الثلاثاء 30 أبريل / أبريل 2024

مستقبل "الزعامة السنية" في لبنان.. من يملأ "فراغ" سعد الحريري؟

مستقبل "الزعامة السنية" في لبنان.. من يملأ "فراغ" سعد الحريري؟

Changed

جانب من حلقة "قضايا" حول طوائف لبنان في سياق مناقشة مستقبل الزعامة السنية في لبنان بعد انسحاب سعد الحريري (الصورة: غيتي)
بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، أصبحت الطائفة السنية من دون زعيم وسند قوي وهي تشهد تراجعًا في الأدوار السياسية.

علّق رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري عمله السياسي، معلنًا عدم ترشحه هو وتيار "المستقبل" إلى الانتخابات النيابية المقررة في 15 مايو/ أيار المقبل. غير أنّه لم يقفل ما دعاه باب بيت العائلة، معتبرًا أنّه سيبقى مفتوحًا لكلّ اللبنانيين.

ويطرح قرار تعليق المشاركة في الانتخابات والعمل السياسي من قبل أكبر مكوّن سنّي أسئلة حول غياب الزعامة السنية عن الساحة اللبنانية، كما يفتح الباب أمام نقاشات بشأن الشخصية التي ستخلف الحريري سياسيًا داخل الطائفة السنية.

ولعلّ أبرز الأسماء رجل الأعمال والشقيق الأكبر لسعد، بهاء الحريري، والذي أعلن أنه سيخوض سباق الانتخابات، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ووزير العدل الأسبق أشرف ريفي الذي غرّد خارج سرب تيار المستقبل.

إلا أنّ هناك من يشكّك في إمكانية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر، نظرًا لأنّ البلد قد يشهد تطورات سلبية في المرحلة المقبلة ومواجهات سياسية حادة، ولا سيما أنّه يعيش أزمة اقتصادية حادة لم يشهدها منذ عقود، ما يجعل الاحتمالات مفتوحة.

نظرة تاريخية.. لبنان والطوائف

يُعَدّ لبنان من أكثر دول الشرق الأوسط، بل والعالم تنوّعًا من النواحي الحضارية والثقافية والدينية، إذ يعيش فيه نحو 18 طائفة معترَف بها من قبل الحكومة داخل مساحة لا تتخطى 10452 كيلومتر مربع فقط.

وتاريخيًا، أسنِد إلى مختلف الطوائف حقوق وصلاحيات دستورية مختلفة داخل الهيئات التي تديرها الدولة منذ عام 1920، عندما أعلنت فرنسا ولادة دولة لبنان الكبير. وعلى سبيل المثال، الرئيس هو مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلم سنّي حتى اليوم، على الرغم من تغيّر التركيبة السكانية التي قد تسبّبت في التحول في عدد السكان في كل مجموعة دينية.

ومع انتهاء الاحتلال الفرنسي عام 1943، اتفق اللبنانيون بمختلف طوائفهم على ما يُطلَق عليه "الميثاق الوطني" الذي نظّم أسس الحكم في لبنان عبر اتفاق غير مكتوب، لعب الدور المهم لما وصل إليه كل من بشارة الخوري أول رئيس جمهورية لبناني، ورياض الصلح أول رئيس حكومة لبنانية تشكّلت بعد استقلال البلاد عن فرنسا.

وبناءً على هذا الاتفاق، توافق اللبنانيون بشكل عرفي على توزيع السلطة بشكل يهدف إلى ضمان التمثيل السياسي لجميع الطوائف في البلاد بموجب ما ورثته من حكم الاحتلال الفرنسي، بحيث ينال المسيحيون الموارنة رئاسة الجمهورية، ويحصل المسلمون الشيعة على رئاسة البرلمان، والمسلمون السنّة على رئاسة الوزراء، رغم أنّ الدستور اللبناني لا يتحدّث عن دين أو طائفة رئيس الوزراء.

بعد ذلك، شهد لبنان حربًا أهلية دامت 15 عامًا من 1975 إلى 1990، لم تضع أوزارها إلا بعد اتفاق الطائف الموقّع في مدينة الطائف السعودية عام 1990، والذي لم يغيّر شيئًا في المحتوى الطائفي للنظام، وإن أوصى بإلغاء الطائفية السياسية، وإنما عدّل في حصص الطوائف، وأقرّها مناصفة، مع تحجيم سلطات رئيس الجمهورية.

"نفوذ" الطائفة السنية منذ نهاية الحرب

تمتعت الطائفة السنية في لبنان بالنفوذ منذ نهاية الحرب اللبنانية في عام 1990، من خلال سلطة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع قوى كبرى دولية وإقليمية ما ساهم في نهضة لبنان اقتصاديًا وتجمّع المكوّن السنّي بشكل خاص حوله.

إلا أنه بعد اغتياله في عام 2005، أصبحت الطائفة السنية من دون زعيم وسند قوي وهي تشهد تراجعًا في الأدوار السياسية.

ففي عام 2008، وقعت اشتباكات في بيروت بين مناصري تيار المستقبل السنّي بقيادة سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، وبين مقاتلي "حزب الله"، على خلفية قرارات حكومية قضت بتفكيك شبكة اتصالات "حزب الله" غير القانونية.

وقد انتهت الاشتباكات بسيطرة "حزب الله" على العاصمة، وأفضت في نهاية المطاف إلى اتفاق الدوحة الذي أعطى "حزب الله" حقّ الثلث المعطّل في الحكومة التي كان يرأسها سعد الحريري، الأمر الذي ترك المؤسسة السياسية السنية متشظية تمامًا.

وشكّل تعيين سعد الحريري رئيسًا لحكومة الوحدة الوطنية في عام 2009 جزءًا من محاولة "حزب الله" احتواء الغضب السنّي الناشئ. مع ذلك، بعد أن اتهمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي شكّلتها الأمم المتحدة للتحقيق في اغتيال الحريري، رسميًا في عام 2011، أربعة من قادة "حزب الله" بتنفيذ الاغتيال، تغيّرت الأمور إلى حدّ كبير، إذ ردّ "حزب الله" بإسقاط حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة مؤيدة له برئاسة خصم الحريري السنّي، نجيب ميقاتي.

عقب ذلك، غادر سعد الحريري البلاد، فأخرِجت القيادة المعتدلة التي كانت تحظى بالتمثيل الأوسع سنيًا من السلطة السياسية. ثمّ عاد الحريري إلى البلاد وشكّل أولى وثاني حكومات عهد الرئيس ميشال عون، قبل أن يتعرّض في انتخابات عام 2018 لأكبر نكسة انتخابية مع تراجع عدد نواب كتلته إلى 20 نائبًا، بعدما وصل في مرّات سابقة إلى 35 نائبا.

كما سبق له أن قدّم استقالته من رئاسة الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 من السعودية، قبل العودة إلى بيروت في العام نفسه متراجعًا عن الاستقالة. ثمّ انفجرت الأوضاع المعيشية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 مع اندلاع الاحتجاجات في مختلف المناطق اللبنانية، فأعلن استقالته في 29 أكتوبر من العام نفسه، وباشر الانفكاك عن عون.

ومن ثمّ خرج الحريري في 24 يناير/ كانون الثاني هذا العام، ليعلن تعليق عمله السياسي، معلنًا عدم ترشحه وتيار المستقبل للانتخابات النيابية،

السعودية تريد "مواجهة" حزب الله

ويرى الباحث في شؤون الشرق ماريو أبو زيد أنّ الطائفة السنية في لبنان فقدت زعامتها عمليًا مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005، وذلك بسبب خسارتها للدعم الإقليمي الواضح لمحور المملكة العربية السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني.

ويشير في حديث إلى "العربي"، من مونتريال، ضمن برنامج "قضايا"، إلى أنّ الأزمة اليوم ليست فقط أزمة للطائفة السنية في لبنان بل هي أزمة وطنية، مع خروج الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بشكل عام من المشهد السياسي اللبناني، ما يشكّل إنذارًا كبيرًا للمنطقة، بأنّ مرحلة المواجهة بين السعودية وإيران بدأت عمليًا في لبنان.

ويلفت إلى أنّ المملكة العربية السعودية تريد أن تواجه "حزب الله" ولا تريد أن تفاوض أو تساوم معه، معربًا عن اعتقاده بأنّ ما ساهم في خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية بهذا الشكل كان موضوع المساومات التي اتخذها خيارًا من خلال تعامله مع "حزب الله"، سواء من خلال تخفيف مفاعيل قرارات المحكمة الدولية، أو من خلال جملة من التسويات التي قام بها والتي ذكرها في خطابه المقتضب الأخير.

ويعتبر أنّ هذه التسويات أدّت إلى "أفول نجم" سعد الحريري، أكان لدى الطائفة السنية بشكل عام، أو لدى مناصري تيار "المستقبل" حتى، مشيرًا إلى أنّ هذه التسويات هي التي أفضت إلى النتيجة التي خرج بها.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close