الإثنين 29 أبريل / أبريل 2024

"مواطنو الرايخ" وانقلاب في ألمانيا.. اليمين المتطرف يهدد أوروبا

"مواطنو الرايخ" وانقلاب في ألمانيا.. اليمين المتطرف يهدد أوروبا

Changed

ناقش برنامج "للخبر بقية" دلالات تفكيك شبكة لليمين المتطرف في ألمانيا يشتبه في تخطيطها للإطاحة بنظام الحكم (الصورة: غيتي)
ما دلالات الخطر الذي باتت تشكله أحزاب اليمين المتطرف على الأنظمة في أوروبا، وهل تهدد بقيادة القارة الأوروبية نحو الغرق في أزمات سياسية عميقة؟

إنه زلزال أمني يضرب ألمانيا. اعتقالات ومطاردات نفّذها الآلاف من عناصر الأمن والاستخبارات ضربت مخابئ أعضاء محسوبين على اليمين المتطرّف.

وكشفت التحقيقات الأولية عن تورّط المشتبه بهم في تنفيذ ما أسمتها السلطات بـ"المؤامرة الإرهابية لقلب نظام الحكم، وإسقاط الدولة الألمانية ومبادئها الديمقراطية، فضلًا عن إعادة التفاوض بشأن تسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية".

وحدّدت مؤسسات إعلامية ألمانية عددًا من الموقوفين أبرزهم هنري الثالث عشر، وهو سليل عائلة أرستقراطية، ونائبة سابقة في البرلمان الألماني عن "حزب البديل"، إضافة إلى ضابط ميداني سابق في كتيبة المظليين، ومواطنة روسية، وكلهم ينتمون إلى حركة "مواطني الرايخ"، المعروفة بعنصريتها تجاه الأعراق الأخرى.

الاستعداد للانقلاب

اللافت في هذه القضية، أن لهذه الحركة ذراعًا عسكرية دفعت بالحكومة الألمانية إلى الزجّ بوحدات من قوات مكافحة الإرهاب الخاصّة والمدرّبة جيدًا، خلال تفتيشها أكثر من 100 عقار ومنشأة، ومن بينها ثكنات في الجيش الألماني.

ويكشف كل هذا أن الحركة كانت قد أعدت كل شيء تقريبًا لإقامة نظام حكم، والاستعداد المكثّف للانقلاب عبر محاكاة عمليات إطلاق نار، وتجنيد العناصر، حتى إن المحقّقين أنفسهم وصفوا إجراءات ضبط الخلية بأنها "أحد أكبر اجراءات حماية الدولة في تاريخ الجمهورية الاتحادية".

ويتّفق المحللون الأوروبيون على أن أحزاب اليمين المتطرّف باتت تشكّل تهديدًا للبلاد وديمقراطيتها، وتتصاعد بأجنحته الفاشية والنازية المتغلغلة في أكثر من بلد أوروبي، كما أفرزت الانتخابات الأخيرة في غير مكان، في وقت تراجعت الأحزاب اليسارية بشكل لافت، خصوصًا مع تعاظم المشاكل الاقتصادية، وهي الوقود الحقيقي لليمين الذي نسج منها خطاباته الشعبوية التي تهاجم الأقليات والتعددية الثقافية.

وما يزيد من سوء الموقف، أن أوروبا اليوم، التي تساند أوكرانيا في معركتها ضد روسيا حماية للديمقراطية والقيم الأوروبية كما تصفها، تواجه من داخلها خطرًا ينخر أفكارها التنويرية التي قامت عليها بعد الحرب العالمية الثانية.

"خطر حقيقي على الديمقراطية"

ووصفت بيرغيت فيتسل، الباحثة الألمانية في مركز جنيف للدراسات، عملية اليوم بأنها "صدمة لناحية خطورة الخطط التي وضعها الموقوفون"، مشيرة إلى أن اليمين المتطرّف كان خطرًا على ألمانيا منذ سنوات عدة، ولكنه لم يحظ بالاهتمام المطلوب، وهو ما أدى إلى ما تمّ اكتشافه اليوم.

وقالت فيتسل، في حديث إلى "العربي"، من برلين، إن ما حصل "يشكّل خطرًا حقيقيًا على البلاد يجب أخذه على محمل الجد"، خاصّة وأن هذه المجموعة نشطة، ولديها مؤيدون ومناصرون ومتعاطفون، مضيفة أن "حزب البديل" اليميني يتمتّع بأعداد كبيرة من الأتباع، ولذلك يجب معرفة هوية أعضاء المجموعة وتحديد الأشخاص الذين يحملون الإيديولوجية اليمينية المتطرّفة، ومن بينهم رجال شرطة، وجنود، وقضاة.

وتساءلت: "كيف تمكّن هؤلاء الأشخاص أن يصلوا إلى هذه المناصب، وأن يبقوا فيها إلى الآن؟".

وأكدت أن ما حصل ينبغي التصدّي له على المستوى السياسي والمجتمع الدولي، وهو ما بدأ الآن مع نقاش جماهيري مستفيض بين كافة فئات المجتمع وسيستمر لأسابيع مقبلة، إضافة إلى ضرورة النقاش حول حدود الحقوق الشخصية.

خطر  "اليمين المتطرّف"

بدوره، أشار جيان عمر، النائب في برلمان ولاية برلين عن "حزب الخضر"، إلى تقارير سابقة تؤكد وجود هذه التنظيمات اليمينية المتطرّفة، لكن للأسف لم تتعامل السلطات الأمنية وأجهزة الاستخبارات بالمستوى المطلوب معها، بحيث أهملت خطورة هذه المجموعات.

وأوضح عمر، في حديث إلى "العربي"، من برلين، أنه خلال السنوات الماضية، تم اكتشاف عدد من المجموعات اليمنية المتطرّفة التي كانت تقوم بعمليات قتل واغتيال، وبنت شبكات كبيرة تغلغلت في أجهزة الدولة من شرطة وجيش، وكانوا يسرّبون معلومات أمنية عن نشطاء وسياسيين.

وشرح أن "مجموعة الرايخ" موجودة منذ سنوات طويلة، وعدد أفرادها يتراوح بين 20 و25 ألف شخص لا يعترفون بالجمهورية الألمانية الاتحادية، بل يريدون العودة إلى "الرايخ  الالماني" أي الإمبراطورية الألمانية في عهد هتلر، ويرفضون أجهزة الدولة، والديمقراطية كمبدأ لحكم الدولة.

وأشار إلى أنه خلال حكم ميركل كان هناك أشخاص على رأس الأجهزة الأمنية بمواقف يمينية محافظة، ومنهم رئيس المخابرات الألمانية الذي أقالته ميركل من منصبه، بعدما وصف بشكل علني الهجمات التي قامت بها أحزاب اليمين المتطرّف ضد المهاجرين عام 2020، بأنها "ليست بالمستوى الخطير".

وأكد أن الحكومة الحالية وضعت على رأس أولوياتها محاربة اليمين المتطرّف، وتفكيك أجهزته.

وأوضح أن الصلة الروسية الواضحة ظهرت مع صعود "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف قبل سنوات، حيث كان الكرملين يدعم علنًا البرلمانيين من هذا الحزب، والذين كانوا يزورون موسكو بشكل متكرّر حتى خلال الحرب الروسية على أوكرانيا.

واعتبر أن روسيا تخشى الديمقراطيات على حدودها، وتحاول إظهار أنها ضعيفة ومفكّكة.

وأوضح أن خطورة ما يحصل يكمن في أن "حزب البديل من أجل ألمانيا" لديه أكثر من 80 نائبًا في البرلمان، إضافة إلى أعضاء في برلمانات المقاطعات، وهؤلاء يتمتعون بحصانات، ولديهم القدرة على الوصول إلى معلومات حسّاسة في جميع المقاطعات الألمانية، وربما يستخدمونها من أجل تنفيذ هجماتهم.

حماية الديمقراطية من اليمين المتطرّف؟

من جهته، أشار الدكتور خلدون نبواني، أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة السوربون، إلى أن هناك تهويل إعلامي حول مخطط المجموعة التي أُوقفت اليوم من ناحية قلب النظام، خاصة وأن أعدادها غير كافٍ في بلد ديمقراطي وبكثافة سكانية كألمانيا.

وقال نبواني، في حديث إلى "العربي"، من باريس، إن الجكومة الحالية تريد القضاء على الذراع الإرهابي المستفحل في البلاد، وضرب حركة اليمين المتطرّف التي تنتشر في معظم دول أوروبا.

واعتبر أن هذه الجماعات وصلت إلى السلطة عبر العملية الديمقراطية، متسائلًا: "كيف يُمكن حماية الديمقراطية من اليمين المتطرّف؟".

وأوضح أن اليمين المتطرّف لديه معالم يمكن أن تتشابه وتتقاطع، وهو ما يسهّل التواصل فيما بينها في مختلف دول العالم، على غرار نظرية الدولة العميقة والمؤامرة الكونية التي تُهدّد البلاد، إضافة إلى فكرة القومية، والعداء للأجانب.

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close