الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

تعذيب واغتصاب.. محمدو ولد صلاحي يستعيد تجربته "القاسية" في الاعتقال

تعذيب واغتصاب.. محمدو ولد صلاحي يستعيد تجربته "القاسية" في الاعتقال

Changed

يروي محمدو ولد صلاحي أشهر معتقلي سجن غوانتانامو لبرنامج "وفي رواية أخرى" أشكال الاستنطاق وصنوف التعذيب النفسي والجسدي التي تعرض لها.
في إطلالته الثانية ضمن سلسلة حلقات برنامج "وفي رواية أخرى" يستعيد محمدو ولد صلاحي رحلة اعتقاله بين الأردن وأفغانستان وغوانتانامو، وظروف اعترافه بما نسب إليه.

يطل السجين الموريتاني الأشهر في معتقل غوانتانامو محمدو ولد صلاحي في حلقة ثانية من سلسلة شهادات مثيرة، تُعرض أسبوعيًا ضمن برنامج "وفي رواية أخرى" على شاشة التلفزيون "العربي أخبار".

يروي السجين رقم "760" تفاصيل تجربته القاسية في سجن أردني لمدة ثمانية أشهر. ويسرد ردًا على أسئلة الزميل بدر الدين الصائغ، تفاصيل صادمة عن ظروف اعتقاله القاسية في زنزانة انفرادية، واستنطاقه المتكرر المهين في جلسات تعذيب من قبل محققي وكالة الـ "سي. أي. إيه".

ويعرّج صاحب مذكرات "يومياتي في غوانتنامو" على محطة مفصلية في مسار اعتقاله؛ عندما تقرّر نقله من الأردن إلى قاعدة باغرام العسكرية الأميركية في أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان، وصولًا إلى رحلة العذاب في معتقل غوانتنامو سيئ السمعة وذائع الصيت.

"الوجهة لن تكون موريتانيا هذه المرة"

يقول محمدو ولد صلاحي إن أحد الحراس الأردنيين تقدم منه في زنزانته الانفرادية بتاريخ 21 يوليو/ تموز 2002، ومنحه كيسًا بلاستيكيًا وطلب منه قضاء حاجته البيولوجية داخله، ثم سلمه أوراقه الثبوتية، وكانت عبارة عن رخصة قيادة ألمانية وأخرى أميركية، ومبلغًا ماليًا يقارب 60 دولارًا، كان بحوزته لحظة اختطافه في موريتانيا، وفق روايته.

ويتوقف عند ما وصفها بلحظة اختلطت فيها مشاعر الفرح بالخوف، وهو الذي كان يعتقد أنه سيعود أخيرًا لبلده، ويرى أهله من جديد، قبل أن يصطدم بحارس آخر يشرع في تعصيب عينيه وتقييد يديه بسلاسل، وبصوت مقص يشق ثوبه إلى نصفين ليتم تجريده من كل ملابسه.

ويشير محمدو إلى أنه تأكد حينها بأن الوجهة لن تكون موريتانيا هذه المرة، على عكس ما كان يعتقد. 

ويردف بأنه تم نقله وسط إجراءات أمنية مشددة من حافلة إلى أخرى، ثم من سيارة إلى أخرى، حتى وجد نفسه على متن طائرة تابعة لوكالة الـ "سي. أي. إيه"، حطّت الرحال بعد خمس ساعات في قاعدة باغرام العسكرية الأميركية في أفغانستان.

ويلفت إلى أن الأردنيين أكدوا للوكالة أنه، وفق استنتاجهم بعد ثمانية أشهر من الاستنطاق والتعذيب، لا علاقة تربطه بمنفذي هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، لكنّ الأميركيين كانوا مصممين على استمرار التحقيق معه، بهدف نقله لسجن غوانتانمو الذي كان قيد الإنشاء آنذاك.

بالعودة إلى رحلة نقله من الأردن إلى باغرام، يعترف ولد صلاحي بأنه كاد يموت بعد أن تعرض لتسمم جراء عدم طرحه للفضلات من جسمه لأيام متتالية، حيث مُنع من دخول المرحاض في آخر آيامه بالسجن الأردني، وفق روايته. 

ويلفت إلى أنه اعتقد للوهلة الأولى، عند نزول الطائرة على أرضية قاعدة باغرام في أفغانستان، أنه نُقل إلى الفلبين التي كانت تحتضن قاعدة عسكرية.

تجريد من الملابس وتحليل حمض نووي

والمفارقة، يقول ولد صلاحي، أنه كان على رأس قائمة المستجوبين في قاعدة باغرام. والغريب أن أسئلة محقق وكالة الاستخبارات الأميركية في اليوم الأول من وصوله كانت تتمحور حول مكان تواجد أسامة بن لادن، والرقم الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

ويشرح أنه اكتشف، وهو في عنبر الاحتجاز في قاعدة باغرام أن أميركا غزت أفغانستان، وأن نظام طالبان سقط، وأن زعيم تنظيم القاعدة وأبرز القيادات تلاحقهم أميركا في جبال تورا بورا وباكستان.

ويؤكد أنه لم يكن على علم بكل هذه التطورات لأنها تزامنت مع فترة اختطافه من موريتانيا ونقله إلى الأردن، بعد أن سلمته سلطات بلاده للـ"سي. أي. إيه" مباشرة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ويبدو أن فريق المحققيين العسكريين في قاعدة باغرام لم يكونوا على علم بتفاصيل قصته وظروف وملابسات اعتقاله، وفق رواية محمدو ولد صلاحي، الذي يفيد بأن أولى الساعات في قاعدة باغرام العسكرية في أفغانستان مرت كأيام.

ويروي أنه جُرد في البداية من كل ثيابه، وأُخذت خصلات من شعره لتحليل حمضه النووي، وأُجري له فحص طبي، ووضع في زنزانة انفرادية تفتقد لمرحاض أو سرير. ويستذكر أنه كان يتقاسم مكان نومه مع فضلاته، لأنه كان يقضي حاجته في أرجاء الزنزانة. 

ويستعيد أجواء غرفة التحقيق في قاعدة باغرام العسكرية، فيقول إن الجلسة أشرف عليها محقق أميركي من أصول يابانية، وإن مترجمة شابة أميركية كانت ترافقه. 

ويلفت إلى أن ضابط الاستخبارات الأميركية طرح عليه سؤالًا يتعلق باللغات التي يتقنها، فقال له العربية والألمانية، كاشفًا أنه تم إحضار محقق أميركي من أصول ألمانية شرع في ترجمة أجوبته من اللغة الألمانية التي يتقنها بطلاقة إلى الإنكليزية.

ويروي ولد صلاحي أن المحقق الذي استجوبه كان غاضبًا ولا يملك أي معطيات بشأنه، مشيرًا إلى أن منعرجًا آخر حدث بعد أشهر من العذاب النفسي والجسدي.

الرحلة من أفغانستان إلى معتقل غوانتانامو

في 4 أغسطس/ آب من العام 2002، غادرت طائرة الـ"سي. أي. إيه" أرضية مطار قاعدة باغرام بأفغانستان متوجهة إلى سواحل كوبا، وعلى متنها محمدو ولد صلاحي. 

كانت الوجهة معتقل غوانتنامو، لتبدأ هناك رحلة من العذاب استمرت أربعة عشر عامًا كاملة، لم يحاكم فيها محمدو ولد صلاحي ولم تثبت عليه أي تهمة.

يقول الرجل إن الطائرة كان على متنها قرابة 35 من منتسبي تنظيم القاعدة، من مختلف الجنسيات، وكان عناصر مجموعته يصنفون كأخطر المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية.

ويلفت إلى أنه تذكر، في أول دقيقة من وصوله إلى غونتنامو، سلسلة أفلام ووثائقيات شاهدها، تروي تجربة السجن في المعتقلات الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية.

حطّت طائرة الـ "سي. أي. إيه" بعد 30 ساعة طيران من أفغانستان إلى كوبا. ثم نُقل ولد صلاحي وهو معصوب العينين ومكبّل اليدين ومصفد القدمين، عبر زورق وحافلة، وفق مسارات مختلفة إلى معتقل غوانتانامو الذي وصله يوم الخامس من أغسطس 2002، وفق ما يكشف.

سجن غوانتانامو
لحظة دخول ولد صلاحي إلى سجن غوانتانامو جُرد من اسمه ولقبه وهويته - غيتي

ويقول محمدو إن كرامة الإنسان غير موجودة في قاموس سجّانيه، لافتًا إلى أنه تم بداية تجريده والمجموعة التي كانت معه من كل ثيابهم، فبقي الجميع عراة حفاة لساعات ينظرون لعورات بعضهم، على وقع تعليقات المجندات الأميركيات كنوع من الإذلال النفسي.

وكان ولد صلاحي الوحيد من بين معتقلي غوانتنامو الذي سلمته بلاده موريتانيا إلى الاستخبارات المركزية الأميركية، وفق ما يشير، حيث قامت السلطات الموريتانية حينها برئاسة معاوية ولد سيدي أحمد الطايع باعتقاله في 29 سبتمبر 2001 بنواكشوط، بناءً على صفقة مع الـ"سي. أي. إيه"، و"في إجراء وُصف بالاحترازي" للاشتباه في علاقته بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وبحسب التوصيف الأميركي في سلسلة وثائق رُفعت عنها السرية قبل سنوات، كان ولد صلاحي يُعد واحدًا من أخطر الإرهابيين في العالم.

والرجل احتجز من دون محاكمة بين عامَي 2002 و2016 بشبهة الانتماء لتنظيم القاعدة، والتورط في عمليات إرهابية استهدفت المصالح الأميركية، وارتباطه بما يعرف بخلية هامبورغ، التي كانت العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001.

يومياتي في سجن غوانتنامو وقصة الرقم 760

إلى ذلك، يروي محمدو ولد صلاحي يومياته في معتقل غوانتانامو الأميركي العسكري سيء السمعة في كوبا. لحظة دخوله إلى هناك، جُرد من اسمه ولقبه وهويته، وتحوّل إلى مجرد رقم في دفاتر المحققين الأميركيين. وتلك هي قصة السجين 760.

يسترجع محمدو ولد صلاحي أول ليلة له في سجن غوانتنامو. ويستهل أجويته على أسئلة المذيع بدر الدين الصائغ بالقول، إنه سأل أحد السجانين إن كان سيعرض على المحكمة، ليرد عليه بأن ذلك لن يكون في المستقبل القريب، بل حين ينسى الأميركيون هجمات 11 سبتمبر.

ويلفت إلى أن ليلته الأولى في زنزانة انفرادية بمعتقل غوانتنامو غيّرت حياته بعد وضعه في ما يشبه الصندوق، وتحت أعين كاميرات المراقبة، موضحًا أنه "جُرد من كرامته وخصوصيته، وأصبح أسيرًا لا يملك حق النوم ويحرم من الأكل، ولا يستطيع قضاء حاجاته البيولوجية كأي إنسان".

ويردف بأنه كان يتعرض على مدى الأشهر الأولى لتحقيق يدوم لساعات يوميًا من دون توقف، وفي ساعات مختلفة.

ويضيف أن "في إحدى جلسات الاستنطاق، دخل عليه ثلاثة رجال وعنصر من الـ "أف. بي. أي"، بالإضافة إلى بول راستر - وهو أشد المحققين الأميركيين قسوة - ومترجم من أصول عربية.

ويكشف أن راستر أبلغه حينها أنه لن يتعرض للتعذيب، وأن عليه التعاون مع أسئلة المحققين، لافتًا إلى أنه شرع في التجاوب مع أسئلة المحققين الروتينية المتعلقة بمولده ونشأته وطفولته ودراسته وهجرته وارتياده المساجد وغيرها، من دون أن يعترف بأي جرم ارتكبه.

فريق تعذيب ذائع الصيت في الولايات المتحدة

استمر التحقيق الروتيني أشهرًا قبل أن يتقرر، وفق حديث محمدو ولد صلاحي، تسليمه إلى فرقة محققين أخرى بعد أن وُصف بغير المتعاون، ليبدأ جحيم من نوع آخر مع فريق تعذيب ذائع الصيت في الولايات المتحدة الأميركية؛ وهم ريتشارد زولي وسامانتا، ونيفي لوتينيت، وهم أشخاص يعملون في أجهزة أمنية مختلفة على التراب الأميركي، يتعاقدون مع الجيش الأميركي للتعذيب أو استنطاق الموقوفين.

ويشدد محمدو ولد صلاحي على أن معتقل غوانتنامو لم يكن يخضع لأي قانون، بل لأهواء الجلّادين من مجندات ومحققين، ممن يتفننون في أساليب الإذلال النفسي.

وكان ولد صلاحي ضمن أوائل المعتقلين في سجن غوانتنامو، الذين شملهم قرار دونالد رامسفيلد الترخيص باستعمال برنامج الاستجواب المعزز، الذي يعتمد على التعذيب كوسيلة للاستنطاق.

وهكذا بدأت قصته المأسوية مع صنوف العذاب في شهر مايو/ أيار 2003، واستمرت من دون توقف إلى غاية سنة 2004، وقد كان محمدو ولد صلاحي ضمن قائمة تحصّلت على حكم الإعدام قبل المحاكمة.

ويكشف الرجل أن أحد كبار المحققين من فريق التعذيب التابع لريتشارد زولي أخبره بأن حكم الإعدام جاهز حتى قبل أن يعرض على محكمة عسكرية، وعرض عليه دون مقدمات التعاون مقابل تخفيف عقوبته.

ويردف بالقول إنه كان يسمع البعض يتهامس عن الاعتداءات الجنسية والتمثيل بالمعتقلين، وهو ما أكده له معتقل سعودي أخبره أنه تعرّض لاعتداء جنسي مباشر"، مشيرًا إلى أن الاعتداءات الجنسية سلوكيات شائعة في معتقل غوانتامو سيئ السمعة.

تعرضت للاعتداء الجنسي على يد المحققات 

بعد أن أخذ نفسًا طويلًا، أجاب السجين الموريتاني السابق في معتقل غوانتانامو محمدو ولد صلاحي بـ"نعم"، عن سؤال مقدم برنامج "وفي رواية أخرى" بدر الدين الصائغ بشأن تعرضه لاعتداء جنسي في معتقل غوانتنامو.

ويردف بالإشارة إلى أنه مُنع لمدة 70 يومًا من النوم، وتعرّض لأبشع صنوف الاعتداءات الجنسية المباشرة على يد محققات مجندات يتبعن للجيش الأميركي.

ويلفت إلى أنه كان مصفّد اليدين والرجلين ولا يستطيع المقاومة، ولم يأكل لأيام، مؤكدًا أن مشهد الاعتداء عليه من قبل المجندات هو من اللحظات التي لم تغادر مخيلته إلى اليوم.

ويدرج في إطار "المنعرج في مسار التعذيب" اليوم الذي شاهد فيه لأول مرة ريتشارد، رئيس فريق المحققين ذائع الصيت في عمليات التعذيب، حيث جلب له شخصيًا رسالة صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية مفادها أن قرارًا صدر باعتقال والدته، وأنه سيتم إيداعها في سجن رجالي للاعتداء عليها جنسيًا.

وفيما يوضح أن ذلك كان أحد أشكال الترهيب والتخويف، وأن الوثيقة تبين لاحقًا أنها كانت مزيفة، يقول إن كلمات الرجل كانت بمثابة زلزال هز كيانه فدخل في حالة انهيار عصبي.

ويفيد بأنه تعهد على الفور بالتوقيع على أي اعتراف يريده ريتشارد زولي، مقابل عدم المساس بوالدته، وتم أخذه من قبل جلاديه - وهم من جنسية مصرية وسورية - على متن زورق صوب مبنى آخر في سجن غوانتنامو.

ووفق روايته، زادت هناك وتيرة التعذيب، وتعرّض لشتى صنوفه، ولا سيما برنامج الإيهام بالغرق.

"نأتي بأبناء جلدتكم ليعذبوكم أمام أعيننا"

يستذكر محمدو ولد صلاحي أن جلاده، وهو مجند من أصول مصرية، كان يشتمه دوريًا، وأنه مارس عليه شتى أنواع العذاب.

ويشير إلى أنه كان يخاف أكثر من إحدى المحققات الأميركيات، موضحًا أنها كانت لا تتوانى عن إطلاق كلب عنيف صوبه لينهش لحمه، وهي تتفرج.

ويردف بأنها قالت له في نهاية الأمر: نحن كأميركيين لا نعذبكم، بل نأتي بأبناء جلدتكم ليعذبوكم، على حد تعبيره.

ويروي محمدو ولد صلاحي أنه كان في ليلة من ليالي التعذيب الذي لا يتوقف، في حالة انهيار، فاستنجد بأحد الحراس وطلب منه مناداة المدعو كابتن كولنز.

ويشير إلى أنه عندما قابل الأخير قال له إنه يريد أن يعترف لهم بكل التهم، فرحب بذلك، مستطردًا بالقول إنه اعترف بكل شيء للمحققين واختلق سيناريوهات واتهم أشخاصًا بالتورط في جرائم.

ويردف: "شرحت لهم طرق تجنيد المقاتلين ودوري في أوروبا في خليات الإسناد، وطرق الاستعداد لتنفيذ هجمات إرهابية".

وفيما يكشف أنه وقع في الأخير على محاضر تفيد بأنه اعترف بكل التهم، التي تلاحقه بسببها الولايات المتحدة من دون وجود أي دليل مادي، يشدد على أن التعذيب قضى على كينونته كإنسان وحطم الإنسان في داخله.

هل توقف التعذيب بعد ذلك؟.. هذا ما سنكتشفه في الحلقة الثالثة من برنامج "وفي رواية أخرى".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close