الأربعاء 1 مايو / مايو 2024

بعد 20 عامًا من الغزو الأميركي.. بوادر أمل لدى الشباب العراقي

بعد 20 عامًا من الغزو الأميركي.. بوادر أمل لدى الشباب العراقي

Changed

نافذة تحليلية أرشيفية تناقش كيف يعطّل الفساد إعادة الإعمار في العراق (الصورة: اسوشييتد برس)
أعرب الشباب العراقي، من بغداد إلى الفلوجة، عن أسفهم لفقدان الاستقرار الذي أعقب سقوط صدام حسين، لكنهم يعبرون عن أملهم في الحريات الناشئة والفرص لتحقيق أحلامهم.

لا يمكن للعراقيين تجاهل الصدمة المستمرة للعنف الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق في مارس/ آذار 2003. فبين عامي 2003 و2019، قُتل حوالي 300 ألف عراقي، وأكثر من 8 آلاف من العسكريين والمتعاقدين والمدنيين الأميركيين. وشابت هذه الفترة بطالة، وتفكّك سياسي، وعنف طائفي، وإرهاب، وسنوات بدون كهرباء، أو خدمات عامة أخرى.

لكن الآن، وبعد 20 عامًا من الغزو ، فإن نصف سكان العراق، البالغ عددهم 40 مليون نسمة، ليسوا في سن كافية لتذكر الحياة في عهد الرئيس السابق صدام حسين أو الكثير عن الغزو الأميركي.

وأعرب الشباب العراقي، من بغداد إلى الفلوجة، لوكالة "اسوشييتد برس" عن أسفهم لفقدان الاستقرار الذي أعقب سقوط صدام حسين، لكنهم قالوا إن الحرب أصبحت من الماضي، بينما يأمل الكثيرون منهم في الحريات الناشئة والفرص لتحقيق أحلامهم.

وذكرت الوكالة أن العاصمة العراقية بغداد باتت تنبض بالحياة والشعور بالتجديد، ويتمتع سكانها بفاصل نادر وهادئ في تاريخ حديث مؤلم. تتكدّس الكتب في الأكشاك الخشبية لسوق الكتب في الهواء الطلق في المدينة، وتكتظ بالمتسوقين من جميع الأعمار والدخل. وفي إحدى الضواحي التي كانت في السابق معقلًا لتنظيم "القاعدة"، يبحر الشباب الأثرياء بسياراتهم، بينما يستضيف نادي ركوب الدراجات الترفيهي رحلات أسبوعية لركوب الدراجات إلى مناطق الحرب السابقة. كما تتألق بعض المباني البراقة حيث سقطت القنابل ذات مرة.

رشيد والآفاق المتوهّجة للعراق

في غرفة الاستقبال في القصر الذي كان يعيش فيه صدام حسين ذات يوم، تحدّث الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي تولى منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن الآفاق التي تتوجه إليها البلاد.

وقال رشيد، لوكالة "أسوشيتيد برس"، إن نظرة العالم للعراق على أنها دولة مزّقتها الحرب قد تغيّرت، مضيفًا أن العراق بلد غني، وهناك فرص أمام الشباب في بلد يشهد طفرة سكانية.

وأضاف: "إذا كان الشباب صبورين قليلاً، أعتقد أن الحياة ستتحسن بشكل كبير في العراق".

وأوضحت الوكالة أن معظم العراقيين ليسوا متفائلين بنفس القدر. يتحدث بعضهم بمرارة عن أن الإطاحة بصدام حسين تركت البلاد محطمة، وجاهزة للعنف والاستغلال من قبل الميليشيات الطائفية والسياسيين والمجرمين العازمين على الإثراء الذاتي، أو المدينين بالفضل لدول أخرى. ومع ذلك، عند التحدّث إلى العراقيين الأصغر سنًا، يشعر المرء أن جيلًا كاملًا مستعدًا لقلب الصفحة.

العراق
يأمل الكثير من العراقيين في الحريات الناشئة والفرص لتحقيق أحلامهم- اسوشييتد برس

وقال صفا راشد (26 عامًا)، الذي كان طفلًا عند الغزو، لوكالة "اسوشييتد برس"، إنّ العراق بعد الغزو "دولة محطّمة وعرضة للصراعات الدولية والمحلية على السلطة. لكن اليوم الأمر مختلف. يمكن لي ولزملائي التحدث بحرية عن الحلول. أعتقد أن الشباب سيحاولون إصلاح هذا الوضع."

بدورها، قالت الناشطة السياسية نور الهدى سعد (26 عامًا)، للوكالة إن "جيلها يقود احتجاجات تندد بالفساد وتطالب بالخدمات وتسعى إلى انتخابات أكثر شمولًا، ولن تتوقف حتى نبني عراقًا أفضل".

وأضافت: "بعد عام 2003، لم يفهم الأشخاص الذين وصلوا إلى السلطة، من أحزاب الحرس القديم، والميليشيات والعصابات التابعة لها، معنى تقاسم الديمقراطية"، مشيرة إلى أن الجيل الشاب يحاول تغيير الوضع.

وألقت باللوم على الحكومة لفشلها في استعادة الخدمات العامة وإقامة دولة ديمقراطية بالكامل في أعقاب الغزو.

واعتبرت الوكالة أن التجربة الطويلة والمكلفة بشكل مذهل في العراق، كشفت عن محدودية قدرة واشنطن على تصدير الديمقراطية، في العراق الذي لم يتم تحديد ديمقراطيته بعد.

بغداد.. فلول " تنظيم الدولة" والفساد

في بغداد، التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة، وتُعتبر ثاني أكبر مدينة في الشرق الأوسط بعد القاهرة، أُزيلت علامات الغزو والصراع إلى حد كبير. وأُعيد إعمار فندق فلسطين السابق، وساحة الفردوس، والمنطقة الخضراء، وطريق المطار. تحوّلت الجدران المتفجرة إلى لوحات إعلانية وانتشرت المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق، ناهيك عن التطورات الهائلة في قطاع العقارات.

لكن في الصحاري البعيدة في شمال وغرب العراق، هناك اشتباكات عرضية مع فلول "تنظيم الدولة". ويشمل الصراع مقاتلي البشمركة الكردية، وقوات الجيش العراقي، وحوالي 2500 مستشار عسكري أميركي ما زالوا في البلاد.

ويُعتبر الفساد المستشري في البلاد مشكلة أخرى من مشاكل العراق. وتوصل تدقيق حكومي عام 2022، إلى أن شبكة من المسؤولين ورجال الأعمال السابقين سرقوا 2.5 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه، يختبر العراقيون حدود الهوية وحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، مدركين أن الميليشيات الغامضة المرتبطة بالأحزاب السياسية تراقبهم، وعلى استعداد لسحق الكثير من الليبرالية.

وتمّ إلقاء القبض على أكثر من اثني عشر شخصية مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا في حملة على المحتوى "غير الأخلاقي". وقالت السلطات هذا الشهر إنها ستُطبّق قانونًا قديمًا يحظر واردات الكحول.

بين عامي 2019 و2020، احتج العراقيون، وخاصة الشباب، في جميع أنحاء البلاد ضد الفساد ونقص الخدمات الأساسية. وبعد مقتل أكثر من 600 شخص على أيدي القوات الحكومية والميليشيات، وافق البرلمان على سلسلة من التغييرات في قانون الانتخابات تهدف إلى السماح لمزيد من الأقليات والجماعات المستقلة بتقاسم السلطة.

نهضة عمرانية في الفلوجة

واليوم، تشهد الفلوجة، المدينة الرئيسية في منطقة الأنبار التي كانت ذات يوم معقلًا لتنظيم "القاعدة" في العراق، ولاحقًا لـ "تنظيم الدولة"، نهضة عمرانية في عهد رئيس البرلمان العراقي الحالي ومحافظ الأنبار السابق محمد الحلبوسي.

تتألق الفلوجة بشقق جديدة، ومستشفيات، وملاهٍ، ومنتزه، وبوابة متجددة للمدينة. تعجّ أسواقها وشوارعها بالحركة.

تشهد الفلوجة نهضة عمرانية
تشهد الفلوجة نهضة عمرانية- اسوشييتد برس

وقال الدكتور حذيفة العيساوي (40 عامًا)، إمام مسجد، إن العراق "شهد حروبًا كثيرة. وفقدنا أسرًا بأكملها. لكنّ العراق، وكذلك الفلوجة، تتمتع هذه الأيام بإحساس جديد بالأمن. وإذا بقي الأمر على هذا النحو، فالأمر مثالي".

مدينة الصدر والحنين إلى الاستقرار

مدينة الصدر، الضاحية التي يسكنها أكثر من 1.5 مليون شخص من الطبقة العاملة والمحافظة، تشكل الأسطح السميكة من الأسلاك الموصولة بالمولدات مظلة فوق الأحياء. تحصل المدينة على الكهرباء لمدة ساعتين فقط يوميًا، بعد ذلك يعتمد الجميع على المولدات.

ورغم أن المدينة كانت مناهضة لصدام حسين، إلا أن بعض سكانها يحنّون للاستقرار الذي ساد تلك الحقبة.

يعتبر بعض سكان مدينة الصدر أن المسؤولين الحاليين بيادق بيد القوى الخارجية
يعتبر بعض سكان مدينة الصدر أن المسؤولين الحاليين بيادق بيد القوى الخارجية- اسوشييتد برس

ويسخر بعض السكان من وعود الرئيس العراقي بأن الحياة ستكون أفضل لجيل الشباب. بينما يعتبر آخرون أن المسؤولين الحاليين بيادق بيد القوى الخارجية، متمنين أن يتولّى السلطة في البلاد زعيم قوي وقائد مستقلّ".

ويقول الشباب العلمانيون إنهم على عكس آبائهم الذين عاشوا في عهد صدام حسين، لا يخشون إسماع أصواتهم. منحتهم مظاهرات 2019 الثقة في مواجهة رد الفعل العنيف من الأحزاب المؤيدة للدين.

"كتائب حزب الله" وبناء الدولة الجديدة

تولى رئيس الوزراء العراقي  محمد شياع السوداني، منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويواجه السوداني بعض القضايا التي ورثها عن الاحتلال، بما في ذلك استعادة العلاقات الإقليمية، وتحقيق التوازن في المصالح بين الشيعة والسنة والأكراد.

وقال السوداني للوكالة إن بناء الثقة بين الشعب والحكومة سيكون على رأس أولوياته، مضيفًا أن العراق "بحاجة إلى رؤية نتائج ملموسة، من فرص عمل وخدمات وعدالة اجتماعية، لأن هذه هي أولويات الشعب".

من جهته، أعرب جعفر الحسيني، المتحدث باسم "كتائب حزب الله" العراقي التي تشكّل جزءًا من الائتلاف الحكومي الحالي وشاركت في الحرب ضد "تنظيم الدولة"، عن تفاؤله بالحكومة العراقية الجديدة، معتبرًا أن الولايات المتحدة "باعت العراق وعدًا بالديمقراطية، لكنها فشلت في توفير البنية التحتية، والكهرباء، والإسكان، والمدارس، والأمن".

وقال الحسيني في حديث لوكالة "أسوشييتد برس": "بعد عشرين عامًا من الحرب، نتطلع نحو بناء دولة جديدة. مشروعنا أيديولوجي ونحن ضد أميركا".

غير أن محمد زواد خامان (18 عامًا)، الذي يعمل في مقهى عائلته في أحد أحياء بغداد الفقيرة، أعرب لوكالة "اسوشييتد برس" عن استيائه من سيطرة الميليشيات على البلاد، لأنها تشكّل عقبة أمام أحلامه في ممارسة الرياضة.

أعضاء نادي ركوب الدراجات في جولة بشوارع بغداد
أعضاء نادي ركوب الدراجات في جولة بشوارع بغداد- اسوشييتد برس

وخامان هو لاعب كرة قدم موهوب، لكنه يقول إنه لا يستطيع اللعب في أندية الهواة ببغداد لأنه لا علاقة له مع العصابات المرتبطة بالميليشيات التي تسيطر على الفرق الرياضية في المدينة.

بسبب الحرب والفقر، خسر خامان عدة سنوات من الدراسة، وهو يحاول الآن الحصول على شهادة الثانوية العامة. وفي هذه الأثناء، يبلغ مدخوله اليومي بين 8 و10 دولارات أميركية من مسح الطاولات وتقديم الطعام والشاي.

إنه من بين أولئك العراقيين الذين يرغبون في مغادرة البلاد. غير أن الوضع مختلف بالنسبة لمؤمل شربا (38 عامًا) من ديالى، الذي تمكّن من الحصول على تعليم جيد رغم الحرب، فإن العراق الجديد واعد بشكل لم يكن يتوقعه، من تراجع البيروقراطية في المعاملات الرسمية إلى التقدّم التكنولوجي، وتطوّر البنى التحتية.

وقال للوكالة: "إن الأمن في ديالى ليس مثاليًا، لكنه أقل خطورة من ذي قبل. ليس كل زملائي متفائلين، لكنني أفضّل التركيز على نصف الكوب الممتلئ".

وأضاف: "لا أعتقد أن الدول الأوروبية كانت دائمًا كما هي الآن. لقد مرت بعملية طويلة والعديد من العوائق، ثم تحسنوا ببطء. أعتقد أننا بحاجة إلى اتباع هذه الخطوات أيضًا".

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close