الأحد 5 مايو / مايو 2024

أمثلة معزولة أم فشل منهجي أوسع.. "فوضى" تعصف بمستشفيات العالم

أمثلة معزولة أم فشل منهجي أوسع.. "فوضى" تعصف بمستشفيات العالم

Changed

تقرير يرصد خروج فيروس كورونا عن السيطرة في الصين (الصورة: غيتي)
أصبحت أنظمة الرعاية الصحية في الدول المتقدّمة أقرب إلى الانهيار أكثر من أي وقت مضى منذ أن بدأ فيروس كورونا بالانتشار.

شهدت مستشفيات العالم بأسره تغييرات جذرية خلال تفشّي جائحة "كوفيد 19"، تخلّلتها عمليات إغلاق تامة هدفت أساسًا إلى تخفيف الضغوط على القطاعات الصحية وإتاحة المجال لبناء القدرات، لكن، في نهاية المطاف، لم تتم الاستفادة من هذا الحجم الاستيعابي.

وذكرت مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية أن دراسة حول تجربة أوروبا في مواجهة كورونا، نشرتها مجلة "هيلث بوليسي" (Health Policy)، وجدت أن مستشفى في منطقة لومباردي الإيطالية هو الوحيد الذي شهد عدد مرضى بكوفيد أكثر من شاغلي أسرّة العناية المركّزة في 3 أبريل/ نيسان 2020.

وعلى الرغم من اكتظاظ المستشفيات الصينية حاليًا، حيث تواجه البلاد موجة كبيرة من الإصابات، إلا أن المجلة أشارت إلى أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه أمثلة معزولة أم أنها تُمثّل فشلًا منهجيًا أوسع.

أما خارج الصين، فلم يعد فيروس كورونا على رأس أولويات الناس. وفي ظل ندرة الأرقام المحدّثة حول الرعاية الصحية في البلدان، استعانت المجلة بآخر الإحصائيات الرسمية والبيانات العامة بالإضافة إلى المستشفيات الفردية، لرسم صورة لما يجري، حيث أظهرت النتائج أن المرضى والأطباء والممرضات لم يفلتوا من أسوأ آثار الوباء، كما أن أنظمة الرعاية الصحية في الدول المتقدّمة أصبحت أقرب إلى الانهيار أكثر من أي وقت مضى منذ أن بدأ المرض بالانتشار.

انهيار نظم الرعاية الصحية حول العالم 

وفي بريطانيا، أوضحت المجلة أن الخدمة الصحية الوطنية (NHS)، المزوّد الذي تديره الدولة في البلاد، يُعدّ "في حالة يرثى لها"، مضيفة أنه قبل الوباء مباشرة، كان أي شخص يعاني من مشكلة طبية تتطلب اهتمامًا عاجلًا ولكن ليس فوريًا، وهي فئة تشمل السكتات الدماغية والنوبات القلبية، ينتظر في المتوسط 20 دقيقة للحصول على سيارة إسعاف؛ أما الآن فهم ينتظرون أكثر من ساعة ونصف الساعة.

وأشارت إلى أن الفترة التي تفصل بين قرار إدخال المريض ووصوله إلى جناح المستشفى قفز بصورة كبيرة بعد الجائحة.

وفي دول أخرى، ذكر مسح أجرته شركة "إيبسوس" حول جودة الرعاية الطبية، أن المرضى حول العالم في وضع "سيئ"، مؤكدًا أن معظم سكان دول مجموعة العشرين أبدوا عدم رضاهم عن الرعاية الطبية خلال عام 2021.

في بريطانيا، انخفضت نسبة الرضا عن الرعاية الصحية بمقدار خمس نقاط مئوية، أما في كندا فانخفض بمقدار عشر نقاط، بينما انخفض في إيطاليا بنسبة 12 نقطة.

وأشارت المجلة إلى أن فترات الانتظار في مستشفيات إيطاليا، التي أثّرت الإصابات بكورونا على قطاعها الصحي، ارتفعت بشكل طفيف خلال عام 2020، وتناقصت قليلًا عام 2021، إلا أنها قفزت بشكل كبير عام 2022، مشيرة إلى أن المرضى الباحثين عن صورة بالموجات فوق الصوتية للثدي؛ عليهم الانتظار لعامين للحصول عليها، فيما يحاول المسؤولون في مقاطعة إيميليا-روماغنا، والتي تضررت بشدة عام 2020، أن تستعيد مستويات ما قبل الجائحة.

أما في أستراليا، وفي منطقة نيو ساوث ويلز تحديدًا، فاضطر حوالي 25% من المرضى، خلال الربع الثالث من عام 2022، إلى الانتظار أكثر من نصف ساعة ليتمّ نقلهم إلى غرف الإسعاف، في ارتفاع بنسبة 11% مقارنة بالعامين الماضيين.

فيما وصلت فترات الانتظار في كندا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ يفصل حوالي نصف عام بين نصيحة الطبيب بحصول المريض على الرعاية الطبية وحصوله عليها.

المرضى باتوا ينتظرون أكثر من ساعة ونصف الساعة للحصول على سيارة إسعاف في بريطانيا - غيتي
المرضى باتوا ينتظرون أكثر من ساعة ونصف الساعة للحصول على سيارة إسعاف في بريطانيا - غيتي

وحتى الدول الأثرى عالميًا، والتي قد يكون بإمكانها تحمّل الكلفات، باتت تحت الضغوط. وشهدت سويسرا، على سبيل المثال، انخفاضًا بعدد الأسرّة المجانية في وحدات العناية المركزة، مقارنة بذروة انتشار الوباء.

كما تواجه ألمانيا الأمر ذاته، أي ارتفاعًا في عدد المرضى الذين قلّلوا السعة الاستيعابية لوحدات الرعاية المركزية.

أما في سنغافورة، فاضطر المرضى إلى الانتظار حوالي تسع ساعات للحصول على رعاية طبية في المستوصفات العادية بنهاية عام 2021. وبحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ارتفعت تلك الفترة لتبلغ 13 ساعة.

أما في الولايات المتحدة، فتشير المجلة إلى أن الوضع أفضل من معظم الدول الأخرى، نتيجة "الأموال الهائلة التي يتمّ ضخّها في الرعاية الطبية". لكنها، رغم ذلك، ذكرت أن حال القطاع الصحي الأميركي ليس جيدًا، حيث تجاوزت الطاقة الاستشفائية مؤخرًا نسبة 80% ولأول مرة.

وذكرت المجلة أنه "حتى في أحلك أيام الوباء" أبلغت ولايات قليلة عن ضغط شديد في أقسام الأطفال (أي أن 90% من الأسرّة تمّ إشغالها). وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أبلغت 17 ولاية بأنها تعيش الوضع ذاته، وذلك بعد انتشار جراثيم بين الأطفال خصوصًا.

وفيات إضافية

وقالت المجلة إن "الانهيار في جودة الرعاية الصحية يساهم في ارتفاع مذهل بأعداد الوفيات الإضافية، أي الوفيات التي قد تتجاوز الرقم المتوقع سنويًا"، مشيرة إلى أنه وبالنسبة للعديد من الدول الغنية، ثبت أن عام 2022 كان أسوأ من عام 2021 الذي شهد موجات عدة من تفشّي الجائحة.

وفي أوروبا، ارتفعت الوفيات الشهرية بحوالي 10%. وتُعدّ ألمانيا في عمق هذه الأزمة، بوفيات أسبوعية زادت بنسبة 10% عن المعتاد منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 23% في بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

مَن يتحمّل المسؤولية؟

أشارت المجلة إلى أن جزءًا كبيرًا من المسؤولية، سواء محليًا أو إقليميًا، يقع على عاتق السياسيين، إلا أنها استدركت بعوامل أخرى قد ترتبط بالتجربة المشتركة التي عاشتها الدول خلال الجائحة، مرجّحة أن توصّل حكومات الدول إلى حلّ، على المدى القصير، قد يكون "مستحيلًا".

وأوضحت أن الإنفاق الصحي في معظم البلدان الغنية لا يقل الآن كثيرًا عن 10% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان أقل من 9% قبل الوباء. ومن بين البلدان العشرين التي كُشفت بياناتها لعام 2021، أنفقت 18 دولة على الفرد أكثر من أي وقت مضى. حيث أنفقت جميعها تقريبًا، حصة واحدة من الناتج المحلي الإجمالي أكثر مما تمّ إنفاقه عام 2019.

واستبعدت المجلة أن تكون المشكلة التي تُواجه أنظمة الرعاية الصحية ناجمة عن نقص السيولة والانفاق، إذ جرى تخصيص جزء كبير من الإنفاق المتزايد على برامج مكافحة فيروس كورونا، بما في ذلك الاختبار والتعقب وشراء اللقاحات.

كفاءة العاملين الصحيين

كما استبعدت عاملًا آخر وهو عدد العاملين في القطاعات الصحية، مشيرة إلى أن نسبة التوظيف الكلي في المستشفيات ارتفع بمقدار 9% خلال عام 2021 مقارنة بالعام السابق للجائحة على الأقل في ست دول من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتشير أحدث البيانات إلى أن أعداد العاملين في مجال الرعاية الصحية سجّلت أرقامًا قياسية في كندا (1.6 مليون) والاتحاد الأوروبي (أكثر من 12 مليون) والولايات المتحدة (5.3 ملايين).

ورجّحت المجلة أن المشكلة تكمن في كفاءة العاملين في نظم الرعاية الصحية، مشيرة إلى أن الناتج الحقيقي (كمية الرعاية المقدّمة) في المستشفيات الأميركية وقطاع الرعاية الصحية المتنقّلة (خدمات الإسعاف)، يزيد بنسبة 3.9% فقط عن مستوى ما قبل الجائحة، في حين أن الناتج عبر الاقتصاد الكلي أعلى بنسبة 6.4%.

وفي بريطانيا، انخفض نشاط الرعاية الاختيارية (أي الجراحة المخطط لها مسبقًا) قليلًا عما كان عليه قبل موجات كورونا.

وفي غرب أستراليا، قفزت نسبة العمليات الجراحية الاختيارية المتأخرة من 11% إلى 24% خلال العامين الماضيين وتحديدًا حتى شهر نوفمبر الماضي.

يشعر العديد من العاملين في قطاع الرعاية الصحية بـ"الإرهاق" بعد ثلاث سنوات شاقّة - غيتي
يشعر العديد من العاملين في قطاع الرعاية الصحية بـ"الإرهاق" بعد ثلاث سنوات شاقّة - غيتي

ضغوط إضافية على العاملين الصحيين

وشرحت أنه بينما ينعكس انخفاض الإنتاجية بشكل أكبر على مستوى الاقتصاد، تعاني الرعاية الصحية حاليًا من ضغوط إضافية.

ووجدت ورقة بحثية حديثة أجراها باحثون من جامعة كامبريدج حول آثار التعامل مع فيروس كورونا في بريطانيا، أن بروتوكولات ارتداء أدوات الحماية وخلعها وإجراءات النظافة والتعقيم بعد التعامل مع مرضى كورونا، والتي لا تزال سارية في العديد من البلدان اليوم، تبطئ عمليات توفير الرعاية الطبية، ناهيك عن أن الفصل بين المصابين بكورونا والمرضى الآخرين يخفّض أعداد الأسرّة المتوفرة.

في غضون ذلك، يشعر العديد من العاملين في قطاع الرعاية الصحية بـ"الإرهاق" بعد ثلاث سنوات شاقّة. ووجد تقرير نشرته مجلة "ماية كلينك بروسيدينغز" (Mayo Clinic Proceedings) ارتفاعًا في مستويات "الإرهاق" بين الأطباء الأميركيين.

وذكرت المجلة أن هذا الإرهاق يتجسّد بصعوبة إنجاز بعض الأمور التي كانت متوفرة قبل انتشار الوباء، مثل مكوث الأطباء في المستشفيات لوقت متأخر للتأكد من أن سجل المرضى منظّم، أو للمساعدة في علاج مريض طبيب آخر.

رفع إجراءات الإغلاق

ومع ذلك، وعلى الرغم من انخفاض الإنتاجية، رأت المجلة أنها لم تنخفض بما يكفي لتفسير انهيار الرعاية الصحية بشكل كامل، مشيرة إلى أن ارتفاع عدد المرضى في الفترات التي تلت رفع إجراءات العزل الصحي قد تكون السبب.

وأوضحت أن الخروج من العزل بعد عامين من الإغلاق وعدم التعرّض لفيروسات وجراثيم معينة، ساهم في انتشار بعض الأمراض التنفّسية والإنفلونزا، وبات الناس يحتاجون إلى المزيد من المساعدة الطبية أكثر من أي وقت مضى، ناهيك عن أن العديد من الأشخاص كانوا يتجنبون الذهاب إلى المستشفيات في عامي 2020 و2021، خوفًا من الإصابة بكورونا، أو لأن الكثير من المستشفيات أغلقت أبوابها أمام المرضى غير المصابين بكورونا.

نمت قائمة الانتظار في بريطانيا بأكثر من 60% منذ إعلان الوباء - غيتي
نمت قائمة الانتظار في بريطانيا بأكثر من 60% منذ إعلان الوباء - غيتي

انخفاض التشخيص بالأمراض الخطيرة

في إيطاليا، انخفضت تشخيصات السرطان بنسبة 39% عام 2020 مقارنة بعامي 2018-2019.

وأشارت دراسة أجريت على مرضى أميركيين إلى أنه تم تسجيل انخفاض معين في التشخيص، خلال فترة مماثلة، بالنسبة للسرطانات التي يتم اكتشافها عادة أثناء الفحص الروتيني.

في بريطانيا، نمت قائمة الانتظار بأكثر من 60% منذ إعلان الوباء. ومن المحتمل أن يكون العديد من الأشخاص المدرجين في القائمة، وفي بلدان أخرى مماثلة، أكثر مرضًا، وبالتالي يستهلكون موارد أكثر مما كانوا سيستهلكون لو تلقّوا الرعاية عام 2020.

وذكرت ورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة "لا نسيت بابلك هيلث" (Lancet Public Health) أن التقديرات تُشير إلى أن الوفيات الناجمة عن سرطان القولون والمستقيم على مدى العقدين المقبلين، يمكن أن تكون أعلى بنسبة 10% تقريبًا في أستراليا مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، عازية ذلك جزئيًا إلى التأخّر في تلقّي العلاج.

وقدّرت ورقة بحثية حديثة أعدها معهد الدراسات المالية في لندن، أن المرض يقلّل من عدد الأسرة المتاحة في نيو ساوث ويلز بنسبة تتراوح بين 2 و7%. كما أشارت الأبحاث المشتركة التي أجرتها جامعتي "وارويك" وكامبريدج" إلى أنه في مقابل كل 30 حالة وفاة أو نحو ذلك، يموت مريض غير مصاب بالفيروس "بسبب اضطراب جودة الرعاية".

وذكرت المجلة أن آثار أنظمة الرعاية الصحية المعطّلة تتجاوز الوفيات غير الضرورية، وأن الناس قد يشعرون بأن بلدهم ينهار، موضحة أنه "أي مريض في بلد غني يتوقّع أن يحصل على المساعدة الطبية عندما  يكون العبء الضريبي أعلى أو قريبًا من أعلى مستوياته على الإطلاق، كما هو الحال في العديد من الأماكن".

لكنّها، في الوقت نفسه، أوضحت أن "النبأ السار هو أن التبعات المتراكمة الناتجة عن الوباء سوف تختفي؛ فمن المحتمل أن تكون الطفرة في فيروسات الجهاز التنفّسي لدى البالغين والأطفال قد بلغت ذروتها"، مضيفة أن المسؤولين حقّقوا تقدّمًا في معالجة قوائم الانتظار الهائلة؛ ومع شيخوخة السكان، والتهديد المستمر الآن، قد تبدو الرعاية الصحية قبل الوباء وكأنها من حقبة ذهبية".

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close