الجمعة 10 مايو / مايو 2024

"وهم" الدولة الأوكرانية.. كيف حرف بوتين تاريخ "الشقيق الأصغر" لبلاده؟

"وهم" الدولة الأوكرانية.. كيف حرف بوتين تاريخ "الشقيق الأصغر" لبلاده؟

Changed

حلقة "للخبر بقية" تبحث في مآلات الأوضاع في أوكرانيا في ظل التصعيد غير المسبوق مع روسيا منذ سنوات (الصورة: غيتي)
أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن موسكو لم تكن هي التي منحت الاستقلال لأوكرانيا عام 1991 بل الشعب الأوكراني، الذي صوت بقوة لمغادرة الاتحاد السوفيتي في استفتاء ديمقراطي.

في خطابه لإعلان استقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك الإثنين، فصّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائع تعكس علاقة روسيا التاريخية بأوكرانيا، مما يشير إلى خطط توسّعية بحجة التاريخ بينهما.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن بوتين "طوّر" تاريخ أوكرانيا المعقّد بنسخة خاصّة لتكون بمثابة تبرير لانشقاق المزيد من أراضيها، مضيفة أن بوتين شكّك في صميم تأسيس الدولة الأوكرانية، واصفًا الدولة بأنها "محض خيال".

وقال بوتين إن أوكرانيا تأسّست بسبب قرارات اتخذها زعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين، الذي أخطأ بمنحها شعوًرا بالاستقلال، عندما سمح بالإدارة الذاتية عند نشوء الاتحاد السوفيتي.

وأضاف الرئيس الروسي أن "أوكرانيا الحديثة تأسست بشكل كامل من قبل روسيا، وبالأخص روسيا البلشفية الشيوعية"، مشيرًا إلى أن "هذه العملية بدأت مباشرة عقب ثورة عام 1917، كما أن لينين وشركاءه تسبّبوا بذلك بطريقة فوضوية بحق روسيا، من خلال تقسيم البعض من الأراضي التابعة لها تاريخيًا".

واعتبرت الصحيفة أن ما قاله بوتين كان "قراءة خاطئة للتاريخ، بل موقفًا متطرفًا حتى بالنسبة لبوتين، الذي عمل سابقًا ضابطًا في الاستخبارات الروسية (كي جي بي)، والذي وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بأعظم كارثة جيوسياسية شهدها القرن العشرون".

تاريخ "أكثر تعقيدًا"

وتعود العلاقة المشتركة بين روسيا وأوكرانيا إلى الدولة السلافية "كييف روس"، وهي إمبراطورية تعود للقرون الوسطى، أسسها الفايكنغ في القرن التاسع.

لكن الصحيفة تؤكد أن الواقع التاريخي للدولة الأوكرانية "أكثر تعقيدًا"، وهو تاريخ يمتد لألف عام من تغيير الديانات واللغات والحدود والشعوب. وتأسست العاصمة كييف قبل موسكو بمئات السنين، ويدّعي كل من الروس والأوكرانيين أنها مسقط رأس ثقافاتهم وديانتهم ولغتهم الحديثة.

وخلال القرنين التاسع والعاشر، اتخذت كييف موقعًا استراتيجيًا عبر خطوط التجارة، وانتعشت اقتصاديًا قبل أن يتضاءل نموها مع توسّع التجارة عبر مناطق أخرى.

وأدت الفتوحات العديدة التي شنّتها الفصائل المتحاربة والجغرافيا المتنوعة لأوكرانيا -مع الأراضي الزراعية والغابات والبيئة البحرية على البحر الأسود- إلى خلق نسيج معقّد من الدول متعدّدة الثقافات.

ولفتت الصحيفة إلى أن تاريخ وثقافة روسيا وأوكرانيا متداخلان بالفعل، فهما تشتركان في الديانة المسيحية الأرثوذكسية، وترتبط لغاتهما وعاداتهما وحتى الأطباق الشعبية.

"علاقة الأخوة"

ومع ذلك، ذكرت الصحيفة أن السياسات المتعلّقة بالهوية والقومية الأوكرانية كانت مصدر إزعاج في روسيا منذ العصور القيصرية الإقطاعية التي سبقت الثورة الروسية. ويعتبر العديد من الروس أوكرانيا أنها "الشقيق الأصغر" لأمّتهم، وأنه يجب على سياساتها أن تعكس ذلك.

وأضافت أنه في شرق أوكرانيا، التي خضعت للنفوذ الروسي في وقت أبكر بكثير من الغرب، هناك العديد من السكان الناطقين بالروسية والأشخاص الموالين لموسكو، لكن علاقة "الأخوة السعيدة" التي يحب بوتين رسمها، مع وضع أوكرانيا بشكل مريح في نسيج روسيا الكبرى، أمر مشكوك فيه.

وبالفعل، كانت أجزاء من أوكرانيا الحديثة على مدى قرون تابعة للإمبراطورية الروسية، لكن أجزاء أخرى من الغرب كانت تخضع لسلطة الإمبراطورية النمساوية المجرية، بولندا أو ليتوانيا.

وقال كليف كوبشان، رئيس مجموعة "أوراسيا"، وهي منظمة استشارية للمخاطر السياسية، للصحيفة، إن "حجة بوتين اليوم بأن أوكرانيا مصنّفة تاريخيًا لروسيا ليست صحيحة".

وفي حين أن الزاوية التي طرحها بوتين في خطابه لم تكن جديدة بالنسبة للزعيم الروسي، لاحظ كوبتشان أن "الاتساع والحدة اللذين سعى من خلالهما وراء كل ما هو أوكراني كان مذهلًا".

"مجرد جنون"

لكن الحكومة السوفيتية التي تمّ تشكيلها حديثًا في عهد لينين، والتي أثارت الكثير من ازدراء بوتين في خطابه الإثنين، سحقت الدولة الأوكرانية المستقلة"، وفقًا للصحيفة التي أشارت إلى أنه خلال الحقبة السوفيتية، حظرت اللغة الأوكرانية في المدارس، ولم يُسمح لثقافة أوكرانيا أن تظهر للعلن إلا على شكل رسوم كاريكاتورية لرقص القوزاق وهم يرتدون سراويل فضفاضة.

كما جادل بوتين بأن "وهم" نشوء أوكرانيا تعزز من خلال حكومة ميخائيل غورباتشوف السوفيتية المنهارة، التي سمحت لأوكرانيا بالتخلّص من قبضة موسكو. وتذرّع الرئيس الروسي بأن موسكو، الضعيفة آنذاك، هي التي "منحت" أوكرانيا الحق في الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي "من دون أي شروط وأحكام"، مضيفًا: "هذا مجرد جنون".

لكن الصحيفة تؤكد أن موسكو لم تكن هي التي منحت الاستقلال لأوكرانيا عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، بل الشعب الأوكراني، الذي صوّت بقوة لمغادرة الاتحاد السوفيتي في استفتاء ديمقراطي.

نسخة خاصّة من التاريخ

وذكرت الصحيفة: "ليس من الواضح ما إذا كان بوتين يؤمن بنسخته من التاريخ الأوكراني أو أنه ببساطة طوّر أساطير ساخرة لتبرير أي عمل يخطط له بعد ذلك. لكن زعمه بأن أوكرانيا موجودة فقط في سياق التاريخ والثقافة الروسية هو ما نشره على الأقل منذ عام 2008، عندما حاول إقناع الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش، الذي أعرب عن دعمه لعضوية أوكرانيا في الناتو، بعدم وجود الدولة الأوكرانية".

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد قلّة من المراقبين أن الدقة التاريخية لها أهمية كبيرة بالنسبة لبوتين لأنه يضع مبررات لكل ما يخطّط له لأوكرانيا.

وقال جوشوا تاكر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك والخبير في الشؤون الروسية: "يمكننا أن نكون واضحين أن بوتين لم يكن يحاول الدخول في نقاش تاريخي حول التاريخ المتشابك للشعبين الروسي والأوكراني؛ بل كان يضع الأساس للحجة القائلة إن أوكرانيا ليست مؤهلة حاليًا لأنواع الحقوق التي نربطها بالدول ذات السيادة".

وأضاف: "كانت هذه إشارة إلى أن بوتين ينوي المجادلة بأن التدخل العسكري في أوكرانيا لن ينتهك سيادة دولة أخرى".

"أسوأ حلم لمجنون مسنّ"

وأشارت الصحيفة إلى أن خطاب بوتين أثار الاشمئزاز بين الأوكرانيين ويُنذر بالخطر.

وقالت ماريا توماك، الناشطة المشاركة في دعم الناس من شبه جزيرة القرم: "على مدى العقود القليلة الماضية، كان الغرب يبحث عن الفاشية في أي مكان، ولكن ليس في المكان الموجودة فيه. ربما سيدفع خطاب بوتين الغرب إلى توخي الحذر بشأن روسيا".

وفي حانة بكييف، اجتمعت كريستينا بيردينسكي، وهي صحافية أوكرانية بارزة، مع زملائها مستمعين لخطاب بوتين، ليتناوبوا في البكاء وإلقاء الشتائم.

وقالت للصحيفة: "إن الخطاب كان بمثابة كراهية لأوكرانيا بأكملها وانتقام لتحرك البلاد نحو الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والديمقراطية، حتى إن كان فوضويًا متخمًا بمشاكل ضخمة وإصلاحات بطيئة وفساد، إلا أنه مكان يتيح للناس التصويت وتغيير السلطة عبر الانتخابات أو الثورات".

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close