الإثنين 29 أبريل / أبريل 2024

حيرة حول نواياه تجاه أوكرانيا.. بوتين: إستراتيجي ماكر أم زعيم متهور؟

حيرة حول نواياه تجاه أوكرانيا.. بوتين: إستراتيجي ماكر أم زعيم متهور؟

Changed

كشف الجنرال أوليغ كالوغين، رئيس جهاز مكافحة التجسس سابقًا في الكي جي بي، لبرنامج "وفي رواية أخرى" مراحل سرية من حياة فلادمير بوتين حين كان ضابطًا في الكي جي بي (الصورة: غيتي)
يرى مدير مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي في موسكو دينيس فولكوف أنه "في الوقت الحالي، يبدو أن الروس يؤيدون إلى حد كبير رواية الكرملين بأن الغرب هو المعتدي في أزمة أوكرانيا".

في هذه اللحظات من التصعيد في الأزمة الأوكرانية، يُبدي كثيرون حيرتهم حول نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إزاء أوكرانيا.

منهم مَن يعتبر أن الرئيس الروسي "عقلاني" في الأساس، وأن مخاطر الغزو الأوكراني ستكون كبيرة جدًا، لدرجة أن الحشد الروسي الضخم على الحدود الأوكرانية ليس إلا "خدعة مقنعة للغاية". ومنهم من يعتبر أن جائحة كورونا أوصلته إلى "جنون العظمة" وجعلته متهورًا في قراراته.

لكنّ محللين، يقرّون في الوقت نفسه في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأن الخطوة التالية هي التي تحدّد إلى أي نوع من القادة ينتمي الزعيم الروسي.

وتعتبر الصحيفة أن الطاولة الذي يبلغ طولها 20 قدمًا التي استخدمها بوتين خلال المحادثات مع القادة الأوروبيين الذين التقوه لإجراء محادثات حول الأزمة الأوكرانية؛ دليل على "انفصاله" عن بقية العالم.

وأشارت إلى أنه على مدى عامين، وضع بوتين نفسه في ما يشبه "الشرنقة" حتى يبقى بعيدًا عن الفيروسات والعدوى، إذ إنه ظهر وهو يعقد غالبية اجتماعاته عبر الهاتف؛ وفي حال لقائه بوزرائه يبقى على مسافة كبيرة منهم.

ودائمًا ما تكون التكهّنات حول الحالة العقلية للزعماء والرؤساء محفوفة بالمخاطر، ولكن مع اقتراب بوتين من اتخاذ قراره الخطير، يجد المحلّلون الروس أنفسهم أمام حالة من استبطان النوايا يصعب تجنّبها.

وقالت إيكاترينا شولمان، أستاذة العلوم السياسية، عن الظهور العلني الأخير للرئيس: "هناك انزعاج، وقلة اهتمام، وعدم الرغبة في خوض أي شيء جديد. يظهر للجمهور أنه كان في عزلة عملية منذ ربيع عام 2020".

تجارب سابقة

وفي عام 2014، سمحت حيلة الكرملين للقوات الروسية بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم دون إطلاق رصاصة واحدة. كما سمحت الحرب بالوكالة التي أشعلها بوتين في شرق أوكرانيا، بإنكار كونه طرفًا في الصراع.

وقالت أناستاسيا ليكاتشيفا، عميدة الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو: "إن بدء حرب واسعة النطاق ليس في مصلحة بوتين تمامًا. من الصعب جدًا بالنسبة لي أن أجد أي تفسير منطقي للرغبة في تنفيذ مثل هذه الحملة".

وأشارت إلى أنه حتى لو تمكّن بوتين من السيطرة على أوكرانيا، فإن مثل هذه الحرب ستحقق عكس ما يقول الرئيس من أنه يريد تراجع وجود الناتو في أوروبا الشرقية، موضحة أنه في حال نشوب الحرب، "فسيكون حلفاء الناتو أكثر توحدًا من أي وقت مضى، ومن المرجح أن ينشروا أسلحة متطوّرة وجديدة على طول الحدود الغربية لروسيا".

في الداخل الروسي، كان بوتين دائمًا حريصًا على إبراز هالة رجل الدولة الرصين، والتغلّب على المشاعر القومية في البرامج الحوارية في أوقات الذروة، وفي البرلمان الذي كان يحثّه منذ سنوات على ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية.

وبينما يصوّر نفسه على أنه ضامن استقرار روسيا، قد يواجه بوتين رياحًا اقتصادية معاكسة من العقوبات الغربية والاضطرابات الاجتماعية في حال سقوط مدنيين في ساحة المعركة، خاصّة أن الروس لديهم أقارب في أوكرانيا.

وفي هذا الإطار، قال دينيس فولكوف، مدير مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي في موسكو، إنه "في الوقت الحالي، يبدو أن الروس يؤيدون إلى حد كبير رواية الكرملين بأن الغرب هو المعتدي في أزمة أوكرانيا".

وأضاف أن الرسائل التحذيرية الصادرة عن واشنطن بشأن الغزو الروسي الوشيك عزّزت وجهة النظر هذه، لأنها تجعل الغرب يبدو كأنه الشخص الذي يمارس الضغط ويصعّد التوترات".

ورجّح أنه إذا نفّذ بوتين عملية عسكرية قصيرة ومحدودة على غرار الحرب التي استمرت خمسة أيام ضد جورجيا عام 2008 ، فإن المواطنين الروس سيدعمون مثل هذه الخطوة. لكن "إذا كانت هذه حربًا دموية طويلة، فإننا سنصل إلى وضع يستحيل التنبؤ به، حيث سينتهي الاستقرار".

وبالنظر إلى أن مثل هذه الحرب لا تزال تبدو "غير واردة وغير منطقية" بالنسبة للكثيرين في موسكو؛ يرى خبراء السياسة الخارجية الروس عمومًا أن المواجهة بشأن أوكرانيا هي أحدث مرحلة في جهود بوتين المستمرة منذ سنوات لإجبار الغرب على قبول ما يعتبره مخاوف أمنية روسية أساسية.

مراجعة لنتائج الحرب الباردة؟

وفي التسعينيات، فرض الغرب نظامًا أوروبيًا جديدًا على روسيا الضعيفة التي تجاهلت حاجتها التاريخية إلى منطقة عازلة جيوسياسية إلى الغرب. والآن بعد أن أصبحت روسيا أقوى، وفقًا للخبراء، فسيكون من المعقول لأي زعيم في الكرملين أن يحاول إعادة رسم تلك الخريطة.

وفي هذا الإطار، أوضح فيودور لوكيانوف، محلّل السياسة الخارجية البارز في موسكو والذي يقدّم المشورة للكرملين، أن هدف بوتين الآن هو "فرض مراجعة جزئية لنتائج الحرب الباردة". لكنه لا يزال يعتقد أن الرئيس الروسي "سيتوقّف عن الغزو الشامل، وبدلًا من ذلك سيستخدم وسائل خاصة أو غير متكافئة أو مختلطة، بما في ذلك جعل الغرب يعتقد أنه مستعد حقًا للهجوم".

وقال لوكيانوف: "الخداع يجب أن يكون مقنعًا للغاية. والولايات المتحدة، بتصويرها روسيا على أنها دولة عدوانية مستعدة للغزو، تخدم هذا الاتجاه بشكل كبير".

واعتبر المحللون الروس أنه من خلال هذا الأسلوب في التفكير، فإن المسؤولين الأميركيين يسقطون أمام صورة مبالغ فيها عن بوتين باعتباره عبقريًا شريرًا.

وقالوا إنه "منذ فشل محاولات بوتين السابقة للتفاوض مع الغرب بشأن الحد من التسلح وتوسع الناتو، اختار الكرملين رفع المخاطر إلى مرحلة أصبح من المستحيل تجاهل مصالحه".

وأشار إلى أن الرئيس الروسي "يستغلّ المخاوف من إطلاقه العنان لحرب مروعة".

وقال ديمتري ترينين، رئيس مركز أبحاث مركز كارنيغي في موسكو: "إن بوتين ناجح جدًا في استخدام الصورة السلبية التي تصوّره باعتباره شريرًا محنّكًا، فخطّط لايجاد تهديد، للإيحاء بأن الحرب يمكن أن تحدث".

لكنّ الصحيفة تشير في الوقت نفسه، إلى أن الخبراء أخطأوا في توقّعاتهم حول تصرّفات بوتين من قبل، مشيرة إلى أنه عام 2014، استولى بوتين على شبه جزيرة القرم، على الرغم من أن قلّة من المحلّلين الروس كانوا يتوقّعون تدخلًا عسكريًا.

كما أشار مشكّكون إلى أن بوتين اتخذ، خلال وباء كوفيد 19، إجراءات بدت في وقت سابق غير مرجّحة.

وقال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في معهد أبحاث "سي إن إيه" (CNA) مقره في أرلينغتون بولاية فيرجينيا: "لقد تخطى بوتين، في العام الماضي، الكثير من نقاط اللاعودة. الأشخاص الذين يعتقدون أن شيئًا بهذه الدراماتيكية غير مرجّح أو غير محتمل؛ ربما لم يكونوا قد لاحظوا هذا التحوّل النوعي في العامين الماضيين."

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close