الثلاثاء 7 مايو / مايو 2024

أحداث "الأحد الدامي".. تفاصيل اليوم المفصلي في تاريخ أيرلندا الشمالية

أحداث "الأحد الدامي".. تفاصيل اليوم المفصلي في تاريخ أيرلندا الشمالية

Changed

حلقة من برنامج "كنت هناك" حول أحداث "الأحد الدامي" في أيرلندا الشمالية (الصورة: غيتي)
شكّل "الأحد الدامي" حدثًا مفصليًا في تاريخ أيرلندا، حيث أسهمت دقائق معدودة في بداية صراعٍ امتد لعقود بين القوميين الإيرلنديين والحكومة البريطانية.

تحوّل 30 يناير/ كانون الثاني من عام 1972 إلى يوم مفصلي في حراك الحقوق المدنية في أيرلندا الشمالية، بعدما قتل مظليون بريطانيون 14 شخصًا خلال مظاهرة نظمتها رابطة الحقوق المدنية الإيرلندنية الشمالية في مدينة ديري.

فقد أصبحت أحداث هذا المساء محفورة في ذاكرة المواطنين الكاثوليك الأيرلنديين تحت عنوان "الأحد الدامي".

وفي الذكرى الـ51 للأحداث، يكشف "العربي" تفاصيل هذا الحدث المفصلي، بعيون من عايشوه، وكيف أسهمت دقائق معدودة في بداية صراعٍ امتد لعقود بين القوميين الإيرلنديين والحكومة البريطانية، والمسار الطويل الذي سلكته أسر الضحايا لتحقيق العدالة لذويهم.

تمييز وقمع 

منذ تقسيم أيرلندا عام 1921، عاش القوميون شمال البلاد حيث تعرضت الأغلبية القومية للتمييز، من قبل الحكومة الوحدوية للحزب الاتحادي الموالي لبريطانيا، بحسب المؤرخين الإيرلنديين.

وفي الستينيات، بدأت تظهر ردود الفعل ضدّ القمع والتمييز بعدما استلهم الشماليون تحركاتهم من حركة الحقوق المدنية الأميركية التي كانت أخبارها تصل إلى شمال أيرلندا في تلك الفترة، فنزل الناس إلى الشوارع سلميًا للمطالبة بالمساواة.

ويروي المواطن جيمس توي كيف بدأ يدرك منذ مرحلة مراهقته ما كان يحدث في البلاد، بفضل متجر بقالة عائلته الصغير، ويصف نفسه بأنه شاهد على التمييز في المعاملة والتوظيف، وكيف كان يلاحظ وجود عائلتان أو ثلاثة في منزل واحد.

أما مدينة ديري، فكانت ذات أغلبية قومية كاثوليكية ويُتَّهم الوحدويون بالتلاعب بانتخابات المجلس المحلي لضمان إدارة سياسيهم المدينة بحسب سرد الصحفية الأيرلندية إويفا مور التي تقول إنه بالتبعية، قام الوحدويون بالتمييز ضد السكان الكاثوليك في الإسكان والتعليم والخدمات.

المواجهات خلال "الأحد الدامي" - غيتي
المواجهات خلال "الأحد الدامي" - غيتي

مسيرة الحقوق المدنية

وشهد عام 1972 ارتفاعًا هائلًا في مستويات التمييز والبطالة بين الرجال القوميين، وكانت مسيرة يوم الأحد الدامي على وجه التحديد ضد عمليات الاعتقال التي جرت بحق سكان المدينة في أغسطس/ آب 1971.

وحينها، تم سحل المواطنين القوميين الشماليين من منازلهم وسجنهم دون أي محاكمة أو حتى إقرار بالعقوبة، وفق الكاتب والمؤرّخ أدريان كير.

فخرج المئات من القوميين في مسيرة سلمية للمطالبة بحقوقهن المدنية يوم 30 يناير 1972، ولم يكن هناك ما يشير إلى احتمال وقوع أي أحداث شغب أو أعمال عنف بينما كانت هناك أعداد متزايدة من جنود الجيش في المدينة، حسبما أكّد شهود عيان لـ"العربي".

فيقول شاهد العيان جيمس توي: "لم نكن نعلم بوجود فوج المظلات أو ما يسمى بنخبة الجيش البريطاني، ولم ندرِ أن الأمر سينقلب".

وأقام الجيش البريطاني عشرات الحواجز حول المنطقة لمنع تقدم المسيرة ووصولها إلى وجهتها النهائية، وزعموا أنهم قدموا إلى المدينة لإجراء ما وصفوه بعملية اعتقال شباب ديري المشاغبين.

أحداث يوم الأحد الدامي 

بدوره، يشدد شاهد العيان جون كيلي على أن القوات البريطانية التي كانت موجودة حينها "لم تكن مجرد كتيبة عسكرية عادية من الجنود، بل آلة قتل، فهم من نخبة الجيش البريطاني الذين لم نراهم في مدينتنا من قبل ما دفعنا إلى أن نسأل عن سبب حضورهم إلى هنا".

فبدأ الناس يجمعون الحجارة ويلقونها باتجاه الجنود، فردّ الجيش أولًا بإطلاق الغاز المسيل للدموع تبعها الرصاص المطاطي.

في المقابل، تفيد رواية القوات البريطانية بحسب تصريح روبرت فورد قائد القوات البريطانية في تسجيل صوتي حينها أن "المشاغبين" اقتربوا من نقاط تمركز الجيش وبدأوا في مهاجمة القوات، "فكان من الضروري استعادة القانون والنظام".

ويخبر شاهد العيان جون كيلي: "أطلق فوج المظليين النار أولًا وقتلوا طفلًا يبلغ من العمر 15 سنة اسمه داميان دونجيت، ثم ذهب رجل محترم عمره 59 سنة يدعى جوني جونسون لإسعاف الطفل الجريح فأطلقوا عليه النار فسقط أول ضحيتين خلال عشر دقائق".

فيما تضيف الصحفية إويفا مور لبرنامج "كنت هناك": "الجندي إف هو من قتل عمي حين كان يحاول الوصول إلى بر الأمان، مع منديل أبيض وضعه على وجهه للحماية من الغاز.. كان يزحف على الأرض عندما أطلق الجندي النار عليه كما أخبرونا في تحقيق سافيل".

وتلفت مور إلى أن عمها لم يمت على الفور، بل ظلّ مستلقيًا يصرخ من الألم لفترة من الوقت قبل أن يحاول أجد الرجال مساعدته ليردى هو الآخر قتيلًا.

كذلك، يشدد شهود العيان على أن قوات الجيش البريطاني كانوا يرفعون جثث الضحايا دون تقديم أي علاج، ويجرّونهم حتى ناقلة الجنود المدرعة "بطريقة متوحشة وقاسية للغاية".

تبرئة القاتلين

وبعد الأحداث الدموية، وصفت كل سفارة بريطانية في العالم نصف الأطفال والرجال والجرحى الذين سقطوا في إيرلاندا الشمالية، بالإرهابيين والمسلحين والتفجيريين، على حدّ قول جيمس توي الذي يتأسف من أن "تلك الأكاذيب ضاعفت الألم بعد كل ما جرى".

كما يلحظ البعض أن تغطية بعض الصحف ووسائل الإعلام البريطانية للأحد الدامي كانت بدورها بعيدة عن الموضوعية والحياد، فيما أصدر الجيش البريطاني بيانًا قال فيه إن من أطلق عليهم النار مسلحون ومقاتلون، وأن الجيش البريطاني كان يدافع عن نفسه.

تشييع ضحايا "الأحد الدامي" في أيرلندا الشمالية - غيتي
تشييع ضحايا "الأحد الدامي" في أيرلندا الشمالية - غيتي

بعدها، أتى ما يعرف بتحقيق ويدجري الأول بعد شهرين من الأحد الدامي رآه القوميون بمثابة إعلان تبرئة للجيش البريطاني، ووصفت نتائجه "بالسخيفة للغاية".

وويدجري، كان كبير قضاة إنكلترا في ذلك الوقت وقد تم تعيينه من قبل رئيس الوزراء آنذاك إدوارد هيث للقيام بأول تحقيق في حادثة الأحد الدامي.

صراع لأكثر من عقدين

ورغم أن الأحد الدامي كان محاولة لترويع الناس للتوقف عن التظاهر وإجبارهم على قبول الأمر الواقع وفق شهود عيان، إلا أن هذه الخطة فشلت حيث خرجت في الأسبوع التالي مسيرة أكبر ضمت ما يقرب من 40 ألف شخص في ديري، و100 ألف في دبلن.

ليمثّل الأحد الدامي نقطة تحول في تاريخ إيرلندا الشمالية، إذ تحول صراعًا كان من المحتمل أن يكون محدودًا إلى حرب استمرت لعقدين ونصف من الزمن.

المسيرة الشعبية بعد أسبوع من "الأحد الدامي" - غيتي
المسيرة الشعبية بعد أسبوع من "الأحد الدامي" - غيتي

في هذا الإطار، يقول المؤرخ أدريان كير: "عدد كبير من الناس سقطوا كنتيجة للأحد الدامي وبسبب الظروف التي خلقت الحرب بعد ذلك.. فيجب القول إن المسؤولين عن أحداث ذلك اليوم مسؤولون أيضًا عن نتائجه".

وعام 1992، أطلقت حملة "العدالة لضحايا الأحد الدامي" بقيادة جون كيلي ومشاركة عائلات الضحايا والتي حملت 3 مطالب وهي: رفض التحقيق الأول، والاعتراف الرسمي ببراءة جميع الضحايا، ومحاكمة القتلة والمخططين ليوم الأحد الدامي.

جرح مفتوح لـ 25 عامًا

فظل الأحد الدامي جرحًا مفتوحًا لسكان أيرلندا الشمالية حتى عام 1998 على الأقل، أي إلى حين ما أصبح يعرف بـ"اتفاق الجمعة العظيمة" حيث أجرت الحكومة البريطانية بقيادة توني بلير تحقيقًا آخرًا.

حينها، أوضح التحقيق الذي اشتهر باسم تحقيق سافيل أن الأحد الدامي لم يكن يومًا سيئًا للعائلات التي فقد ذويها فقط، بل كان كارثة على الشمال بأكمله.

وبعدما كان ما قبل الأحد الدامي يمثّل عنفًا محدودًا تجاه الحكم البريطاني، تصاعد التوتر والعنف بعد ذلك اليوم للمطالبة بالتغيير.

وأظهر تحقيق سافيل أن كل ضحايا الأحد الدامي أبرياء، وأن كل من قتلوا وجرحوا أبرياء، تلاه اعتراف من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في البرلمان بأن جميع الضحايا أبرياء وقدّم اعتذارًا.

فشكّل هذا الاعتراف مصدر تعزية كبيرة لعائلات الضحايا وسكان أيرلندا الشمالية، الذي رأوا اعتراف كاميرون حدثًا هائلًا وغير متوقع.

ورغم إدانة الجندي "إف"، ترى عائلات الضحايا ومؤرخين أنه كان ينبغي أن توجه الاتهامات لعدد أكبر بكثير من جندي واحد، لا سيما وأن الأدلة كانت متوفرة.

يذكر أن الصراع الذي دار بعض الأحد الدامي، قتل أكثر من 360 شخصًا في الشمال الأيرلندي، ومقابل من فقدوا حياتهم تمت محاكمة 4 جنود فقط بتهمة القتل والشروع في القتل، ولم يقضوا جميعهم فترة كاملة في السجن رغم تأكيد إدانتهم بالجرائم.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close