الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

انقسام حول الحجاب وكحول وإلحاد.. هل المجتمع الإيراني متديّن فعلًا؟

انقسام حول الحجاب وكحول وإلحاد.. هل المجتمع الإيراني متديّن فعلًا؟

Changed

تناولت حلقة "قراءة ثانية" مظاهر التدين في المجتمع الإيراني وما إذا كانت تعكس الواقع حقيقة (الصورة: غيتي)
كشف استطلاع للرأي أجري عام 2020، أنّ ما يقرب من نصف السكان في إيران انتقلوا إلى الإلحاد، فيما كشف 37% أنّهم يشربون الكحول رغم القيود.

حاولت الثورة الإسلامية في إيران منذ عام 1979 إعادة صياغة وتعريف هوية المجتمع الإيراني وفقًا لتصوّراتها، بتصنيفه مجتمعًا متديّنًا محافظًا، ورسم صورة جديدة تختلف عن تلك التي كانت سائدة قبل الثورة.

لكن، بعد أكثر من 40 عامًا على ولادة الجمهورية الإسلامية، تُثار العديد من الأسئلة حول التديّن ومظاهره في إيران، كما حول صور الماضي التي ما تزال حيّة وحاضرة كما تقول بعض القراءات، ولا سيما صور الحضارة الفارسية التي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد.

وتتعزّز هذه الأسئلة مع بعض الأرقام "الصادمة" التي كشفها استطلاع للرأي أجري عام 2020، حيث أظهر أنّ ما يقرب من نصف السكان مثلًا قالوا إنّهم انتقلوا إلى الإلحاد، فيما كشف 37% أنّهم يشربون الكحول رغم القيود، حتى إنّ حجاب المرأة لا ينال الإجماع.

فأيّ الصورتين السابقتين تمثل إيران الحقيقية أكثر اليوم؟  وأبعد من ذلك، هل المجتمع الإيراني متديّن في العمق أم أن التدين مظهر خارجي لمسايرة قوانين الجمهورية الإسلامية؟

"أسلمة المجتمع" في إيران

نجحت الثورة الإيرانية في عام 1979 وكانت في بادئ الأمر نضالًا مدنيًا يجمع الإسلاميين والعلمانيين في مواجهة الشاه. لكن، سرعان ما تغير ذلك، حيث سيطر الإسلاميون على مقاليد الحكم وأزاحوا شركاءهم عن المشهد، سواء من اليساريين والليبراليين أو من الإسلاميين الذين لا يشاركون النظام مقاربته الفقهية والسياسية، وهو ما تشير إليه الباحثة فاطمة الصمادي في كتابها "التيارات السياسية في إيران: صراع رجال الدين والسياسة".

فقد شرع النظام الإيراني في "أسلمة المجتمع" وفق رؤية شمولية تستهدف "أسلمة" العلوم والفنون والآداب وتخليق هوية جديدة تتفق مع نظرية ولاية الفقيه، ما أدى إلى تعقب النظام خصوم نظريته في الجامعات واعتقال آلاف الأكاديميين واعتبارهم "أعداء الثورة" وإغلاق الجامعات لمدة ثلاث سنوات.

وبالفعل، نجح النظام الإيراني في أسلمة النظام، وحدد الدستور الإيراني دين الدولة ومذهبها ووضع شروطًا لمن يتولى منصب المرشد أو الرئيس، واصطنع هيئة لتشخيص مصلحة النظام للتوفيق بين القرارات السياسية والمقررات الفقهية.

الثورة الإيرانية
كانت الثورة الإيرانية في بادئ الأمر نضالًا مدنيًا يجمع الإسلاميين والعلمانيين في مواجهة الشاه - غيتي

من التديّن إلى "الإلحاد"

لكنّ تغلغل الدين في بنية النظام وسياساته وخطاباته لم ينعكس بالقدر نفسه على المجتمع، وجاء ردّ الفعل الشعبي عكسيًا، ولا سيّما بعد خفوت الزخم الثوري ومجيء جيل جديد من مواليد الثمانينيات والتسعينيات.

وفي عام 2020، أجرى مركز "جومان" الإيراني استطلاعًا للرأي لقياس مواقف الإيرانيين المختلفة تجاه الدين. وشارك في الاستطلاع أكثر من 50 ألف شخص من المتعلمين تزيد أعمارهم عن 19 عامًا، حيث أظهر الاستطلاع أنّ 76% من الإيرانيين يؤمنون بوجود الله و39% يؤمنون بحياة أخرى بعد الموت، و40% يؤمنون بوجود الجنة والنار، و28% يؤمنون بعودة المهدي المنتظر، فيما 26% لا يؤمنون بفكرة "ظهور منقذ الإنسانية" والتي تعد أساس المذاهب الشيعية.

وبحسب ما كشفه الاستطلاع أيضًا، فإنّ ما يقرب من نصف السكان قالوا إنّهم انتقلوا من التدين إلى الإلحاد، فيما 6% تحوّلوا إلى ديانة أخرى. ويرى 68% من الإيرانيين ضرورة فصل الدين عن التشريعات الحكومية. كما أنّ 58% من الإيرانيين لا يؤيدون تدريس العلوم الدينية في المدارس، و58% لا يؤمنون بالحجاب على الإطلاق.

ورغم القيود القانونية، كشف الاستطلاع أن نحو 37% من الإيرانيين يشربون الكحول، و8% لا يشربونه لـ"صعوبة الوصول إليه أو لارتفاع ثمنه وليس لأسباب دينية".

حجاب المرأة.. نقطة اشتباك ساخنة

إلى ذلك، يبدو أنّ واقع المرأة في إيران لا يزال يثير الجدل، وسط الحديث عن تضييق تتعرض له في أكثر من مجال، علمًا أنّ حجاب المرأة بحد ذاته يُعَدّ أحد أبرز نقاط الاشتباك الساخنة في إيران بين التيارات العلمانية والإسلامية داخل المؤسسة الدينية وخارجها.

وتتنوّع مقاربات العلمانيين في نقد ظاهرة الحجاب في إيران، إذ يتبنّى فريق الطرح الغربي وينادي بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة ولا يرى الحجاب مركزيًا أو من صلب الدين، فيما يبدو آخر أقرب إلى المؤسسة الدينية، يحكم بتاريخية الحجاب ويقدّم قراءات عصرية للنصوص الدينية.

ويأتي المفكّر الإيراني الراحل علي شريعتي في طليعة المفكّرين الذين دافعوا عن حقوق غير المحجّبات ما عرّضه لانتقادات لاذعة من بينها أنه تغريبي ولا ديني وجاهل. أما عبد الكريم سروش أحد أبرز المفكّرين المعاصرين، فيرى أن حجاب المرأة اختلط مفاهيميًا، وتداخل فيه الديني مع العرفي، بالإضافة إلى قبليّات معرفية ومجتمعية لرجال الدين.

المرأة الإيرانية المحجبة
يُعَدّ حجاب المرأة أحد أبرز نقاط الاشتباك الساخنة في إيران بين التيارات العلمانية والإسلامية - غيتي

"تضييق" على النساء الإيرانيات

وتعاني المرأة الإيرانية من أشكال مختلفة من المنع والتجريم مثل حضور مباريات كرة القدم وأحيانًا ركوب الدراجات في الأماكن العامة بفتوى خامنئي الشهيرة والالتحاق بعدد من التخصصات في الجامعات الإيرانية بسبب عدم توافر وظائف لهنّ بعد التخرج وفق السلطات الإيرانية.

كما تعاني فنون الموسيقى والرقص والباليه وغيرها قيودًا شديدة من جانب السلطات الإيرانية منذ ثورة 1979، واضطرت بعض فرق الباليه التي تأسست في عهد الشاه إلى الفرار من إيران وتأسيس أو إعادة تكوين أنفسهم مرة أخرى في بلاد المهجر.

أما الهدف الرئيس من كل ذلك، فهو حسب منظمات نسائية، الضغط على النساء الإيرانيات للتراجع عن معارضتهن للنظام الحاكم ومطالبتهن بحقوقهن، فيما يرى مراقبون أن التضييق على النساء استجابة من النظام لبعض رجال الدين القلقين من ازدياد نسب تعلم النساء وأثر ذلك على الحياة الدينية والاجتماعية في إيران.

"أسلمة" لم تنعكس في ذهنية الناس

يؤكد أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط في جامعة قطر محجوب الزويري أنّ المجتمع الإيراني هو مجتمع منقسم من حيث التديّن، فهناك قسم من الإيرانيين يرى أنه جزء من الأمة المسلمة الواسعة، وهو مسلم شيعي ويقر بهذه الهوية ويتفاعل معها ويمارس كل الطقوس المرتبطة به بكل تفاصيلها الظاهرة والباطنة.

لكن، في المقابل، يشير الزويري في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ هناك جزءًا من المجتمع يرى أنّ هذه الهوية لديها مظاهر تُمارَس بمناسبات معينة بحدّ ذاتها كمراسم عاشوراء، فيما لا يمارس أي نوع من مظاهر التديّن في بقية العام.

ويتحدّث الزويري عن نهج من "الأسلمة" في الجمهورية الإسلامية بدأ مع بداية الثورة، "وهذا ينطبق على أسلمة السياسة والاقتصاد والتعليم وكل شيء"، في محاولة لـ"إسدال ثوب الدين على العلوم، أي الإقرار بأنها تتناسب مع الإسلام"، على حدّ وصفه.

ويلفت إلى أنّ هذا الأمر لم ينعكس في ذهنية الناس بدليل أن هذا الجيل الذي تربّى على هذه الأسلمة بعد مرور عقد أو عقدين عندما سئل عن مظاهر التدين كشف أنه لا يصلّي ولا يهتم بعاشوراء ولديه ميل إلى الإلحاد ويرى أنّ إيرانيته أولًا ثم مظهره ثانيًا.

ويخلص الزويري إلى أنّ "الجمهورية الإسلامية لم تقاطع جذور الهوية الإيرانية، في إشارة إلى السينما والشعر والفنون"، معتبرًا أنّ "ما فعلته الثورة أنها قالت إنّها تريد سينما بثوب إسلامي وبالحجاب وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد، لأنّ هذه السينما فيها محتوى جاد، وقد أعطت صورة عن الشخصية الإيرانية".

ثلاثة "أجيال" تختصر الهوية الإيرانية

من جهته، يعتبر أستاذ دراسات إيران والشرق الأوسط في جامعة أستراليا الوطنية علم صالح أنّ المجتمع الإيراني "معقّد جدًا"، لافتًا إلى وجود فجوات بين الأجيال وشرائح مختلفة الانتماءات تتفاوت في نظرتها إلى القضايا الجدلية.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، أنّ الهوية الإيرانية تغيّر فيها كثير من الأشياء منذ مجيء الجمهورية الإسلامية، مميّزًا في هذا السياق بين ثلاثة أجيال على الأقل تختلف جذريًا فيما بينها، من حيث النظرة إلى الدين والسياسة.

ويشرح أنّ الجيل الأول هو جيل الثمانينيات الذي عايش وتعايش مع الثورة ومع الحرب العراقية الإيرانية، وهذا الجيل كان جيلًا أيديولوجيًا دينيًا، فيما الجيل الثاني هو جيل التسعينيات الذي عايش عصر الإصلاحات.

أما الجيل الثالث بحسب صالح، فهو جيل أوائل القرن العشرين الذي تعرف على أدوات الحداثة وابتعد ابتعادًا كبيرًا ليس فقط عن القيم الإسلامية التي تتبناها الحكومة، بل أيضًا عن الأجيال الماضية حيث حصلت فجوة كبيرة بين الآباء وأبنائهم.

ويرى الأكاديمي المتخصّص أنّ فهم المجتمع الإيراني عن الدين كان فهمًا تقليديًا تامًا، في حين أنّ فهم الدين حاليًا عند الشباب الإيراني حداثي يأتي بوعي سياسي واجتماعي وفكرية، مذكّرًا بأنّ إسلامية الثورة في عام 1979 جاءت بسبب فشل القوميين في عام 1953.

ويشدّد على أنّ الهوية الإيرانية دائمًا كانت تعاني من أزمات عدّة منذ أوائل القرن العشرين إلى يومنا هذا ومنها القومية والطائفية والدين والمخيلة التاريخية أو الذاكرة التاريخية ما قبل الإسلام.

ويخلص إلى أنّ المجتمع الإيراني لا بدّ أن يأخذ مسار توطين الحداثة، أي يأخذ الحداثة ويجعلها تتأقلم مع المستجدات الداخلية بشكل أو بآخر، مشيرًا إلى أنّ الحكومة لا تستطيع أن تمنع ذلك.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close