الجمعة 26 أبريل / أبريل 2024

الموقف الأميركي من أحداث تونس.. اختبار لواشنطن ومحاولة لتجنّب الانحياز

الموقف الأميركي من أحداث تونس.. اختبار لواشنطن ومحاولة لتجنّب الانحياز

Changed

اعتصام تنديدًا بقرارات الرئيس التونسي (غيتي)
اعتصام أمام البرلمان تنديدًا بقرارات الرئيس التونسي (غيتي)
رجّحت صحيفة واشنطن بوست أن فريق بايدن ينتهج سياسة إدارة أوباما، التي فضّلت إرسال رسائل صارمة في السرّ من منطلق أن التهديدات العلنية تأتي بنتائج عكسية.

استضاف جو بايدن عام 2015، حينما كان نائب الرئيس الأميركي، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في منزله في واشنطن، حيث شدّد على الأهمية التي تُوليها الولايات المتحدة "لضمان نجاح الديمقراطية في تونس".

وتُعتبر القرارات الأخيرة للرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد اختبارًا لالتزام بايدن بهذا الوعد. لكن حتى الآن، تشير الدلائل إلى أن البيت الأبيض حذِرٌ من التورّط في الأزمة الديمقراطية المتصاعدة في تونس، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وتسير الأحداث بسرعة في تونس العاصمة، حيث أعلن سعيّد حالة الطوارئ، وعزل رئيس الوزراء، وجمّد البرلمان لمدة 30 يومًا، ونشر الجيش لمنع النواب من دخول البرلمان. كما نهب المحتجون مكاتب حزب "النهضة الإسلامي" الذي يتمتع بأغلبية في مجلس النواب.

وقاد رئيس المجلس ورئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي اعتصامًا خارج مبنى البرلمان يوم الإثنين، رافضًا لتحرّكات الرئيس، التي وصفها بأنها "غير دستورية"، ومصرًا على أن البرلمان "لا يزال منعقدًا".

ودعا الغنوشي، في حديث لصحيفة "واشنطن بوست"، الرئيس سعيّد إلى "وقف محاولة الانقلاب"، مطالبًا بـ"دعم الشعب التونسي في مقاومة قوى الديكتاتورية والاستبداد".

بيانات مصاغة بعناية

في واشنطن، أصدر البيت الأبيض ووزارة الخارجية بيانات، الإثنين، جرت صياغتها بعناية لـ"تجنّب الانحياز" إلى أي طرف.

وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن الولايات المتحدة "قلقة بشأن التطورات في تونس"، مشيرة إلى أن مسؤولي الإدارة على اتصال بالقادة التونسيين "لحثّهم على الهدوء ودعم الجهود التونسية للمضي قدمًا بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية".

وأصدر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس بيانًا مماثلًا. وقال: "ستُواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب الديمقراطية التونسية".

بدوره، شجّع وزير الخارجية أنطوني بلينكن الرئيس سعيّد على "التمسّك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي هي أساس الحكم في تونس"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستُواصل مراقبة الوضع والبقاء على اتصال".

مجرّد البداية

وتعليقًا على ردّ الفعل الأميركي، قالت سارة يركيس، الكاتبة البارزة في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، التي عملت أيضًا في وزارة الخارجية والبنتاغون، في حديث لـ "واشنطن بوست": "هذا أقلّ بكثير ممّا آمل أن أراه من حكومة الولايات المتحدة. من الواضح أن المسؤولين الأميركيين ينتظرون ما ستؤول إليه الأمور قبل الإدلاء بأي تصريحات قوية".

ورجّحت الصحيفة أن يكون انتزاع سعيد للسلطة مجرد البداية؛ حيث يجادل المشرعون والخبراء الأميركيون، الذين يُعارضون أفعاله، بأن تردّد إدارة بايدن بالتنديد بقرارات سعيد الاستبدادية بشكل واضح، سيُشجّعه على الاستمرار، وهذا بدوره سيقوّض القوى داخل البلاد التي تُدافع عن مبدأ الفصل بين السلطات الذي حافظ على تجربة تونس الديمقراطية المستمرّة منذ 10 سنوات.

مبادرة دبلوماسية

من جهته، قال السيناتور ليندسي غراهام للصحيفة: "من هذا البلد بدأت حركة العالم العربي نحو التمثيل الديمقراطي، ويجب على واشنطن والديمقراطيات الغربية أن توقف ما يحدث في تونس قبل أن يخرج عن السيطرة".

وأضاف غراهام: "بدون مبادرة دبلوماسية قوية تقودها الولايات المتحدة، فإن القادة المؤيدين للديمقراطية مثل الغنوشي سيُتركون لتدبّر أمورهم بأنفسهم"، الأمر الذي من شأنه أن يُشجّع خطط الانقلاب المحتملة في ظل انعدام الخوف من ردّ فعل واشنطن.

واعتبر أن التردّد في مواجهة العدوان في تونس سيقضي على التحرّك من أجل حكم تمثيلي ديمقراطي.

ورجّحت الصحيفة أن فريق بايدن ينتهج سياسة إدارة أوباما، التي فضّلت إرسال رسائل صارمة في السرّ من منطلق أن التهديدات العلنية تأتي بنتائج عكسية، مشيرة إلى أن الأوان لم يفت في تونس لذلك.

وأوضحت أنه لا يزال هناك متّسع من الوقت للولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى لإقناع سعيّد بأن المضي قدمًا في انتزاع السلطة الاستبدادية لن يكون جيدًا بالنسبة له.

وقال شاران غريوال، الزميل في معهد "بروكينغز" للصحيفة: "يجب على الولايات المتحدة أن توضح جهارًا أنها تدعم الديمقراطية في تونس، وأننا ستفعل ما في وسعها لدعم الجهات الفاعلة التي تُحاول إبقائها على المسار السليم".

رسالة إدانة علنية

وكشفت الصحيفة أن النائب جو ويلسون، العضو الجمهوري البارز في اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس النواب، كتب الإثنين رسالة إلى بلينكن يسأله فيها عن سبب عدم إدانة بايدن العلني لاستيلاء سعيّد "الاستبدادي" على السلطة، وما إذا كان فريق بايدن مستعدًا للعمل مع الكونغرس للضغط على سعيد.

وذكر ويلسون في رسالته: "انهيار الديمقراطية في تونس لا يُهدّد فقط أمن الولايات المتحدة والشراكات الاقتصادية في شمال إفريقيا، ولكنه يُوفّر أيضًا مبرّرًا لعودة القوى الاستبدادية في المنطقة، وخاصّة المنظمات الإرهابية، من منطلق أن الديمقراطية هي نظام حكم فاشل"؛ وبالتالي سيؤدي ذلك إلى "عواقب وخيمة لن تزعزع استقرار تونس فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في شمال إفريقيا".

المصادر:
واشنطن بوست

شارك القصة

تابع القراءة