الجمعة 6 ديسمبر / December 2024
Close

الاتفاق الإطاري في السودان.. هل يُبعد الجيش عن السياسة ويفتح طريق الحل؟

الاتفاق الإطاري في السودان.. هل يُبعد الجيش عن السياسة ويفتح طريق الحل؟

شارك القصة

"تقدير موقف" يناقش أبعاد الاتفاق الإطاري في السودان (الصورة: غيتي)
الخط
لم يحظ الاتفاق الإطاري الجديد بإجماع الفرقاء، إذ شملت قائمة المناوئين قوى مدنية أهمها لجان المقاومة فضلًا عن قوى سياسية وحركات مسلحة.

في قاعة القصر الجمهوري بالعاصمة الخرطوم تأطر الاتفاق السياسي الجديد في السودان بحثًا عن صيغة لإنهاء حكم العسكر بعد انقلاب 25 أكتوبر / تشرين الأول في البلاد.

والاتفاق هو الثالث منذ بدء المرحلة الانتقالية، فبعد الاتفاق الذي أفضى إلى وثيقة دستورية واتفاق جوبا للسلام، يأتي "الإطاري" محاولة لمواجهة الفراغ الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من عام.

ولم يحظ الاتفاق الإطاري الجديد بإجماع الفرقاء، إذ شملت قائمة المناوئين قوى مدنية أهمها لجان المقاومة فضلًا عن قوى سياسية وحركات مسلحة.

وتعطي قراءة متمعنة في البنود، صورة أوضح عن الرغبة في تثبيت مدنية السلطة الانتقالية، دون مشاركة العسكر كما نصت المادة 14 من المبادئ العامة للاتفاق.

إلا أن التفاصيل تكشف عن غلبة الصيغ الإرجائية ورهن المرحلة المقبلة باشتراطات التقدم بالعملية الانتقالية وتوسيع قاعدة المنضمين إلى الاتفاق.

وتتكرر صيغ الإحالة والتأجيل المبطن في ديباجة الاتفاق لتشمل موضوعات أساسية مثل العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري، وإزالة تمكين تنظيم يونيو/ حزيران عام 1989.

وخرج الاتفاق إلى العلن بعد مرحلة مضطربة ليكون صيغة توافقية، إنما دون حسم لمسألة التنفيذ بميزان ديمقراطي محكم، وتُركت قضايا العدالة الانتقالية وإصلاح الأجهزة الأمنية دون أي ملمح واضح بشأن كيفية وآلية إصلاحها.

واحتفظ الاتفاق الإطاري، بمنجزات السلام بجوبا، مؤكدًا على استكمال المفاوضات، وضرورة تقييمه وتقويمه، لما له من تداعيات دولية وإقليمية فضلًا عن تدعيم الجبهة الداخلية.

ويبدو أن العامل الخارجي الضاغط للتوصل إلى اتفاق لعب دورًا حاسمًا لإخراجه في هذا التوقيت إذ لا تزال الخريطة السياسية على حالها منذ أكتوبر العام الماضي، دون انزياحات كبيرة في ميزان القوى، ليكون الاتفاق بحده الأدنى أفضل من عدمه، أقله في ظل غياب الطروحات البديلة.

وفي هذا الإطار، يوضح أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر أحمد أبو شوك أن الاتفاق الإطاري يمكن تقييمه من عدة زوايا، تتمثل في سبب إتمامه والعلاقة بين نص الاتفاق والمنهج الذي اتبع في المفاوضات، بالإضافة إلى النتائج التنفيذية.

ويضيف في حديث إلى "العربي"، أنه في حال تحليل النص ومقارنته مع المبادرات التي تمت من قبل، فسنجد اتفاقًا أفضل مقارنة بالمبادرات الأخرى، لأنه يرتبط بإبعاد المؤسسة العسكرية عن إدارة الدولة، بالإضافة إلى تحديد هياكل الدولة بأن تكون مدنية، فضلًا عن تحديده بعض القضايا المهمة المرتبطة بالسلام وإعادة تقييم وتقويم اتفاق جوبا، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.

ما سبب معارضة هذا الاتفاق؟

ويلفت أبو شوك إلى أن الاتفاق يتضمن عددًا من الاشتراكات التي يمكن أن تخرج المؤسسة العسكرية من المعادلة السياسية، متسائلًا عن سبب معارضة هذا الاتفاق، ومشيرًا إلى أن المؤيدين للاتفاق يرون أنه أفضل ما يمكن التوصل إليه لإخراج المؤسسة العسكرية من المعادلة وإقرار حكم مدني في السودان يلبي تطلعات الشارع.

وبحسب أبو الشوك فإن المعارضين ينظرون إلى الاتفاق من ثلاث زوايا، الأولى هي منهجية الحوار، حيث كان ذا طابع ثنائي بين قوى الحرية والتغيير والمؤسسة العسكرية التي توصف بالنسبة للمعارضين بأنها امتداد للجنة الأمنية ونظام عمر البشير وهي تمثل الانقلاب الذي حدث في 25 أكتوبر، إضافة إلى ذلك فإن هناك قوى تنادي بالتغيير الجذري وتقول إنه لا تفاوض ولا شرعية ولا مساواة، ما يعني أن الشارع بإمكانه تغيير النظام، وأن يأتي بآخر يلبي تطلعات الشارع القائم على الحرية والعدالة والمساواة.

عدد من التناقضات

ويضيف أن نصوصا مثل هذه الاتفاقيات لا تقرأ بمعزل عن التضاريس السياسية، مشيرًا إلى وجود عدد من التناقضات بين الجهة المؤيدة للاتفاق الإطاري، مثل الجبهة الثورية التي وقعت على اتفاق جوبا، المنقسمة بين التأييد والمعارضة.

ويقول أبو الشوك: "يمكن إيجاد بعض عناصر القوة وعناصر الضعف والمهددات والفرص المتاحة في العملية السياسية في إطار الاتفاق الإطاري"، موضحًا أن عناصر القوة تتمثل في نقاط إيجابية في نص الاتفاق من ضمنها إبعاد المؤسسة العسكرية، أما عناصر الضعف فتتمثل في أن القوى الرافضة للاتفاق تعتقد أنها لم تشترك في عملية المفاوضات من حيث المبدأ لتكون شريكة في اتخاذ القرار النهائي.

أما المهددات التي تواجه الاتفاق الإطاري بحسب أبو الشوك، فتنقسم إلى شقين عسكري ومدني، بحيث إن الشق العسكري يتمثل في تعدد المنظومات الأمنية والعسكرية كالدعم السريع والجيش، بالإضافة إلى قوى الكفاح المسلح، مشيرًا إلى أن المنظومة العسكرية لم تستطع توحيد هذه القوى في جيش واحد، مبينًا أن هذه القوى لديها مصالح متعارضة في قضية التوحيد في جيش واحد وربما ترفض ذلك.

أما الشق المدني، فهو تشظي القوى المدنية المختلفة، بسبب الصراع بين المصالح القطاعية بالنسبة لها والمصالحة الوطنية العامة، حسب أبو شوك.

ويصف الاتفاق بأنه "اتفاق قوى الضعف"، وفيه نوع من المساومة التي ترفضها القوى التي تطالب بالتغيير الجذري، وترى أنه إذا كان هناك حرص على التفاوض فيجب أن يبعد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ورئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان لعدة أسباب، مشيرًا إلى أن المؤسسة العسكرية محاصرة داخليًا وخارجيًا، لأنها لم تستطع إلى حدود هذه اللحظة أن تكون حكومة بعد الانقلاب، إضافة إلى ذلك فإنها وجدت نفسها في تحد حقيقي لأن الحاضنة السياسية التي أوجدتها من قوى اتفاق جوبا لم توفر لها الشرعية المطلوبة.

"تناقضات ونصوص غير معلومة"

من جهته، يرى رئيس تحرير صحيفة الأحداث الإلكترونية عادل الباز أنه لا يمكن الوثوق بالعسكر في أي اتفاق، فهم من يملكون السلاح وبإمكانهم نقض أي اتفاق يوقع معهم، مشيرًا إلى أن قوى الحرية والتغيير لدغت مرة أو اثنتين من العسكر.

وفي حديث لـ"العربي"، يبين الباز أن ألغامًا كثيرة وضعت في الاتفاق يمكن أن تفجره متى ما اختلف الطرفان في أي قضية من القضايا المطروحة للنقاش، مشيرًا إلى أن الاتفاق يحمل بحد ذاته تناقضات ونصوصًا غير معلومة، وكمية من النقاط يمكن أن تخلق حالة صراعية مستجدة.

ويتابع أن قوى الحرية والتغيير تعلم هذه الأمور، لكنها هذه المرة تعتقد أنها مستندة على قوى عسكرية، من خلال التحالف مع الدعم السريع الذي كان أول من أيد الاتفاق الإطاري، وفي الوقت نفسه فإن هذه القوى افتقدت للشارع المتمسك بمطالبه التي تنص على ألا تفاوض ولا شراكة ولا مساومة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر مؤشر على عدم الاستقرار لأن الاتفاق يواجه بمعارضة.

ويردف أن هذا لن يتيح لقوى الحرية والتغيير خلق حالة من الاستقرار حتى وإن حكمت البلاد، أو أنه يمكنها من قيادة الدولة في المستقبل إلى أن تصل السودان إلى انتخابات.

ويستبعد أن يذهب العسكر إلى الثكنات وأن تذهب الأحزاب إلى الانتخابات، لأن تعيين رئيس الدولة في نص الاتفاق الإطاري يتم من خلال القوى الموقعة للإعلان الدستوري والثوري بالتشاور، دون تحديد بالتشاور مع من، موضحًا أن التشاور في هذا الأمر لا بد أن يكون مع العسكر، ما يعني أن رئيس الدولة المنتخب يجب أن يوافق عليه ويعتمده الجيش، لذلك جاءت كلمة بالتشاور في نص الاتفاق مبهمة.

من ناحيته، يرى الباحث في مركز الخرطوم للحوار الرشيد المعتصم أن المؤسسة العسكرية وممثليها هم أكثر احترافية في ممارسة العمل السياسي من القوى المدنية، مشيرًا إلى كثير من الضعف في الاتفاق الإطاري، حيث مورست ضغوط كثيرة من قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي.

ويضيف في حديث لـ"العربي" من الخرطوم، أن الاتفاق الإطاري قد يؤدي إلى زيادة التشظي والانشقاقات داخل مكون الحرية والتغيير – المجلس المركزي، وربما يقود إلى حراك أوسع.

ويلفت المعتصم إلى أن الأحزاب في السودان هي غاية في الضعف، وأن الجيش يعي ذلك ويعرف موازين القوى جيدًا، مشيرًا إلى أن الجيش منذ بداية العملية السياسية وتجربته الأولى مع قوى الحرية والتغيير في شكلها الأول قبل انقسامها، كان يتبع سياسة امتصاص الصدمة وظل يقدم تنازلات، فيما كانت القوى السياسية متعنتة.

ويعرب عن اعتقاده بأن القوى المدنية حتى تتقدم إلى الأمام يجب أن توسع قاعدة المشاركة وتتفق على أرضية مشتركة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة