الجمعة 17 مايو / مايو 2024

منذ الثمانينيات.. لهذا صدقت تنبؤات العلماء بتفشّي جدري القرود مستقبلًا

منذ الثمانينيات.. لهذا صدقت تنبؤات العلماء بتفشّي جدري القرود مستقبلًا

Changed

تقرير عن استعدادات الاتحاد الأوروبي لشراء لقاحات جدري القرود (الصورة: غيتي)
إنهاء الجدري كان له تداعيات على العالم، حيث فتح الباب أمام ظهور جدري القرود نتيجة ما يُعرف بالمناعة المتقاطعة.

عام 1988، تنبأ علماء بريطانيون بمرض جدري القرود، وقالوا في تقرير علمي آنذاك إنه "بمرور الوقت، سيزداد متوسط حجم ومدة أوبئة جدري القرود".

في ذلك الوقت، كان جدري القرود مرضًا نادرًا للغاية، حيث اكتشف العاملون في مجال الرعاية الصحية حالات قليلة فقط سنويًا في غرب إفريقيا ووسطها. وأصيب الناس بالمرض بشكل حصري، تقريبًا، من القوارض ثمّ نشروا الفيروس لعدد قليل فقط من الناس، بحيث كان الانتقال بين الناس محدودًا.

لكن علماء، وصفتهم الإذاعة العامة الأميركية "أن بي آر"، بـ"أنهم يملكون بُعد نظر"، حذّروا من أن هذه الحالات المتفرقة ستزداد عددًا وتنتشر جغرافيًا بمرور الوقت.

وقال طبيب الأمراض المعدية بوغوما تيتانجي من جامعة إيموري للإذاعة: "في كل ورقة بحثية عن حالات سابقة من تفشّي جدري القرود، هناك دائمًا تحذير حول حاجتنا للاستعداد لمزيد من التفشّي في المستقبل. وقد ثبت هذا التوقّع بالفعل".

وبالعودة إلى التسعينيات، سجّل غرب إفريقيا ووسطها حوالي 50 حالة فقط سنويًا من حالات الإصابة بجدري القرود، لكنها تضاعفت كثيرًا بعد ذلك. وفي فبراير/ شباط الماضي، رجّح علماء أن هناك على الأرجح أكثر من 5000 حالة عام 2020.

أما الآن، فيواجه البشر أول انتشار عالمي لمرض جدري القرود، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 450 حالة في حوالي 22 دولة. ويعتقد العديد من العلماء بوجود حالات إضافية لم يتم اكتشافها، مرجّحين أن ينتشر الفيروس في المجتمعات التي لم ينتشر فيها جدري القرود من قبل.

لكن كيف عرف العلماء في لندن عام 1988، أن عدد الإصابات بجدري القرود سيرتفع في المستقبل؟

المناعة المتقاطعة

وأوضحت عالمة الأوبئة آن ريموين، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس للإذاعة: "ما نراه الآن هو نتيجة أعظم إنجاز في مجال الصحة العامة، لقد تضاعفت قدرتنا على القضاء على الجدري".

يُعتبر الجدري من أحد أكثر الأمراض فتكًا في تاريخ البشرية، إذ يقتل الفيروس شديد العدوى حوالي 30% من المصابين. وبالمقارنة، فإن النسخة الحالية من "جدري القرود" تقتل أقلّ من 1% من المصابين.

وفي هذا الإطار، قالت ريموين إن جدري القرود، في جميع تكراراته، "أقلّ خطورة بكثير من فيروس الجدري الأول".

وقضى العالم رسميًا على الجدري عام 1980، من خلال حملة تلقيح ضخمة، وقد أنقذ هذا الإنجاز ملايين الأرواح كل عام.

لكن ريموين أوضحت أن "إنهاء الجدري كان له تداعيات، إذ إن العالم كان سيشهد بالتأكيد ظهور فيروسات أخرى لملء الفراغ، وهذا ما نراه اليوم".

وذكرت الإذاعة أن جدري القرود كان الفيروس الذي ملء الفراغ، بسبب ما يُعرف بالمناعة المتقاطعة.

معطيات تاريخية

ويرتبط جدري القرود ارتباطًا وثيقًا بالجدري، فكلاهما من عائلة الفيروسات نفسها. وتوفر الإصابة بعدوى الجدري، أو لقاح الجدري، حماية جيدة ضد الجدري وجدري القرود على حد سواء.

وقدّرت إحدى الدراسات حماية بنسبة 85%، بمعنى آخر، أن الحماية من الجدري تحمي أيضًا من جدري القرود.

وأوضح عالم الأوبئة جو ووكر، من كلية بيل للصحة العامة، أنه في سبعينيات القرن الماضي، تمتّع سكان العالم بأسره ببعض المناعة ضد جدري القرود، حيث تم تلقيح معظم الناس ضد الجدري أو نجوا من العدوى.

وقال ووكر: "الجدري مرض قديم حقًا، حيث أُصيب معظم الناس، في مرحلة ما من حياتهم، غالبًا في مرحلة الطفولة، أو تم تلقيحهم؛ لذلك، وبشكل ما، كانت هناك مناعة كبيرة لدى الشعوب ضد عائلة الفيروسات هذه قبل 40 عامًا".

ولكن في أواخر السبعينيات، توقّف العالم عن تلقيح الناس ضد الجدري، لأن الإصابات تراجعت. ونتيجة لذلك، انخفضت المناعة لدى البشر على مدى العقود الأربعة الماضية، ما سهّل مهمة الانتشار لجدري القرود مجددًا".

وأكد ووكر أنه "بمرور الوقت، وُلد أطفال جدد لم يحصلوا على اللقاح، ولم يُصابوا بالجدري، بينما توفي العديد من كبار السن الذين تمّ تلقيحهم ضد الجدري أو أصيبوا بعدوى. ولذلك تراجعت مناعتنا".

ونتيجة لذلك، أوضح ووكر أن سكان العالم الآن يتمتّعون بقدر ضئيل للغاية من المناعة ضد جدرى القرود، قائلًا: "نحن في الواقع في مرحلة تسجّل فيها مناعة البشر ضد جدري القرود أدنى مستوى لها منذ آلاف السنين".

وبغياب المناعة، يكون الناس أكثر عرضة للإصابة بجدرى القرود من حيوان، ونقله إلى شخص آخر. لذا فإن تفشّي المرض في غرب إفريقيا، والذي كان من الممكن أن يكون ضئيلًا في التسعينيات، هو أكبر بكثير اليوم، بينما زادت فرصة انتقاله إلى قارات أخرى.

وبما أن المناعة لدى السكان لن ترتفع بشكل كبير في المستقبل القريب، رجّحت الإذاعة أن يصبح الانتشار الدولي لجدري القرود أكثر شيوعًا مع مرور الوقت.

وأكدت ريموين أنه على الرغم من توفّر لقاح ضد جدري القرود الآن، ومع إمكانية أن يُساعد تلقيح الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالمصابين على إيقاف انتقال العدوى بسرعة، إلا أن العلماء يشعرون بالقلق من أن هذا الفيروس يمكن أن يستوطن في أوروبا أو أميركا الشمالية.

وبالفعل، أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه شراء لقاحات وأدوية مضادة لمرض جدري القرود، بعد أن بلغ عدد الإصابات المؤكدة بهذا الفيروس، 219 حالة خارج البلدان التي يتوطّن فيها المرض.

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close