الأحد 28 أبريل / أبريل 2024

الخميني في باريس.. 4 أشهر رسمت ثورة إيران وغيرت وجه المنطقة لسنوات

الخميني في باريس.. 4 أشهر رسمت ثورة إيران وغيرت وجه المنطقة لسنوات

Changed

يستعرض برنامج "كنت هناك" رحلة آية الله الخميني من العراق إلى باريس ثم رحلة العودة مرورًا بما فعله أثناء إقامته القصيرة في فرنسا (الصورة: غيتي)
ظهر آية الله الخميني المنفي عن إيران بشكل غير متوقع في أكتوبر 1978 في ضواحي باريس، وقاد الثورة الإيرانية عن بعد.

بداية عام 1978، اندلعت الاحتجاجات في الحوزة العلمية بمدينة قم الإيرانية ضد حكم الشاه محمد رضا بلهوي لتعم كل البلاد. وعاشت المدن الإيرانية طوال أشهر على وقع اضطرابات ومواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن.

وكان الزعيم الديني آية الله روح الله الخميني المنفي عن إيران منذ عام 1964 أحد أبرز رموز تلك الثورة.

الخميني الغائب عن شوارع طهران، ظهر بشكل غير متوقع في أكتوبر/ تشرين الأول في ضواحي باريس ليقود الثورة الإيرانية.

الخميني يظهر في فرنسا

وقال المصور المرافق للخميني في باريس، ميشال سيتبون: "كانت أول مرة نراه بصفته الحقيقية، لم يره أحد من قبل. لم يكن معروفًا من قبل أي إيراني باستثناء من كانوا في العراق".

من جهته، أشار الصحافي المقيم في باريس أحمد الشيخ إلى أنه كان يتساءل كيف وصل إلى باريس، وقال في حديث إلى "العربي": " كنا نحاول أن نفسر هذا الحدث، الخميني في فرنسا كان بالنسبة لنا مشهدًا غريبًا".

وبعد أن قضى أكثر من 15 عامًا متواريًا في المنفى بعيدًا عن إيران، ظهر الخميني في صبيحة أحد أيام أكتوبر عام 1978 في بلدة فرنسية في ضواحي العاصمة باريس محاطًا بأنصاره، وكانوا يهتفون لسقوط نظام الشاه في إيران من أوروبا هذه المرّة.

وأوضح أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة أستراليا الوطنية علم صالح، في حديث إلى "العربي"، أن الخميني لم يكن يُعرف في العالم بصورة عامة، ولا حتى في العالم العربي أو الغربي قبل ذهابه إلى باريس.

كما كان الاحتقان الشعبي في شوارع إيران يُنذر بأن البلاد قد وُجدت فيها كل أسباب ثورة شعبية غير مسبوقة. وكان الغضب سمة مشتركة بين التيارات السياسية الإيرانية على اختلافها من سياسات شاه إيران رضا بهلوي الذي بدأ رصيده الشعبي يتهاوى.

لكن في الوقت نفسه، كانت صور الزعيم الديني الخميني الغائب عن إيران في المنافي منذ عام 1964، ترتفع ويعلو التأييد لدعوته بسقوط حكم الشاه. 

كيف وصل الخميني إلى فرنسا؟

لفت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب إلى أن الخميني كان ضيفًا في العراق، ولكن في لحظة معينة لم يعد مقبولًا هناك. وكان ينوي المرور نحو الكويت لكن يبدو أنه رُفض هناك، وكان يفتش عن ملجأ في مكان آخر. وقال أبو دياب: "يبقى اختيار باريس لغزًا". 

وخلقت سياسات شاه إيران رضا بهلوي معارضين كثرًا له، ولم يكن الخميني سوى أحد الأصوات المزعجة التي اعتقد الشاه أنه بإبعاده غربًا سيخفت صوته وتتلاشى رمزيته.

وقال سيتبون: "إن المقربين من أول رئيس للجمهورية بعد الثورة أبي الحسن بني صدر هم من اتصلوا بي في طهران ليطلبوا مني القدوم إلى باريس بسرعة لأن الخميني كان قد وصل. فأخذت الطائرة من طهران إلى باريس وقد وصلت تقريبًا في نفس اللحظة أو في اليوم التالي لقدوم الخميني".

وبحسب سيتبون، لقد تم اختيار فرنسا وجهة له لأن الإيرانيين لا يحتاجون لتأشيرة دخول، وبالتالي دخل الخميني فرنسا دون تأشيرة كأي مواطن عادي، ومكث عند بني صدر الذي أصبح فيما بعد وزيره الأول.

ولفت الصحافي الشيخ أنه عندما جاء إلى فرنسا سكن في اليوم الأول في بيت أحد الأطباء الإيرانيين، ولكن بسبب إجراءات الأمن غير الكافية، قررت الشرطة بالاتفاق مع مساعديه أن ينقلوه إلى المكان الذي ذهب إليه خارج باريس.  

تحت شجرة التفاح

أقام الخامنئي لمدة 117 يومًا في منزل أصبح قبلة تستقبل الإعلام ورجال السياسة والمعارضين الإيرانيين الساخطين على نظام الشاه.

وكان الخميني يجلس تحت شجرة تفاح بالقرب من المنزل ويستقبل الناس. وفي صورة رجل الدين الشيعي المحافظ، كان الفرنسيون يتأملون صورة غير معتادة لزعيم حركة سياسية معارضة تختلف أصولها مع توجهاتهم وتتقاطع غاياتها في إسقاط الشاه مع أهدافهم أيضًا.

لم ترحب به الصحافة الفرنسية ولا سيما الصحف اليمينية، ويعود ذلك للخلفية الدينية التي أثارت حفيظتها.

وقضى الخميني وقته في باريس في لقاءات مستمرة مع الإعلاميين. وكان للأدباء الصوفيين أمثال المستشرق الفرنسي هونري كوربان صلة مع فهم النهج الشيعي، ما ولّد المزيد من الاهتمام بالخميني.

وبحسب أستاذ الدراسات الإيرانية علم صالح، كان الشاه يتصور أنه إذا ابتعد الخميني فالثورة ستخمد ولم يتخيل أن حضور الخميني في أوروبا سيشكل ضغطًا دوليًا عليه.

قيادة الشارع الإيراني

وأخذ الشارع الإيراني بالتعرف على الخميني عن طريق الصحافة الغربية، حيث بدأت تصل صوره وخطاباته وتصريحاته إلى إيران، كما لم يتوقع الخميني نفسه أو الدائرة المحيطة به. 

وبحسب الشيخ، لم تكن فرنسا تتخيل أن الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه. وكانت الحكومات الغربية قلقة جدًا كي ترى وتعرف ما سيحصل في إيران بمرحلة ما بعد الشاه، وكان وجوده في باريس فرصة للساسة الغربيين للقاء الخميني ليعرفوا توجهاته في حال توليه السلطة.

باريس المنفى وحاضنة المعارضة

وكانت باريس منفًا للخميني وحاضنة لحركة معارضة غير مسبوقة ضد الشاه. وقال أبو دياب: "كانت فرنسا تحت حكم رئيس من اليمين الوسط ليس لديه خبرة في العلاقات الدولية وهو جيسكار ديستان". 

ويذكر المصور كلمة قالها الخميني له: "أنا لست أهم شخص في الأحداث الجارية، عليك أن تواصل عملك وعليك العودة إلى إيران ومواكبة الثورة، فالثورة تدور هناك". 

واعتبر سيتبون أنها تلك كانت وصية الخميني ولم يكن لديه خيار آخر. وبعد أيام قليلة وحال عودته إلى طهران وعند مشاهدة الناس صور الخميني الحقيقية التي يملكها، عرضوا عليه أموالا ضخمة مقابل تلك الصور التي يحتاجها المتظاهرون.  

أحد مفاتيح الثورة

وبحسب الشيخ فقد أثبتت الأحداث أن الأربعة أشهر التي أقام خلالها الخميني في فرنسا كانت أحد مفاتيح الثورة الإيرانية. ونقل عن أحد المسؤولين في السلطة الإيرانية قوله: "لم نرغب قط أن يذهب الخميني إلى فرنسا".

ومن فرنسا كان الخميني يطرح خطته البديلة للصورة التي ستبدو عليها إيران بعد نهاية حكم الشاه. وفي طهران، أخذ الضغط يشتد على الشاه رضا بهلوي الذي بدا أن حلفاءه الغربين عاجزون عن تقديم أي عون لاستتباب الهدوء المفقود منذ أشهر في البلاد. وكانت صحة الشاه حينها في تدهور وبدأ يستعد لمغادرة البلاد.

العودة إلى طهران 

في تلك، الأثناء كان آية الله الخميني على وشك إنهاء 15 عامًا في المنفى والعودة أخيرًا إلى إيران. وفيما كان يستعد للعودة بداية فبراير/ شباط عام 1979، كان الشاه الذي أتعبته الثورة والمرض في آن معًا، يبحث عن ملجأ للعلاج وللمنفى أيضًا، فرفضت أغلب العواصم الغربية لجوءه إليها وقبلت مصر ذلك على مضض.

وتعرض المنزل الريفي الذي كان يسكنه في فرنسا لتفجير استهدفه بعد عام من مغادرة الخميني إلى طهران.

لكن ما دار في باريس لأشهر، كان البداية التي غيرت وجه المنطقة لسنوات.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close