش الإسرائيلي أثناء الهدن. وأوضح أنّ إسرائيل تصرّ على التحكم بحركة الناس من الجنوب إلى الشمال والعكس حتى في فترة الهدن، معتبرًا أنّ ما يحصل حاليًا يفسّر جزءًا من أنواع القصف التي تجري.

وشرح أنّه في كل تهدئة بسيطة تعود أوساط من حكومة غزة السابقة إلى محاولة تنظيم الحياة، وكلما أدركت إسرائيل ذلك تعود للقصف فورًا، مشدّدًا على أنّ الإسرائيليّين لا يريدون إطلاقًا أي مظهر من مظاهر عودة السلطة التي كانت تدير غزة إلى إدارة أي حي من أحيائها.

ولفت إلى وجود تقدير لدى إسرائيل بأنّ جزءًا أساسيًا من نشطاء حركة حماس تمركزوا في رفح ويريدون القبض عليهم، ولذلك فإنّ التحكم بالحركة بالنسبة لهم ضروري من هذه الزاوية، لأن حرية الحركة تعني حرية عودة انتشار عناصر من الحركة والقسام أو حتى الإدارة السابقة، ولو كانت مدنية.

لكنه اعتبر أنّ حركة السكان بحد ذاتهم لا تهمّ الإسرائيليين، بل على العكس يريدون حركة لأنهم يريدون أن يخف عدد السكان في رفح ليقوموا بعمليات عسكرية هناك.

زيارة غانتس إلى أميركا.. "تمرّد" على نتنياهو؟

وفي سياق الحديث عن الموقف الأميركي، توقف الدكتور عزمي بشارة عند استضافة واشنطن لعضو مجلس الحرب بيني غانتس، معتبرًا أنّ الحديث عن "تمرّد" يقوم به الأخير ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس دقيقًا، لأنّه أصلاً ليس تحت مظلة نتنياهو.

وأوضح أنّ غانتس دخل كابينت الحرب من منطلق ما يعتبرونه هم مسؤولية قومية ليحافظ على وضعه كمنافس لنتنياهو، "لأنه في زمن الحرب أن تكون معارضًا يعني أنك لن تفوز بالانتخابات القادمة في إسرائيل". وبهذا المعنى، رأى أنّ نتنياهو بدأ يدرك أنه أخطأ حين ضمّ معارضيه إلى مجلس الحرب، فهو يريد أن يستفرد بإدارة الحرب لاعتباره أنّ من يقود الحرب شعبيته ترتفع.

وأشار بشارة إلى أنّ غانتس يتجاوب أيضًا مع قاعدته الاجتماعية في الشارع التي تمقت نتنياهو، معتبرًا أنّه يريد أن يتمايز، وأفضل طريقة للتمايز بالنسبة للسياسي الإسرائيلي أن تكون له علاقة مميزة مع الولايات المتحدة.

ولاحظ أنّ الإدارات الأميركية، وتحديدًا الديمقراطية منها، غير معنيّة بنتنياهو الذي يُعَدّ مشاكسًا على مستوى عدم تفهّمه بالحدّ الأدنى لمصالح أميركا في المنطقة، بل إيحائه أنه يفهم مصالحها في المنطقة أكثر منها، وأنه يجب أن يُستشار في الأمور المرتبطة بعلاقة الولايات المتحدة مع دول المنطقة، "وهذا غير مريح لواشنطن".

وذكّر في هذا السياق بما فعله نتنياهو في مرحلة الاتفاق النووي مع إيران، حين ذهب إلى الكونغرس ليخطب ضد رئيس الولايات المتحدة في عقر داره، وهو ما يتكرّر اليوم بصورة أو بأخرى حين يعتبر أنّ نصائح أميركا تؤدي إلى هزيمة إسرائيل.

رأى بشارة أن الإدارة الأميركية أثبتت أنها عاجزة عن تقييد نتنياهو ووضعه عند حده
رأى بشارة أن الإدارة الأميركية أثبتت أنها عاجزة عن تقييد نتنياهو ووضعه عند حده

احتمال الانتخابات في إسرائيل.. "وارد" في زمن الحرب

استنادًا إلى ما تقدّم، رأى بشارة أنّ استضافة غانتس تدل على عدم رضا أميركي عن سلوك نتنياهو، ولو بقي ذلك من دون ضغط فعليّ عليه، كما تدلّ أيضًا على إعطاء غطاء ودعم لغانتس في أي انتخابات مقبلة، ملاحظًا أنّ الرئيس السابق دونالد ترمب نفسه بدأ يصرّح تصريحات فيها عدم ودّ لنتنياهو بالحدّ الأدنى، بوصفه "ناكرًا للجميل".

وردًا على سؤال حول ما إذا كان ذلك يمكن أن يشكّل مدخلاً لإجراء انتخابات في إسرائيل حتى في زمن الحرب، لفت بشارة إلى أنّ إسرائيل مقبلة على أزمة حكومية وبرلمانية، وذلك على خلفية تجديد مرسوم إعفاء المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية، والذي يحين وقت تجديده خلال أسبوع أو أسبوعين.

وأوضح أنّ هذا المرسوم برلماني، وهو يصدر كأنه تشريع، لكن يجب أن يتجدد كل فترة، وقد حان وقت تجديده في حين يوجد خلاف على تجديده مختلط مع الصراع الذي كان قائمًا على الإصلاحات القضائية، قائلاً: "الأمور اختلطت ببعضها لكنها اتخذت شكل صراع علماني ديني في إسرائيل".

ولفت إلى أنّ المعسكر العلماني يضمّ أطرافًا تشمل وزير الأمن الحالي يوآف غالانت الذي يجب أن يحضر القانون وإذا لم يفعل تحصل أزمة حكومية حقيقية، مشيرًا إلى أنّه إذا حصلت أزمة من هذا النوع قد تجري الانتخابات هذا العام.

ورأى أنّ احتمال الأزمة وارد، "ولذلك ليس صدفة أن نتنياهو خرج بتصريح واضح ضد الانتخابات وقال إن الانتخابات تعني عدم تمكين إسرائيل من الانتصار في هذه الحرب"، وذلك على الرغم من أنّ الدول الديمقراطية تخوض انتخابات في زمن الحروب.

إلا أنّ بشارة اعتبر أنّ نتنياهو يحاول أن يتجنّب مثل هذا الخيار، "لأنه إذا حصلت انتخابات الآن سيخسرها بالتأكيد"، مستنتجًا أنّ احتمال الانتخابات ليس مؤكدًا، لكن بابها أصبح مفتوحًا أكثر من السابق.

غزة ما بعد الحرب ودور القيادة الفلسطينية

وتطرق المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى موضوع التحضيرات لغزة ما بعد الحرب، وما يعدّه الفلسطينيون لهذه المرحلة، حيث جدّد القول إنّهم ليسوا مستعدّين بعد لذلك، واصفًا الوضعين العربي والفلسطيني في هذا السياق بـ"الكارثة والجرح الكبير".

وفيما لفت إلى أنّه "لو كان الوضع الفلسطيني أفضل لتمكنّا من التعويض عن جزء من الكارثة في الحالة العربية حتى بعد مجازر الجوع والتجويع"، تطرق إلى اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو، حيث اعتبر أنّه كان جيّدًا، لناحية أنه لم يكن فيه تراشق تهم، كما صدر عنه بيان سياسي جيد.

إلا أنّه لاحظ أنّ هذا الأمر ليس بجديد، فقد سبق أن انتهت اجتماعات للفصائل بنتائج موازية، قبل أن يتوقف كل شيء عندما يصل الأمر إلى السلطة، "وكأنّ هناك فصلاً بين الفصائل بما فيها حركة فتح والسلطة الفلسطينية". وبالتالي، رأى أنّ الروح الوطنية تغلبت في الاجتماع وظهرت في الخطاب السياسي، ولكنه اعتبر أنّه "لا يوجد لذلك نتائج عملية متعلقة باليوم التالي".

وجدّد بشارة في هذا السياق الدعوة إلى قيادة فلسطينية موحّدة في إطار منظمة التحرير في الطريق لإعادة بناء منظمة التحرير، تشكّل مرجعية سياسية لأي حكومة مقبولة دوليًا ومتوافق عليها وطنيًا يمكن أن تنشأ في المرحلة المقبلة، مشدّدًا على ضرورة استغلال فرصة وجود القضية الفلسطينية في سلم الاهتمام الدولي لفرض حل عادل نسبيًا، أو على الأقل إحباط أي إمكانية لفرض أوسلو جديد على قطاع غزة أسوأ من أوسلو القديم.

وقال: "هذا يمكن التصدي له إذا تجاوزنا الانقسام ليس فقط بين فتح وحماس وإنما الانقسام بين الضفة وغزة"، مضيفًا: "يجب الانتباه لذلك والطريق الوحيد أن يكون هناك قيادة فلسطينية موحدة من كل فئات الشعب الفلسطيني بما يتيح تحويل الكارثة إلى فرصة".

هل تقبل السلطة بحماس "شريكًا سياسيًا أساسيًا"؟

ونوّه بشارة في هذا السياق، بأنّ القضية الفلسطينية لم تشهد في السابق أي تحشيد لصالحها كما هو اليوم بمعزل عن الظروف، "لكن كلّ هذا نفوّته إذا كانت هنالك قيادة فلسطينية في غزة مكسورة الجناح مستعدة لإعطاء شرعية لقوى مدنية مستعدة أن تكون وكيلاً للاحتلال في قطاع غزة، وهو ما يتمّ التخطيط له، من دون أن تظهر ردود حاسمة عليه".

وقال: "إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية مستعدًا للتصدّي فهذا هو الطريق. أما الطريق الآخر فيؤدي إلى انفصال لأنه لا يمكن أن تعود السلطة الفلسطينية الموجودة الآن في رام الله للسيطرة على قطاع غزة من دون قبول حركة حماس حتى بعد الحرب"، مضيفًا: "يجب أن تقبل بحماس شريكًا سياسيًا في صنع القرار بغض النظر عن نتائج الحرب".

وأردف: "في النهاية هذا طرف يعاني الآن في غزة ويتعرض لحرب إبادة ولكن يبقى طرفاً سياسيًا أساسيًا قام بكل هذه المقاومة ويفترض أن يكون شريكًا في صنع القرار، ولذلك فإنّ أي حل آخر هو اتجاه نحو الكارثة".

أكد بشارة أن إسرائيل لا تريد إطلاقًا عودة أي مظهر من مظاهر التنظيم والإدارة في قطاع غزة
أكد بشارة أن إسرائيل لا تريد إطلاقًا عودة أي مظهر من مظاهر التنظيم والإدارة في قطاع غزة

"خطة عمل وشركاء عرب"

واعتبر بشارة أنّ كل الاتفاقيات التي حصلت منذ وثيقة الأسرى، أثبتت أنّه في الإمكان التوصل إلى صيغة سياسية متوافق عليها، ملاحظًا أنّ المشكلة في السابق كانت متعلقة بأجهزة الأمن والسيطرة عليها، وبصياغات وُضِعت للعرقلة أساسًا، كصياغة الشرعية الدولية وضرورة الاعتراف بها، أو الالتزام بأوسلو رغم أنّ أوسلو انتهى وإسرائيل لا تعترف به".

وقال: "لو توافرت الإرادة، لن تكون مثل هذه الأمور عراقيل فعليّة، ولا سيما أننا نواجه حرب إبادة متعلقة بوجود الكيانية الوطنية الفلسطينية"، مضيفًا: "بعد هذه الحرب سيُطرح سؤال حول وجود كيانية وطنية فلسطينية فإسرائيل تريد كيانًا في غزة وكيانًا في الضفة وكلاهما تحت إشرافها".

وفي السياق، لاحظ بشارة أنّه يُسمَح الآن لأطراف معينة أكثر من غيرها بإدخال المساعدات، في سبيل "تبييض صفحة فئات معينة ودول معينة لدى أهل غزة"، مشيرًا إلى أنّ الناس في غزة يريدون المساعدات بغض النظر من أين تأتي، وبالتالي "إذا لم تكن هناك وحدة وطنية فلسطينية يمكن أن تنجح هذه الفكرة".

وفيما رأى أنّ ما يعانيه السكان في غزة لا يمكن وصفه، حذر من أن المعاناة والخسارة إذا تغلّبت، يمكن أن تنجح إسرائيل في فرض الهزيمة، التي ستكون نتائجها السياسية واضحة وهي إملاءات إسرائيلية عربية أميركية لإنهاء قضية فلسطين والعودة إلى التطبيع". لكنه لفت إلى أنّ الاحتمال الآخر هو أن تتغلب القوة والإرادة للإصرار على حل عادل، "وهذا أيضًا ممكن".

وشدّد على أنّ الموضوع في نهاية الأمر موضوع إرادة وحكمة سياسية وواقعية، مضيفًا: "الآن لا تستطيع أن تطعم الناس شعارات، والناس ترفض المتاجرة بقضيتها، لكن المطلوب الموازنة بين الاهتمام بالقضايا الحياتية واليومية، والإصرار على العدالة"، منبّهًا إلى أنّ "هناك خطة عمل وفيها شركاء عرب"، على حدّ وصفه.

تهمة اللاسامية.. وعقدة الذنب الأوروبية

واستحوذت تهمة اللاسامية التي يستخدمها الإسرائيلي لإسكات الناس حول العالم على حيّز واسع من النقاش، حيث عاد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى جذور القضية، لافتًا إلى أنّ اللاسامية ظاهرة أوروبية لها مصادر مختلفة، أهمها مصدر ديني منذ العصر الوسيط، كما لها أسباب اجتماعية في سياق محاولة شق صفوف النضال الاجتماعي، إضافة إلى جذورها العرقية.

ولفت بشارة إلى أنّ كل هذه العوامل "لا تعرفها منطقتنا"، مشيرًا إلى أنّ الحضارة الإسلامية بعيدة جدًا عن أوروبا في هذا الموضوع، حتى لو كان هناك اضطهاد للأقليات في بلادنا. وأوضح أنه لم يكن هناك عداء لليهود بوصفهم يهودًا أو تمييز لهم عن بقية الأقليات، مشيرًا إلى أنّ الفلسطينيين لم يقاوموا الاستعمار الاستيطاني لأنّ المستعمرين يهود، "ولو كان المستعمرون مسيحيين أو بوذيين أو هندوسيين لقاوموهم أيضًا"، وبالتالي فإنّ "اليهودية ليست هي السؤال".

إنزال المساعدات إلى قطاع غزة بالطائرات يشكّل "إهانة"، وهو يعكس وجود تواطؤ في أساليب الضغط على حماس التي تشمل التجويع ومحاصرة الناس بقطع الكهرباء والماء والطعام

ومع تأكيده أنّ قضية اللاسامية لم تعد موجودة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ليس فقط لأنّ القوانين تمنع ذلك، بل لأنّ الناس باتوا مقنعين بأنّ ما تم في الهولوكوست جريمة حقيقية يجب ألا تتكرر، شدّد على أنّ إسرائيل تصرّ على استخدام اللاسامية لربح المعركة في أوروبا وتقمّص دور الضحية.

ورأى أنّ ذلك "مريح أيضًا لأوروبا لأنه يحررها من عقدة الذنب ويلقي بها على جانب آخر تمامًا"، موضحًا أنّه بهذا التكتيك، "فبدل أن تحاسب نفسك على التاريخ تزيح التهمة إلى مكان آخر وحضارة أخرى، وهو ما يلتقي مع تنامي العداء للمهاجرين العرب والمسلمين". وقال: "إسرائيل بهذا الموضوع ركبت على موجة عداء أصلاً موجودة وعلى رغبة الأوروبي بالتحرر من عقدة الذنب".

ماذا يعني "قمع" إسرائيل لمعارضيها في أوروبا؟

وفيما رأى الدكتور بشارة أنّ تهمة اللاسامية أصبحت تُستخدم كنوع من الإرهاب والقمع الفكري، تحدّث عن "جانب غير مظلم" في الأمر، وهو حاجة إسرائيل إلى استخدام أدوات الدولة لقمع المعارضين لها في أوروبا، بمعنى أن إسرائيل باتت مضطرة لاستعمال أدوات قمعية للتعامل مع معارضيها في أوروبا.

وأوضح أنّ قضية إسرائيل كان يفترض أنّها أصبحت حتى بعد حرب 1967 "قضية منتصرة في أوروبا"، لكنّ الأمر لا يبدو كذلك اليوم، حيث بات الإسرائيلي يسعى إلى إخافة الناس وتهديدهم لمنعهم من التعبير عن رأيهم. وقال: "أصبحت حجج إسرائيل ضعيفة لدرجة أنها تستخدم القوة، وبالتالي فإنّ محاولة فرض هذه الأدوات من جديد دليل ضعف ويثبت أنّ فيها تطهّرًا ذاتيًا أننا نلقي بالذنب على الآخرين".

ورأى بشارة أنّ المبادئ والأخلاقيات لم تكن يومًا هي المقرّر في السياسة، موضحًا أنّ "محاسبتنا للسياسة من منطلقات أخلاقية ضرورية لكن هذا لا يعني أنّ الدول تتحرك بموجب الأخلاق". وقال: "هم مُحرَجون الآن، وبهذا المعنى فإنّ النضال الآن في المجتمعات الغربية مهم، لأنّ عملية طوفان الأقصى أظهرت مدى أهمية الحلف الغربية لإسرائيل التي لا تستطيع الصمود لأسبوع من دونه".

واستنادًا إلى ما تقدّم، شدّد بشارة على وجوب صياغة القضية بلغة العدالة والحرية والمساواة وغيرها من المبادئ التي يدّعي الغرب أنه يتبنّاها، وذلك لإثبات أن ما يقومون به يخالف هذه المبادئ، معتبرًا أنّه لا يجب الاكتفاء بالخطاب، بل أن يكون هناك قدرة على التأثير على المصالح.

ولفت إلى أنّ مثل هذا التأثير يتمّ إما من خلال التأثير على السياسة الداخلية في الدول الغربية، "وهذا ممكن في الدول الديمقراطية مع صعوبته"، أو من خلال التأثير على المصالح الخارجية عبر الدول العربية، وهو ما اعتبره "أصعب"، لأنّ الدول العربية لن تتحرك، "ويجب أن تنتهي هذه التوقعات المقترنة بإحباطات وخيبات من الدول العربية"، وذلك على الرغم من حديثه عن وجود "قدرة عربية غير مستغَلّة"، وهو ما عزاه إلى "المصالح".

لاحظ بشارة أن إسرائيل باتت مضطرة لاستعمال أدوات قمعية للتعامل مع معارضيها في أوروبا
لاحظ بشارة أن إسرائيل باتت مضطرة لاستعمال أدوات قمعية للتعامل مع معارضيها في أوروبا

"مكارثية جديدة"

وفي السياق، رأى بشارة أنّ إنزال المساعدات إلى قطاع غزة بالطائرات يشكّل "إهانة"، معتبرًا أنّه يعبّر عن عدم وجود رغبة في الضغط على إسرائيل، لكنه قبل ذلك يعكس وجود "تواطؤ في أساليب الضغط على حماس التي تشمل التجويع ومحاصرة الناس بقطع الكهرباء والماء والطعام"، مشدّدًا على أنّ الهدف منه إعلامي.

وفي حين لفت إلى أنّ دائرة المتضامنين مع غزة والمشمئزين من الإجراءات الإسرائيلية وحتى طريقة إدارة الحرب تتسع، شدّد على وجوب تقوية الحركات النضالية والحفاظ عليها، بل "يجب أن نحارب لنثبت أنّ رأينا صحيح، وليس فقط أنّ حقنا أن نعبّر عنه، بمعنى أن نحارب لنقول إنّ هذا نظام أبارتايد فعلاً، وهذه إبادة جماعية، وليس فقط أنّ من حقنا أن نقول ذلك".

وأوضح أنّ المطلوب بهذا المعنى هو الانتقال من الدفاع إلى الجنوب، منوّهًا بأنّ ما فعلته جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية مثلاً أنها جعلت موضوع الإبادة موضوعًا رسميًا يمكن نقاشه، وذلك من خلال المحاججة العقلانية حول صحة الموقف.

ولفت إلى حصول شيء مهمّ وله أثر تراكمي بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة، وتعرض المسلمين للكثير من المضايقات والملاحقات، حيث نشأت عدّة مؤسسات وأثبتت نفسها، معربًا عن اعتقاده بأنّ الجاليات المسلمة والعربية في أوروبا ستفعل ذلك أيضًا دفاعًا عن مصالحها ضد هجمات اليمين المتطرف.

وأشار في السياق نفسه إلى أنّ "تعلّم فكرة جمع الأموال الصغيرة من الجاليات وإقامة صناديق تدافع عنهم وعن أبنائهم وعن حقوقهم هو أمر ناقص ويجب المبادرة إليه"، معتبرًا كذلك أنّ "موضوع ترتيب الخطاب في الموضوع الفلسطيني مهم جدًا لأن الطريق مليء بالفخاخ".

وخلص إلى وجود ما وصفها بـ"المكارثية الجديدة" تشبّهًا بتلك "المكارثية" التي قادها السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي بين 1947 و1954، الذي تصدى في حينه لما يسمى "الخطر الشيوعي" عبر التحقيق والمراقبة والكشف عن المتعاطفين مع الشيوعية.

وقال: "لديّ قناعة أنّ ما يجري الآن يشبه تمامًا المشاهد في أفلام هوليوود حول أيام السيناتور الشهير جوزيف مكارثي"، في إشارة إلى تهمة اللاسامية التي تستخدم منصّة أساسية لمحاصرة أي فعل تضامني، خصوصًا في الحقل الأكاديمي. ولفت في السياق إلى ممارسات الكونغرس الأميركي، ومن ذلك التحقيق مع رؤساء ثلاث جامعات بسبب موجات من التضامن مع غزة سواء من الأساتذة أو الطلاب.

المواطن العربي "مغلوب على أمره"

وتوقف بشارة في ختام حديثه لـ"العربي" عند ما يقوم به المواطن العربي في الدول العربية لدعم الغزيين، حيث اعتبر أنّ المواطن العربي مغلوب على أمره نتيجة لطبيعة الأنظمة وفشل الانتفاضات والثورات العربية وازدياد الاستبداد.

وقال: "لكي يتجاوز تأنيب الضمير أحيانًا الناجم عن عدم التحرك يخلق انتصارات وهمية، لكن من الصعب أن نتجنّب القول إنّه لا يوجد تضامن كافٍ في الوطن العربي مع فلسطين، وكان المتوقع أفضل من هذا".

وإذ ذكّر أنّه في بداية الحرب، كان يقول بأنّ خروجًا شعبيًا عربيًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني يمكن أن يؤثر حتى على الولايات المتحدة لأنها تخشى على استقرار أنظمة حليفة لها"، أشار إلى أنّه لا يشكّ بالتضامن العربي الشعبي مع فلسطين، وهو ما أثبتته استطلاعات الرأي التي أجراها المركز العربي في عدة دول عربية وأيضًا بعيّنة تجاوزت 15 ألف.

وقال: "التضامن كاسح، وهناك إجماع على التضامن مع فلسطين، لكن الظروف في الدول العربية اليومية والمعيشية والمعاناة في بعض الدول كما في السودان واليمن وليبيا تلعب دورها، كما أنّ التضامن الشعبي في الدول السلطوية له ثمن وهو ثمن غالٍ".

وردًا على سؤال، أكد بشارة أنّ التطبيع مستمرّ ولم يتوقف، فالدول التي طبّعت لم تتراجع، وبقيت الدول التي كانت مرشحة للتطبيع، وهذا يتوقف على كيفية التعامل مع الوضع، "فإذا نشأت سلطة تتحدث باسم المقاومة وباسم الضحايا وترفض التطبيع وتطرح الموقف الفلسطيني الموحّد سيكون من الصعب على أحد أن يواصل هذه الموجة".

وشدّد على أنّ الموقف الفلسطيني مهم جدًا وجوهري في هذا المضمار، "إذ لا تستطيع أن تطالب العرب بعدم التطبيع فيما تقوم أنت بالتنسيق الأمني مع إسرائيل". وفيما لفت إلى أنّ نيكاراغوا رفعت دعوى على ألمانيا بتهمة التواطؤ في إبادة جماعية، قال إنّ هذا الكلام يفترض أن يكون موجّهًا أيضًا للدول العربية التي يفترض أن توقف العلاقات مع إسرائيل.


تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع الدكتور عزمي بشارة، التي حاوره فيها الزميل خالد الغرابلي، وناقشت مجموعة من المحاور بينها مفاوضات الصفقة والمشهد داخل إسرائيل، وأزمة المساعدات ومجازرها وتوصيلها جوًا، إضافة إلى تهمة اللاسامية والمكارثية الجديدة.

المصادر:
العربي

شارك

Close