الأربعاء 15 مايو / مايو 2024

المفاوضات الروسية-الأوكرانية.. "إشارات مختلطة" و"سريّة" تحيّر الغرب

المفاوضات الروسية-الأوكرانية.. "إشارات مختلطة" و"سريّة" تحيّر الغرب

Changed

ناقش الباحث السياسي الروسي ستانيسلاف بيشكوف مسار المفاوضات حول الحرب في أوكرانيا (الصورة: غيتي)
قد تحمل الجولات السرية من الاجتماعات بين المفاوضين الروس والأوكرانيين مفتاح إنهاء الصراع، لكنها تحمل أيضًا تداعيات أوسع نطاقًا على الأمن الأوروبي.

يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خيارات "مؤلمة" على طاولة المفاوضات مع روسيا، مع ارتفاع حصيلة القتلى في بلاده.

وأجبر زيلينسكي على النظر في تقديم "تنازلات" لروسيا من أجل إنهاء الهجوم الروسي على أوكرانيا. لكن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أكدت أن العناصر المحددة لأي اتفاق سلام قد تناقشه الحكومة الأوكرانية مع موسكو تظل "لغزًا" بالنسبة للقادة الغربيين، fخاصّه مع تزايد الإشارات المختلطة لزيلينسكي حول مدى اقتراب البلدين من التوصل إلى اتفاق.

وإذ اعتبرت أن الجولات السرية من الاجتماعات بين المفاوضين الروس والأوكرانيين قد تحمل مفتاح إنهاء الصراع، أشارت الصحيفة إلى أنها تحمل أيضًا تداعيات أوسع نطاقًا على الأمن الأوروبي اعتمادًا على كيفية تسوية موسكو وكييف خلافاتهما.

ويخشى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمكّن من استخدام القوة العسكرية لفرض التغيير السياسي في أوكرانيا، ويمكنه استخدام التكتيك ذاته في أماكن أخرى.

إشارات مختلطة

وسعت روسيا إلى إخضاع أوكرانيا من خلال القصف العنيف وقطع طرق الإمداد، وإجبار الملايين على الفرار من البلاد. ومع ذلك، تمسّك زيلينسكي بالتحدّي، قائلًا إن "بلاده تريد السلام، ولكن ليس بأي ثمن. أنا مستعد للحوار. لكن لسنا مستعدين للاستسلام".

والثلاثاء، كرّر زيلينسكي هذه الرسالة بعبارات أقوى أمام رؤساء وزراء بولندا والتشيك وسلوفينيا خلال زيارتهم إلى كييف لمقابلته.

وقال دبلوماسي مطلع على المحادثات، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته للصحيفة: "لقد أظهر زيلينسكي اهتمامًا ضئيلًا للغاية بالتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، وقال إن أوكرانيا بحاجة لمواصلة القتال حتى يغيّر بوتين مطالبه".

لكن في المقابل، أشاد كبير مفاوضي زيلينسكي ميخائيلو بودولياك، بالتقدّم المحرز في المفاوضات مع روسيا، وأضاف "لدينا ثقة في التوصل إلى اتفاق قريبًا".

وأوضحت الصحيفة أن هذه الإشارات المتضاربة "أدت إلى ارتباك لدى القادة الغربيين الذين يرون أن قدرتهم على التحرك محدودة، للتوفيق بين ما تريده روسيا وما قد تجده أوكرانيا مقبولًا".

ودعت موسكو إلى تجريد أوكرانيا بالكامل من السلاح، واعتراف كييف بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 باعتبارها أراضي روسية، واستقلال ما يُسمّى بـ" جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين".

ورغم أن المسؤولين الأوكرانيين قالوا إن هذه المطالب "غير مجدية" إلا أنهم أبدوا "انفتاحهم على مناقشة مسألة الحياد وعلاقة البلاد بحلف شمال الأطلسي".

وقال مسؤول أميركي للصحيفة: "ليس هناك أي مؤشر على أن الأوكرانيين يسعون إلى السلام. هم يريدون القتال".

ضغوط على زيلينسكي

 وعن بعض رسائل أوكرانيا المتفائلة بشأن التوصل إلى اتفاق، قال المسؤول: "كنا في حيرة من أمرنا بشأن هذا أيضًا. لقد تلقينا رسائل مختلطة".

بدوره، قال مسؤول ثان في الإدارة الأميركية للصحيفة، إن تصريحات أوكرانيا تشير إلى أن زيلينسكي وكبار مساعديه "لم يتوصلوا إلى استنتاج قاطع بشأن ما يرغب به الشعب الأوكراني".

كما أضاف مسؤول أوروبي رفيع المستوى للصحيفة "إنهم لم يتوصلوا إلى قرار بعد".

إلى ذلك، يقول مسؤولون مقربون من زيلينسكي إنه يتعرض لضغوط غير عادية لإحراز تقدم في المفاوضات مع روسيا "حتى لو كان الواقع أقل تفاؤلًا".

وفي هذا الإطار، قال يوري فيترينكو، الرئيس التنفيذي لشركة "نافتوغاز" أكبر شركة نفط وغاز مملوكة للدولة في البلاد: "الأوضاع الصعبة التي يعانيها الشعب الأوكراني تضع الوفد المفاوض تحت الضغط، لإحراز تقدم ما في المحادثات".

وأضاف: "هناك أشخاص في أوكرانيا يقولون إنهم لا يريدون أن يسمعوا عن المحادثات، يريدون القتال حتى النهاية. لكن آخرين يقولون إنه يجب محاولة التفاوض".

إقناع شعبه بالاتفاق

وأكدت الصحيفة أنه يتعين على زيلينسكي إقناع شعبه بأي اتفاق سلام، وهي مهمة صعبة إذا اضطر إلى التنازل أكثر من اللازم، مشيرة إلى أنه "رئيس يتمتع بشعبية كبيرة في زمن الحرب، لكنه لم يكن يحظى بشعبية في زمن السلم".

وأضافت أن أي صفقة محتملة تتطلّب أيضًا موافقة الغرب، الذي سيحتاج إلى رفع العقوبات عن موسكو مقابل سحب قواتها من أوكرانيا.

ويعارض بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" في الجناح الشرقي أيضًا اتفاق سلام تقدّم فيه كييف الكثير من التنازلات، خوفًا من الرسالة التي سيوجهها ذلك بشأن انتهاكات السيادة والقانون الدولي.

لكن المسؤولين الذين تحدثوا للصحيفة أكدوا أن "الرغبة في جعل بوتين يشعر بالهزيمة يمكن أن تجعل أي تسوية وسطية أمرًا مستحيلًا، مما يدفع الزعيم الروسي إلى مواصلة القتال".

ورجّح دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى أن لا تتراجع الدول الأوروبية عن العقوبات التي فرضتها على روسيا عند أول بادرة على اتفاق سلام، لكنها ستنتظر حتى تظهر إشارات ملموسة على أنه يجري تنفيذه بالفعل واحترامه.

وقد يكون المسار الوسط ممكنًا، حيث تتخلى أوكرانيا عن طموحاتها للانضمام إلى "الناتو" في مقابل إعادة دمج الأراضي الأوكرانية الشرقية الانفصالية في أوكرانيا التي تسيطر عليها كييف.

لكن الدبلوماسي الأوروبي أكد أن "السؤال هو ما إذا كان بوتين قادرًا على الموافقة على ما يعتبره الكثيرون هزيمة".

صعوبة تنفيذ الاتفاق

وأشارت الصحيفة إلى أنه "حتى لو تمكّن زيلينسكي من إبرام صفقة، فقد يكون تنفيذها صعبًا، إذ تمّ دمج تطلعات أوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في دستورها في تعديل عام 2019، وسيتطلب تعديله مرة أخرى، عملية طويلة تنتهي بأغلبية ساحقة في البرلمان".

وفي هذا الإطار، قال أليكس ريابشين، المشرع السابق الذي صوت لصالح تعديل الدستور عام 2019، للصحيفة: "ليست كل القوى السياسية في البلاد على استعداد للقيام بذلك، والأغلبية العظمى ليست رهانًا أكيدًا".

وأضاف ريابشين إن التحدي الآخر هو أن زيلينسكي أثبت قوته بصفته محاورًا في زمن الحرب لدرجة أن الأوكرانيين متحدون وراءه، مع معنويات عالية واستعداد لمواصلة القتال. ولذلك، فإن الصفقة التي تبدو هزيمة، قد لا تكون مقبولة في المجتمع الأوكراني".

وقال: "يعتقد الأوكرانيون أننا ننتصر في هذه الحرب، لذا فقد لا يقبلون التنازلات المؤلمة. ربما يشعرون أن هذه خيانة. رفع زيلينسكي سقف الطموحات عاليًا جدًا".

وفي الوقت الحالي، لا يرى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون مؤشرات على أن روسيا ستوقف هجومها على أوكرانيا، ويرجّحون أن القوات الروسية ربما تحفر خطوطًا دفاعية لتعزيز السيطرة على الأراضي التي استولوا عليها.

ويشكّل التفاؤل العام في روسيا بشأن صفقة محتملة "مصدر اهتمام للدبلوماسيين". ويعزو المسؤولون المطلعون على المفاوضات ذلك إلى إحدى استراتيجيتين: أحدها أن موسكو جادة لأن الكرملين يريد التراجع عن العقوبات الحالية. والآخر هو أن روسيا تريد خلق انطباع بالجدية في محاولة لتجنب المزيد من العقوبات.

وقال فيترينكو: "في النهاية، ما ستوافق عليه أوكرانيا يقع على عاتق زيلينسكي"، مضيفًا أن "زيلينسكي هو من يقرر. الأمر يتعلّق بروح الأمة. الآلاف من الأوكرانيين يموتون. إنه الزعيم في زمن الحرب وتقع مسؤولية كبيرة على عاتقه".

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close