الثلاثاء 30 أبريل / أبريل 2024

حصار الغاز الروسي.. الاقتصاد الألماني الحلقة الأضعف في أزمة الطاقة

حصار الغاز الروسي.. الاقتصاد الألماني الحلقة الأضعف في أزمة الطاقة

Changed

"عين المكان" يسلّط الضوء على ألمانيا التي باتت الحلقة الأضعف في أزمة الطاقة العالمية (الصورة: غيتي)
تُعد ألمانيا عاصمة الصناعات العالمية وأكبر اقتصاد صناعي في أوروبا، لكنها باتت الحلقة الأضعف في أزمة الطاقة العالمية، التي نتجت عن الحرب الروسية على أوكرانيا.

بينما تتخبط التصريحات السياسية، يخرج الناس في ألمانيا إلى الشوارع غاضبين بعدما تبددت أحلامهم في الانتعاش بعد جائحة كورونا.

فالبلد، الذي يُعد عاصمة الصناعات العالمية وأكبر اقتصاد صناعي في القارة الأوروبية، بات اليوم الحلقة الأضعف في أزمة الطاقة العالمية، التي نتجت عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وفرْض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد موسكو نتيجة هذه الحرب.

ففي ما يخص أسعار الطاقة، ارتفعت تكاليف الكهرباء في ألمانيا بنسبة 600%. ووصل التضخم عند أعلى مستوى في 73 عامًا.

وكان اعتماد برلين على واردات الطاقة الروسية قد ازداد بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية. فمنذ عام 2012 ارتفعت حصة إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وحدها من 40 إلى 55% بزيادة تربو عن الثلث.

وبشأن النفط، ارتفعت حصة الواردات من روسيا في الفترة نفسها بنسبة 10%، وبعدما كانت 38% أصبحت 48%.

وفي حين تمتلك ألمانيا 18 مفاعلًا نوويًا لإنتاج الطاقة، إلا أنها أبقت على 3 فقط منها على قيد العمل، حيث قررت إغلاقها جميعها بعد أزمة محطة الطاقة النووية اليابانية فوكوشيما. 

أما المحطات الثلاث، فستبقى قيد التشغيل كاستثناء حتى ربع العام المقبل فقط، وهي لا تلبي احتياجات الطاقة الصناعية.

عليه يسأل "عين المكان" عن تأثير أزمة الطاقة على الشركات والعمالة في ألمانيا، والخطط الألمانية لمواجهة هذه الأزمة.

إغلاق وتسريح عمّال

يعتزم رولف فروفاين إغلاق إحدى أعرق الشركات المتخصّصة في صناعة البورسلان في ألمانيا. 

أنقذ الرجل الشركة، التي يعمل فيها أكثر من 100 عامل، من أزمة مالية عام 2005 ورفع رصيدها ووسّع سوق مبيعاتها، لكن انفجار أسعار الطاقة غير المتوقع جعل المالك الجديد للشركة يُعيد حساباته.

يؤكد أن "الأزمة الراهنة أشد وطأة على الصناعة من الأزمة الاقتصادية، ولا تشبه أزمة كورونا"، لافتًا إلى أن كلفة حاجة الشركة من الطاقة: الغاز والكهرباء، ستصبح أكثر من 6 أضعاف.

وبينما يكشف أن ما تمناه هو حزم دعم من الحكومة، يقول "إلى الآن لم يأتنا شيء".

رولف فروفاين ينظر إلى شركته التي تقرر إغلاقها
رولف فروفاين ينظر إلى شركته التي تقرر إغلاقها

ويردف بأنه تقرر إغلاق الشركة في نهاية العام، وأنه سيتم تسريح 99 عاملًا تدريجيًا في الأشهر المقبل، فيكون لديها احتياطات مالية كافية لدفع مبلغ 400 ألف يورو كتعويض لهم.

"العربي" التقى أيضًا نايف قاسم، أحد الذين خسروا عملهم في معمل البورسلان، ولم يكن من السهل بالنسبة له إيجاد عمل في بلد تتوالى عليه الأزمات الاقتصادية.

يقول الرجل إن الكثير من المشاكل حصلت في ألمانيا خلال الفترة السابقة، وحتى الحكومة باتت تطلب من الناس توفير الطاقة.

وفيما يؤكد أن "الأزمة أثرت على المجتمع بشكل عام وعلى الحكومة بشكل خاص"، يعتبر أن "الأجانب تضرّروا بشكل كبير".

ويضيف شاكيًا ارتفاع الأسعار "في السابق كنا نشتري الكثير من الأشياء بـ10 يورو، أما الآن فحتى 20 يورو لم تعد تشتري لنا أي شيء".

خفض أو توقيف الإنتاج

ويُعد حال شركة البورسلان كحال الكثير من الشركات الألمانية، حيث أظهرت دراسة استقصائية قامت بها غرفة التجارة والصناعة الألمانية وشملت 3500 شركة أن نحو 16% من المصنعين في البلاد قد خفضوا الإنتاج أو قرروا إيقاف الإنتاج كليًا بشكل مؤقت، نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير.

وتتحدث أدريانا ليتراري، مستشارة للمشاريع العامة الحكومية، عن شعور الكثير من أصحاب الشركات في اتحادات المنتجين بالقلق من أنه سيتوجب عليهم إغلاق شركاتهم.

وفيما تلفت إلى "أننا في بداية الأزمة"، تقول إنه سيكون بالإمكان بعد نصف عام معرفة عدد الشركات التي توجب عليها الإغلاق. 

وتقول: "أدركنا اليوم أنه بالنسبة للاقتصاد، من المهم جدًا وجود إجراءات تدخل اقتصادي لرفع الأعباء"، مشددة على وجوب "بحث هذا الموضوع والتأكد منه من أجل دعم الشركات".

وتشير إلى أن "السياسة تحاول الآن عن طريق تدخل الأحزاب إيجاد حل لتجاوز الأزمة"، مردفة: "بالتأكيد لن يكون لدينا جميع الحلول بنهاية العام، لكننا قمنا بخطوات مثل قرارات رفع الأعباء وحزم الدعم للمواطنين".

من جانبه، يذكر ولغيش هينتس، مؤسس شركة لإنتاج الطاقة النظيفة، بأنه "حين تكون لدى الشركات نسبة 10 إلى 20% من الطاقة في عملية تصنيع منتجاتها، فإنه يمكن تعويض ذلك بالتأكيد. لكن عند ارتفاع النسبة سيصبح الوضع حرجًا".

ويلفت إلى أن "الوضع سيصبح صعبًا حين لا تأتي مساعدة من مكان ما في وجه هذه الأسعار"، مؤكدًا أن هناك بعض الشركات التي تستهلك أكثر من 20% من الطاقة في منتجاتها".

ويشدد على "وجوب توخي الحذر في المستقبل، والانتقال إلى بدائل أخرى للطاقة".

من جانبه، يقول ديترتش اينك، رئيس رابطة الأعمال التجارية الألمانية، إن "الأمر يدور حاليًا حول إيجاد غطاء أو حد أعلى للأسعار في سوق الكهرباء والغاز للشركات من أجل أن نتمكن من حساب التكاليف ورؤية ما سيكفينا".

ويضيف: "في الوقت الحالي لا يوجد لدينا قيم قابلة للحساب في الشركات المختلفة المعتمدة على الطاقة بشكل كبير".

ويلفت إلى أن "تنظيم الطاقة تم إلى اليوم بشكل مركزي جدًا"، موضحًا أنه "كان من غير المتاح بشكل كبير في السنوات السابقة أن تقوم الشركات بتوليد طاقتها واستهلاكها".

ويؤكد "الحاجة الآن إلى استقرار على المدى القصير يمكننا من القيام بالحسابات، ومن أجل أن نتمكن من مواصلة الصناعة والتجارة والخدمات وتأمين الشركات في ذلك".

محاولة إنقاذ الشعار

الصناعيون كانوا قد دعوا، في محاولة لإنقاذ شعار "صنع في ألمانيا"، إلى اجتماع مع مسؤولين في الحكومة الألمانية لبحث اتخاذ إجراءات طارئة لمواجهة أزمة الطاقة.

أفضى الجميع ما في جعبتهم أمام المسؤولين الحكوميين، ووعدهم السياسيون بمستقبل واعد لكن من دون أي حلول واضحة تضيء ولو ضوء في طريق الصناعة الألمانية، التي دخلت فترة يصفها المراقبون بالحرجة.

رفض المسؤولون الحديث مع فريق "عين المكان" خلال المؤتمر، كما رفضوا الإجابة على الكثير من أسئلة الصناعيين، الذين طلبوا بشكل متكرر إجابات بالأرقام وليس بالوعود فقط.

إلى ذلك، حمل فريق "العربي" مخاوف صناعيين إلى مسؤول ملف الطاقة في الحزب الحاكم في البرلمان الألماني.

قال لنا هولغا مان، النائب في البرلمان الألماني، "نصارع حاليًا ضد ارتفاع الأسعار بشكل كبير، أكثر من ضعفي أسعار الكهرباء في السوق وعدة أضعاف في أسعار الغاز".

وأضاف "علينا التوقع بشكل واقعي أن الغاز والكهرباء سيصبحان أغلى بشكل طويل الأمد"، لافتًا إلى أن العام الماضي كان قد شهد انخفاضًا في الأسعار بسبب كورونا، حيث لم يكن هناك إنتاج كثير.

وفيما توقع أن يبقى "مستوى أسعار الطاقة مرتفعًا"، قال إنه سيكون "أقل من ارتفاعه الآن، مع وجود ندرة وانقطاع حاليًا".

وأشار إلى أن "ألمانيا ستدع المفاعلات النووية تعمل بشكل مؤقت، لكن الحل المستقبلي هو استخدام وتوظيف الطاقات المتجددة وبناء تقنيات الهيدروجين، التي ستحل لنا مشاكل الطاقة".

هولغا مان، الذي رأى أن بلاده ارتكبت خطأ من خلال اعتمادها بشكل كبير على الغاز الروسي، لفت إلى توجهها - بعدما لم يعد هذا الخيار متاحًا منذ اعتداء روسيا على أوكرانيا - إلى الاعتماد على مصادر غاز أخرى، مثل الغاز المسال الذي يجري تجهيز البنية التحتية اللازمة له.

ويلفت إلى "بحث الحكومة الألمانية عن موردين جدد في العالم، ومنهم دولة قطر".

المزيد عن الإجراءات التي اتخذتها ألمانيا لإنقاذ قطاع الصناعة واجتياز الشتاء بأمان في الحلقة المرفقة من برنامج "عين المكان". 

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close