الجمعة 17 مايو / مايو 2024

عزوف التونسيين عن "الاستشارة الإلكترونية".. ما مصير خطة سعيّد؟

عزوف التونسيين عن "الاستشارة الإلكترونية".. ما مصير خطة سعيّد؟

Changed

نافذة إخبارية لـ"العربي" تسلط الضوء على رفض المعارضة التونسية الاستشارة الإلكترونية بشأن الإصلاح الدستوري (الصورة: غيتي)
يتهم بعض الأحزاب والمنظمات الرئيس التونسي قيس سعيّد، بالحكم المسبق على النتائج وبأنه لا يتطلع سوى إلى فرض مشروعه السياسي عبر الاستشارة.

بينما يستعد الرئيس التونسي قيس سعيّد لإعادة صياغة الدستور بعد تعليقه للبرلمان الصيف الماضي، عرض على التونسيين "استشارة وطنية" متعددة الخيارات عبر الإنترنت، قال إنها ستكون منطلقًا رئيسيًا في التعديلات الجوهرية التي ينوي إدخالها تحت شعار "السيادة للشعب".

وقبل أسبوعين فقط من انتهاء الاستشارة أو استطلاع الرأي الذي أطلق مطلع العام الحالي، لم يشارك فيها سوى 276 ألف شخص حتى الآن في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، وفقًا لموقع الاستشارة وسط اتهامات منتقدي سعيّد بأنها مجرد مسرحية وواجهة لفرض مشروعه السياسي في خطوة جديدة تهدف لتكريس حكم الرجل الواحد.

وأقال سعيّد (64 عامًا) البرلمان المنتخب في يوليو/ تموز وقال إنه سيحكم بمراسيم.

وفي ديسمبر/ كانون الأول أعلن أنه سيعين لجنة لإعادة كتابة الدستور بناء على استشارة مباشرة من الشعب وسيطرحه للاستفتاء في يونيو/ حزيران على أن تنظم انتخابات برلمانية في نهاية العام الحالي.

وأكد أن الشعب هو من سيقرر مصيره بنفسه، بدلاً من قوانين وُضعت على مقاس من كانوا في الحكم طيلة السنوات الماضية.

وبينما ينظر منتقدوه إلى تحركاته على أنها انقلاب يهدد الديمقراطية الناشئة التي انتصرت في ثورة 2011، فإنه يضعها في إطار إنهاء عقد من الركود السياسي والاقتصادي على أيدي نخبة فاسدة حكمت لتخدم مصالحها الذاتية على حساب الشعب، وفق وصفه.

وقال الرئيس في يناير/ كانون الثاني: "مستقبل تونس في أيدي التونسيين ومشاركتهم المكثفة هي التي ستمهد الطريق لمرحلة جديدة في تاريخ تونس تقوم على الإرادة الشعبية الحقيقية وليس على الشرعية الوهمية".

في المقابل، رأت أحزاب ومنظمات أن الاستشارة لا يمكن أن تكون بديلًا عن حوار لتقرير الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها الخانقة.

سياسة الرجل الواحد

وتتهم بعض الأحزاب والمنظمات سعيّد، الذي كان أستاذًا للقانون الدستوري قبل أن يدخل معترك السياسة، بالحكم المسبق على النتائج وبأنه لا يتطلع سوى إلى فرض مشروعه السياسي عبر الاستشارة.

وفي يناير الماضي وبعد أسابيع فقط من إطلاق الاستشارة، قال سعيّد خلال مجلس للوزراء إنه من الواضح بالفعل أن الناس يريدون نظامًا رئاسيًا.

ويقول الطالب كريم صقيع متحدثًا لوكالة "رويترز" أمام كلية الحقوق في تونس: "أعتقد أن تونس ستنتهج سياسة الرجل الواحد، لذا أنا لست متحمسًا لأي مشاركة في الاستشارة".

ويرى معارضو سعيّد والمانحون الأجانب الرئيسيون لتونس أنّ أي عملية شاملة حقًا يجب أن تشمل جميع اللاعبين السياسيين الرئيسيين في البلاد وتتوج بإصلاحات تحظى بوفاق وطني وشعبي.

وحظي دستور 2014، الذي ألغى سعيّد جانبًا منه بإشادة غربية واسعة في ذلك الوقت باعتباره انتصارًا للتوافق بين الفرقاء الإسلاميين والعلمانيين مما ساعد في تجنب فترة من الاستقطاب الخطير.

ولاقى الدستور الحداثي آنذاك إجماعًا من كل الخصوم، وتم التصويت عليه بأغلبية كبيرة. لكن سعيّد يقول إنّ الدستور "كله أقفال" وإن من صاغوه أعدوه على المقاس.

ومع ذلك، كان النظام البرلماني والرئاسي المختلط الذي أقره الدستور عرضة للشلل وزاد تعقيد الأوضاع في البلاد مع تشتت السلطة بين البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وطيلة سنوات فشل السياسيون المتصارعون في إنشاء محكمة دستورية كانت ستحل الخلافات.

وعندما فاز سعيّد، القادم من خارج المنظومة، بأغلبية ساحقة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2019، اعتُبرت النتيجة رفضًا للطبقة السياسية بأكملها في تونس وتطلعًا لإصلاحات جوهرية.

وعلى عكس أغلبية النخبة السياسية، يرفض سعيّد الحوار مع الأحزاب حول الإصلاحات ويعتبر أن لا فائدة ترجى من حوار عقيم يعيد المنظومة السابقة للحكم. ويرى أن حواره يكون مع الشعب من خلال الاستشارة.

"فتور وعزوف"

في يوم بارد وممطر قريب من جامعة المنار بتونس، أقام مجموعة من المتطوعين الموالين لسعيّد كشكًا على شرفة مقهى مع لافتات ومكبرات صوت لتشجيع الناس على التسجيل في الاستبيان، لكن بدا أن عدد المهتمين قليل للغاية.

وبينما تقول أحزاب المعارضة إنّ الإقبال الضعيف يُظهر أن شعبية سعيّد تتآكل؛ يرى مراقبون ومنظمات أن المشاركة الضئيلة التي لم تتجاوز 5% قد تعصف أصلًا بمصداقية الاستشارة وتجعل اعتماد نتائجها مثار جدل واسع.

ويرفض أنصار سعيّد هذا القول ويرون أن الشعب يقول كلمته لأول مرة بشكل شفاف وأنه يتطلع لترجمه رؤيته في الدستور المقبل لتونس.

وفي هذا الإطار، يقول أحمد كوكي أحد مناصري سعيّد وهو يوزع منشورات تروج للاستشارة: "نتوقع أن يزداد العدد بشكل أكبر في الأيام المقبلة. لكن بالنهاية لا يهم كم شارك. لقد ظلت نخبة سياسية صغيرة تقرر مكان الشعب طيلة العقد الماضي. الآن الكلمة للتونسيين مباشرة".

ويضيف: "تطوعنا لأنه للمرة الأولى في تاريخ تونس تتم استشارة الناس مباشرة بشأن القضايا الحيوية ولم يعد يتم إسقاطها من قبل السياسيين والأحزاب".

ومن المحاور المطروحة سؤال عما إذا كان النظام السياسي الرئاسي أو البرلماني أو المختلط هو الأفضل، وآخر عما إذا كان ينبغي للدولة إعطاء الأولوية للإصلاح الانتخابي أم ترك الأمور كما هي. وطرحت عدة أسئلة أخرى تتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية.

في غضون ذلك، لم يقتصر الترويج للاستشارة على المتطوعين، إذ انضم عدد من المسؤولين على المستويين المحلي والجهوي للحملات وتنقلوا في الأسواق والشوارع والمراكز الثقافية وحتى أماكن السكن الجامعي.

كما انضمت بعض الشركات المملوكة للقطاع العام للترويج للاستشارة من خلال حملة دعائية، مما أدى في بعض الأحيان إلى موجة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم توسيع دائرة المشاركة لتضم الشبان الذين تبلغ أعمارهم 16 عامًا، وتوسيع الترويج للاستشارة في التلفزيون العمومي ظل الإقبال ضعيفًا.

وفي برنامج ديني بالتلفزيون العمومي دعا رجل دين إلى الإقبال على المشاركة في الاستشارة، قائلًا إنه يجب استغلال فرصة استشارة التونسيين لكي يبينوا مواقفهم.

ومع ذلك فإن أنصار الرئيس يقولون إنّ الإعلام عمومًا يتجاهل الاستشارة عمدًا، رافضين انتقادات بتوظيف أجهزة الدولة ومعتبرين أنها استشارة للدولة وليست استشارة لفرد واحد.

وبينما برر وزير الشباب التونسي كمال دقيش الإقبال الضعيف على الاستشارة بمشاكل تقنية، وضعف خدمة الإنترنت في بعض المناطق الداخلية، فقد وجه سعيّد سهام نقده للمعارضة وقال إن المنظومة السابقة تحاول إجهاض الاستشارة.

"إنترنت مجانية والزيت مفقود"

وفي مسعى للتحفيز على المشاركة دعا سعيّد رئيسة الحكومة نجلاء بودن في بيان نشرته الرئاسة إلى إتاحة الربط المجاني بالإنترنت للمستخدمين هذا الأسبوع.

ولكن بعض التونسيين ردوا على عرض الرئيس بتعليقات ساخرة تحت البيان الذي نشر في صفحة الرئاسة في فيسبوك قائلين: "سيدي الرئيس نريد الدقيق.. نحن أونلاين بالفعل ولدينا الإنترنت" و"إنترنت بلاش والزيت ما فماش؟ (إنترنت مجانية والزيت مفقود؟)".

وبالنسبة للعديد من التونسيين، يبدو أن تعديل الدستور من جانب سعيّد منفصل تمامًا عن واقعهم اليومي المتمثل خاصة في تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار ونقص حاد في عدة سلع رئيسية وأدوية، حيث تلوح في الأفق أزمة في المالية العامة.

وفي هذا الإطار، قال أشرف (25 عامًا) وهو عامل في سوبر ماركت كان يجلس في مقهى خلف المتطوعين رافضًا كل محاولات إقناعه بالمشاركة: "لا أهتم تمامًا بالاستشارة ولا تعنيني بتاتًا.. على الرئيس التركيز على الاقتصاد وتوفير الوظائف وتوفير الغذاء للناس.. لكن لا يبدو أن شيئًا يتغير في هذا البلد إلا للأسوأ".

المصادر:
العربي - رويترز

شارك القصة

تابع القراءة
Close