تثار تساؤلات كثيرة بشأن المعايير المحايدة التي يفرضها صندوق النقد الدولي عند موافقته على منح قرض لأحد البلدان المحتاجة إليه.
ففي الوقت الذي لم توافق فيه المؤسسة النقدية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها، على مدّ كلّ من لبنان تونس ومصر وباكستان بتمويلات طارئة لتغطية عجز موازناتها للعام الجديد، سارع الصندوق لإعطاء أوكرانيا قرضًا كاملًا لإعانة البلد على احتواء التداعيات الناجمة عن الحرب التي تشنها روسيا.
وولدت هذه المؤسسة من رحم نتائج الحرب العالمية الثانية، وشكّلت أحد أذرع المسيطرين على مفاصل الاقتصاد العالمي بشكله الجديد، وهو شكل يلعب فيه الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة دورًا رائدًا.
تسييس في الإجراءات الاقتصادية
ومن بيروت، يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية زياد ناصر الدين أنه أصبح من الواضح أن صندوق النقد الدولي له اتجاهات سياسية، رغم عمله الاقتصادي.
ويقول في حديث مع "العربي": "أوكرانيا اليوم في حالة حرب، وبالتالي فإن السيطرة على اقتصادها صعب.. وصندوق النقد الدولي هو من قال إن الحرب تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وهناك مشكلة اقتصادية كبيرة في العالم بسبب الحرب الأوكرانية".
فاستغرب ناصر الدين أنه رغم ذلك، قام صندوق النقد بإعطاء أوكرانيا قرضًا كاملًا ويدرس قرضًا آخرًا بقيمة 16 مليار دولار، من دون شروط ومن دون تحديد المعايير الدائمة التي تحدد على كل الدول عادةً، وتأكيده على أن ليس هناك مخاطر من استرجاع القرض.
وفي المقابل، هناك بلدان أخرى يفرض عليها الكثير من الشروط مثل تحرير العملة، وتحرير أسعار المشتقات النفطية، وفرض ضرائب وغيرها من الأمور التقنية، ما يدلّ على أن معايير الصندوق السياسية أصبحت واضحة وفق الباحث في الشؤون الاقتصادية.
اليد العليا للمساهمين
وعليه، يعتقد ناصر الدين أن هناك مشروع يخدم الدول الكبرى في مواجهة روسيا ومخاطر ذلك كبيرة على المستوى النقدي، لا سيما مع وجود تباطؤ كبير في التعامل مع الدول الأخرى التي استجابت لمعظم شروط صندوق النقد.
ويتابع الباحث أن الدول الكبرى تؤثر في قرار صندوق النقد من خلال المساهمة الأكبر فيه، وهي التي تدعم أوكرانيا في الحرب، وبالتالي لها تأثيرها الكبير على سياساته.
في هذا الإطار، يلفت ناصر الدين إلى أن أكبر الدول الداعمة لصندوق النقد الدولي في طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، واليابان. ما يدلّ على أن هذه الدول تمتلك القرار الأقوى والتأثير المباشر على سياسات صندوق النقد الدولي.