منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، يواظب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تصوير فيديوهات، يوميًا تقريبًا، لشعبه وتشجيعهم على الكفاح والنضال، وبثّ الروح الوطنية فيهم.
وفي فيديو نشره الخميس، من أمام مجمع الحكومة الذي يقيم فيه مؤخرًا، قال زيلينسكي: "نحن جميعًا نريد الانتصار، لكن ستكون هناك معارك في المستقبل. لا يزال أمامنا طريق صعب للحصول على كل ما نسعى جاهدين من أجله".
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أن من بين أكثر المسارات صعوبة "مواجهة زيلينسكي نفسه".
مجموعة من التحديات
تطور الممثل الكوميدي الأوكراني (44 عامًا) من سياسي مبتدئ، موضع شك على نطاق واسع بين القادة الغربيين والناخبين الأوكرانيين في الفترة التي سبقت الحرب، إلى قائد أزمة رسخ مكانته في تاريخ الأمة الأوكرانية وألهم المقاومة في الداخل والخارج بشجاعة شخصية.
أما الآن، ومع تواصل الحرب في أسبوعها السادس، واستمرار محادثات السلام بين المفاوضين الأوكرانيين والروس، أوضحت الصحيفة الأميركية أن زيلينسكي يواجه مجموعة جديدة من التحديات: يجب أن يحافظ على الروح المعنوية والإرادة للقتال وسط الخسائر في ساحة المعركة والدمار الاقتصادي والمعاناة الهائلة للمدنيين؛ ويجب أن يحتفظ بثقة الدول الغربية باحتمال انتصار أوكرانيا لضمان استمرار تدفق الأسلحة.
وأضافت أنه مع مرور الوقت، يجب عليه أيضًا معرفة أي نوع من الاتفاق السياسي مع موسكو لإنهاء الحرب سيكون مقبولًا للأوكرانيين الذين ارتفعت معنوياتهم بعد صد القوات الروسية في العديد من المناطق، والإلهام الذي منحه عبر أفعاله وأقواله.
وأوضحت: "قد تكون التسويات أكثر صعوبة أيضًا بعد ظهور أدلة على الفظائع الروسية ضد المدنيين الأوكرانيين عقب الانسحاب من منطقة كييف، مما أثار استياء عامًا".
"المعضلة الحقيقية"
وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية كيث داردن للصحيفة: "لقد اعتمد زيلينسكي على المشاعر القومية القوية لمواصلة خوض هذه الحرب، لكن هذه هي بالضبط القوى التي تجعل من الصعب للغاية إنهاء هذه الحرب".
وأشار داردن إلى أن "المعضلة الحقيقية تكمن في المدة التي يُمكن أن تستمرّ فيها أوكرانيا بالقتال".
#زيلينسكي: صامدون وسنواصل القتالhttps://t.co/ZpK1rzCo9m
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 1, 2022
على مدى أشهر، سعى زيلينسكي، دون جدوى، لعقد اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة مطالب موسكو التي لا تعد ولا تحصى.
والسبت قال ديفيد أراخاميا، رئيس الوفد الأوكراني في المحادثات إن كييف تستعد لاجتماع محتمل بين زيلينسكي وبوتين في تركيا.
لكن بالنسبة لزيلينسكي، فإن أي صفقة مع الكرملين ستكون مشحونة سياسيًا، وبالتالي قد تؤدي إلى إطالة أمد الحرب إذا لم يشعر أنه يحظى بدعم الجمهور لتقديم التنازلات اللازمة لوقفها، ناهيك عن أن دعمه الشعبي سيتآكل في خدمة اتفاقية السلام.
وأنهى زيلينسكي مسعى بلاده للانضمام إلى الناتو، مشيرًا إلى أن الحلف ليس مستعدًا لقبول كييف. وبدلًا من ذلك، ركز جهوده على تأمين عضوية في الاتحاد الأوروبي.
ورأت الصحيفة أن الزعيم الأوكراني أظهر المرونة والتطبيق العملي، حيث عرّف "النصر" في مقابلة مع مجلة "الإيكونوميست" الشهر الماضي بأنه "القدرة على إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح".
وإذ قال: "أرضنا مهمة، لكنها في النهاية مجرد أرض"، تعهّد، في الوقت نفسه، بمحاربة روسيا "حتى آخر مدينة".
وفي هذا الإطار، قال ميخائيل ميناكوف، المحلل السياسي في معهد كينان: "في الوقت الحالي، يتوق الجميع إلى المقاومة. يتوقون إلى إلحاق أكبر قدر من الأذى بروسيا. إنه في نوع من Catch-22. إنه يحاول إيجاد الطريقة الممكنة للبقاء في منصبه، ولكن، في نفس الوقت، لإيجاد حل".
تقليل من تقدير زيلينسكي
وبعد أن لعب دور رئيس أوكرانيا في مسلسل تلفزيوني شهير، انتُخب زيلينسكي رئيسًا لأوكرانيا عام 2019 بدعم شعبي استثنائي، وحصل على 73% من الأصوات، بالإضافة إلى أغلبية لحزبه في البرلمان الأوكراني. لقد جذب مجموعة واسعة ومتباينة من الناخبين بسبب جاذبيته الشعبية الخارجية، ووعده بإنهاء الحرب في شرق أوكرانيا.
"قلعة زيلينسكي" لإدارة الحرب.. رئيس متعب من الحرب لكن لا يزال يمزح#روسيا #أوكرانياhttps://t.co/9MsfOJyrYd
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 29, 2022
ولكن بحلول أواخر العام الماضي، ومع حشد روسيا لقواتها وعتادها على الحدود الأوكرانية، تراجعت نسبة تأييد زيلينسكي إلى حوالي 30%. واجه التعنت الروسي والقيود السياسية الأوكرانية، وفشل في إنهاء الحرب. أدرك فريقه قليل الخبرة صعوبة تنفيذ التغييرات الكبيرة.
وخلال الحرب، تبيّن أن روسيا قللت في تقدير قدرات زيلينسكي، حيث توقّع الكرملين أن يفرّ من البلاد خوفًا على حياته بطريقة من شأنها أن تعرقل قدرة البلاد على المقاومة.
كما قلّلت الدول الغربية الحليفة لأوكرانيا من شأن زيلينسكي، حيث نظر إليه العديد من المسؤولين على أنه زعيم عديم الخبرة ولا يمكن التنبؤ به إلى حد ما، وفشل في تقدير خطورة الوضع الأمني.
وقال مسؤول أوكراني كبير إنهم كانوا محبطين خلال جهودهم الخاصة لإقناع زيلينسكي، وشعروا أن أقرب مستشاريه لم يخبروه بالحقيقة القاسية بأن الهجوم بدا وشيكًا.
خلال معظم شهر يناير، وعندما وجّهت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون في الناتو تحذيرًا تلو الآخر للأوكرانيين بشأن التعزيزات على حدودهم، كان السياسيون الأوكرانيون يركّزون على اتهامات الخيانة ضد سلف زيلينسكي، الرئيس السابق بيترو بوروشينكو.
بعد الهجوم الروسي، أظهر زيلينسكي حماسة أكبر بكثير مما توقعه السياسيون في كل من روسيا والغرب، ورفض مغادرة العاصمة حتى عندما حاول أولئك الذين يعتزمون قتله دخول المدينة.
وقال ميناكوف: "لقد تفاجأت بتصرّفه، بل أعجبتني عاطفته. أحترمه لما يفعله وهذا شعور غير عادي؛ ففي أوكرانيا، لا نحترم السياسيين عادة ".
وخلال فترة الهجوم، توقع الكثيرون أن يتمّ قتل زيلينسكي في كييف أو إجباره على الفرار من العاصمة في غضون أيام. لكن أداء الجيش الأوكراني كان أفضل بكثير مما توقّعه الكثيرون. في غضون ذلك، أخطأ الروس في افتراضاتهم ولوجستياتهم، مما أوقف التقدم نحو العاصمة.
والآن مع احتمال لقائه ببوتين شخصيًا في النهاية لإجراء محادثات سلام، يتسلّح زيلينسكي بمجموعة كبيرة من الدعم السياسي، فضلًا عن النجاحات في ساحة المعركة، وبالتالي اعتبرت الصحيفة الأميركية أنه "يواجه اختبارًا بشأن ما إذا كان بإمكانه استغلال رأس المال السياسي في تحقيق سلام دائم مقبول بين معظم الأوكرانيين".
وليس من الواضح ما إذا كانت اللحظة مناسبة للقاء، حيث لا تزال القوات الروسية مصممة على الاستيلاء على المزيد من الأراضي في الشرق، بينما لا تزال أوكرانيا حتى الآن غير مستعدة للتخلي عن أي من الأراضي التي طالبت بها روسيا منذ 24 فبراير.
وقال سيرهي ليشيشينكو، عضو سابق في البرلمان الأوكراني ومستشار الآن لرئيس أركان زيلينسكي، إنه على الرغم من الرغبة في مواصلة المقاومة، ربما يكون هناك أوكرانيون تحت الحصار ممن يريدون ويحتاجون إلى اتفاق لوقف القتال.
وأضاف ليشيشينكو للصحيفة: "الأشخاص الذين يعيشون تحت القصف في ماريوبول وخاركيف وتشرنيهيف لديهم وصول أقلّ إلى وسائل التواصل الاجتماعي من الأشخاص الموجودين في مكان آمن".
وقال: "الناس تريد وقف الحرب، وعودة الحياة الطبيعية. يريد الناس الدفاع عن أوكرانيا من المعتدي ولا يريدون أن يفقدوا الأرض والسيادة".