تبدو مدينة ماريوبول الواقعة جنوبي شرق أوكرانيا أكثر فأكثر إستراتيجية بالنسبة إلى القوات الروسية في ضمان نجاح نسبي في حربها في أوكرانيا، لكن صمود المقاتلين الأوكرانيين فيها قد ينعكس على مسار المفاوضات بين موسكو وكييف.
تريد روسيا المزيد من رفع الأيادي والاستسلام في مدينة ماريوبول، وتمهل الجنود الأوكرانيين ساعات لتسليم أسلحتهم وجعل المدينة في يد القوات الروسية وإلّا فسيكونون رقمًا إضافيًا في عداد الموتى.
تتقدم القوات الروسية بدباباتها وتعلن سيطرتها على المدينة فيما ينفي مجلس الأمن القومي الأوكراني ذلك ويعلن أن الأوكرانيين يستمرون في الدفاع عنها ومنع القوات الروسية من نيل مرادها منها.
ويعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن الوضع في ماريوبول صعب ويطلب أسلحة من الدول الحليفة لفك حصار المدينة المهددة بالخروج من قبضة القوات الأوكرانية.
أهمية ماريوبول الإستراتيجية
في زمن قرقعة السلاح لا توقف الكلمة المعارك، فروسيا بسيطرتها على ماريوبول تكون قد حققت أهدافًا كثيرة، فهي المدينة الصغيرة بأرضها الكبيرة في آفاقها بنظر روسيا، حيث توصل جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا عام 2014 بأرض أوكرانيا. وستسهل عليها تأمين ممراتها من الجزيرة إلى دونباس.
ولا تخفى على موسكو الأهمية الاقتصادية لماريوبول التي يعد ميناؤها أكبر الموانئ وأهمها بإطلالته على بحري آزوف والبحر الأسود. وستدور محركات مصانع الحديد والفولاذ فيها ولكن بأياد روسية إن فشلت القوات الأوكرانية في استعادتها.
وسيمعن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرح أكثر كيف أن إستراتيجية بلاده في الدخول إلى أوكرانيا كانت مهمة ومجدية وقرارًا صائبًا في نظره.
ممر بري
وفي هذا الإطار، يتحدث الباحث السياسي أندري أنتيكوف عن تقدم للقوات الروسية في أوكرانيا، لافتًا إلى أهمية الممر البري الذي أقامته روسيا من جزيرة القرم إلى الأراضي الأوكرانية.
كما يشير في حديث إلى "العربي" من موسكو إلى أن سيطرة روسيا على ماريوبول سيكون له أهمية كبرى. ويقول: "إن عددًا قليلًا من القوات الأوكرانية موجود في أحد المصانع" وليس في الأحياء المدنية.
ويؤكد أنتيكوف أن العقوبات أضرت بالاقتصاد الروسي، لكنه يعتبر أنه لا ينهار حيث تبقى العديد من القطاعات الحيوية خارج العقوبات مثل قطاع الأسمدة وغيره.
معركة رمزية
من جهته، يشير المحلل العسكري نزار عبد القادر إلى قرار أوكراني بالدفاع المستميت عن ماريوبول لأهمية صمودها بالنسبة للمعركة في أوكرانيا.
ويلفت إلى أن المنطق العسكري يقول إن كل منطقة تطوق بالكامل وتنقطع عنها إمكانية التعزيز العسكري أو المساندة اللوجستية "فهي تعتبر بالمنطق العسكري العام ساقطة".
ويقول في حديث إلى "العربي" من بيروت: "إن لم تسقط اليوم (ماريوبول) فستسقط غدًا أو بعد أسبوع أو أسبوعين". ويضيف: "يريد الأوكرانيون في ماريوبول أن يثبتوا أنهم أبطال في نظر العالم الذي يتفرج على الحرب".
ويلفت إلى أن معركة ماريوبول أصبحت معركة رمزية بالنسبة للأوكرانيين وأساسية بالنسبة للروس حيث ستسمح السيطرة عليها لموسكو بوصل هذه المناطق مع شبه جزيرة القرم، معتبرًا أن الأهداف الروسية تتركز في الشرق الأوكراني.
وقف إطلاق النار متعثر
وحول جهود وقف إطلاق النار، يعتبر الباحث في العلوم السياسية من جامعة جورج واشنطن عاطف عبد الجواد أن هذه الجهود منيت بهزيمة بسبب الرئيس الأوكراني، حيث عرض رئيس ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير الاجتماع به على أساس أن له علاقة قديمة بالرئيس فلاديمير بوتين، لكن زيلينسكي رفض.
ويؤكد عبد الجواد في حديث إلى "العربي" من واشنطن أن دور الولايات المتحدة في المفاوضات سيزداد في حال سقوط ماريوبول. كما ستعزز إمداداتها العسكرية لأوكرانيا. ويتحدث عن إمكانية توسيع نطاق العقوبات الأميركية على روسيا.
ويلفت عبد الجواد إلى أن ماريوبول ستسقط من دون شك وسيكون الثمن كبيرًا.
كما يعتبر أن روسيا تدفع ثمنًا باهظًا بعدما غرقت سفينة "موسكفا" في البحر الأسود إثر استهدافها بصواريخ أوكرانية، لافتًا إلى أن موسكو تخفق أيضًا في سداد ديونها الخارجية بسبب تمويل الحرب.