الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

كيف بقي متخفيًا 30 عامًا؟.. إليكم قصة زعيم المافيا الإيطالية دينارو

كيف بقي متخفيًا 30 عامًا؟.. إليكم قصة زعيم المافيا الإيطالية دينارو

Changed

"أنا العربي" يرصد القصة الكاملة للمافيا الإيطالية (الصورة: غيتي)
"لم يكن دينارو مثل زعماء المافيا الآخرين، يتحرّك خارج منطقته أو يسافر إلى الخارج. لم يكن بحاجة لأن يبني لنفسه مخبأً محصنًا، لأنه كان محميًا في أراضيه".

حين ألقت الشرطة القبض على زعيم مافيا "كوزا نوسترا" الإيطالية سلفاتوري توتو رينا عام 1993 بعد 23 عامًا من إدراجه على قائمة المطلوبين، كان يعيش بهدوء مع زوجته وأبنائه الأربعة في باليرمو.

تزامن القبض على رينا مع حملة اعتقالات طالت أعضاء كثيرين في المافيا، التي كانت قد شنّت حملة ضد الدولة، واغتالت العديد من المسؤولين الإيطاليين.

ولسنوات خلت، ظلّ أحد المقرّبين من رينا، ماتيو ميسينا دينارو (60 عامًا)، الذي بات لاحقًا زعيم المافيا وأخطر المطلوبين، طليقًا متواريًا عن الأنظار لمدة 30 عامًا.

وتوارى دينارو عن الأنظار منذ عام 1993، وحُكم عليه غيابيًا بالسجن مدى الحياة لضلوعه في جريمة قتل المدعيين العامين جيوفاني فالكوني وباولو بورسيلينو عام 1992، اللذين كانا يلاحقان المافيا، وهو ما تسبّب في صدمة لإيطاليا، وأدى إلى حملة أمنية ومداهمات ضد "كوزا نوسترا".

وعلى مرّ السنين، شارك المئات من رجال الشرطة في البحث عنه من دون نجاح. وأثارت سلسلة من الاعتقالات لأشخاص مقربين منه، بمن فيهم أخته باتريسيا عام 2013، الآمال في تضييق الخناق عليه.

ونهار الإثنين الماضي، نجحت الشرطة في اعتقاله من مستشفى خاص في باليرمو بإقليم صقلية، حيث كان يتلقى العلاج من مرض السرطان.

وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن الرجل الذي تفاخر ذات مرة بمقولته "ملأت مقبرة بنفسي"، استطاع الهرب من الشرطة لأنه "لا يزال يحظى بولاء الناس الذين يعيشون في منطقته، ومدينة كاستلفيترانو ومقاطعة تراباني الأوسع غربي صقلية.

ونقلت الصحيفة عن جياكومو دي جيرولامو، مؤلف سيرة دينارو، بعنوان "غير المرئي" (The Invisible)، قوله: "إذا سألت عن مكان وجود ماتيو ميسينا دينارو، سيقول الناس إما أنه ميت، أو أنه في مقاطعة تراباني".

وأضاف دي جيرولامو: "لم يكن دينارو، مثل زعماء المافيا الآخرين، كان يتحرّك خارج منطقته أو يسافر إلى الخارج، إلى البرازيل أو شمال أوروبا. لم يكن بحاجة لأن يبني لنفسه مخبأً محصنًا، لأنه كان محميًا في أراضيه".

وصفه المحقّقون بأنه يجمع بين صفات المافيا القديمة والجديدة. وقالت تيريزا برينسيباتو، القاضية السابقة التي شاركت في محاكمة دينارو وعضو في المديرية الوطنية لمكافحة المافيا، إنه "مثل المافيا القديمة، ينظر إلى المافيا على أنها دولة متفوّقة تضم قلة مختارة ممن يستحقون التكريم، ويسمح فقط لمن هم قريبون منه بالانضمام إلى المافيا"، مضيفة "لكنه جشع، ولا يرحم، ومحبّ للمال حيث سيشارك في أي عمل تجاري يحقق ربحًا".

لطالما كانت مكانة دينارو داخل المنظمة محل تكهنات؛ كان الصبي الذهبي لرينا، ومقرّب من الأخوين غرافيانو من برانكاتشيو، إحدى ضواحي باليرمو. وورد أن رينا قال: "إذا حدث لي أي شيء، فإن ماتيو وجوزيبي غرافيانو يعرفان كل شيء".

ورغم أن والده كان من المدرسة القديمة للمافيا، إلا أن دينارو الابن لا يمتلك الصفات التي تجعله زعيمًا تقليديًا، "فقد كان نحيفًا ومبهرجًا للغاية"، وفقًا لدي جيرولامو.

وأضاف دي جيرولامو: "لقد أصبح جزءًا من مافيا كورليوني، لكنه كان زعيمًا حديثًا للغاية من بعض النواحي. لم يكن متزوجًا، لكنه أنجب طفلًا خارج الزواج. وهذه الصفات لم تكن واردة بالنسبة لرئيس مافيا من الطراز القديم. وبينما كان الرؤساء القدامى مرتبطين بالطقوس الدينية، فقد أعلن دينارو الإبن أنه غير متديّن، إن لم يكن ملحدًا".

وأشار إلى أن دينارو استطاع دخول "المنطقة الرمادية"، حيث تتعايش الجريمة المنظّمة مع السياسة والأعمال.

مصدر ثروته

جاءت ثروة دينارو الهائلة من استثماراته في الطاقة والنفايات، حيث تسلّل بنجاح إلى داخل الحكومة المحلية، واحتكر عقود البناء والأشغال العامة المهمة، فضلًا عن تجارة المخدرات.

لم يكن دينارو متورطًا فحسب في مقتل القاضيين فالكوني وبورسيلينو عام 1992، بل شارك في حملات التفجير عام 1993 عندما استهدفت "كوزا نوسترا" أماكن ذات أهمية ثقافية وسياحية في ميلانو وفلورنسا وروما، لمحاولة إجبار الدولة على إلغاء قوانين مكافحة المافيا المتشددة.

وقبل إلقاء القبض عليه في باليرمو الإثنين، شوهد دينارو لآخر مرة في توسكانا عام 1993، قبيل تفجير سيارة فيات متوقّفة خارج معرض أوفيزي، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من 40 آخرين، وإلحاق الضرر بأعمال فنية لا تقدر بثمن.

أعماله الإجرامية

كما كان متورطًا في واحدة من أكثر الجرائم المروعة التي قامت بها عشيرة كورليوني عام 1993 وسط الحملة الأمنية ضد المافيا الإيطالية، حيث شارك في اختطاف جوزيبي دي ماتيو البالغ من العمر 11 عامًا، وهو نجل رجل من المافيا كان قد وافق على الشهادة ضدها، والعمل مع السلطات الأمنية.

وكان دينارو فردًا في عصابة أبقت الصبي مقيّدًا بالسلاسل في مواقع مختلفة في غرب صقلية لمدة عامين للضغط على والده للتراجع، قبل أن يتمّ خنق الطفل وتحليل جسده في حمض كيميائي.

ما أهمية اعتقال دينارو؟

ورغم أن اعتقال دينارو مثّل انتصارًا للشرطة الإيطالية، فإن بعض الخبراء يتشككون في أهمية الرجل حاليًا. واعتبرت برينسيباتو أن دينارو "لم يكن رئيسًا للمافيا مطلقًا. كان بمثابة رئيس إقليمي في تراباني، ولم يكن زعيمًا لكل العصابات أبدًا".

قضت برينسيباتو سنوات في تعقب دينارو بعد تلقيها معلومات تُفيد بأنه تلقّى العلاج في عيادات مختلفة في الشمال.

واستمرّ رينا في إدارة المنظمة من داخل السجن، على الرغم من الظروف الأمنية المشددة التي أبقت السجناء منفصلين والزيارات المحدودة للغاية. وجرى القبض على صديق رينا، برناردو بروفينزانو، بعد أن سافر إلى مرسيليا لتلقي العلاج من سرطان البروستاتا. وبالتالي، فإن استمرار تأثير دينارو على "كوزا نوسترا" يعتمد على صحته.

ويقول البعض إنه كان المفترض أن يُنهي دينارو أيامه في المستشفى، إلا أن حلقة الحماية الخاصة به فشلت أخيرًا. وبما أنه تمّ إحباط محاولات تغيير اللجنة الحاكمة للمافيا، في هذه المرحلة، لا يوجد أحد ليحلّ محله.

وقال نينو دي ماتيو، المدعي العام السابق لمكافحة المافيا في باليرمو والذي يعمل حاليًا في المجلس الأعلى للقضاء: "إن نجاح الدولة لن يكتمل إلا عندما نكون قادرين على فهم دور دينارو في حملة العامين 1992 و1993. ومن المهم أيضًا معرفة كيف تمكّن من البقاء هاربًا من العدالة لمدة 30 عامًا، ومن كان يحميه".

وأضاف: "على الرغم من أن اعتقال دينارو هو خطوة مهمة إلى الأمام، إلا أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد أن المعركة انتهت ضد المافيا. فالتجربة علمتنا أن المافيا قادرة على إعادة تجميع نفسها وإعادة تنظيمها وإعادة إطلاقها".

وقال دي ماتيو: "لطالما كانت إقامة العلاقات مع قطاع الأعمال، وفي بعض الحالات، بالسياسة، في صميم عمل المافيا. وأعتقد أن دينارو يعرف الكثير عن تلك الروابط، وإذا قرر التعاون مع العدالة، وإخبارنا الحقيقة عما يعرفه، فستكون هذه خطوة كبيرة إلى الأمام".

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة