الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

استنفار وتأهّب داخل مخيم عين الحلوة.. معركة وجود لم تنتهِ فصولاً بعد

ينذر كل شيء داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان بأن المعركة لم تنته وبأنّ الحياة لم تتسلل بعد إلى المكان
ينذر كل شيء داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان بأن المعركة لم تنته وبأنّ الحياة لم تتسلل بعد إلى المكان
استنفار وتأهّب داخل مخيم عين الحلوة.. معركة وجود لم تنتهِ فصولاً بعد
استنفار وتأهّب داخل مخيم عين الحلوة.. معركة وجود لم تنتهِ فصولاً بعد
الخميس 10 أغسطس 2023

شارك

لم يكن قرار دخول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، بعد الاشتباكات المسلحة التي شهدها الأسبوع الماضي، وليد ساعته.

منذ الساعات الأولى للهدنة، كثفنا الاتصالات للدخول، لكنّ التحذيرات الأمنية وسلامتنا شكّلت أولوية وعائقًا أمام الدخول، إلى أن نجحنا في التسلّل، في اليوم الخامس على وقف إطلاق النار.

إلى شارع البركسات دخلنا، هو الذي كان شاهدًا على القتال بين مسلحي الفصائل الفلسطينية، وتحديدًا حركة فتح، والمجموعات الإسلامية المعروفة باسم "الشباب المسلم".

في هذا الشارع، استوقفنا صمت غريب، ففيه نُصِبت المتاريس المطلة على المواقع التي يتحصن فيها الشباب المسلم ويرفع فيها رايته.

وحدها تحذيرات المسلحين المرافقين لنا خرقت هذا الصمت، إذ دعونا لعدم الوقوف لفترة طويلة أمام المتاريس، فهنا نقاط مواجهة مباشرة.

في شارع البركسات نُصِبت المتاريس المطلة على المواقع التي يتحصن فيها الشباب المسلم
في شارع البركسات نُصِبت المتاريس المطلة على المواقع التي يتحصن فيها الشباب المسلم

رصاص في كل مكان

لعلّ الرصاص يختصر المشهد في مختلف أرجاء مخيم عين الحلوة. فكيفما التفتنا، يمنة أو يسرة، نرى توقيعه على المباني وفي الجدران.

لكنّ بصمات هذا الرصاص لا تقف عند هذا الحدّ، فكلّما تقدّمنا في قلب المخيم، يزداد حجم التوتر، ولا سيما أنّ المسلحين يبدون متأهبين، على الرغم من الهدنة المستمرّة منذ الخميس الفائت.

المعركة اليوم ليست لتأمين سلامة ومستقبل العائلات الفلسطينية الموجودة في مخيم عين الحلوة أو تلك التي نزحت، ولكنّها معركة بسط نفوذ ووجود وصمود وبقاء

ننتقل عبر أزقة ضيقة إلى نقطة اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني القيادي أبو أشرف العرموشي، وداخل هذه الأزقة، نمرّ بعشرات عناصر فتح المسلحين، يرصدون أي تحركات تظهر من خلف الشوادر.

هكذا، ينذر كل شيء من حولنا بأن المعركة لم تنته، وبأنّ الحياة لم تتسلل بعد إلى المكان.

لم يكن قرار دخول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين وليد ساعته
لم يكن قرار دخول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين وليد ساعته

ما حصل في عين الحلوة "مدبَّر"

لا يختلف المشهد كثيرًا في موقف السيارات المتاخم لمدرسة الأونروا، حيث تشهد السيارات المتفحمة على حجم المعركة التي أعقبت اغتيال العرموشي داخل الموقف.

يقول أحمد، وهو أحد مقاتلي فتح وعمره لم يتجاوز 21 عامًا، وهو يجلس في إحدى الغرف ومن حوله الأسلحة والقذائف، إنّ المكان أمطر برصاص ظل ينهمر في موقع الحادث ما يقارب 23 دقيقة لمنع فتح من سحب القتلى أو حتى لوصول عناصر الإسعاف لنقل المصابين.

حينها، بلغت الحصيلة سبعة قتلى، أصيبوا بما لا يقلّ عن سبع رصاصات، بحسب ما يقول عناصر من فتح، لتندلع بعدها المواجهات. يقول أحمد إنّ الهدف بالنسبة إلى مقاتلي "فتح" كان حماية المناطق السكنية التي تعرضت للقذائف من دون سبب.

بنبرة الواثق، يعتبر أحمد أنّ ما حصل كان "مخططًا له"، غامزًا من قناة "الشباب المسلم"، الذي يقول إنّ هدفه كان تدمير المخيم وتخريب منازل المواطنين العزل. وأكثر من ذلك، يدعو الجيش إلى الدخول إلى عين الحلوة وإنهاء ظاهرة هؤلاء المتشددين.

في موقف السيارات المتاخم لمدرسة الأونروا، تشهد المركبات المتفحمة على حجم المعركة
في موقف السيارات المتاخم لمدرسة الأونروا، تشهد المركبات المتفحمة على حجم المعركة

مبانٍ إما مدمّرة أو محترقة

على الأرض، تسيطر مجموعات يقدر عناصر من فتح عددها بـ300 شاب من جنسيات مختلفة، على ما لا يقل من 30 في المئة من مساحة المخيم.

بحسب عناصر فتح، يتمدّد هؤلاء، حيث يتمركزون حاليًا في منطقة حطين وحي المنشية ورأس الأحمر والصفصاف وحي الطوارئ ومنطقة التعمير ومنطقة سكة التعمير.

يوضح أحمد أن منطقة التعمير ليست تابعة جغرافيًا أو أمنيًا لمخيم عين الحلوة، بل يصفها بالبؤرة الأمنية المتاخمة للمخيم والتي تشكل خطرًا على سكانه.

أما حي الطوارئ داخل المخيم، فمبانيه وحدها تختصر حجم الاشتباكات التي دارت فيه، فهي إما مدمرة او محترقة أو مكسوة بثقوب الرصاص.

تختصر المباني داخل مخيم عين الحلوة تختصر حجم الاشتباكات التي دارت فيه
تختصر المباني داخل مخيم عين الحلوة تختصر حجم الاشتباكات التي دارت فيه

"حركات فتح" في مخيم عين الحلوة

عند الشادر الفاصل بين جهة فتح والجهة التي يسيطر عليها الشباب المسلم، تُسمَع الهمسات بوضوح، ما يعني أنّهم هنا، على بعد أمتار منّا، خلف شادر يحجب أي تحركات لمنع القنص.

ليس الشعور لطيفًا أن تقف بين فريقين متحاربين، فكيف بالحريّ حين يهمس أحدهما لك بوجوب إخلاء المكان فورًا ليتضح أنّ هناك تحركات لعناصر الشباب المسلم على بعد أمتار فقط.

بانتظار جولة الاشتباكات الجديدة، أو تثبيت الهدنة، يبقى الهمّ الإنساني جانبًا، فلا خطة وُضِعت لإعادة بناء ما تهدم، ولا مهلة وضعت لعودة العائلات التي اضطرت إلى النزوح بفعل كثافة الاشتباكات

في المقلب الآخر، ينفي أبو طارق، وهو أحد المقربين من الشباب المسلم، أيّ علاقة للمجموعات الإسلامية بمقتل أبو أشرف العرموشي.

يقول إنّ في المخيم "حركات فتح" وليس "حركة فتح واحدة"، في إشارة للانقسام الحاصل داخل التنظيم، ويلمّح إلى أنّ الخلاف الذي وقع أخيرًا بين العرموشي ومسؤول الاستخبارات ماجد فرج على خلفية التعاطي مع ملف المجموعات الإسلامية، قد يكون السبب في مقتل العرموشي.

يجزم أبو طارق أنّ أحدًا من "الشباب المسلم" لم يتورط في عملية الاغتيال، متّهمًا في المقابل عناصر من "فتح" بمحاولة تصفية القيادي في عصبة الأنصار أبو قتادة ومقتل فرهود وهو مرافقه.

تتصاعد الخشية من التحضير لجولة ثانية من الاشتباكات داخل مخيم عين الحلوة
تتصاعد الخشية من التحضير لجولة ثانية من الاشتباكات داخل مخيم عين الحلوة

هل من جولة اشتباكات جديدة في الأفق؟

على الرغم من السكون الذي يحتل مختلف الشوارع التي تنقلنا فيها، إلا أنّ الوضع لا يبدو مطمئنًا، وكأنّ هناك من يعدّ العدّة لجولة ثانية من القتال.

نسأل عناصر حركة فتح عن سبب الاستنفار الواضح في كلّ الأزقة، فيأتي الجواب: "نمهل القتلة عشرة أيام لتسليم الجناة، وإلا فنحن أمام جولة مواجهات واشتباكات جديدة".

لذلك، ثمّة من يخشى بأنّ جولة اشتباكات جديدة قد تنطلق مع انتهاء مهلة العشرة أيام التي وضعتها لجنة التحقيق لتسليم مطلقي النار.

لم تكن هذه الخشية خافية في جولة المحادثات التي أجراها عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد مع المرجعيات السياسية والأمنية في لبنان.

سمع الأحمد موقفًا لبنانيًا واضحًا لجهة عدم إقحام الجيش اللبناني في ما يجري داخل المخيم، وعدم السماح بخروج الاقتتال إلى المناطق المحيطة بعين الحلوة أو انتقاله إلى مخيمات فلسطينية أخرى.

ويتجلّى هذا الموقف بوضوح من خلال كلام أحد القادة الأمنيين لـ"العربي"، ومفاده أنّه إذا لم يستطع الفلسطينيون وضع حد للاقتتال داخل المخيم، فعليهم بالحدّ الأدنى أن يمنعوا وصول شظاياه إلى المناطق المحيطة.

على الرغم من السكون الذي يحتل مختلف الشوارع التي تنقلنا فيها، إلا أنّ الوضع لا يبدو مطمئنًا
على الرغم من السكون الذي يحتل مختلف الشوارع التي تنقلنا فيها، إلا أنّ الوضع لا يبدو مطمئنًا

معركة وجود وصمود وبقاء

يسارع الجميع إلى تطويق الوضع الأمني إذًا. لكن بانتظار جولة الاشتباكات الجديدة، أو تثبيت الهدنة، يبقى الهمّ الإنساني جانبًا.

فلا خطة وُضِعت لإعادة بناء ما تهدم، ولا مهلة وضعت لعودة العائلات التي اضطرت إلى النزوح بفعل كثافة الاشتباكات، ولا مصير واضحًا لآلاف التلاميذ الذين باتت مدرستهم حصنًا عسكريًا للمقاتلين.

باختصار، المعركة اليوم ليست لتأمين سلامة ومستقبل العائلات الفلسطينية الموجودة في المخيم أو تلك التي نزحت، ولكنّها معركة بسط نفوذ ووجود وصمود وبقاء..

المصادر:
خاص العربي

شارك

Close