استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قادة أحزاب سياسية مؤيدة ومعارضة وشخصيات مستقلة، وذلك بعد أيام من حديث الإعلام الرسمي عن مبادرة سياسية لـ"لم الشمل".
فمن دون مناسبة واضحة، كشفت وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر عن ملامح مبادرة رئاسية تحت يافطة "لم الشمل".
وقالت الوكالة في مقال غير منسوب إلى مصدر رئاسي، إنّ "يد الرئيس ممدودة للجميع" وكلمة "إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية، الذي يسخّر كل حكمته للم شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي".
وسرعان ما أثار مقال الوكالة الرسمية جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الجزائرية، لكنّ الرئيس تبون حاول الحدّ من وطأة هذه الحيرة عبر استقباله على مدار الأسبوع، زعماء أحزاب سياسية من المعارضة والموالاة وشخصيات مستقلة، في مؤشر إضافي على الإعداد لمبادرة سياسية ما، بينما تستعد البلاد للاحتفال بالذكرى الـ60 لاستقلالها في يوليو/ تموز المقبل.
وفي أعقاب تلك اللقاءات مع قادة الأحزاب السياسية، صرّح أمين عام جبهة التحرير الوطني الجزائرية أبو الفضل بعجي بأن الرئيس تبون "يحرص على التشاور في كل وضعية تخص البلاد على المستويين الداخلي والخارجي، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والوضع الإقليمي".
من جانبه، أعرب رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية عبد الرزاق المقري عن أمله في "بلورة رؤية مشتركة بين الجزائريين تضمن الانتقال السياسي الفعلي" في البلاد.
أمّا الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي، فقد ذكر أنه تباحث مع تبون "حول القضايا الداخلية وضرورة إصلاح الجبهة الداخلية لتكون قوية، إضافة إلى إرساء ثقافة التحاور والتشاور".
ورغم أن الرئيس الجزائري لم يبعث برسائل إيجابية خلال عطلة العيد إلى الطبقة السياسية عندما لم يفرج عن معتقلي الحراك والرأي، على الرغم من المطالبات والمناشدات، فإن الكثيرين يرون في الواقع، ولو بحذر شديد، أنّ المبادرة الجديدة قد تمثل فرصة لطي صفحة الخلاف الواضح الذي يطبع ملامح الحياة السياسية منذ الحراك الشعبي عام 2019.
كما تتحدث مصادر جزائرية عن إمكانية "صفقة تصالح ما" مع القوى المعارضة في الخارج، التي لطالما اتسمت بنقدها الشديد لأجهزة السلطة والمخابرات، فماذا في أسباب توجّه السلطات الجزائرية إلى مبادرة مصالحة سياسية، وهل من أرضية صلبة وحقيقية للم الشمل؟
"مبادرة تبّون خطوة إيجابية"
في هذا الإطار، يرى القيادي في جبهة التحرير الوطني أسامة عماني أن المبادرة التي تقدم بها الرئيس الجزائري للم الشمل "خطوة إيجابية" تهدف إلى ربط جسور الثقة مع الطبقة السياسية ومع عموم الشعب الجزائري ككل.
ويؤكد في حديث إلى "العربي" من العاصمة الجزائر، أن المبادرة تهدف كذلك إلى الذهاب لـ"مصالحة سياسية حقيقية"، وتحصين الجبهة الداخلية قبل الذهاب إلى القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية.
ويعتبر أن من "غير المقبول الاستمرار في المناكفات والخصومات السياسية"، في ظل المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الشعب الجزائري.
ويلفت في هذا الخصوص إلى "ضرورة الذهاب بالمبادرة لإنهاء الصراعات والمناكفات السياسية وتحقيق مطالب الجزائريين سواء الذين خرجوا في 22 فبراير/ شباط أو الذين ذهبوا للتصويت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2019".
ويقول: إنّ "كل جزائري لديه متطلبات في أغلبها اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى أنّ الطبقة السياسية لديها طلبات سياسية لا بد من تحقيقها".
"لسنا أمام مبادرة سياسية"
من ناحيته، يشير مدير الاتصال في حزب "جيل جديد" حبيب براهمية، إلى أننا لسنا أمام مبادرة سياسية لتسمى "لم الشمل"، وإنما برقية وكالة الأنباء الجزائرية التي تحدثت عن إمكانية الذهاب إلى مبادرة لم الشمل.
ويقول في حديث إلى "العربي" من العاصمة الجزائرية: "نعتبر نحن في جيل جديد أن اللقاء بين رئيس الحزب سفيان جلالي والرئيس تبون، لقاء في إطار مشاورات بين رئاسة الجمهورية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية من أجل الاستماع إلى آراء الطبقة السياسية".
ويشرح أن المشاورات تهدف كذلك إلى الاستماع إلى الأحزاب الموجودة في خانة المعارضة، وغير الموجودة في الحكومة، والتي تملك نظرة أخرى وتشخيصًا آخر.
ويشير إلى أن "هذا التشخيص كنا قدمناه نحن في جيل جديد في بيان المجلس السياسي وشرحنا فيه كل النقاط، وعدد منها نقاط ضعف للأداء الحكومة في الوقت الحالي، وللسلطة الحالية التي لم تسمح باسترجاع الثقة مع المواطن الجزائري وإرجاعه نحو المؤسسات السياسية.
ويوضح أن اللقاء بالنسبة إلى الحزب كان صريحًا ومباشرًا، إذ يقول: "شرحنا فيه كل النقاط وحاولنا تقديم اقتراحات جيل جديد من أجل استعادة الثقة، والذهاب في نهاية الأمر، إن كان هناك حقًا مبادرة لم شمل، إلى مبادرة لم شمل حقيقية تسمح بلقاء كل الفرقاء والأفكار".
"نحن أمام مسارين مختلفين"
بدوره، يقول الكاتب الصحافي عثمان لحياني، إن النظام في اعتقاده ليس في أزمة، "ونحن لسنا بصدد مبادرة سياسية واضحة المعالم والمضمون والمحتوى لكي نستطيع الحديث عن مستوى مبادرة".
ويلفت في حديث إلى "العربي" من الجزائر، إلى "أننا أمام مسارين مختلفين؛ مسار أول يرتبط بمبادرة لم الشمل التي أعلنت عنها وكالة الأنباء الجزائرية"، معتبرًا أن ذلك جزء من معالجة أمنية سياسية تخص تحديدًا بعض الناشطين والمعارضين الموجودين في الخارج.
ويتوقف عند المشاورات التي يقوم بها الرئيس مع قادة الأحزاب السياسية، معتبرًا أنها مسار ثان مختلف تمامًا.
ويردف بأن من الواضح أن الرئيس يريد طرح تصوّر لإصلاحات اقتصادية عميقة تنجم عنها بعض التداعيات الاجتماعية، ويريد أن يضع الأحزاب في صورة محدثات جديدة في السياسة الخارجية الجزائرية، لا سيما إزاء بعض التوترات الإقليمية المحيطة بالبلاد، كمدخل لتغيير حكومي شامل قد يكون خلال الشهر المقبل.
وعليه، يؤكد أنه "لا يمكن الحديث عن مبادرة سياسية بالمحتوى السياسي، لكي نتساءل عن التوقيت السياسي، فالنظام السياسي ليس في أزمة تمامًا، لأنه بالنسبة له خرج تمامًا من المشكلات السياسية بعدما أنجز 4 انتخابات وأعاد تشكيل المؤسسات الدستورية..".
ويضيف أنه "يتوجه الآن نحو صياغة رؤية اقتصادية جديدة يحتاج فيها ربما إلى إسناد سياسي، ومن هذا المنطلق أراد الرئيس أن يضع الأحزاب السياسية في تصوّر الحكومة المقبلة والخطة السياسية".