لطّخت أحداث عنيفة، تاريخ كرة القدم مخلفةً وراءها مآسي وكوارث ارتبطت بكأس العالم وتصفياتها.
فمنذ نشأتها قبل 92 عامًا، شهدت المنافسة الكروية معارك ضارية وحروب شوارع خلفت عشرات الضحايا.
مونديال الأوروغواي.. "النصر أو الموت"
في أولى نسخ المونديال عام 1930، وصل أكثر من 15 ألف أرجنتيني إلى الأوروغواي لمتابعة النهائي المرتقب بين البلدين، ودخل حينها الأرجنتينيون العاصمة مونتفيديو مرددين شعارات "النصر أو الموت".
تسبب هذا الأمر، في مشاجرات ضخمة مع الجماهير المنافسة، وصادرت قوات الأمن أكثر من 1600 قطعة سلاح كانت بحوزة المشجعين بعد أن طالب الحكم البلجيكي جون لانغينوس بضرورة تجريدهم من جميع الأسلحة منعًا لحصول الكارثة.
مونديال تشيلي.. "اللقاء الأكثر رعبًا"
وعام 1962، شهد مونديال تشيلي مباراة وصفتها "بي بي سي" حينها بـ"اللقاء الأكثر رعبًا واشمئزازًا في تاريخ كرة القدم"، أو ما عرف لاحقًا بـ"معركة سانتياغو".
فقد تحولت المباراة بين منتخبي تشيلي وإيطاليا إلى ساحة حرب، بسبب صحفيين إيطاليين انتقدا استضافة تشيلي للمسابقة، ووصفا شعبها بـ"الفقير والمتخلف".
وقرر لاعبو هذه الأخيرة الانتقام أمام 66 ألف متفرّج، فلم يقدر الحكم على إدارة اللقاء في ظل الاعتداءات المتبادلة بين اللاعبين، كما تدخلت قوات الأمن في 4 مناسبات لفضّ الاشتباكات.
وحاولت الجماهير التشيلية اقتحام الميدان في أكثر من مناسبة، لاستهداف الإيطاليين.
مونديال المكسيك.. حرب عسكرية
أما في عام 1969، فكانت الهندوراس تعيش على وقع قضايا الإصلاح الزراعي فيما عانت جارتها السلفادور من مشاكل الهجرة والتحولات الديمغرافية.
هذه السياسات رفعت منسوب التوتّر بين الدولتين لدرجاته القصوى، إلى أن جاءت تصفيات كأس العالم بالمكسيك عام 1970 وتواجه المنتخبان وجهًا لوجه في مباريات فاصلة.
بعد ذلك، اندلعت أعمال شغب بين الجماهير كانت بمثابة شرارة لحرب عسكرية استمرت لـ100 ساعة، سقط خلالها 3 آلاف شخص بينهم مدنيون، إضافة إلى أكثر من 15 ألف جريح ومشرّد وخسائر مادية قدّرت حينها بنحو 8 مليارات دولار. بعدها، وقّع البلدان معاهدة سلام عام 1980.
مونديال فرنسا.. معارك لـ3 أيام
وفي مونديال فرنسا عام 1998، تصدّرت مدينة مارسيليا عناوين الصحافة العالمية ليس لاحتضانها لقاء آنذاك بين منتخبي تونس وإنكلترا، بل لما عرفته شوارعها من أحداث شغب وصفت بـ"الأطول والأعنف في تاريخ البطولة".
وبدأت الاشتباكات بعدما أحرق مشجعون إنكليز ينتمون لمجموعة "الهوليغانز" العلم التونسي، الأمر الذي فجّر غضبًا واسعًا في صفوف الجماهير التونسية، وسرعان ما اتّسعت رقعة المواجهات في أعقاب انضمام الجاليتين الجزائرية والمغربية إلى التونسيين.
واستمر الرعب والمعارك في أزقة مارسيليا لـ3 أيام، مخلّفا ما لا يقلّ عن 32 مصابًا ودمارًا بالمباني والمحال التجارية، مما دفع الشرطة الفرنسية لتفريق المحتجين بقنابل الغاز المسيل للدموع.
ووصفت الصحافة الإنكليزية الأحداث آنذاك، بالعار الذي سيلاحق المملكة، فيما قال رئيس الوزراء البريطاني حينها توني بلير إن ما حدث هو "كارثة مكتملة الأركان".
توتر دبلوماسي بين مصر والجزائر
في الظروف الطبيعية، كان لقاء فاصلًا لحصد بطاقة التأهل للمونديال بعد غياب سنوات، لكنه تحوّل إلى معركة رياضية بين البلدين كادت أن تعصف بالعلاقات الدبلوماسية بينهما.
في التفاصيل، وصلت مصر والجزائر إلى أم درمان عام 2009 في أعقاب مباراة مثيرة جمعتهما في القاهرة، اتهّم خلالها الجزائريون الجماهير المصرية بالاعتداء على حافلة منتخبهم بالحجارة مما تسبب في جروح وكدمات لكل من رفيق صايفي، وخالد لموشية، ورفيق حليش.
وتحدثت تقارير صحافية في سياق متّصل عن إصابة 20 مشجّعًا جزائريًا، لتدخل وسائل الإعلام على خط الأزمة وتلبس المنافسة ثوب الصراع من أجل الكرامة الوطنية.
وسخّرت السلطات السودانية أكثر من 15 ألف عنصر لتأمين المواجهة في العاصمة الخرطوم، حيث أحاطت قوات الأمن بالملعب من كل جانب في مشهدٍ شبيهٍ بالحروب والمعارك.
حينها، أمّن الجزائري عنتر يحيى وصول بلاده إلى كأس العالم قاضيًا على أحلام المصريين، لكن الإعلام المصري عاد واتهم الجزائريين بمهاجمة حافلات كانت تقلّ الجماهير المصرية.
وانتقلت حمى المناوشات من البرامج التلفزيونية إلى شوارع البلدين التي شهدت مظاهرات شعبية، كما قامت مصر باستدعاء سفيرها بالجزائر لمناقشة تبعات الأزمة المتفاقمة.
حتىّ إن السجال بلغ أروقة البرلمان المصري، حين طالب نوابٌ الرئيس المعزول حسني مبارك بالردّ على الجزائريين بشكل حاسم.
إلا أن مبارك ردّ بنبرة هادئة: "على مهلنا قليلًا، لا نريد الانفعال بسرعة".