الأحد 19 مايو / مايو 2024

من إيران إلى أوكرانيا.. ليالي الملف النووي في فيينا

من إيران إلى أوكرانيا.. ليالي الملف النووي في فيينا

Changed

فندق "بالايس كوبورغ" حيث سيُحسَم مصير الاتفاق النووي الإيراني في فيينا (غيتي)
فندق "بالايس كوبورغ" حيث سيُحسَم مصير الاتفاق النووي الإيراني في فيينا (غيتي)
يتكثف التحرك لإيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا، ويزداد السعي إلى حلحلة عقد المرحلة الأخيرة من مفاوضات فيينا النووية، وبين الاثنين تكثر الأسئلة.
حازم الكلاس - مراسل "العربي"

تختلط الأصوات في محيط كاتدرائية القديس شتيفانس وسط فيينا بهمهمات ذلك الشاب الذي يعبر برفقة صديقته الساحة المكتظة دائمًا بالسياح وعدسات الكاميرات، متلفحًا بالعلم الأوكراني بلونيه الأصفر والأزرق.

ميخايلو، الذي يعمل هنا في فيينا منذ سنوات، اختار أن تقوده الأقدار إلى وسط أوروبا بعد أن كان على حافتها. التطورات في أوكرانيا لا تشغل باله فقط بل تكاد تكون الحديث الأبرز هنا. يقول ميخايلو: "إنّ العقوبات التي تُفرض على روسيا لا فائدة منها، والموقف الأوروبي يجب أن يكون أقوى"، لكنه لا يشرح كيف ذلك.

يعرف الأوروبيون مدى ارتباط اقتصادهم بالغاز الروسي وهذا ما يزيد الوضع تعقيدًا. يتوقف بضعة من المارة عند بائع الصحف يحاولون فهم ما يدور في عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تتصدر صوره الصحف النمساوية.

ورغم الحديث منذ أسابيع عن التطورات على الحدود الأوكرانية الروسية والتوجس من هجوم عسكري، وهو ما بات أمرًا واقعًا، ورغم الزيارات الأوروبية المكوكية إلى موسكو، والتنسيق الأميركي الأوروبي المستمر، يبدو أن الهجوم الروسي فاجأ الأوروبيين، تمامًا كما تُفاجئ الرياح المارة في أزقة فيينا، التي يعرف سكانها أن سرعة الرياح فيها قد تصل إلى نحو مئة كيلو متر في الساعة، لكنهم غالبًا ما يودون تناسي ذلك.

هنا سيُحسَم مصير الاتفاق النووي

بعيدا عن ميخايلو وبائع الصحف والسياح، يظهر فندق "بالايس كوبورغ" وحجارته الأجرية اللون التي رصّفت فوق بعضها البعض منذ أربعينيات القرن التاسع عشر لتكون جزءًا من دفاعات المدينة آنذاك.

صحيح أن الفندق محط أنظار دائمًا لتاريخه، لكنه اليوم، كما كان عام 2015، محط اهتمام سياسي ودولي خاص، فمن هذا الفندق سيحسم مصير الاتفاق النووي الذي يحتضر منذ عام 2018 عندما انسحبت الرئيس الأميركي إدارة دونالد ترمب منه.

في الخيمة التي أعدت للصحافيين مقابل الباب الرئيس لفندق "بالايس كوبورغ" تقف نيلوفر ومليحة بجانب بعضهما البعض وسط الصحافيين وكاميراتهم.

نيلوفر تعمل لصالح وسيلة إعلامية إيرانية معارضة، بينما تعمل مليحة لوسيلة إعلامية إيرانية رسمية، كلاهما تنتظران بلهفة من الصباح حتى المساء، وسط رياح فيينا الباردة، تصريحًا من المشاركين في المفاوضات.

هما هنا منذ التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي عندما استؤنفت المفاوضات بين إيران ومجموعة 4+1 والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، حتى أنهما باتتا تحفظان لغة جسد رؤساء الوفود المشاركة، فهذا يخرج من الفندق حاملًا سيجارته بطريقة معينة باعثًا بإشارة إلى الصحافيين تفيد برغبة في الحديث، وذاك يلوح بيده وآخر يزور الخيمة مقدمًا بعض التوضيحات ومشددًا في الوقت نفسه على عدم نسبها له.

تتصيد نيلوفر ومليحة ومعهما صحافيون آخرون فرصة تنقل الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات بين فندقي بالايس كوبورغ وماريوت المتقابلين، لأخذ التصريحات منهم: في الأول يجتمعون إلى الوفد الإيراني وفي الثاني، حيث تقع القنصلية الأميركية، يجتمعون إلى وفد الولايات المتحدة.

نيلوفر ومليحة، رغم الخلاف في توجهات الوسيلتين الإعلاميتين اللتين تتبعان لهما، تتبادلان أطراف الحديث والتحليلات مع احتفاظ كل واحدة منهما بمصادرها ومعلوماتها الخاصة.

"حرب مصادر ومعلومات"

منذ أيام بات الحديث رسميًا يتصاعد عن قرب التوصل إلى اتفاق يحيي الاتفاق النووي، ما دفع الصحافيين للتوجه إلى فيينا. أكثر من مئتين وخمسين صحافيًا مسجلين على لوائح المكتب الإعلامي للاتحاد الأوروبي لتغطية المفاوضات النووية.

لكن مع وصول رياح الحرب في أوكرانيا إلى فيينا، هدأت المفاوضات النووية. غادر بعض الصحافيين إلى حدود الناتو وأوروبا حيث تتوجه الأنظار اليوم. أما من بقي منهم فطغت أوكرانيا وأخبارها على حديثه.

التحرك لإيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا يتكثف، والسعي إلى حلحلة عقد المرحلة الأخيرة من مفاوضات فيينا النووية يزداد.. وبين الاثنين تكثر الأسئلة. وإذا كانت حرب أوكرانيا قد اشتعلت نيرانًا وانفجارات فإن حربًا من نوع آخر اشتعلت بشأن المفاوضات النووية هنا في فيينا: حرب مصادر ومعلومات.

انطلاقًا من تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا تسمع صحافيين يتجاذبون أطراف الحديث، يحللون ما رأى فيه أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني درسًا في أوكرانيا للغرب عندما غرد قائلا: "سقوط الأسواق المالية والزيادة الملفتة في أسعار الطاقة بسبب الأزمة في شرق أوروبا يدل على أنّ انعدام الأمن والاستقرار في شرق العالم يلحق أضرارًا كبيرة بغرب العالم".

يقاطعون ذلك أيضًا مع كلام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد ساعات على بدء الهجوم الروسي ضد أوكرانيا، يقول رئيسي: "توسع الناتو شرقًا يعد منشئًا للتوتر ويشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار وأمن الدول المستقلة في مختلف المناطق ونأمل أن يعود ما يحدث بالفائدة على الدول والمنطقة".

توتر العلاقات بين الغرب من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى أمر إيجابي يصب في مصلحة إيران التي بدأت بالتوجه شرقًا بسرعة. اشتعال شرق أوروبا بنيران روسية، وما سبقه من انسحاب أميركي من أفغانستان، وما يمكن أن يليه بين الصين وتايوان مشهد متكامل. ويعتقد البعض أن التطورات المتعلقة بأوكرانيا، ستدفع الإيرانيين لرفع السقف أكثر سعيًا للضغط على الطرف المقابل.

يحاول الصحفيون تركيب المشهد النووي في فيينا. هنا ترسم النهاية ربما، لكن العقد تحل في أماكن أخرى، في موسكو وطهران وبكين وواشنطن وباريس ولندن وبرلين.

أما نوويًا وعند الخوض في التفاصيل، فيشرح مصدر مطلع على سير مفاوضات فيينا "عقد" الملف، ويشدد على أهمية "الضمانات الذاتية" بالنسبة إلى طهران مقارنة بضمانات سياسية من الإدارة الأميركية أو الكونغرس.

ويوضح أن قدرة إيران على العودة سريعًا إلى تفعيل برنامجها النووي بقوة في حال انسحاب أي طرف من الاتفاق المحتمل هو الضمانة الأهم، معتبرا "أن ما تحقق حتى الآن أفضل مما حصلت عليه إيران عام 2015 ولكن هناك عقدة لا بد من حلها".

ويضيف المصدر: "بعض النقاط المرتبطة بجزء من العقوبات، إضافة الى أخرى مرتبط بالضمانات، لا تزال عالقة، لكن الأهم هو إغلاق ملف المواقع النووية المشتبه بها. وزيارة معاون رئيس منظمة الطاقة الذرية في إيران إلى فيينا وعقده اجتماعات مع المعنيين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يأتي ضمن هذا السياق".

زادت جرعة التفاؤل في الأيام الماضية بشأن مصير مفاوضات فيينا النووية حتى أن البعض قال: "إن الاتفاق كان ممكنًا بالأمس"، لكن مصادر متعددة إيرانية وغربية مشاركة في المفاوضات تؤكد "أنه لا سبيل إلى الاتفاق دون التوصل إلى توافق على جميع النقاط".

في ملف إيران تنشط القنوات الخلفية. قطر وعُمان وغيرهما تعملان على تقريب المسافة بين طهران وواشنطن، بحسب مصدر دبلوماسي. ويضيف: "إن للدولتين دور في ملف مواز للمفاوضات النووية أيضًا مرتبط بتبادل السجناء"، وهذا يتقاطع أيضًا مع حراك دبلوماسي مكثف بين طهران والدوحة وعواصم أوروبية أبرزها لندن وباريس.

انتعاشة اقتصادية "مأمولة"

تتشابك الملفات بين إيران والغرب، وإذا كان الأخير مشغولًا بتبعات الحرب الروسية على أوكرانيا فإن الإيرانيين يأملون انفراجة اقتصادية طال انتظارها.

صحيح أن إيران استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية ابتكار طرق للالتفاف على العقوبات الأميركية، وهذا ما تؤكده إحصائيات مختلفة تشير إلى تمكّن إيران من تصدير حوالي مليون ونصف المليون برميل من النفط يوميًا خلال السنة الأخيرة، إلا أن الانتعاشة الاقتصادية المأمولة لم تتحقق بعد، كما أن العشرات من المليارات الإيرانية لا تزال محتجزة في الخارج، وإيران لا تزال تبحث عن علاقات اقتصادية طبيعية مع دول العالم.

بلغاتهم المختلفة، يحاول الصحافيون تركيب المشهد النووي في فيينا. هنا ترسم النهاية ربما، لكن العقد تحل في أماكن أخرى، في موسكو وطهران وبكين وواشنطن وباريس ولندن وبرلين.

خارج خيمة الصحافيين، لا تزال رياح فيينا تعصف في أزقتها وقد باتت أشد برودة بعد غياب الشمس. يداهم الوقت العابرين قبل أن تصير الساعة العاشرة ليلًا، حيث لا تزال المدينة ملتزمة بقانون الإغلاق العام بسبب كورونا.

التغيير فرض نفسه على نمط الحياة بعد تفشي الفيروس، والتغيير هو الذي تسعى إليه روسيا في أوكرانيا، وكذلك هو ما يسعى إليه المجتمعون هنا في فيينا من أجل برنامج طهران النووي والعقوبات الأميركية على إيران. وبين تغيير مقدّر وآخر مفروض وثالث مأمول بطرق دبلوماسية، يخيّم الصمت على فيينا بانتظار يوم جديد.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close