الجمعة 26 أبريل / أبريل 2024

البرهان "ينقلب" على قراراته باتفاق سياسي.. غضب الشارع يتصاعد

البرهان "ينقلب" على قراراته باتفاق سياسي.. غضب الشارع يتصاعد

Changed

لا يبدو الاتفاق الذي جاء بعد ضغوط دولية نهاية المشهد، بل بداية جديدة ربما تصطدم برفض أحزاب وقوى لا تحبّذ الشراكة مع من تصفهم بالانقلابيين.

تتسارع التطورات في السودان، ومعها يتصاعد غضب الشارع الذي لا يزال يطالب في مظاهرات شعبية حاشدة بإسقاط الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

يأتي ذلك في وقت يُعلَن فيه عن اتفاق سياسي جديد وقّعه البرهان مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، يتعهّد الطرفان بموجبه باستكمال المسار الديمقراطي، على أن تكون الوثيقة الدستورية هي المرجعية.

لكنّ الاتفاق الذي جاء بعد ضغوط دولية لا يبدو نهاية المشهد، بل بداية جديدة ربما تصطدم برفض أحزاب وقوى لا تحبّذ الشراكة مع من تصفهم بالانقلابيين، وبينهم حزب الأمة وتجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، وجلها تؤكد أن "لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية".

إزاء ذلك، تُطرَح سلسلة من علامات الاستفهام، فأي مآلات للمشهد السياسي بعد اتفاق البرهان وحمدوك؟ وما هي الضمانات التي لدى المدنيين للعودة إلى شراكة مع فريق عسكري انقلب قبل نحو شهر على الوثيقة الدستورية الناظمة للفترة الانتقالية؟ وإلى أين يتجه الوضع في السودان وسط كلّ ذلك؟

"انقلاب على الانقلاب"؟

ما كان يعرف السودانيون أنّ خلف ظهورهم يُصنَع مشهدٌ آخر، وبينما يبني غضبهم سدًا بينهم وبين جيش انقلب على الديمقراطية، ينقلب الأخير على قراراته اليوم باتفاق سياسي.

بموجب هذا الاتفاق، وقّع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على استعادة مهامه بعدما مكث قيد الإقامة الجبرية بأمر من العسكر.

وحين غُيّب الرجل عن المشهد، ظهر غضب الشارع مطالبًا بإسقاط الانقلاب وعودة حمدوك، فكان ثمن تلك المطالب عشرات القتلى.

وعلى امتداد المرحلة الماضية، تصاعدت الضغوط الدولية أيضًا، مع تأكيد القوى الدولية على أن العودة للمسار الديمقراطي هي الطريق الوحيد، والعقوبات الدولية قد تكون الحل الأخير.

وعلى الهامش، رُصِدت مفاوضات ومشاورات كان آخرها بين واشنطن وإسرائيل لتضغط الأخيرة على الجيش السوداني، ومن تلك الدول كان يفد أيضًا مبعوثون لها إلى مقر حمدوك المغيَّب عن الشعب، والذي كان صوته مسموعًا وإن عُزل مؤقتًا.

بموجب اتفاق اليوم، ربما يدخل السودان مرحلة جديدة يريدها الآن البرهان أن تكون مشاركة مع القوى الوطنية كما تعهّد، ما يعني استمرار حكم الشارع.

وسط هذه الصورة، يبدو أنّ الشارع وحده لا يغيّر مساراته. تستمر مظاهراته، فيما يُخشى أن الحكومة لن تستردّ ثقة بقائها في السلطة، وأنّ ما حدث في 25 رسالة قد يعاود مرسلها إرسالها مرة أخرى.

"تكريس لسلطة العسكر"

يؤكد المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي أنّ الاتفاق الذي تمّ توقيعه بين البرهان وحمدوك هو بمثابة "تكريس لسلطة العسكر".

ويشير في حديث إلى "العربي"، من الخرطوم، إلى أنّ هذه الاتفاقية تسير عكس اتجاه أو رغبة الشارع السوداني الذي طالب بالصوت لعالي بالسلطة المدنية الكاملة ومن ثم الحكومة المدنية.

ويقول إنّ عبد الله حمدوك الذي كانت بعض القطاعات تعول على إصراره على السلطة المدنية، وقّع اتفاقًا ليعمل "موظفًا تحت إمرة الانقلابيين ويرعى مصالحهم".

وإذ يعرب عن اعتقاده بأنّه سيتمّ "تفريغ الفترة الانتقالية من مهامها الحقيقية"، يذكّر بأنّ القوى السياسية السودانية طالبت بفترة انتقالية طويلة نسبيًا لتفكيك النظام المباد والإعداد لعملية ديمقراطية انتخابية سليمة.

ويشدّد على أنّ وضع الفترة الانتقالية بشكلها الحالي لا يستقيم ما لم تكن السلطة الحاكمة سلطة مدنية حقيقية، ويقول: "حتى الآن يظل المكون العسكري ممسكًا بالأمن والاقتصاد، وحتى في ظل رئاسة وزراء حمدوك الثانية سيبقى هو السلطة الحقيقية".

"انقلاب على حمدوك"

في المقابل، يعتبر الباحث في مركز العلاقات الدولية في الخرطوم الرشيد محمد إبراهيم أنّ حديث تجمع المهنيين هو انقلاب على حمدوك وإن كان انقلابًا بشكل آخر.

ويرى إبراهيم في حديث إلى "العربي"، من الخرطوم، أنّ هناك أخطاء استراتيجية ظلّ يرتكبها تجمع المهنيين وكذلك قوى الحرية والتغيير منذ ذهاب النظام السابق، "وليس آخرها هذا الموقف حول حمدوك الذي كانوا هم من اختاروه وقدموه للشعب السوداني".

ويعتبر أنّ هذا الاتفاق بهذا الشكل ربما وضع حدًا لحالة الفراغ السياسي التي كانت تعيشها البلاد، كما أنّه أضاف الكثير من المشروعية للقرارات التي أعلنها البرهان، على حدّ قوله.

ويلفت إبراهيم إلى أنّ مسودة الاتفاق ركزت على الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش كمرجعية، "وبالتالي فإنّ حمدوك أضفى الكثير من المشروعية على القرارات".

ويتحدّث عن مكاسب عدّة تحققت للسودان في الفترة الانتقالية بنسختها الأولى، مثل رفع السودان من قائمة الإرهاب والتعامل مع المؤسسات والبنوك الدولية، "وهذه مكاسب لا ينبغي أن تزجّ في المساومة بين أطراف النزاع".

"خروج من النفق"

أما رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني، فيعتقد أن هذا الاتفاق يُقرَأ بزاوية واحدة فقط هي زاوية النتائج، لأنّ الكثير من النقاط التي فيه هي من البديهيات وإقرار بما تمّ الإقرار به سابقًا في الوثيقة الدستورية.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من الخرطوم، أنّ النتيجة الأولى المفترضة للاتفاق هي أن يحقق حقن الدماء بمعنى ألا يكون هناك توتر من الجانب الأمني والعسكري الذي استخدم القوة المفرطة باتجاه المتظاهرين، بحيث يُسمَح لهم بالتعبير عن موقفهم بسلمية.

أما النتيجة الثانية التي ينتظرها الجميع، وفق ميرغني، فتتمثّل بإقامة المؤسسات الغائبة لأن كل ما حدث في الماضي كان نتيجة لتراخي الحكومة في تشكيل المؤسسات المرجعية التي تستطيع أن تقوّم المسار وتمنع الاحتكاك بين الأطراف.

ويخلص إلى أن هذا الاتفاق في مرحلته الأولى هو خروج من النفق، "لكن الحكم عليه يبقى بعد ذلك بما يترتب عليه من نتائج، وهذا الأمر بيد على الأطراف الموقّعة على الاتفاق".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close