الإثنين 13 مايو / مايو 2024

عزمي بشارة: محكمة العدل الدولية تبنّت السردية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر

اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة في حديث لـ"العربي" أن محكمة العدل الدولية أكدت على الخطر المحدق بالفلسطينيين ووجود شبهة إبادة جماعية
اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة في حديث لـ"العربي" أن محكمة العدل الدولية أكدت على الخطر المحدق بالفلسطينيين ووجود شبهة إبادة جماعية
عزمي بشارة: محكمة العدل الدولية تبنّت السردية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر
عزمي بشارة: محكمة العدل الدولية تبنّت السردية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر
الإثنين 29 يناير 2024

شارك

أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضرورة التعاطي مع القرارات التي صدرت عن محكمة العدل الدولية بطريقة عقلانية، بعيدًا عن منطق الانتصار التاريخي أو خيبة الأمل الكبيرة.

ولاحظ في حديث إلى "العربي"، في إطار التغطية المفتوحة للعدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة، أنّ محكمة العدل الدولية تبنت السردية الفلسطينية لما حدث بعد السابع من أكتوبر، لافتًا إلى أنّها أكدت على الخطر المحدق بالفلسطينيين ووجود شبهة إبادة جماعية.

وشدّد بشارة على أنّ أي ضغط على إسرائيل لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني أمر مفيد في هذه المرحلة، داعيًا إلى أن تكون هناك تقارير فلسطينية أسبوعية توثق ما يجري على الأرض وتدحض ما تقوله إسرائيل في تقاريرها.

وفيما رأى أنّ قرار محكمة العدل الدولية منح غطاء دوليًا لمصر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، معتبرًا أنّ ما وصفه بـ"الاشتباك اللفظي" بين القاهرة وتل أبيب لا يغيّر في الواقع شيئًا، لفت إلى حصول تغيير ملحوظ في لهجة بعض الدول الغربية فيما يخص الدعم المطلق لإسرائيل.

وجدّد بشارة الحديث عن إجماع في إسرائيل بين القيادة السياسية والجيش على استمرار الحرب لفترة أطول، مشدّدًا على أنّ الولايات المتحدة لا تريد وقفًا نهائيًا لإطلاق النار وإنما تتحدث عن هدن إنسانية لفترات متفاوتة.

وفي حين لفت إلى أنّ المقترحات الأميركية تركز على إعادة مسار التطبيع من دون حل القضية الفلسطينية، اعتبر أنّ الحرب على غزة أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة ونسفت التصورات الأميركية عن التطبيع.

وشدّد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على أنّ دولة قطر تقوم بالوساطة لأهداف إنسانية ولا تمارس أي ضغط على حركة حماس، منتقدًا كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ينمّ عن عنصرية وغطرسة.

ورأى بشارة أنّ إسرائيل تنتهج استراتيجية تدمير قطاع غزة لجعله غير صالح للحياة ودفع السكان نحو التهجير، مشدّدًا على أنّ المنطقة العازلة التي تسعى إسرائيل لإقامتها في غزة جزء من تصورها لمرحلة ما بعد الحرب.

وتطرق إلى السلوك الأميركي والغربي بقطع الدعم عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، واصفًا إياه بأنّه جريمة حرب حقيقية في حق سكان غزة، ومعتبرًا أنّه نوع من العنصرية ومساهمة في جريمة إبادة جماعية.

ناقشت الحلقة الخاصة مع الدكتور عزمي بشارة قرارات محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل وتأثيرها في مسار الحرب، ومصير محادثات صفقة تبادل الأسرى
ناقشت الحلقة الخاصة مع الدكتور عزمي بشارة قرارات محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل وتأثيرها في مسار الحرب، ومصير محادثات صفقة تبادل الأسرى

نطاق النزاع يتوسع.. هل يتطور إلى حرب؟

من حادثة مقتل جنود أميركيين في هجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة في الأردن قرب الحدود مع سوريا، انطلق المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة في حديثه إلى "العربي"، حيث قلّل من خطورة الأمر، واضعًا إياه في سياق العديد من الهجمات المشابهة التي حدثت في السابق، وإن أدّت هذه المرّة إلى وقوع خسائر بشرية.

ولفت بشارة إلى أنّ هذه الهجمات تتكرّر بين الفينة والأخرى في إطار الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة عن طريق قوى أخرى، معتبرًا أنّها تبقى في سياق الأفعال وردود الأفعال، من دون أن تؤدي إلى نشوب حرب بأتمّ معنى الكلمة.

وأوضح أنّ الولايات المتحدة ليست معنية الآن في شن حرب على إيران، وإيران كذلك الأمر توضح طوال الوقت أنها ليست متورطة مباشرة، ملاحظًا في هذا السياق أن أجواء العدوان على غزة تداخلت مع هذه الأجواء لكن هذه الصراعات قائمة بغزة ومن دونها.

وأكد بشارة أنّ نطاق النزاع والصراعات يتوسّع على كل حال، من الجبهة اللبنانية المفتوحة، إلى السورية التي باتت مستباحة تقريبًا، وكذلك الصدام في اليمن، فضلاً عن العراق، حيث وصلت الصدامات إلى ذروتها قبل حرب غزة باغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس.

لكنّ بشارة أعرب عن اعتقاده بأنّ الأمر لا يمكن أن يتطور إلى حرب في سنة انتخابات أميركية، ملاحظًا في الوقت نفسه وجود صراع على الأراضي الإيرانية نفسها، حيث تدير إسرائيل بعض العمليات منذ سنوات، وإن بكثافة منخفضة مع قفزات في بعض الحالات.

محكمة العدل الدولية تبنّت السردية الفلسطينية لما حدث بعد السابع من أكتوبر، واستندت إلى المعطيات التي يستند إليها الخطاب الفلسطيني، وهو الخطاب الذي كان مرفوضًا تمامًا في الغرب، بل إنّ من يدّعيه كان يُتّهَم بالعداء للسامية

وبالحديث عن الموضوع اليمني، في ظل الهجمات التي يشنّها الحوثيون، والهجمات الأميركية البريطانية المضادة، لفت بشارة إلى تغيّر في النمط بعدما قررت الولايات المتحدة تجنيد شبه تحالف لتسديد ضربات ضد الحوثيين داخل اليمن من دون الوجود على الأرض.

ورأى أنّ الأميركيين تورطوا في ذلك بشكل أو بآخر لأنّ الحوثيين اعتبروا الأمر بمثابة حرب، وقرّروا الرد على الهجمات التي يتعرّضون لها، وبالتالي فإنّ هذه العملية مستمرة، معربًا عن اعتقاده بأنه ستكون هنالك سلسلة من الأفعال وردود الأفعال لكن لن تتحول إلى حرب إقليمية من النوع الذي يتحدّث عنه الإعلام بين الحين والآخر.

واعتبر بشارة أنّ الحوثيين حالة تثبت أنها فاعلة لأنها موجودة في منطقة استراتيجية جدًا هي مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهو ممر سفن تجارة عالمي، ومن هنا التأثير الرئيسي، وهذا إلى حد ما مؤلم. لكنّه رأى أنّ الولايات المتحدة تختار درجة التصعيد الذي تريد في الرد عليه.

قرارات محكمة العدل الدولية بين الانتصار والخيبة

ومن احتمالات الحرب الإقليمية الشاملة، انتقل الدكتور عزمي بشارة ليتحدّث عن التدابير التي اتخذتها محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب إفريقيا ضدّ إسرائيل، حيث انتقد ما وصفها بالزاوية "المغلوطة" التي استند إليها البعض في طريقة مناقشة هذه القرارات، سواء لجهة النظر إليها كأنها انتصار تاريخي، أو التعامل معها بوصفها خيبة أمل.

وفيما اعتبر أنّه يجب أن يكون التعاطي مع قرارات المحكمة عقلانيًا أكثر، ذكّر بأنّ من بادر أساسًا إلى المحكمة دولة غير عربية وهي دولة جنوب إفريقيا علمًا أنّ من يستطيع رفع دعوى من هذا النوع هو طرف موقّع على معاهدة منع الإبادة الجماعية ضدّ طرف آخر موقّع على المعاهدة، وبالتالي فإنّ العرب كانوا متفرّجين، ولم يساهموا في هذا المسار.

وبالحديث عن الوقائع المرتبطة بالمحكمة، لفت بشارة إلى أنّ إسرائيل اعترضت على الدعوى بعدّة حجج أولها أنه لا يوجد نزاع مع جنوب إفريقيا، وهو ما رفضته المحكمة، كما رفضت الحجج الأخرى المرتبطة بأنه لا يوجد إبادة جماعية على الإطلاق. ولاحظ في هذا السياق أنّ المحكمة سردت مجموعة من الوقائع التي يسردها الإعلام العربي، بمعنى أنّها تبنّت السردية الفلسطينية لما حدث بعد السابع من أكتوبر.

وفي حين لفت بشارة إلى أنّ المحكمة لم تستخدم اللغة السياسية لجهة توصيف عملية السابع من أكتوبر بأنها "إرهابية" مثلاً، أشار إلى أنّها استندت إلى المعطيات التي يستند إليها الخطاب الفلسطيني، وهو الخطاب الذي كان مرفوضًا تمامًا في الغرب، بل إنّ من يدّعيه كان يُتّهَم بالعداء للسامية، مضيفًا: "وافق على هذا السرد 15 قاضيًا من بينهم 5 قضاة من دول حليفة لإسرائيل وهذا مهمّ".

شدّد بشارة على أنّ أي ضغط على إسرائيل لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني أمر مفيد في هذه المرحلة
شدّد بشارة على أنّ أي ضغط على إسرائيل لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني أمر مفيد في هذه المرحلة

أمر غير مألوف في طريقة التعامل مع إسرائيل

وخلص بشارة انطلاقًا من ذلك، إلى أنّ ما قامت به جنوب إفريقيا كان فعلاً تضامنيًا من الدرجة الأولى مع الشعب الفلسطيني، في حين أنّ ما قام به القضاة هو أيضًا غير مألوف بالنسبة للخطاب العالمي في التعامل مع إسرائيل، كما لفت إلى أنّ القرار ملزم وبالتالي يمكن الذهاب به إلى مجلس الأمن واستخدامه في الخطاب الاحتجاجي.

ومع تأكيده بأنّ التدبير الأفضل الذي كان يمكن اللجوء إليه هو طلب وقف إطلاق النار، أشار إلى وجود عدّة تحليلات حول أسباب عدم قيام المحكمة بذلك، متحدّثًا عن مقارنات مع حالة روسيا وأوكرانيا، أو عن أنّ هذا الخطاب هو الذي يمكن أن يتفق عليه معظم القضاة، وقال: "ربما تدخل عامل سياسي من نوع ضغط أميركي على مندوبين غربيين للتوصل إلى تسوية من هذا النوع".

وإذ أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ إسرائيل ستدّعي في تقريرها ما تدّعيه، وتنكر خرقها للقوانين الدولية، شدّد على وجوب أن يكون هناك تقارير فلسطينية أسبوعية في المقابل تدحض التقارير الإسرائيلية، معتبرًا أنّ هذه المعركة سياسية إلى حدّ بعيد، وبالتالي فإنّ أيّ ضغط يخفّف من معاناة الناس في غزة مفيد في هذه المرحلة.

وتحدّث في هذا الإطار عن "وضع مزعج جدًا"، بين مقاومة تقاوم بصلابة وبطولة، وشعب يعيش حالة بؤس وتعاسة من كل الأنواع، مشيرًا إلى أنّ المقاومة رحّبت بقرارات محكمة العدل الدولية ولا يجوز المزايدة عليها، ومعتبرًا أنّ ما يكسر ظهر المقاومة هو معاناة الناس، وبالتالي كل ما يفيد في التخفيف من معاناة الناس هو جيد.

وأعرب عن اعتقاده بأنه إذا أخِذت هذه القرارات إلى مجلس الأمن كما هي ووُجدت آليات لتنفيذها فهي لن تواجَه بالفيتو، ملمّحًا في الوقت نفسه إلى أنّها ربما تواجه بالفيتو إذا أخِذت إلى مجلس الأمن تحت عنوان وقف إطلاق النار.

وقال إنّ إسرائيل تستطيع أن تدّعي أن المحكمة لم تأمرها بوقف إطلاق النار، لكنّ الجديد أنها لأول مرّة تُحاكَم بتهمة من هذا النوع وفيها تقويض لأساس وجودها الأخلاقي في العالم الغربي.

كيف يمكن البناء على قرارات المحكمة عربيًا؟

وأكد الدكتور عزمي بشارة في حديثه لـ"العربي"، أنّه يمكن البناء على قرارات محكمة العدل عربيًا، موضحًا أنّ الجانب المصري إذا زوّد غزة بالوقود أو بالطعام أو بالدواء فهو يطبّق قرارات المحكمة ويمنع إسرائيل من ارتكاب إبادة، أما إذا ترك الأمر لإسرائيل فهو يكون عمليًا يساهم بالإبادة.

وانطلاقًا من ذلك، اعتبر أنّ قرارات المحكمة منحت مصر غطاءً دوليًا بإجماع لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية، ومن هنا، دعا إلى ضغط على الأطراف العربية للتعاون مع القرارات الدولية بشأن منع إبادة الشعب الفلسطيني.

ومع ذلك، استبعد بشارة أن يكون أيّ تغيّر قد طرأ على الموقف المصري، حتى بعد التصريحات الإسرائيلية في المحكمة عن معبر رفح، معتبرًا أنّ ما وصفها بـ"الاشتباكات اللفظية" لا تغيّر من الموقف الحقيقي شيئًا.

ورأى أنّ التعبير الحقيقي للضيق المصري بالموقف الإسرائيلي يجب أن يكون بدعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، "إذا لم يكن بالذخيرة والسلاح وهذا لن يكون، فبالدواء والغذاء والكهرباء والطاقة، وهذا سيكون تطبيقًا لقرار المحكمة"، مؤكدًا أنّ إسرائيل لا يمكن عندها أن تقصف شاحنات مصرية عليها العلم المصري.

تحدث بشارة عن إجماع في إسرائيل بين القيادة السياسية والجيش على استمرار الحرب لفترة أطول
تحدث بشارة عن إجماع في إسرائيل بين القيادة السياسية والجيش على استمرار الحرب لفترة أطول

تغيّر ملحوظ في لهجة بعض الدول الغربية

من جهة ثانية، كشف بشارة أنّه لا يثق بمحكمة الجنايات الدولية لأنها لا تحاكم إلا المهزومين بل قال إنّه يخشى منها أن ترفع دعوى على حماس، معتبرًا أنّ المدعي العام شخص غير موثوق به في التعاطي مع قضية فلسطين، لكنه لفت إلى أنّ الجيد في قرار محكمة العدل الدولية أنها قطعت عليه الطريق أن يتخذ أي شيء سلبي.

وقلّل بشارة من التوقعات من القانون الدولي، ملاحظًا أنّ الأقوياء يراهنون على قوتهم بالدرجة الأولى، مشدّدًا على أنّ القوة الذاتية حاليًا منحصرة في المقاومة وبعض التضامن المستمرّ مع الشعب الفلسطيني.

وفي سياق متصل، تحدّث بشارة عن مبادرات جيدة في الولايات المتحدة لجهة رفع قضايا داخل الولايات المتحدة، معتبرًا أنّ هذه المبادرات بحد ذاتها سواء نجحت أم لا هي مهمّة فهي تشكّل جزءًا من المعركة الداخلية في الدول الغربية على مستوى الدعم غير المشروط لإسرائيل.

ولاحظ حصول تغيير ملحوظ في لهجة بعض الدول الغربية فيما يخص الدعم المطلق لإسرائيل، لافتًا في هذا السياق إلى مبادرة السلام البريطانية التي تختلف عن أدبياتهم المعتادة، وإن أكد أنه لا يأخذها بجدية، مضيفًا أنّ وزيرة خارجية ألمانيا نفسها، التي قال إنّها "تتميز بصلافتها ووقاحتها"، بدأت هي الأخرى تغيّر في لهجتها.

ورأى أنّ المحكمة الدولية شكّلت ساحة لتكثيف ادعاءات العدالة الفلسطينية في مقابل الظلم الإسرائيلي في قلب المؤسسة القضائية العالمية والغربية، وقد ثبت أنّ هيئات الأمم المتحدة الإنسانية عمومًا كل تقاريرها جيدة. وقال: "كان من الصعب أن تكون فاعلاً كجمعية إنسانية على الأرض في فلسطين وألا تنحاز للفلسطينيين وتنقل الحقيقة كما هي".

واعتبر أنّ هذا يدل أنّ قضيتنا عادلة ولسنا بحاجة للمبالغة، بمعنى أنّك بمجرد أن تعمل بمهنية وتقدم التقارير فأنت تخدم القضية الفلسطينية.

المفاوضات حول المحتجزين.. "جعجعة بلا طحين"

بالانتقال إلى ما يُحكى حول المفاوضات المرتبطة بصفقات تبادل الاسرى والمحتجزين والهدن الإنسانية، استعان بشارة بالقول الشهير: "أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا"، ليستنتج أنّ لا شيء جديًا بالمُطلق على الأرض.

ورأى أنّ إسرائيل من جهة معنية جدًا نتيجة لأزمتها أن تُظهِر للرأي العام الإسرائيلي أنها مهتمة بقضية المحتجزين والأسرى، وأنّ الولايات المتحدة وإدارة بايدن تريد من جهة ثانية أن تُظهِر أنها مهتمّة بإطلاق سراح الأسرى وموضوع الهدن الإنسانية والحلّ في اليوم التالي وليس وقف إطلاق النار.

وانطلاقًا من ذلك، أكد بشارة وجود اقتراحات على طاولة البحث، لكنّه لفت إلى أنها بمجملها لا ترقى إلى وقف إطلاق النار وهي بالتالي غير مقبولة بالنسبة لحركات المقاومة في قطاع غزة، قائلاً: "إذا أطلقوا سراح جميع الأسرى نعود إلى حيث كنّا بل إلى وضع أسوأ ممّا كان".

التعبير الحقيقي للضيق المصري بالموقف الإسرائيلي يجب أن يكون بدعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، "إذا لم يكن بالذخيرة والسلاح وهذا لن يكون، فبالدواء والغذاء والكهرباء والطاقة، وهذا سيكون تطبيقًا لقرار المحكمة"

وبالحديث عن المقترحات المتداولة، أشار إلى أنها تنصّ على إطلاق سراح المحتجزين على مراحل، لافتًا إلى أن الفرق بين المبادرات هو فقط على طول هذه المراحل، من دون وجود أي ضمانات لوقف إطلاق النار. وقال: "التوجه الأميركي في محاولة إقناع الوسطاء هو أنه إذا وصلنا إلى 60 أو 90 يومًا من الهدن سيكون من الصعب على إسرائيل العودة إلى الحرب، لكن أميركا نفسها لا تقول إنها تريد وقفًا نهائيًا لإطلاق النار".

وجدّد بشارة الحديث عن وجود إجماع بين القيادة السياسية والجيش في إسرائيل على استمرار الحرب لأسباب استراتيجية مرتبطة بضرب كتائب القسام وقيادتها، لافتًا إلى بدء معركة انتخابية مضمرة بين القيادات في إسرائيل بدون انتخابات. وأضاف: "من ناحية العقيدة الأمنية ما زالوا مصرّين على العودة بإنجاز متعلق بالوضع الأمني في غزة".

وفي سياق متصل، لاحظ بشارة أنّ المقترحات الأميركية المتعلقة باليوم التالي للحرب على غزة تركز على إعادة مسار التطبيع دون حل القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنّه يتبيّن من التحركات الأميركية أنّ ما يهمّهم هو عودة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وتحديدًا السعودية.

وفيما لاحظ "اختفاء" كلمة الانتخابات عند الحديث عن ترتيبات سياسية في الضفة والقطاع، وتجاهل وجود مبادرة سلام عربية أصلاً، رأى أنّ الكلام عن الدولة الفلسطينية لفظي لا أكثر ولا أقلّ، وكأنّ المهم الآن العودة إلى مسار التطبيع.

رأى الدكتور عزمي بشارة أنّ قرار محكمة العدل الدولية منح غطاء دوليًا لمصر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة
رأى الدكتور عزمي بشارة أنّ قرار محكمة العدل الدولية منح غطاء دوليًا لمصر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة

قطر تقوم بالوساطة من منطلقات إنسانية

من جهة ثانية، انتقد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إمكانية أن تضغط دولة قطر على حركة حماس، متحدّثًا عن "حالة إفلاس" لدى الرجل، الذي يقول إن الحل الوحيد لإخراج المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس هو القوة العسكرية، وهو ما يؤدي إلى مقتل المحتجزين برصاص الجيش الإسرائيلي.

ورأى بشارة أنّ نتنياهو يحاول أن يطبّق الفكرة نفسها على الدول العربية وعلى قطر تحديدًا، حيث يريد أن تساعده قطر بالضغط على حركة حماس، مضيفًا: "لديه غرور وغطرسة غير معقولة". وسأل في هذا السياق إن كان نتنياهو يريد أن تقطع قطر الماء والغذاء والدواء عن قيادة حماس في الدوحة لتخضع الأخيرة لشروطه.

وأضاف أنّ نتنياهو لا يفهم طبيعة العلاقات في العالم العربي وطبيعة علاقات قطر مع حماس وأن حماس حركة مستقلة لديها رصيدها وتضحياتها ومواقفها، مشدّدًا على أنّ دولة قطر تقوم بدور الوساطة في غزة من منطلقات إنسانية، وهي لا تريد الضغط على حماس في قضايا مبدئية من هذا النوع، ولا تستطيع أصلاً أن تمارس مثل هذا الضغط.

وخلص إلى أنّ كلام نتنياهو "رخيص فيه صلافة في التعامل مع الآخرين"، معتبرًا أنّه يشكّل "تحريضًا على قطر ومحاولة للابتزاز"، لكنه أكد أنها لن تنجح في تحقيق أهدافها.

المنطقة العازلة جزء من استراتيجية "اليوم التالي"

وبالعودة إلى الوقائع الميدانية للحرب على قطاع غزة، لفت بشارة إلى أنّ إسرائيل تنتهج استراتيجية تدمير قطاع غزة لجعله غير صالح للحياة ودفع السكان نحو التهجير، قائلاً: "هم مستمرّون في هذا التكتيك، وقد ينتقلون بعد خانيونس إلى رفح، وهكذا دواليك".

وأشار إلى أنّ الحديث عن المنطقة العازلة التي تسعى إسرائيل لإقامتها في غزة هو جزء من استراتيجية اليوم التالي إسرائيليًا، قائلاً: "هم يطبّقون تصوّرهم لليوم التالي لغزة بمعنى أنّ غزة ستكون خلف أسلاك شائكة وفي منطقة عازلة وبوجود قوى شرطة محلية أو عربية أو دولية تأتمنها إسرائيل وبإشراف إسرائيلي وإدارة مدنية من السلطة الفلسطينية".

وإذ شدّد على وجوب أن يواجَه هذا المخطط، اعتبر أنّه "لا يمكن أن يواجَه إلا إذا اتحدت قوى الشعب الفلسطيني في مواجهته، وعدم الاتكال على التدابير أو الاقتراحات الغربية البديلة لهذا التصور الإسرائيلي بتأهيل السلطة لتقوم بهذا الدور".

وقال: "لا يمكن إحباط ذلك إلا بإعادة بناء عنوان فلسطيني جدي يعتمد على الرصيد النضالي الهائل الذي تحقق في غزة وهذا يعني فتح وحماس والجهاد والفصائل وكل قوى الشعب الفلسطيني الحيّة التي تستثمر التضحيات في غزة لمواجهة هذه الخطة وطرح الحل العادل للقضية الفلسطينية".

ونبّه إلى أنّ هذا كلّه "قد يتبدد إذا جلس البعض وانتظر عملية القضاء على القسام لكي يرث غزة في مكانها"، على حدّ وصفه.

أكد بشارة أنّ إسرائيل تنتهج استراتيجية تدمير قطاع غزة لجعله غير صالح للحياة ودفع السكان نحو التهجير
أكد بشارة أنّ إسرائيل تنتهج استراتيجية تدمير قطاع غزة لجعله غير صالح للحياة ودفع السكان نحو التهجير

قطع الدعم عن الأونروا.. جريمة حرب حقيقية

من جهة ثانية، انتقد بشارة السلوك الأميركي والغربي بقطع الدعم عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، معتبرًا أنّ الولايات المتحدة وكل الدول التي تبعتها كالببغاء في هذا الإجراء، تشارك في ارتكاب "جريمة حرب حقيقية" في حق سكان غزة.

واعتبر بشارة أنّ هذا السلوك يشكّل أيضًا نوعًا من العنصرية ومساهمة في جريمة إبادة جماعية، إضافة إلى التعامل المتعجرف والمغرور مع الشعب الفلسطيني ومع شعوب العالم الثالث عمومًا.

ولفت في هذا السياق، أنّ الأونروا يستفيد من خدماتها ملايين البشر وفيها 30 ألف موظف بينهم 13 ألف في غزة وحدها، مضيفًا: "لنفترض أن 12 من هؤلاء ارتكبوا أمورًا جنائية أو إرهابية بلغتهم، فهل يكون الحلّ أن تعاقب 13 ألفًا؟ وإذا أردت أن تعاقب 13 ألفًا، فهل تعاقب مليونين؟".

وقال: "هذه النظرة عنصرية، وتفضي إلى عقاب جماعي غير عقلاني وغير معقول". ولفت إلى أنّ إسرائيل ترفض وكالة الأونروا أساسًا لأنها تذكرها دائمًا بقضية اللاجئين الفلسطينيين، مشدّدًا على أنّ الأونروا هي الرمز لوجود قضية اللاجئين.

عرب الداخل جزء من الشعب الفلسطيني

وتطرق الدكتور عزمي بشارة في ختام حديثه لـ"العربي"، إلى ما يعانيه الشعب العربي في الداخل المحتل، حيث شدّد على أنّ غالبية الشعب العربي في الداخل لا يخدم في الجيش الإسرائيلي والغالبية الساحقة لديها مواقف وطنية وهي مع الشعب الفلسطيني وتتضامن مع قطاع غزة وأثبتت ذلك في عدة انتفاضات، وليست بحاجة لإثباته عند كل استحقاق.

وقال إنّ عرب الداخل هم جزء من الشعب الفلسطيني بقي على أرضه، مشيرًا إلى أنّ ثمن الصمود كان غاليًا. ولفت إلى أنّ المواطنة مع الوقت أعطتهم مقومات للصمود، حيث أصبحوا جزءًا من الاقتصاد والحياة في إسرائيل وحصلت صراعات على قضايا التمييز العنصري، "لكن الهمّ الأساسي إلى جانب ذلك كان دائمًا الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية".

وذكّر بأنّ العقود الأولى كانت حرجة جدًا حيث حصلت ضغوط كبيرة والبعض استسلم لمسألة الخدمة العسكرية مقابل الحقوق لكن ثبت مع الوقت أنه لا توجد معادلة كهذه، موضحًا أنّ "الصراع من أجل الحقوق لا ينفصل عن الحفاظ على الهوية الوطنية". وأضاف: "يجب أن تتعامل مع واقعك بوصفك ابن البلاد الأصلي، فأنت لا تطلب منّة أو معروفًا من دولة إسرائيل".

وفيما تحدّث عن إنجازات حقيقية تراكمت بموضوع المواطنة، لفت إلى صراع لا يزال مستمرًّا "بين من يعتقدون أنه يجب أن نكتفي بما يعطيه إيانا الإسرائيلي ومن يعتقدون أن المواطنة ليست منّة بل حقّ ويجب الحفاظ على الهوية ولا يمكن أن تقبل أن تكون نصف إسرائيلي ونصف فلسطيني".

ولاحظ بشارة أنّ الجانب الإسرائيلي فتح جبهة حقيقية في الداخل في الآونة الأخيرة بموازاة الحرب على غزة، لدرجة ملاحقة عرب الداخل حتى على منشوراتهم على وسائل التواصل، لكنّه شدّد على أنّ "هذا الأمر يجب ألا يلين الناس له، فإذا حصل تراجع تحصل سابقة فيها تخفيض لسقف العمل السياسي لعرب الداخل".

وقال: "الخوف له حدود، ولذلك يجب أن تتحدى الخوف وأن تعبّر عن رأيك وليس أن تتهوّر، ويجب ألا نوافق على استغلال الحرب لتخفيض سقف حرية التعبير". وإذ دعا القيادات إلى أن تتصرف بمسؤولية وألا تتراجع، خلص إلى أنّ مجمل الشعب الفلسطيني في الداخل وطني ومتمسك بهويته وبحقوقه حتى في هذه المرحلة الصعبة.


تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع الدكتور عزمي بشارة، التي حاوره فيها الزميل زاهر عمرين، وناقشت قرارات محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل وتأثيرها في مسار الحرب، ومصير محادثات صفقة تبادل الأسرى، فضلاً عن استراتيجية إسرائيل العسكرية في قطاع غزة، والسلوك الأميركي والغربي بقطع الدعم عن وكالة الأونروا وانعكاساته على الأوضاع الإنسانية في غزة.

المصادر:
العربي

شارك

Close