الأربعاء 24 أبريل / أبريل 2024

المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية.. وجه جديد في السياسة التركية

أعاد المؤتمر العام السابع لحزب العدالة والتنمية انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسًا للحزب (الأتاضول)
أعاد المؤتمر العام السابع لحزب العدالة والتنمية في تركيا انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسًا للحزب (الأتاضول)
المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية.. وجه جديد في السياسة التركية
المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية.. وجه جديد في السياسة التركية
الثلاثاء 30 مارس 2021

شارك

أحمد غنّام - مراسل "العربي" في إسطنبول

لا تزال أزمة تراجع سعر صرف الليرة التركية، وكذلك انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول الأوروبية لحماية المرأة، ودلالات هذا الانسحاب، تستحوذ على اهتمام الإعلام في تركيا.

ويتزامن ذلك مع ترقّب الشارع التركي لإجراء تعديل حكومي قد يُحدِث انفراجة في السياسة الداخلية، لا سيما أن هذا التعديل سبقته تغييرات كبيرة في الصف الأول لحزب "العدالة والتنمية"، عقب انعقاد مؤتمره العام السابع في 24 مارس/ آذار الجاري.

ولهذا يكسب المؤتمر العام أهمية كبيرة، بالنظر إلى ظروف انعقاده ومخرجاته التي فاجأت الكثيرين.

أهمية المؤتمر العام السابع لحزب العدالة والتنمية

أكسبت التحديات الداخلية والخارجية، وكذلك النتائج، أهمية خاصة للمؤتمر العام السابع لحزب "العدالة والتنمية"، وأخرجته من إطاره الاعتيادي لتجعله أقرب إلى مؤتمر استثنائي للحزب.

فبعد الانتخابات البلدية عام 2019 وخروج الحزب من كبرى قلاعه، وخسارته لبلديتَي إسطنبول وأنقرة، جاء المؤتمر السابع بوصفه أول تجمع حزبي لـ"العدالة والتنمية"؛ للخروج بفريق جديد يؤسس لانتخابات برلمانية مقبلة.

وكان من المخطط أن ينعقد المؤتمر في يونيو/ حزيران عام 2020، لكنه تأجلّ لأكثر من مرة؛ بسبب تفشي وباء كورونا، إلى أن انعقد في 24 مارس/ آذار الجاري.

وينبع اهتمام الحزب وقيادته بالمؤتمر من الهدف الأساسي، وهو الرغبة في التحضير الجيد لانتخابات العام 2023 البرلمانية والرئاسية.

لكن ما أعطى المؤتمر أهمية "فوق اعتيادية" أنه جاء وسط ظروف فرضت على الرئيس رجب طيب أردوغان التغيير، سواء في صفوف الحزب وقياداته، أو في الحكومة، وذلك تلبية لنداءات الشارع التركي واحتياجاته، من جهة، وتلبية لمتغيرات السياسة الإقليمية والدولية من جهة أخرى.

التحديات الداخلية.. صراع الأجنحة وغضب الشارع

تنقسم التحديات الداخلية في حزب "العدالة والتمنية" إلى شقين: 

الشق الأول: هو التململ الذي أصاب الخلايا التنظيمية لحزب "العدالة والتنمية" على مستوى الفروع ومراكز القيادات؛ وذلك بسبب تنافس التيارات المتصارعة على حمل إرث الحزب.

وقد ظهر ذلك جليًا في صراع تيارين اثنين، يتمثل أولهما بصهر الرئيس براءات البيرق.

ويعتبر هذا التيار أو الجناح، صاحب النفوذ الأكبر بالمقارنة مع الجناح الآخر؛ لسيطرته على الإعلام والمال، وقربه من شخص الرئيس وعائلته.

أما التيار الثاني فيتمثل بوزير الداخلية سليمان صويلو الذي يمتلك شعبية كبيرة في الحزب، لكن من دون القدرة على التأثير الكبير على صناعة القرار.

الرئيس رجب طيب أردوعان متوسطًا وزير الداخلية سليمان صويلو وصهره براءات البيرق (غيتي)
الرئيس رجب طيب أردوعان متوسطًا وزير الداخلية سليمان صويلو وصهره براءات البيرق (غيتي)

وتعود قوة التيار الثاني إلى اعتبارات كثيرة، أهمها التوجه القومي لسليمان صويلو الذي كان زعيم حزب قومي حين انضم إلى "العدالة والتنمية"، وهو يمتلك بالتالي قاعدة جماهيرية وقوة تنظيمية، تضاف إلى امتلاكه النفوذ الأمني بعد نجاحه في إدارة وزارة الداخلية منذ انقلاب 2016.

ويضاف إلى ذلك اعتبار آخر، هو تحدّر سليمان صويلو من مدينة طرابزون، مدينة صهر الرئيس أيضًا، لكن صويلو يحظى بدعم "لوبي طرابزون" ذي النفوذ الاقتصادي والسياسي في البلاد، وهو ما يجعله متفوقًا على صهر الرئيس في بعض المفاصل؛ ما من شأنه زيادة الصراع بين التيارين.

ويبرز التحدي هنا في قدرة الرئيس رجب طيب أردوغان على القضاء على هذه الانقسامات والصراعات التي من شأنها إضعاف الحزب.

الشق الثاني: القدرة على إعادة الثقة بين الحزب وقاعدته الجماهيرية، لا سيّما بعدما ظهر "غضب الشارع" في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.

وكان الحزب قد تعرّض لانتقادات كثيرة، فيما يتعلّق بالاستعلاء على الناخب، وعدم الاستماع إلى مطالبه. وزاد في تململ تلك الحاضنة الشعبية انشقاقات "الرفاق" وعدم استيعابهم، كانشقاق أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، وإبعاد عبد الله غول.

كما فاقمته إخفاقات الحكومة على المستوى الاقتصادي، بدءًا من الفشل في ضبط حركة الإغلاق خلال فترات الحظر بما يتناسب مع دخل السواد الأعظم من المواطنين، ومن ثم التضخم المالي وارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية لليرة التركية، وصولًا إلى تعثر الحكومة في إدارة قطاعي التعليم والصحة خلال فترة انتشار كورونا.

التحديات الخارجية.. جبهات المعارك ولغة الخطاب

تحيط بالسياسة الخارجية لتركيا متغيرات إقليمية ودولية عدة، تفرض عليها إعادة التموضع لموازنة تلك المتغيرات؛ فمع اتساع تدخل أنقرة في الصراعات الإقليمية، وجدت نفسها في "فوهة المعارك" على أكثر من جبهة، في ليبيا وكاراباخ وشرق المتوسط.

وقد حققت تركيا مكاسب عدة، من بينها تزايد نفوذها في تلك الجبهات، لكنها لم تجنِ الثمار كلَّها بعد، حيث لا تزال في طور المواجهة و"العض على الأصابع" على أكثر من جبهة.

وقد وجدت تركيا، مع المتغيرات الدولية، أنْ لا سبيل أمامها للتعامل مع هذه المتغيرات إلا التصالح مع الآخر، وهذا ما دفعها إلى تغيير لغة الخطاب مع مصر، وكذلك مع السعودية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، في ظلّ الغموض الذي يسود نهج الإدارة الأميركية الجديدة في التعامل مع أنقرة.

وتستدعي هذه المتغيرات من الرئيس رجب طيب أردوغان تغيير وجه السياسة الخارجية، وهو ما سيقود إلى تغيير في حقيبة الخارجية.

ويُتداول في هذا السياق، اسمان اثنان هما الأكثر حظًا لتولي وزارة الخارجية، رغم الاختلاف الكبير بينهما، وهما إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة، وتانسو تشيلر، وهي سياسية قديمة من وسط اليمين درست الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد في الولايات المتحدة، وقد كانت أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء بتاريخ تركيا عام 1993، قبل أن تتحالف مع نجم الدين أربكان وتستلم منصب وزيرة الشؤون الخارجية عام 1997.

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين (غيتي)
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين (غيتي)
تانسو تشيلر،  أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ تركيا، عام 1993 (غيتي)
تانسو تشيلر، أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ تركيا، عام 1993 (غيتي)

 

نتائج المؤتمر.. سياقات التحضير لانتخابات 2023

انعقد المؤتمر تحت شعار الأمن والاستقرار عبر العدالة والتنمية، وأعيد انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسًا جديدًا للحزب، لكن نتائجه تدّل بوضوح إلى الهدف المركزي، وهو التحضير لانتخابات عام 2023.

فقد ارتفع عدد الفريق الأول في الحزب من 50 عضوًا في مجلس إدارة القرار المركزي، إلى 75 عضوًا، من بينهم 47 اسمًا جديدًا، أي أن نسبة التغيير وصلت إلى 60% من الأسماء، وهي المرة الأولى التي ترتفع فيها إلى أكثر من 30% بين صفوف "رفاق" أردوغان.

وفي تفاصيل الأرقام والنِّسب، استقدم المؤتمر أسماء جديدة من جميع المكونات والعرقيات والأديان، وتم الاعتماد على شخصيات تمتلك ثقلًا وحضورًا في وسطها أو مكونها العرقي أو الديني.

فعلى سبيل المثال استُقدِمت شخصيات أرمنية وعلوية وكردية، كان لافتًا من بينها عبد الكريم فرات، وهو من أحفاد الشيخ سعيد بوران الذي ثار ضد مصطفى أتاتورك بداية تأسيس الجمهورية التركية. كما استعاد المؤتمر الكثير من الأسماء القديمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، بن علي يلديريم وبكير بوزداغ وخلوق إيبك.

وسعى أردوغان إلى توسيع دائرة التحالفات الداعمة من خلال استدعاء تيارات مؤثرة على الكتلة الناخبة، وهذا ما دفعه إلى لقاء رموز التيارات المحافظة من حزب السعادة، فزار كل من أوغوزخان أصيل ترك، وكذلك نديم أورهان، لإبعاد قاعدة الحزب، الممثل للتيار الإسلامي المحافظ، عن تحالفات المعارضة، رغبة منه في كسب ما يمتلكه التيار من أصوات، ونسبتها 2% من أصوات الناخبين في عموم البلاد.

كما قام أردوغان بإعادة تشكيل قيادات فروع الحزب، مستهدفًا رموز تيار صهره لإبعادهم عن مراكز الفروع التي جلب إليها وجوهًا جديدة، توّجها باستقدام عثمان نوري قابك تبه، ذي الأصول الإسلامية، إلى رئاسة فرع إسطنبول. وفي سياق موازٍ، وثّق تحالفه مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، عبر منح امتيازات كثيرة للتيار القومي.

عثمان نوري قابك تبه
عثمان نوري قابك تبه

ومن خلال السياقات السابقة، أي عودة أردوغان إلى التنسيق مع رموز في التيار الإسلامي، واستدعاء قيادات قديمة، وتعزيز قيادة الحزب بأسماء كردية ذات ثقل واحترام بين الأكراد، نقرأ أن أردوغان يحاول استعادة حضور حزبه بين الإسلاميين، والاستعداد لجمع أصوات الناخبين الأكراد، لا سيما أن إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية بات وشيكًا، وذلك بهدف قطع الطريق على تحالف المعارضة أمام كسب ود الناخب الكردي.

وسيتوج هذا التغيير في صفوف الحزب بالتغيير الذي سيطرأ على الحكومة، بنسبة موازية ربما لما حصل في قيادة الحزب، أي بنحو 60%، وهو ما يخالف المعتاد أيضًا، وذلك استجابة لحجم التحديات الداخلية والخارجية.

يقول يلماز أوزديل، أحد كتاب صحيفة سوزجو المعارضة: "إن شخصية أردوغان القابضة على جميع المفاصل الإدارية للدولة تلغي أي أهمية لتغيير أسماء الوزراء أو حتى الفريق الأول في قيادة الحزب"؛ وهو ما يحمل اتهامًا لأردوغان بعدم ديمقراطيته.

لكن، في المقابل، تشيد شخصيات كثيرة من القاعدة القريبة من أردوغان بامتلاكه طاقة تمكّنه من الحضور بشكل يومي يطغى على حضور أي شخصية سياسية أخرى، مهما كانت فاعلة في المشهد التركي.

المصادر:
العربي

شارك

Close