الأحد 21 أبريل / أبريل 2024

مبعدو مرج الزهور.. تجربة مريرة جعلت من الخيام عينًا على فلسطين

مبعدو مرج الزهور.. تجربة مريرة جعلت من الخيام عينًا على فلسطين

Changed

حلقة جديدة من برنامج "كنت هناك" تروي قصة المبعدين الفلسطينيين إلى لبنان في ديسمبر 1992 (الصورة: غيتي)
لأول مرة اجتمع أبناء الضفة الغربية وغزة في مخيم واحد بعد رحلة الإبعاد عن وطنهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي عقابًا على اختطاف ضابط على يد حماس.

في 15 ديسمبر/ كانون الأول 1992 قررت إسرائيل إبعاد 418 من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، بعد اعتقالهم على خلفية أسر جندي إسرائيلي.

حينها، أغلقت القوات الإسرائيلية الأراضي المحتلة وشنت حملة اعتقالات واسعة بحثًا عن ضابط الصف الإسرائيلي نسيم توليدانو الذي خطفته عناصر من حركة حماس سعيًا إلى مبادلته بمرشدها الروحي السجين أحمد ياسين، وهدد آسرو نسيم بقتله ما لم تفرج إسرائيل عن ياسين.

وجرى تنفيذ حملة اعتقالات للفلسطينيين وتجميعهم في حافلات وشاحنات، وإبعادهم من قبل الاحتلال إلى لبنان.

وهناك على الفور، قام المبعدون بتشكيل لجنة من 23 شخصًا من المناطق الفلسطينية، إضافة إلى لجنة إعلامية ولجنة إطعام ومتابعة الاحتياجات.

وكان من بين المبعدين أطباء ومدراء وآخرون من مختلف المهن، بينهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" حاليًا.

للمرة الأولى يجتمع أبناء الضفة وأبناء غزة في مخيم واحد، وحصلوا على هاتف اتصال من الكويت، وتمكنوا من خلاله من التواصل مع عائلاتهم في الأراضي المحتلة بعد إبعادهم.

لقد تشكلت بين المبعدين الفلسطينيين وسكان القرى اللبنانية المحيطة بمخيم الإبعاد علاقة وثيقة لا تزال ممتدة حتى اليوم.

جانب من أجواء مخيم "مرج الزهور" للمبعدين الفلسطينيين عام 1993 - غيتي
جانب من أجواء مخيم "مرج الزهور" للمبعدين الفلسطينيين عام 1993 - غيتي

وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 799 مطالبًا إسرائيل بالتكفل بعودة المبعدين وتبعته حملات ضغط ومناصرة عالمية للمبعدين.

في مخيم الإبعاد، قابل الصحفيون رئيس الصليب الأحمر آنذاك الذي حضر إلى المخيم وقال للصحافيين: "أنظروا إلى عيني ولا تنظروا إلى ما أقول"، حيث كان يبكي على حال هؤلاء المبعدين وفق ما يقول عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وأحد المبعدين.

تعاطف دولي

عاش المبعدون في الهواء الطلق وكانوا يفتقدون إلى أدنى مقومات الطبابة والاحتياجات الضرورية، وسط أجواء ماطرة ومثلجة، مما تسبب بإصابة المبعدين بالإسهال وارتفاع الحرارة.

وآنذاك كان هناك تعاطف دولي غير مسبوق مع قضية المبعدين الفلسطينيين، حيث تمكن هؤلاء من ترتيب علاقات دولية خلال جلستهم في المخيم، وفق ما يؤكد محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطيني السابق وأحد مبعدي مرج الزهور.

وصف أحد المبعدين، الإبعاد بأنه أعلى منبر إسلامي لنشر القضية الفلسطينية، وخاصة أن إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، قال إنه ارتكب خطأ حينما أبعد هؤلاء الفلسطينيين في مكان واحد.

ووصف المبعدون المخيم بأنه "مصيف" وخاصة مع قدوم فصل الصيف. لقد كانت الخيم مرتبة وفيها مطبخ رغم قلة الإمكانيات، حيث جرى إنشاء جامع سمي مرج الزهور، كما أن الكثير من الطلبة الجامعيين تمكنوا من تقديم موادهم وهم في المخيم.

مخيم "مرج الزهور" ذاكرة تأبى النسيان - غيتي
مخيم "مرج الزهور" ذاكرة تأبى النسيان - غيتي

حقل ثقافي ووحدوي

كان المخيم عبارة عن حقل ثقافي ووحدوي وتعارفي، حيث تجتمع كل لجنة يوميًا وكان يرأسها عبد العزيز الرنتيسي، وهو أحد مؤسسي حماس، واستشهد عام 2004 بقصف إسرائيلي على قطاع غزة وكان وقتها قائد الحركة في القطاع.

وقال سعيد معلاوي الصحفي اللبناني الذي كان يغطي أخبار المخيم بشكل يومي: كان هناك تفاعل دولي وإقليمي ومحلي، وكان خبر المبعدين يتصدر وسائل الإعلام آنذاك.

ورسم المبعدون بأجسامهم الرقم 799، وجرى الاحتجاج على مجلس الأمن من قبل هؤلاء الذين اعتبروا أنه يصمت على عدم تطبيق إسرائيل لذلك القرار، كما يقول الرنتيسي.

كان المبعدون يقومون بنشاطات كثيرة، منها مسيرة العودة، مسيرة المرضى، مسيرة الأكفان وهي التي جرى فيها توجيه رسالة بنعي مجلس الأمن الدولي ونقلت باللغة الإنكليزية أيضًا.

وكانت في المخيم لجنة صحية من أجل المرضى لتقرير من هو بحاجة للنقل إلى المستشفى، حتى إن أهالي المنطقة المجاورة من المرج كانوا يأتون إلى الغرفة الصحية ويتعالجون مما ولد محبة وألفة بين الأهالي والمبعدين.

ومن المفارقات أن الطبيب عمر فراونة، وهو أحد المبعدين انتشر خبر عنه أنه يعالج العقم، الأمر الذي ولد حالة من التهافت عليه لطلب العلاج من خارج المخيم.

وكان الأطباء من المبعدين يقومون بعمليات جراحية لأبناء المنطقة، كما كان الأطباء يذهبون إلى المرضى الذين لم يستطيعوا القدوم إلى المخيم.

وكان المبعدون كذلك يقومون بمساعدة الأهالي في موسم الحصاد، وقطاف الزيتون في جنوب لبنان.

عبد العزيز الرنتيسي وقيادات من حركة حماس كانوا من بين المبعدين إلى مرج الزهور - غيتي
عبد العزيز الرنتيسي وقيادات من حركة حماس كانوا من بين المبعدين إلى مرج الزهور - غيتي

وطلب من الرنتيسي، أن يذيع أسماء المبعدين واحدًا واحدًا للدخول عبر البوابة في زماريا باتجاه فلسطين، فلما انتهى من الأسماء، قيل له هل هناك بعد أحد من المبعدين؟ فقال لهم نعم هناك مبعد، فقال على الأخ سعيد معلاوي أن يأتي ويذهب معنا. فأجابه معلاوي: عندما تعود فلسطين إلى أهلها سأكون أول زائر لها.

وقام الاحتلال باعتقال المبعدين لمدة أربعة أيام قبل إطلاق سراحهم والعودة إلى أهلهم بعد عام وخمسة أيام من المأساة التي انتهت فصولها.

ويؤكد الزهار، أن الهدف من الإبعاد كان هو العقاب، لكنه أصبح منحة، خاصة أن جميع من عاد إما ارتقى شهيدًا أو صاروا رجال دولة وسلطة ورجال دعوة وكتائب.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close