الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

نقطة فاصلة في حرب فلسطين.. أسرار المعركة التي حطّمت كبرياء الصهاينة

نقطة فاصلة في حرب فلسطين.. أسرار المعركة التي حطّمت كبرياء الصهاينة

Changed

تحت عنوان "كارثة فلسطين"، جاءت مذكرات قائد المعركة عبد الله التل التي حملت توثيقًا تفصيليًا لمعركة القدس القديمة، حيث يكشف فيها عمّا وصفها بـ"خيوط المؤامرة".

في 15 مايو/ أيار 1948، أعلنت بريطانيا أنّها ستنهي الانتداب وتخرج من فلسطين؛ ما يعني قيام "الدولة اليهودية" دون شكّ، فاقتربت ساعة الحسم وقرّرت الجيوش العربية دخول فلسطين.

هكذا، عقدت ستة جيوش عربية العزم للزحف نحو فلسطين في محاولة أخيرة لإنقاذ الأرض العربية، لكنّ الهزيمة كانت مدوية أمام العصابات الصهيونية، فوقعت النكبة، وتبادل الزعماء العرب الاتهامات فيما بينهم، وسط نقص حاد في المعلومات والتفاصيل حول الأسباب التي أدّت إلى تلك الهزيمة.

لكن، وسط ذلك الضجيج عام 1948، يبقى أنّ ما حدث في مدينة القدس كان استثنائيًا بكلّ المقاييس العسكرية أو ما يُعرَف بمعركة القدس القديمة.

"الغصّة الكبرى"

أبطال معركة القدس القديمة هم أفراد وضباط الكتيبة السادسة في الجيش الأردني، يشاركهم المتطوعون الفلسطينيون تحت قيادة الضابط الأردني عبد الله التل، الرجل الذي كتب وثيقة استسلام القوات الصهيونية بعد هزيمتهم في القدس الشرقية، إذ لم تنجح القوات في احتلال المدينة كما أرادت.

وتُعَدّ معركة القدس القديمة نقطة فاصلة في مجريات حرب فلسطين عام 1948، بل إنّ ديفيد بن غوريون يعتبرها الغصّة الكبرى بسبب فشل العصابات الصهيونية في احتلال القدس القديمة، ويقول في مذكراته: "لقد خسرنا في تلك المعارك ضعفي قتلانا في الحرب كاملة بعد أن نجح التل وكتيبته في إنقاذ القدس الشرقية".

"كارثة فلسطين"

وتحت عنوان "كارثة فلسطين"، جاءت مذكرات قائد المعركة عبد الله التل التي حملت توثيقًا تفصيليًا لتلك المعركة ومجرياتها، كاشفًا عمّا وصفها بـ"خيوط المؤامرة" التي وقعت خلال الحرب، تحديدًا ما يتعلق بالقيادة البريطانية للجيش الأردني، لينتهي إلى أنّ حرب فلسطين برمّتها لم تكن أكثر من مجرّد مسرحية من أجل تسليم فلسطين.

يُعتبَر عبد الله التل أحد أعلام حرب 1948 ومن أكثرهم إثارة للجدل، لكنّه أحد القادة العسكريين الذين كانوا في قلب العمليات الحربية، الأمر الذي جعل شهادته على الحرب ومجرياتها من أهمّ مراجع حرب 1948، خصوصًا فيما يتعلق بالجبهة الأردنية وكواليس القصر الملكيّ في عمّان.

يشير التل في شهادته إلى أنّ أحد القادة العرب قد قدّم اقتراحًا للملك الأردني عبد الله ابن الحسين بتبديل قيادة الجيش البريطانية والاستغناء تمامًا عن الفريق غلوب (المعروف باسم غلوب باشا)، والضباط الإنكليز الذين كانوا معه، لأنّهم ودون شكّ سيعملون على تمكين القوات الصهيونية من تجاوز حدود التقسيم.

لكنّ الملك، وبرأي التلّ، لم يكن يستطيع أن يوافق على مقترح كهذا، لأنّه يعلم أنّ بريطانيا لن تقبل فكرة الاستغناء عن غلوب، وإذا حدث أيّ تغيير، فلن تستمرّ في الإنفاق على الجيش العربي وتسليحه.

جرأة الملك "الخارقة"

مع انتهاء الانتداب البريطاني، اندلعت الحرب، وقررت القوات البريطانية تجاوز حدود التقسيم نحو القدس لاحتلالها. وخلال ثلاثة أيام من اندلاع حرب 1948، كانت القدس تواجه شبح الفناء إثر هجوم صهيوني شامل نحو الأسوار والأبواب الرئيسية، محاولين اقتحام المدينة التي احتشد فيها أكثر من 60 ألف عربي.

لكن وبموجب الخطط العسكرية العربية، لم تكن في المدينة أي كتيبة من الجيوش العربية الستّة، فالقدس أصبحت منطقة دولية، وكانت مهمّة الدفاع عنها مقتصرة على قوات المتطوعين الفلسطينيين الذين يتبعون مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، فبات سقوط القدس القديمة مسألة وقت فقط.

يقول التل في مذكراته: "لم يكن أمام الهيئات العربية في القدس سوى التوجّه إلى عمّان للاستنجاد بالملك عبد الله بن الحسين، حيث شرحوا لجلالته خطورة الحالة، وذكّروه أيضًا بقبر والده الذي دُفِن في القدس الشريف حسين بن علي، وتحدّثوا له عن الصخرة والحرم الشريف، وتحدّثوا له عن كنيسة القيامة".

ويضيف: "لكنّ الفريق غلوب كان قد أسقط القدس من كل حساباته، حيث وضع خططه العسكرية على أساس أنّ القدس ستصبح يهودية، لكنّ الملك وفي جرأة خارقة، قرّر أن يخالف خطة غلوب وأصدر أمرًا واضحًا يوم الإثنين 17 مايو /أيار 1948 من أجل التحرك نحو القدس".

ويتابع: "لقد جاءني الأمر مباشرةً من الملك، ولم يأتِني أيّ أمر من غلوب، فأيقنت أنّ مشادة قد وقعت بينه وبين الملك".

استسلام بشروط

خلال 10 أيام من الاشتباك والحصار، طلب اليهود بوساطة الصليب الأحمر نقل المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ إلى الأحياء الجديدة في القدس، لكنّ عبد الله التل اشترط استسلام المحاربين خصوصًا أولئك الذين تحصّنوا في الكنيس الكبير. وقد أمهلهم التل إلى الساعة الرابعة من مساء 27 مايو، وإلا فإنّ القصف سوف يطال الكنيس الكبير.

وفي يوم الجمعة 28 مايو، استسلم المقاتلون الصهاينة. يقول عبد الله التل إنّه قد وافق على استسلامهم بشروط، وقد جاءت في وثيقة تسليم الحي اليهودي في القدس القديمة، وكُتِبت برعاية الصليب الأحمر، وكان من بين بنودها أنّ "عليهم إلقاء السلاح وتسليمه، ثمّ يؤخذ جميع المحاربين اليهود من الرجال أسرى حرب، وأخيرًا يُسمَح للمدنيين بالخروج"، وعلى إثر ذلك أُسِر 340 مقاتلًا نُقِلوا إلى شرق الأردن.

معركة "أذلّت اليهود إذلالًا كبيرًا"

يقول التل في مذكراته: "لقد حطّمت تلك المعركة كبرياء اليهود وأذلّتهم إذلالًا كبيرًا، ولولا السياسة العليا التي رسمها الإنكليز ونفذها غلوب بحذافيرها، لكان النصر مماثلًا في القدس كلّها، تلك السياسة التي حالت دون وضع خطة موحّدة معينة لاحتلال القدس، ولا شكّ أنّ المعركة قد رفعت معنويات العرب في كلّ الأقطار، فاشتدّت العزائم وشحذت الهمم، ولكن دون جدوى، لأنّ العوامل التي سيّرت الحرب وراء الستار كانت تهدف إلى إرخاء العزائم وقتل الهمم".

وفي شهادته، يقدّر التلّ أنّ عدد القتلى من المقاتلين الصهانية في معركة القدس القديمة قد تجاوز 300، وذكر أيضًا أنّ الحيّ اليهوديّ قد لحق به دمار كبير. أما خسائر الجيش الأردني، فقد تمثّلت بمقتل 14 جنديًا أردنيًا.

دور "خبيث" لعبته القيادة البريطانية

لم تسقط القدس القديمة خلال الحرب، الأمر الذي مثّل انتصارًا معنويًا لدى العرب على الرغم من النتيجة المريرة، إذ تقهقرت معظم الجبهات العربية على طول خط النار.

وفي مذكّراته، يورد التل مذكرة وُجّهت من الملك عبد الله إلى الفريق غلوب تحديدًا في 29 مايو يطلب منه أن يبلغ أفراد الكتيبة السادسة رضاه عن سير المعارك في القدس الشريف، مفتخرًا بذلك الإنجاز الذي حققه الجيش الأردني على الأرض.

لكنّ عبد الله التلّ قد أفرد جزءًا كبيرًا من شهادته للحديث عن الدور "الخبيث" الذي لعبته القيادة البريطانية خلال سير المعارك، إذ كانوا يعمدون إلى وضع خطط قتالية تؤدي إلى هلاك الجنود، لا محالة، كما حصل في عملية نوتردام التي قُتِل فيها أكثر من 100 جندي أردني.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close