يُعدّ منصف المرزوقي مفكرًا وحقوقيًا، ومحاربًا ومناضلًا من أجل الديمقراطية في بلده، فقد سُجن ولوحق عشر سنوات في المنفى قبل عودته إلى وطنه، ليُصبح رئيسًا للجمهورية في أول انتخابات حرة. وبعد فترة الرئاسة عاد إلى حياته العادية.
وتعتبر تجربة المفكر والمناضل السياسي والرئيس الأسبق لتونس تجربة مختلفة في العالم العربي.
شاهد على التجربة التونسية
"عروبي غير قومي، واشتراكي غير شيوعي، وديمقراطي غير تابع للغرب، ومسلم غير إسلامي"، هكذا يصف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي نفسه. فهو أول رئيس منتخب بعد ثورات الربيع العربي. والشاهد على التجربة الديمقراطية التونسية الوليدة.
عاش المرزوقي حياة سياسية عريضة معارضًا ومقاومًا للاستبداد السياسي، وطبيبًا وحقوقيًا مقاومًا للتعذيب في السجون، ومثقفًا وكاتبًا ومناضلًا، مجربًا ومتقلبًا بين المذاهب والعقائد السياسية المختلفة وناقدًا لها، ثم ناقدًا صارمًا لتجربته الشخصية في العمل السياسي، والوصول إلى سدة الحكم.
الرئيس التونسي السابق #منصف_المرزوقي يعلق على قرارات الرئيس #قيس_سعيد عبر لقاء خاص مع التلفزيون العربي#تونس pic.twitter.com/Rh78U1H7YW
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 26, 2021
أودع المرزوقي مؤلفات عدة عبر أفكاره وتجاربه المختلفة، آخرها كتابه الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "المراجعات والبدائل. أيّ أسس لفكر سياسي مجدد؟". وفيه يراجع المرزوقي الأفكار الكبرى التي تعلّق بها أبناء جيله: الوطنية القومية، والتقدمية، والليبرالية، وحقوق الإنسان الديمقراطية، والإسلام السياسي.
ويعيد المرزوقي قراءة الإيديولوجيات الخمس، كما سمّاها، راصدًا دورها الإيجابي في سياقها التاريخي من ناحية، ومشكلاتها النظرية والتطبيقية من ناحية أخرى.
"إخفاق في فهم الاستبداد"
ويرى المرزوقي أن جيله أخفق في فهم الاستبداد، حين اختزله في أشخاص بعينهم؛ كما أخفق في فهم الديمقراطية حين تصوّر أن أول أعدائها هو الديكتاتورية، فيما عدوها الأكبر وفق تجربة الرئيس التونسي الأسبق كان ولا يزال كامنًا في آليات الديمقراطية نفسها والتي لا تعيش من دونها.
كذلك تطرق المرزوقي إلى "الإسلام السياسي"، ورآه جزئين: الأول مسلح، انتهى في أغلب الأماكن إرهابًا أثر ضغينة العالم أجمع ضد المسلمين، والآخر مدني، انتهى في أكثر من بلد عجلة خامسة لأنظمة الفساد التي ادعى السعي للقضاء عليها.
واشتبك المرزوقي في كتابه مع تحديات عدة من الأمن والسلام، مرورًا بالأنظمة السياسية، وصولًا إلى المناخ والتكنولوجيا، طارحًا رؤاه النقدية ومقترحاته في منهج التعاطي معها والحلول الممكنة.
منظومة جديدة من الحكم السياسي
وأوضح المرزوقي، في حديث لبرنامج "قراءة ثانية" عبر شاشة "العربي"، من باريس، أنّه عاد إلى منفاه الباريسي بعد أن خابت آماله بتحوّل تونس إلى نموذج ديمقراطي في العالم العربي، مشيرًا إلى أنّ تونس خسرت الآن معركة الحرية والديمقراطية، لكنّ التونسيين لم يفقدوا الحرب التي ستستمر جيلًا بعد جيل سعيًا إلى التحرّر والديمقراطية الحقّة.
وأضاف أنّه يعارض تجربة الحكم العام السائدة في العالم العربي والتي تقوم على أنّ السلطة تؤخذ بالقوة، ويُمارس بالقوة، ويُفقد بالقوّة، فيُسجن الرئيس أو يُنفى أو يُقتل، مشدّدًا على أنّ الاستثناءات هي التي يجب أن تكون القاعدة للحكم، بمعنى أن الرئيس يتولّى مهامه بطريقة دستورية، ويُمارس سلطته بطريقة شرعية، وبالتالي يخرج بطريقة ديمقراطية.
وقال إنّ "عقلية الاستبداد لا تزال تتملك أركان السلطة في تونس، بدليل مغادرتي السلطة إلى منزله في تونس بشكل طبيعي، قبل أن يحكم عليّ هذا المنقلب (الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد) بالسجن أربع سنوات بتهمة الخيانة العظمى دون خجل".
وأكد أنّ الأجيال الجديدة أدركت ضرورة الانخراط في منظومة جديدة من الحكم السياسي تُعاصر متطلّبات الناس وتخلّصهم من الاستبداد، وتُدخلهم في المسار الديمقراطي الذي لا يعني الديمقراطية الموالية للغرب، بل ديمقراطية نابعة منهم ولمصلحتهم.
وأشار إلى أنّه كان للعرب عصر تنوير في القرن التاسع عشر، وثورة فكرية حقيقية، مضيفًا أنّ التخلّص من الاستبداد في العالم العربي لن يكون دون دفع ثمن باهظ، وقد يستمرّ لسنوات، ولكنّه سيتحقّق في النهاية.
ودعا المرزوقي إلى التعلّم من التجارب السابقة من القومية، والوطنية، والشيوعية، والإسلام السياسي، والديمقراطية، لتجديد الفكر السياسي الذي يُلامس الواقع العربي، دون عقدة ذنب بل بالاعتراف بالخطأ لبناء ديمقراطية صلبة.
كما شدّد على ضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات، وبناء اتحاد شعوب عربية حرّة تُبنى كما بُنيت أوروبا.