الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

عزمي بشارة: الديمقراطية التونسية في مواجهة الشعبوية

عزمي بشارة: الديمقراطية التونسية في مواجهة الشعبوية

Changed

المفكّر العربي د. عزمي بشارة
المفكّر العربي الدكتور عزمي بشارة
شدّد د. عزمي بشارة على أن مهمة الساعة هي تعاون النخب السياسية والمدنية الوطنية التونسية، على الرغم من الخلافات، في مواجهة الأخطار المُحدقة بالديمقراطية.

كتب مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة أنه في أوج خيبة الذين "هرموا" منذ عام 2013، لأن آخر شمعة في حلكة "الاستثناء العربي" قد تنطفئ، توالت الأخبار عن مواقف النخبة التونسية السياسية والمدنية التي تراوحت بين رفض الانقلاب على الدستور والتحفّظ عليه (حذرًا وليس تساهلًا).

وأضاف المفكر العربي: لقد عبّرت جميع الأحزاب السياسية، اليسارية والليبرالية (المحافظة وغير المحافظة)، والإسلامية (ما خلا حزبين) عن موقف رافض من خطوات الرئيس. وتحفّظت المؤسسات المدنية الكبرى عليها، أو أبدت تحفّظاتها. كما رفض غالبية القانونيين التونسيين تفسيرات الرئيس القانونية للدستور.

وأشار د. بشارة إلى أنه في كتابه الأخير عن الانتقال الديمقراطي وإشكالياته، وفي سياق تحليل نجاح الانتقال في تونس وفشله في مصر، أكد اختلافه مع دراسات التحديث بشأن اعتبار معايير التحديث هي الفارق الرئيس بين النجاح والفشل، مشيرًا إلى الفارق المهم في ثقافة النخب السياسية بين البلدين.

وأضاف في تعليق نشره على صفحته على منصة "فيسبوك": في تونس، أبدت النخب السياسية الرئيسية استعدادًا للحوار في ظلّ الالتزام بالعملية الديمقراطية، في حين أنه في مصر، فضّل بعضها التحالف مع عناصر من النظام القديم أو حتى مع الانقلاب العسكري ضد خصومها. ومنذ الأمس، يؤكد رفض النخب التونسية الوازنة الانقلاب على الديمقراطية هذا الانطباع.

الشعبوية وتحدّي الديمقراطية

وشرح د. بشارة أن "الشعبوية بوصفها خطابًا ومزاجًا سياسيًا شكّلت تحديًا رئيسًا للديمقراطية في تونس. ولم تتمكّن الديمقراطية التونسية من التغلّب عليه، بل أجّجته، بما في ذلك في خطاب الإعلام المتنافس على الإثارة واجتذاب المستمعين والمشاهدين (ولا سيما غير المسؤول وغير المهني منه)، وفي التراشق بين الأحزاب في البرلمان (هكذا أدرّجهما من حيث المسؤولية أيضًا)".

واعتبر أن الطامة الكبرى كانت بانتخاب رئيس من دون سجل مهني بارز أو نضالي أو سياسي، بل بسبب خطابه الشعبوي المقعر لا غير. وأشار إلى أن من المفارقات أن من يؤجّج الخطاب الشعبوي ضد النخب السياسية والحزبية والثقافية في أوساط الجمهور هم عادة عناصر وأفراد من النخبة ذاتها، وذلك لأسباب أيديولوجية أو مصلحية أو وصولية، والملفت أنه غالبًا ما يكون هؤلاء من الفاشلين في مجالهم المهني الحاقدين على زملائهم، ويحوّلون الحقد إلى غضب وخطاب سياسي انتقامي من النخبة عمومًا.

استخفاف بالديمقراطية

وشرح د. بشارة أن الشعب التونسي يُعاني من مشاكل اقتصادية عديدة زاد من حدتها وجود توقّعات كبرى من النظام الجديد، وأدت الخيبات في بعض الحالات إلى التوق إلى النظام القديم. ولم تتمكّن الديمقراطية التونسية من تلبية التوقّعات، وحلّ المشاكل بخطط وخطوات تنموية، ولا شكّ أن عجز الائتلافات الحاكمة، وأيضًا المماحكات الحزبية ورغبة المعارضة في إفشال أي ائتلاف أسهمت في ذلك. ولم تُتّخذ خطوات لرفع العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان لتقليل عدد الكتل الصغيرة وتسهيل تشكيل الائتلافات وعمل الحكومات.

ولفت إلى أن الخيبة من البرلمان ظهرت في تراجع نسب التصويت، وكذلك في التصويت في انتخابات الرئاسة لمرشح شعبوي تحوّل ضعفه (قلّة خبرته السياسية) إلى قوة، لأنه بدا وكأنه ليس سياسيًا. لم يكتف هذا المرشّح، الذي أصبح رئيسًا، بالمجاهرة بعدم خبرته، بل أكد أنه لم يصوّت في أي انتخابات في تونس الديمقراطية. وهذا تعبير ليس فقط عن استخفاف بالديمقراطية، بل بقلّة اهتمام بالمجال العام من طرف شخص رشّح نفسه للرئاسة، وشعور نفسي دفين أن لا أحد يستحقّ أن يمنحه صوته. وهذا بنيّة نفسية معادية للديمقراطية.

ورأى د. بشارة أن قيام سياسيين بالتحريض على السياسة، هو من أهم علامات الشعبوية المعادية للديمقراطية؛ فلا ديمقراطية من دون سياسة وسياسيين. والديكتاتور هو أسوأ أنواع السياسيين لأنه الأكثر استخدامًا للتآمر والأحابيل والعنف، ولكنه يدّعي الترفّع عن السياسة.

مهمة الساعة

وشدّد د. بشارة على أن مهمة الساعة هي "تعاون النخب السياسية والمدنية الوطنية التونسية، على الرغم من الخلافات، في مواجهة الأخطار المُحدقة بالديمقراطية. وهذا يشمل مواجهة الشعبوية بفضح أهدافها الحقيقية وبمخاطبة الشعب والإجابة على مخاوفه".

وأشار إلى أن جميع الأنظمة السلطوية تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية، وجميعها واجهت جائحة كورونا وغيرها. كما تواجه الديمقراطيات (التي تبقى أكثر جاذبية فلم نسمع عن تونسيين أو غيرهم يهاجرون للعيش في روسيا والصين وهنغاريا وبولندا فضلًا عن كوريا الشمالية) مصاعب اقتصادية واجتماعية، وبعضها استعان بالجيش في مواجهة الوباء، ولكن الجيش لم ينس، خلال تأدية المهام الاستثنائية، أن عليه الالتزام بالدستور. فالديمقراطيات تواجه المشاكل في إطار النظام الديمقراطي.

وخلص د. بشارة إلى أن الديمقراطية بحد ذاتها هي حل لآفة الطغيان والاستبداد وضمان لحقوق المواطن، وليست حلًا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فهذه وظيفة القوى السياسية والاجتماعية وسياسات القوى الحاكمة ومؤسسات الحكم، وذلك في إطار النظام الديمقراطي الذي يجب الحفاظ عليه لأن البديل هو الاستبداد.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close