الجمعة 17 مايو / مايو 2024

"تُراهن على حصان خاسر".. لهذه الأسباب لن تُنقذ "قمة آسيان" ميانمار

"تُراهن على حصان خاسر".. لهذه الأسباب لن تُنقذ "قمة آسيان" ميانمار

Changed

متظاهرة أمام السفارة الاندونيسية في كوريا الجنوبية للتنديد بحضور هلاينغ لقمة آسيان.
متظاهرة أمام السفارة الإندونيسية في كوريا الجنوبية للتنديد بحضور هلاينغ لقمة "آسيان" (غيتي)
اعتبرت "فورين بوليسي" أن آسيان فقدت مصداقيتها باعتبارها وسيلة للتغيير الإيجابي، وهي ليست جاهزة لاستجابة مثمرة لأزمة تُهدّد المنطقة.

وصل زعيم المجموعة العسكرية الحاكمة في ميانمار الجنرال مين أونغ هلاينغ إلى جاكرتا للمشاركة في قمة طارئة بين زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في محاولة لإيجاد سبيل لإنهاء العنف في ميانمار، بعد الانقلاب الذي أطاح بالزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي في فبراير/ شباط الماضي.

إلا أن مجلة "فورين بوليسي" الأميركية اعتبرت أن القمة "لن تنقذ ميانمار"، من منطلق أن رابطة "آسيان" "ليست مصمّمة لحل المشاكل، لا سيما مشكلة شائكة" كالاضطرابات التي أعقبت الانقلاب.

وأشارت إلى أن "آسيان فقدت مصداقيتها باعتبارها وسيلة للتغيير الإيجابي منذ فترة طويلة، فالمنظمة التي تنقسم بشكل ميؤوس منه، وتحكمها قواعد تُعيق العمل الحاسم ليست جاهزة لاستجابة مثمرة لأزمة تُهدّد المنطقة"، مضيفة أن "آسيان تُبحر بلا دفة نحو المستقبل، واستجابتها للتطورات في ميانمار توضح ذلك".

انتفاضة غير قابلة للقمع

منذ الانقلاب وحتى اليوم، أثبتت الانتفاضة الشعبية ضدّ الجيش أنها غير قابلة للقمع، بينما يُواصل خبراء السياسة الخارجية البحث عن حلول دولية محتملة للوضع المتدهور.

وبما أن القوى الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا محدودًا على الجيش، بينما تُعيق الصين وروسيا استجابة قوية على المستوى الدولي، تطلّع كثيرون إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) للعب دور أكثر أهمية.

تتألف رابطة دول جنوب شرق آسيا من دول هي جيران لميانمار، ولديها مصلحة كبيرة في تجنّب انزلاق البلاد إلى الفوضى الكاملة. لكنّ أملهم في إيجاد حل للأزمة في غير محله، فالرابطة "ليست مصمّمة لحل المشاكل، ولا سيما تلك الشائكة مثل الاضطرابات في ميانمار".

إن استراتيجية صنع القرار في الرابطة قائم على الإجماع، وبالتالي يمنع اتخاذ إجراءات حاسمة، إذا ما أخذنا بالاعتبار انقساماتها الداخلية الهامّة، حتى إنه من غير الواضح ما إذا كان جميع قادتها يدركون مدى الانقسام السياسي العميق الذي أحدثه انقلاب ميانمار.

نتيجة لذلك، توقّعت المجلة أن تخرج القمة بـ"القليل من الإجراءات الملموسة، إن وجدت"، مرجّحة أن يسعى قادة آسيان إلى اتباع مزيج من التعبيرات الدبلوماسية عن "القلق" والمقترحات الغامضة لـ"المشاركة" بما يحفظ ماء الوجه.

استجابة متخلّفة عن المتطلّبات

وبالفعل، طرح بعض قادة المنطقة إمكانية إرسال مساعدات إنسانية، وهو اقتراح معقول بالمبدأ، إذ إن شعب ميانمار يعاني، وهم بحاجة للإغاثة تمامًا كما حصل بعد إعصار مدمر قتل عشرات الآلاف من الأشخاص في عام 2008، حين ساعدت رابطة دول جنوب شرق آسيا في إقناع جنرالات "تاتماداو" المذعورين بالسماح بإرسال المساعدات الإنسانية الدولية.

لكن الأزمة الحالية "ليست كارثة طبيعية"، تقول المجلة، مضيفة: "هذه المعاناة هي من صنع الإنسان، وسببها واضح جدًا؛ إنه جيش التاتماداو، الذي قتل أكثر من 700 شخص، وسجن الآلاف، وأدى إلى توقّف الاقتصاد خلال الأشهر القليلة الماضية من خلال القمع الشديد وقطع الاتصالات على نطاق واسع".

واعتبرت أن الوضع "يتطلب حلًا سياسيًا، حيث إن الإغاثة الإنسانية ستكون بمثابة إسعافات أولية، إذا ما وصلت إلى الناس على الإطلاق".

دعوة هلاينغ تدخّل في الشؤون الداخلية

واعتبرت المجلة أن دعوة زعيم الانقلاب إلى حضور القمة باعتباره ممثلًا لميانمار دليل على "عدم جدية الرابطة في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الحالية".

وإذ أشارت إلى أن قادة الرابطة سيدّعون أن قرار دعوة هلاينغ يتوافق مع مبدأ "عدم التدخل"، الذي يحظر التورط في "الشؤون الداخلية" للدول الأعضاء، اعتبرت أن ما يُشكّل "تدخلًا" غير مسموح به كان "دائمًا حسابات انتهازية من جانب قادة المنطقة، الذين يسعدهم عمومًا تعزيز التكامل الاقتصادي مع ترك قضايا حقوق الإنسان خارج جدول الأعمال"، مؤكدة أن الدعوة بحد ذاتها "تدخّل لا لبس فيه" في شؤون ميانمار الداخلية.

والأسبوع الماضي، أعلن معارضو الانقلاب تشكيل حكومة وحدة وطنية مطالبين بدعوتهم لحضور القمة في جاكرتا. وهكذا تكون ميانمار أمام حكومتين لديهما مطالبات متنافسة للشرعية.

وبالتالي فإنه بدعوة هلاينغ، لا ممثلين عن حكومة الوحدة الوطنية، اتخذت "آسيان" خيارًا بـ"التدخل والاعتراف بالقرار الأقلّ شرعية بين الاثنين"، حسب المجلة التي وصفت القرار بـ"المصيري، وذي تداعيات خطيرة على قدرة الرابطة على التصرّف باعتبارها وسيطًا نزيهًا أو قوة للتغيير الإيجابي".

وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت دول جنوب شرق آسيا، أمس الجمعة، إلى التحقيق مع هلاينغ، بشأن جرائم ضد الإنسانية.

عجز بنيوي في رابطة "آسيان"

وأضافت المجلة أن أكبر عائق أمام عمل القمة يكمن في استراتيجية صنع القرار القائم على الإجماع؛ ففي حال اعتراض أي دولة عضو، لا يمكن للمقترح المضي قدمًا؛ "إنها مشكلة كبرى، عندما تكون المصالح المباشرة لدولة عضو في الرابطة على المحك".

وترى المجلة أن العجز البنيوي للرابطة ليس الشيء الوحيد الذي يُعيقها، إذ لا يهتم الكثير من أعضائها بحقيقة ادعاءات الجيش بتمتّعه بالشرعية، خصوصًا وأن معظم قادة الرابطة هم نتاج انقلاب أو انتخابات مزيفة كتايلاند، وكمبوديا، كما لا يُمكن لأنظمة الحزب الواحد في لاوس وفييتنام المطالبة بالشرعية الديمقراطية.

وبينما دفعت إندونيسيا إلى عقد هذه القمة الطارئة، اكتفى المسؤولون في ماليزيا والفيليبين وسنغافورة بالتعبير عن قلقهم على الوضع في ميانمار، بينما يُجبر المسؤولون الآخرون أنفسهم على حضور القمة.

"آسيان" تُراهن على حصان خاسر

واعتبرت المجلة أن بعض قرارات قادة الرابطة "المشكوك فيها" مدفوعة برغبة ميانمار في العودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية، فمن خلال الانخراط مع المجلس العسكري، ربما يعتقد قادة "آسيان" أن بإمكانهم التعجيل بنهاية "المقاومة".

لكن المجلة تؤكد أن "ميانمار تجاوزت هذه المرحلة. "لقد أخطأ التاتماداو في تقديره، وبالغ في تقديره لهذا الانقلاب؛ إذ لن يكون مستقبل ميانمار عودة إلى الماضي. قبضة الجيش ضعيفة، لا سيما مع اكتساب حكومة الوحدة الوطنية زخمًا"، معتبرة أن "آسيان تُراهن على حصان خاسر".

في المقابل، اعتبرت المجلة أن لدى "جيران" ميانمار دورًا يلعبونه في المساعدة على تجنّب المزيد من الكوارث؛ إذ "إن الحكومات منفردة تمتلك نفوذًا كبيرًا، إذا اختارت استخدامه".

وأشارت إلى أن المسؤولين التايلانديين يتمتعون بعلاقات شخصية وثيقة مع جنرالات الجيش، كما تُحافظ دول مثل سنغافورة على روابط اقتصادية كبيرة مع النظام. وقد أبدى بعض المسؤولين، بمن فيهم وزير الخارجية الإندونيسي، استعدادهم للقاء ممثلين عن الحكومة المنتخبة، وهذا "مؤشر جيد في حد ذاته".

المصادر:
فورين بوليسي

شارك القصة

تابع القراءة
Close