الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

مشروع النهضة العربية.. بين التجديد الداخلي والتأثر بالفكر الغربي

مشروع النهضة العربية.. بين التجديد الداخلي والتأثر بالفكر الغربي

Changed

تتناول حلقة "قراءة ثانية" مشروع النهضة العربية في بعديه السياسي والفكري وتحاول الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان هذا المشروع تحديثًا متأثرًا بالغرب.
أولى محمد علي الصناعة اهتمامًا من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير والتحرر من الصناعات الأوروبية، فدعم صناعة النسيج، كما أصدر أول صحيفة مصرية وأنشأ مدرسة حربية.

شهد العالم العربي منذ مطلع القرن التاسع عشر حركة إصلاح وتحديث عُرفت بـ"عصر النهضة"، وكان مشروع محمد علي في تحديث مصر أبرز التجليات السياسية لتلك الحركة.

ووصل محمد علي من خلال أعماله إلى مصاف عظماء الرجال. فهو نشأ في بيئة متواضعة وتدرج من جندي بسيط إلى أن وصل إلى عرش مصر حيث أنشأ دولة عظيمة وحكومة ثابتة وأنبت ثقافة كان لها الفضل الكبير في نشر لواء العلم والعرفان. هكذا يصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعي عصر محمد علي وتجربته النهضوية.

في العام 1801 جاء محمد علي إلى مصر حيث كان جنديًا عاديًا في كتيبة من 300 جندي شاركت في الحملة العثمانية لإخراج الفرنسيين من مصر.

وأظهر محمد علي من الشجاعة ما جعله يحصل في بضعة أشهر على رتبة "باشا" التي تعادل عسكريًا رتبة لواء.

رحل الفرنسيون وبقي الأتراك والمماليك يتصارعون على حكم مصر، واستغل محمد علي الصراع بين الفريقين وكراهية المصريين لهما معًا وتحالف مع الزعامات الشعبية للمصريين، فاختاروه واليًا عليهم عام 1805، واضطر السلطان العثماني للرضوخ أمام الإجماع الشعبي.

أول تجربة نهضوية عربية

واجه محمد علي مطامع الإنكليز في مصر واستطاع القضاء على حملة فريزر عام 1807 ونفذ حملات عسكرية في بلاد العرب واليونان لحساب السلطان العثماني، ودبر مذبحة دموية في قلعته للمماليك وقضى عليهم عام 1811.

واستفرد "الباشا" بحكم مصر منذ ذلك التاريخ ليبدأ أول تجربة نهضوية شهدها العالم العربي في العصر الحديث.

بدأ محمد علي بالزراعة، وكانت ثلث الأراضي في الوجه البحري غير صالحة للزراعة، وهجر العديد من الفلاحين أراضيهم بسبب الضرائب القاسية.

ألغى محمد علي الالتزام الذي بموجبه يدفع الفلاحون الضرائب للملتزم وأنشأ نظام الاحتكار فألزم الدولة شراء المحاصيل من الفلاحين وتصديرها. وانتبه محمد علي إلى أهمية التعليم فألزم البعثات العلمية إلى جامعات أوروبا لنقل المعارف والخبرات وأنشأ مدارس وكليات مدنية حديثة إلى جانب الأزهر والكليات الدينية.

كما أنشأ محمد علي مدرسة حربية في أسوان لبناء جيش وطني. واهتم بالترجمة عن الأوروبيين في العلوم النظرية والتطبيقية، كما أنشأ مطابع عدة، كانت أولها المطبعة الأميركية في بولاق عام 1820.

وأمر محمد علي بإصدار أول صحيفة مصرية وهي "الوقائع المصريّة" التي ما زالت تصدر حتى اليوم.

كما أولى الصناعة اهتمامًا من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير والتحرر من الصناعات الأوروبية، فدعم صناعة النسيج وتوسع فيها، وساعده في ذلك زراعة القطن، كما أنشأ ترسانة القلعة عام 1820 لصناعة المدافع، ثم الترسانة الكبرى في الإسكندرية عام 1829 لصناعة السفن الحربية.

تطلع محمد علي إلى الاستقلال بمصر والشرق العربي عن الدولة العثمانية، فزحف إلى بلاد الشام عام 1831 وانتزعها من العثمانيين، وواصلت جيوشه الزحف إلى القسطنطينية، وكاد أن يستولي عليها لولا التدخل الأوروبي الذي أجبره على التراجع والتخلي عن بلاد الشام، وألزمه حكم مصر تحت سيادة السلطان طبقًا لمعاهدة لندن عام 1840.

"أول تجربة تحديث قوية في الدولة العثمانية"

وفي هذا الإطار، اعتبر المحرر العلمي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات محمد جمال باروت أن عمليات التحديث في الدولة العثمانية سبقت ظهور محمد علي، لافتًا إلى أنها بدأت مع السلطان سليم الثالث.

وشرح في حديث إلى "العربي" من الدوحة أن عملية التحديث شملت بشكل أساسي المؤسسة العسكرية، وترافقت هذه الخطوة مع عملية تحديث شاملة في أنظمة التعليم حيث افتتحت مدارس وأدخلت مناهج جديدة في ظل التفاعل مع المعرفة الغربية الجديدة.

واعتبر أن السلطان سليم الثالث دفع حياته ثمنًا لهذا المشروع لأن القوى المحافظة رفضته، ومن ثم واصل المشروع من بعده السلطان مصطفى الثالث وكذلك انتهى به إلى المصير ذاته، وصولًا إلى السلطان محمود الثالث.

وقال: إن هذه التحديثات نابعة من إعادة تجديد الدولة العثمانية ومحاولة تعزيز وحدتها أمام الغرب في مرحلة ظهور التهديد الغربي الحقيقي. 

وشدد على أن تجربة محمد علي هي أول تجربة تحديث قوية ومندفعة في إطار الدولة العثمانية.

اكتشاف العرب لمكانتهم

بدوره، رأى الباحث في المركز العربي للأبحادث ودراسة السياسات شمس الدين الكيلاني أن مسألة النهضة ترتبط باكتشاف العرب لمكانتهم في العالم.

ويلفت في حديث إلى "العربي" من الدوحة إلى أن العرب والمسلمين كانوا يمتلكون ثقة كبيرة بالنفس ويعتبرون أنهم مركز العالم، إلا أن هزائم العثمانيين المتتالية أمام الروس وهزائم المصريين أمام الفرنسيين أيقظت فكرة لدى العرب والمسلمين أنهم متأخرون عن العالم.

ولفت إلى أنه انطلاقًا من هذه الفكرة طُرحت مسألة التحديث والنهضة لدى العرب.

ويقول: إن محمد علي كان يبحث في تمكين القوة من خلال جعل البلد قادرًا على الدفاع عن نفسه أمام الاجتياح الغربي الهائل، ولذلك فكر بقضية التحديث وبدأ في هذا الإطار من المؤسسة العسكرية.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close