الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

بعد الانتخابات.. ما خلفيات اهتمام العرب بالتجربة السياسية في تركيا؟

بعد الانتخابات.. ما خلفيات اهتمام العرب بالتجربة السياسية في تركيا؟

Changed

فقرة من برنامج "قضايا" تسلط الضوء على خلفيات اهتمام العرب بالتجربة السياسية التركية (الصورة: غيتي)
شهدت الانتخابات التركية متابعة محمومة في الخارج بالقدر الذي شهدته في الداخل، وأشادت المنظمات الدولية المختصة بنزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها.

لم تكن الانتخابات التركية استحقاقًا عابرًا في التاريخ الحديث للبلاد، بل يمكن اعتبارها مفصلًا مهمًا في ترسيخ النظام السياسي التركي، وتميزه بخصوصية محلية قد تجعله نموذجًا متفردًا في الشرق الأوسط.

وتعد الانتخابات الأخيرة من حيث نسب الإقبال الأعلى تاريخيًا من بين جميع الاستحقاقات السابقة. فقد سجلت الانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى مشاركة أكثر من 88% ممن يحق لهم التصويت.

ورغم انخفاض المشاركة في الجولة الثانية، إلا أنها بقيت عالية بنسبة تجاوزت 85%. وتبقى من بين أكثر الانتخابات مشاركة إذا ما قورنت بأقدم الديمقراطيات الغربية وأعرقها.

إقبال كبير من الأتراك

قد يعكس الإقبال الكبير مدى إحساس المواطن التركي بقدرته على الفعل والتغيير، وإحداث الفارق عبر ممارساته حقه في التصويت، مع ما يعنيه ذلك من ثقته بالنظام السياسي والمؤسسات التي تمثله.

فالمشاركة الكثيفة في الانتخابات تنسحب على المشاركة في الانتخابات المحلية أيضًا. ففي انتخابات البلديات عام 2019 وصلت نسبة المشاركة حوالي 85% ممن يحق لهم التصويت، وهي انتخابات لا تقل أهمية عن انتخابات البرلمان والرئاسة، لما فيها من دور تمثيلي يتكثف فيها إحساس المواطن بقدرته على المشاركة في القرار، وصنع السياسات على مستويات إدارية أصغر تمس حياته اليومية.

شهدت الانتخابات التركية إقبالًا من المواطنين الأترك
شهدت الانتخابات التركية إقبالًا من المواطنين الأترك - الأناضول

ولهذا فإن النتائج تتبدل من استحقاق لآخر بحسب الأداء السياسي للزعماء والأحزاب ومدى قدرتها على إقناع الناخب التركي من خارج الكتل الصلبة الموالية لكل حزب.

تغييرات النظام السياسي

فقد خسر حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2019 بلديتي اسطنبول وأنقرة لصالح منافسيه في حزب الشعب الجمهوري. وتبدلت مواقع بعض الولايات التركية في الانتخابات الأخيرة بين جولة وأخرى كولاية هاتاي، التي صوتت لصالح كمال كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى بنسبة تجاوزت 48%، بينما خسرها في الثانية لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان بنسبة فاقت 50%.

الجدير بالذكر أنّ النظام السياسي التركي شهد عدة تغييرات، شملت إقرار النظام الرئاسي منذ إرساء دستور 2017، إذ أصبح للرئيس صلاحيات واسعة مع إلغاء منصب رئيس الوزراء.

وأصبح رئيس الجمهورية كذلك رأس الدولة بصلاحيات واسعة تجعل من الاستحقاق الرئاسي والبرلماني أكبر تظاهرة انتخابية، تحدد نتائجها مستقبل البلاد وتوجهاتها وتموضعها في السياسات الدولية والمحلية.

متابعة محمومة من الخارج

انتهت الانتخابات التركية، وبات "تحالف الجمهور" بزعامة حزب العدالة والتنمية يمتلك الأغلبية البرلمانية ومنصب رئيس الجمهورية بعد فوز رجب طيب أردوغان بجولة الإعادة، لتكتمل ركيزة الحكم أمامه لولاية جديدة تمتد إلى خمس سنوات قادمة.

وشهدت هذه الانتخابات متابعة محمومة في الخارج بالقدر الذي شهدته في الداخل، وأشادت المنظمات الدولية المختصة بنزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، ومن بينها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - غيتي

وأرسلت المنظمة بعثة مراقبة مشتركة تضم مكتب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وأكد رئيس البعثة يان بترسن أن الانتخابات العامة كانت سلمية، وأن اللجنة العليا للانتخابات عملت بالكفاءة المطلوبة، مشيدًا بالإقبال الكثيف على المشاركة من قبل المواطنين الأتراك، مما يعطي مؤشرًا واضحًا على روح الديمقراطية القوية في البلاد، بحسب تعبير بترسن.

تفاعل الشارع العربي

لعل المشاركة الواسعة التي شهدتها الانتخابات الأخيرة، تعد شاهدًا على اكتمال القناعة لدى المواطن التركي بقدرته على التأثير في السياسة يكافئ فيها من يراه كفؤًا، ويعاقب من يراه لا يستحق الثقة. والأهم أن تصويته هو من يحسم الرابح والخاسر بعد رسوخ قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد والقبول بنتائجها.

ويؤثر هذا المشهد في محيط إقليمي تعاني معظم دوله من أنظمة ذات طابع سلطوي، تحتكر فيه المجال العام لصالح الحزب الواحد أو الأيديولوجية الواحدة، دون أن تكون لهم خيارات في رسم سياسات حكوماتهم عبر نافذة المشاركة السياسية والتمثيل السياسي المفقود.

ففي العالم العربي، الأقرب جغرافيًا لتركيا يعزف المواطنون عن المشاركة في الانتخابات ذات النتائج المحسومة مسبقًا بنتائج غير واقعية، يتحصل فيها الرؤساء على نسب مطلقة، أو شبه مطلقة لصالح الفرد أو الحزب ذي اللون السياسي الواحد.

وتفاعلت الشعوب العربية مع الانتخابات التركية مبدية تفضيلاتها لهذا المرشح أو ذاك، بما يشبه استفتاء افتراضيًا يمارس فيه تعبيره السياسي على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، مبديًا فرحه لفوز مرشح يعتقد أنه يمثله أو يعبر عن خيار سياسي يقترب من تطلعاته المفترضة في دولته العربية.

ويبدو أن الشارع العربي ينظر بشيء من الحسرة على وجود تجربة سياسية في دولة قريبة يشاطرون أغلب سكانها قيمهم وعاداتهم وتوجهاتهم السياسية في عناوينها الكبرى على مستوى السياسات الاجتماعية والاقتصادية.

بينما يرزح معظم المواطنين العرب تحت نظم سياسية تقمع تطلعاتهم في المشاركة والتمثيل والبحث عن اختيار حر من خيارات متعددة لم تتوفر إلا في فترة قصيرة بعيد ثورات الربيع العربي.

ما هي أسباب الاهتمام العربي بنتائج الانتخابات التركية؟

وفي هذا الإطار، يرجع رئيس وحدة دراسات الدولة والنظم السياسية في المركز العربي للأبحاث والسياسات عبد الفتاح ماضي أسباب الاهتمام العربي بنتائج الانتخابات التركية إلى تطلع الدول العربية إلى قدر من التحول الديمقراطي وبناء أنظمة جديدة منذ سنوات طويلة.

ويوضح في حديث إلى "العربي" من استديوهات لوسيل، أن "الاشتياق" إلى نظم تحترم حكم القانون والتداول السلمي على السلطة من خلال الانتخابات من الأسباب وراء اهتمام الشعوب العربية بالاستحقاق التركي.

ويشدد على أن ما جرى يعد مؤشرًا على أن الشعوب العربية لا تزال تريد هذا المطلب، رغم التأخر في هذا المسار. كما يرى أن تركيا دولة مؤثرة في المشهد السياسي العربي بحكم القرب الجغرافي، وأن موضوع اللاجئين من بين هذه الموضوعات الهامة.

ويشير إلى أنّ السياسات التركية تؤثر في المنطقة، وتتأثر منها بحكم قربها، حيث تعد تركيا الجارة الجنوبية للبلدان العربية.

ويوضح ماضي أن ظروف تركيا تتشابه مع ظروف عدد من الدول العربية، بل على العكس، فإن الوضع الاقتصادي في تركيا كان أسوأ بكثير من دول عربية كثيرة في المنطقة، بالإضافة إلى الوصاية العسكرية على الدولة وتكرار الانقلابات في تركيا ودستورها الذي يضع قيودًا حتى على الثقافة وحرية ارتداء الحجاب، ورغم كل ذلك استطاع الأتراك تجاوز هذه العقبات وتحويل بعضها إلى فرص والاستفادة منها.

كيف استفاد أردوغان من العلمانية؟

ويضيف أن أردوغان وحزبه استفادوا من العلمانية الموجودة في الدستور التركي في تعزيز الحريات، كما استفادوا من الانقلابات العسكرية والحد منها في المستقبل، بالإضافة إلى أنهم استفادوا من علاقتهم الخارجية مع الناتو والاتحاد الأوروبي في دعم المؤسسات الديمقراطية في الداخل وتحييد المؤسسة العسكرية وطموحات الجنرالات بشكل أو بآخر.

وتحدث ماضي في حديثه لـ"العربي"، عن دور النخب السياسية الواعية التي لعبت دورًا مهمًا في إنجاح الانتخابات التركية، الأمر الذي يراه مفتقدا في العالم العربي، مشيرًا إلى أن لدى أردوغان كاريزما ومهارات سياسية، كما أنه لديه تجربة ورؤية.

ويردف أن الأحزاب تقبل نتائج الانتخابات في تركيا، حيث لا يوجد تزوير، إذ يقبل الخاسر النتيجة ويهنئ المنتصر.

ويرى ماضي أن العلمانية في العالم العربي هي أكبر من فكرة فصل الدين عن الدولة، مشيرًا إلى أن النخب والقيادات والشعب التركي أصبح يؤمن بالديمقراطية، كأداة لإدارة الصراعات السياسية، والتداول السلمي على السلطة، مضيفًا أن العالم العربي لم يصل بعد إلى هذا الأساس، بالاتفاق على الديمقراطية كأداة للتنافس السياسي.

ما هو دور الجيش؟

ويلفت ماضي إلى أن أردوغان والنخبة السياسية الحاكمة في تركيا منذ أوائل الألفية استطاعت استغلال عنصر الانضمام للاتحاد الأوروبي على حساب النفوذ السياسي للمؤسسة العسكرية، لكنه أشار إلى أن هناك بعدًا آخر في غاية الأهمية وهو قوة الجانب المدني، لأن التوازن بين العسكريين والمدنيين يعتمد على هذا الميزان، موضحًا أنه كلما قويت المؤسسات السياسية الديمقراطية والبرلمان والأحزاب والحياة السياسية والقضاء، استطاع النظام وضع العسكريين في المكان المناسب لهم، وهو قيامهم بواجب الدفاع عن الوطن فقط.

ويشير إلى أن هناك من يعتقد داخل المؤسسة العسكرية أنه لا بد أن يكون محافظًا على الإرث الأتاتوركي بشكل أو بآخر ويتدخل كلما تطلب الأمر، ولكن هناك أيضًا قيادات أرادت أن تكون المؤسسة العسكرية مؤسسة محترفة وأقوى، لافتًا إلى أن كثيرًا من الدول العربية لم تصل بعد إلى هذه المعادلة.

ويرى أن إرث الإمبراطورية الكبيرة مثل الإمبراطورية العثمانية له أثر في الواقع، لكن الحياة السياسية في تركيا تريد الآن بناء دولة قوية اقتصادية، وجيش قوي ومجتمع مدني قوي، وهذه هي مطالب الشعب التركي بكافة توجهاته، وليس فقط التيارات المحافظة.

ويعرب ماضي عن اعتقاده بأن الدرس الأول المستفاد عربيًا من تركيا، هو أن الإصرار على الديمقراطية أمر في غاية الأهمية، ولا يمكن الوصول إليها مرة واحدة، بل يجب مواجهة عقبة التدخلات العسكرية والانقلابات والتدخلات الخارجية.

ويخلص إلى أنه رغم كل العقبات من الممكن أن تتقدم الدول العربية ذات الأوضاع المتشابهة بشكل أو بآخر مع الأتراك في هذا المسار.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close