Skip to main content

عملية "البرق الأزرق".. حين اغتيل قاسم سليماني "مهندس" النفوذ الإيراني

الأحد 2 يناير 2022

هبطت طائرة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في الثالث من يناير/ كانون الثاني عام 2020 في مطار بغداد الدولي آتية من دمشق، فتعرض موكبه خارج المطار للقصف بـ"عملية نوعية".

في تلك العملية قتل إلى جانب سليماني نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وشخصيات أخرى من الجماعات التي تدعمها إيران.

اعتُبر سليماني على نطاق واسع "مهندس حرب بشار الأسد" ضد الثوار في سوريا، والمسؤول عن صعود القوات شبه العسكرية الموالية لإيران في العراق.

واعتبرت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب أنّ "يد سليماني ملطخة بدماء الأميركيين والإيرانيين"، وأنه "كان يجب وضع حد له منذ وقت طويل مضى"، حسب ما أعلن ترمب حينها بمؤتمر صحافي.

عملية البرق الأزرق

عمت فوضى الاحتجاجات وسط العراق وجنوبه في الثلث الأخير من عام 2019 نتيجة تردي الوضع المعيشي والبطالة، إضافة إلى التدهور الأمني والمحاصصة السياسية التي لم تغادر البلد منذ احتلاله عام 2003.

كان لهذه التظاهرات أن تأخذ منحى متصاعدًا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، فقطع المحتجون جسر الجمهورية الرئيس وأقاموا خيم اعتصامهم في ساحة التحرير مما عزا بالحكومة العراقية إلى استخدام شتى وسائل فض الاعتصامات واللجوء إلى الحليف الإيراني التقليدي لحكومات ما بعد 2003، مما أدى إلى انقسام الشارع العراقي بين مؤيد لمطالب المحتجين ورافض لها بحجة أنها مدعومة من أطراف إقليمية ودولية معادية لإيران.

وتدهورت الأوضاع نحو الهاوية بسقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المحتجين، فتصاعدت المطالب من إسقاط حكومة عادل عبد المهدي إلى التخلص من النظام السياسي بأكمله، مما دق ناقوس الخطر لدى الائتلاف الحاكم ببغداد فسأل بجدية هذه المرة النجدة من حلفائه ومنهم قاسم سليماني.

من جانبه، يعتبر معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي معين الكاظمي أن "جريمة اغتيال سليماني وقعت في ظروف استثنائية يعيشها العراق".

ويوضح الكاظمي في حديث إلى "العربي" من بغداد، أن تلك الظروف الاستثنائية كانت عبارة عن الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 في محافظات وسط العراق وجنوبه بالإضافة إلى بغداد.

ويرى أنّ "الظروف الاستثنائية كانت تدار من قبل غرف عمليات وحرب ناعمة توجه السهام إلى الجانب الإيراني والحشد الشعبي".

كان سليماني لا يحب الظهور ونادرًا ما ارتدى بدلته العسكرية الرسمية حتى في ساحة المعركة

من جانبه، يؤكد الباحث السياسي العراقي يحيى الكبيسي وقوع احتجاجات واسعة في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 من حيث "نطاق الجغرافيا الشيعية" في تلك الفترة داخل العراق.

ويوضح الكبيسي في تصريح لـ"العربي" أن تلك الاحتجاجات أدت في النهاية إلى استقالة الحكومة، لافتًا إلى وجود "ظرف عراقي خاص" في تلك المرحلة.

لكن الصحافي العراقي عمر الشاهر، يرى أن "الأجواء" التي سبقت اغتيال سليماني والمهندس في بغداد "كانت محتقنة" حيث التظاهرات في كل مكان.

ويلفت الشاهر في حديث إلى "العربي"، إلى أن تلك الأجواء "كانت متشنجة للغاية" على خلفية الاتهامات المتبادلة بشأن "الدور السلبي الإيراني" في التظاهرات.

ويتوافق الباحث في الشأن العراقي هيوا عثمان بوجود "تشنجات" و"أجواء مشحونة"، ولا سيما أنّ المتظاهرين الذين خرجوا ضد الحكومة كانوا في أوج تحركاتهم، إضافة إلى أنّ "الحكومة نفسها كانت تائهة لا تعرف ماذا تفعل".

ويلفت عثمان في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ "الميليشيات التي قام قاسم سليماني بتوجيهها كانت قد قطعت بغداد عن المناطق الأخرى، بحيث كل جماعة وميليشيا تأخذ مكان معين في العاصمة العراقية".

ويؤكد أن تلك الميليشيات "كانت تأخذ التوجيه بصورة مباشرة من القيادات وخاصة بشكل أساسي من سليماني".

من هو قاسم سليماني؟

ولد قاسم سليماني في 11 من مارس/ آذار عام 1957 في محافظة كرمان الإيرانية. والتحق بحرس الثورة بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 وشارك بفاعلية في الحرب العراقية الإيرانية وكان قائدًا للفيلق الـ41 والمسمى بـ"فيلق ثأر الله".

وعام 1998 عيّن قائدًا لفيلق "القدس" المكلف بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وحتى يوم الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020 يوم مقتله.

كان سليماني لا يحب الظهور ونادرًا ما ارتدى بدلته العسكرية الرسمية حتى في ساحة المعركة. كان يعتبر غالبًا ثاني أقوى شخصية في إيران بعد المرشد علي خامنئي.

ويعتبر سليماني "عرّاب" التمدد الإيراني في المنطقة العربية خصوصًا بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فالبوابة الشرقية التي كانت موصدة بأحكام في وجه الطموح الإيراني فتحت على مصراعيها وبات طريق طهران – بغداد – دمشق مرورًا بلبنان سالكًا بسهولة.

وهناك في العراق منذ احتلاله، تتحكم طهران بكل تفاصيل المشهد السياسي، وكل الحكومات بعد 2003 جاءت بـ"هندسة ومباركة إيرانية".

وارتبط اسم قاسم سليماني في السنوات الماضية بالنشاط السياسي والعسكري الإيراني في المنطقة، فتصدرت صوره عددًا من جبهات القتال في سوريا والعراق. وتدخل شخصيًا بإدارة معركة القصير في سوريا بين حزب الله اللبناني وجماعات مسلحة سورية عام 2013.

كما ظهر سليماني في الفلوجة العراقية قائدًا وموجهًا لمعارك الحشد الشعبي حيث كان وجوده يعد "وجودًا للحرس الثوري والنفوذ الإيراني" في العراق، فهل سيكون لغيابه إضعاف لهذا الدور الإيراني في العراق، أم أنّ لخلفه إسماعيل قاآني القدرة على إعادة "ضبط التوازن" في هذا البلد؟

التفاصيل الأولى للاغتيال

يتذكّر الصحافي العراقي عمر الشاهر أنه "كان في منزله بمنطقة الكرخ حين تلقى تنبيهًا من أحد الأصدقاء أن هناك عملية كبيرة جدًا نفذت في مطار بغداد الدولي".

أما الباحث هيوا عثمان فيتحدث عن تلك اللحظات بأنه "لم يكن يعلم من هو المستهدف" إلا أن "بعض المعلومات وردت إليهم من بعض الأصدقاء في بغداد" عن الحادثة.

ويوضح معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي معين الكاظمي أن المعلومات "بدأت ترد إليهم شيئًا فشيئًا عن المستهدف قبل أن يعرف أن الشخصية هي الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس". ويذكر أن "القضية بدأت تتفاعل بعد ذلك شيئًا فشيئًا".

ولم تغب تحركات سليماني في المنطقة عن العين الأميركية، لكن هذه المرة لم تكن هذه العين ترصد تحركات الرجل من باب المراقبة بل لـ"بتر يد إيران القوية في المنطقة والملطخة بدماء مواطنيها عبر هجمات استهدفت الوجود الأميركي في العراق"، كما تقول واشنطن.

وعن الاستهداف، يذكر الباحث السياسي العراقي يحيى الكبيسي أنه بعد ذلك "انتشر الخبر بأنه استهدف بسيارتين على طريق المطار ومن بين الركاب قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس".

عملية أمنية "دقيقة وسريعة"

طائرتا "درون" أميركيتان استهدفتا إذًا قاسم سليماني بعيد وصوله إلى بغداد. وكانت القوة المهاجمة من الجو وبإسناد أرضي من القوات الخاصة الأميركية حيث "لم تكن عملية تحتمل الفشل مطلقًا".

وفي هذا السياق، يفسر المحلل الأمني أحمد الشريفي بأن من نفذ الضربة هي طائرة درون مع العلم أنها "لم تكن واحدة" حيث نفذت العملية باعتماد "الأسلوب القتالي الأميركي" (عبر طائرة مشتبكة وطائرة إسناد).

ويوضح الشريفي في حديث إلى "العربي" أن عملية الاستهداف "كانت معدة ومحسوبة" حيث أن "طائرات درون تمتلك إمكانيات هائلة بالرصد والاستهداف الإلكتروني".

ويشير كذلك إلى الطائرة المسيّرة "مهيأة للقيام بمهام نوعية وخاصة وتمتاز بإمكانية التصوير الآني"، لافتًا إلى أنّ "الصواريخ التي تحملها تلك الطائرات مجهزة لاستهداف الهدف بدقة وأن الغاية منها الاغتيال وليس فقط التدمير".

من جهته، يفيد الصحافي عمر الشاهر بأن هناك "فارقًا زمنيًا" بين استهداف السيارة الأولى والسيارة الثانية في موكب سليماني والمهندس، مرجحًا أن يكون "سليماني كان في المركبة الأولى المستهدفة".

أما الباحث يحيى الكبيسي فيرى أن الاستهداف حصل بعد خروج الموكب المكون من سيارتين على بُعد مئات الأمتار فقط من مطار بغداد الدولي، مؤكدًا أن "كل الاستعدادات لتنفيذ الضربة كانت قائمة قبل خروجه من المطار".

الرحلة من دمشق

من جانبه، يرى المحلل الأمني أحمد الشريفي أن عملية الاستهداف تظهر وجود "تكامل بين المهام" بين القوات الأميركية والقوات الخاصة الأميركية العابرة للحدود.

ويلفت إلى وجود عملية "رصد دقيقة" للهدف من قبل الولايات المتحدة، وأن تلك القوات "وصلت إلى الهدف بسرعة عالية من أجل الحصول على وثائق والأجهزة مثل الهواتف".

 كانت رحلة سليماني عبر الطائرة هي الأخيرة من دمشق قادمًا إلى بغداد. وفي هذا السياق يشير الصحافي العراقي عمر الشاهر إلى أنّ "سليماني غيّر هواتفه لثلاث مرات عبر انتقاله من سوريا إلى العراق".

ويرى الكبيسي أن "سليماني استقل طائرة من مطار دمشق إلى بغداد والطائرة المستخدمة كانت تابعة لإحدى الخطوط الجوية السورية".

من جهته، يوضح معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي معين الكاظمي أنّ "سليماني تحرك من دمشق عبر أجنحة الشام".

 أما المحلل الأمني أحمد الشريفي فيرى أن "اختيار عملية الرصد لتكون انطلاقًا من سوريا كان على خلفية توفر الموارد البشرية أكثر مما تتوفر عليه في لبنان".

استهداف مباشر

قضي الأمر وانتهت التكهنات حول حقيقة الانفجارات قرب مطار بغداد. وأعلن الرئيس الأميركي حينها دونالد ترمب أنّ "جيش الولايات المتحدة أعدم بنجاح الرجل الإرهابي الأول في كل أنحاء العالم قاسم سليماني".

وفي هذا الإطار، يرى الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي أنه "لا يمكن الاقتناع بالمبررات الأميركية، لأن ما كان يقوم به قاسم سليماني تم على مدى عقود وليس سنوات".

وتساءل الكبيسي عن أسباب استهداف سليماني في تلك اللحظة، لكنه يعتبر أنها "ربما اعتقدت أن ذلك قد يزيد من حظوظ ترمب في المواجهة مع إيران وطبيعة العلاقة مع دول الخليج وغيرها".

ويؤكد معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي معين الكاظمي أن سليماني "كان ضيفًا على رئيس الوزراء العراقي لنقل رسائل من الجانب الإيراني أو الجانب السعودي للتفاهم حول استقرار المنطقة"، حسب قوله.

ويعتبر أن عملية الاستهداف لسليماني تعد "جريمة واضحة بحق الإنسانية والقوانين الدولية".

انقسام حاد في الداخل العراقي

ردود فعل ليست بمستوى الحدث ورئيس الولايات المتحدة يعلن ويفاخر بتصفية سليماني بأمر مباشر منه. وينتقل تباين المواقف في الشارع العراقي من حال إلى حال فمؤيدو التواجد الإيراني ازدادوا حنقًا وعنفًا تجاه المحتجين.

والمحتجون المعارضون للتواجد الإيراني وحرسها الثوري أكدوا بتصاعد تظاهراتهم ورفضهم التبعية لإيران وحرسها الثوري "الهدام" على الساحة العراقية والإقليمية.

ويرى الكبيسي في هذا السياق أن "الانقسام المجتمعي الحاد في العراق نتج ردود فعل مختلفة" تجاه عملية اغتيال سليماني، لذلك "لا يمكن الحديث عن موقف عراقي موحد حول هذه المسألة".

أما الكاظمي، فيوضح أنّ ردة الفعل كانت كبيرة داخل المكون الشيعي بالدرجة الأولى حول عملية الاغتيال. ويقول: "خرجوا عن بكرة أبيهم وهم يذرفون الدموع ولا يعلمون لماذا يبكون؟ لأن في وقت معين كان تصورهم خاطئًا".

من جانبه، يعتبر الباحث في الشأن العراقي هيوا عثمان أنه "منذ مقتل قاسم سليماني لو تم النظر إلى مخطط بياني ستظهر أن عمليات القتل أقل بكثير مما كانت قبل مقتله".

وتعليقًا على ذلك، يقول الصحافي العراقي عمر الشاهر: "العالم منقسم. المنطقة العربية منقسمة حيث جزء مع إيران وآخر مع أميركا، وحلفاء إيران وجدوا أن محورهم تلقى ضربة كبيرة جدًا".

ويضيف: "أما على مستوى خصوم إيران لا يبدو أنهم استفادوا كثيرًا لأن طهران ما زالت قوية".

ويوضح أن "موت قاسم سليماني أثر كثيرًا على إيران وقوتها وأذرعها وتمددها ومشاريعها، لكنها ما زالت قوية وقوية جدًا"، حسب قوله.

الغضب كان كبيرًا على اغتيال قاسم سليماني

"تسريب" معلومات وصول سليماني

يبدو أن تحركات سليماني كانت مرصودة بدقة من الجانب الأميركي وأن خرقًا استخباراتيًا ما حدث، فكشف طريق رحلة سليماني الأخيرة ومكّن الأميركيين من تصفيته.

ويشير الشاهر إلى أن "هناك اتهامًا من طرف لجهاز المخابرات العراقي وتحديدًا لضباط في الجهاز بالمشاركة في عملية اغتيال سليماني عبر إفشاء معلومات سرية تتعلق بخط السير وموعد الوصول".

ويلفت إلى أنّ "جهاز المخابرات العراقي نفى ذلك بشكل واضح"، لكنه يوضح أنه "لا يمكن لأحد في العراق الإشارة إلى مشاركته في العملية ما دام الغضب الإيراني بهذا المستوى".

ويعتبر أن عملية الاغتيال "قد تحتاج إلى سنين طويلة لنسيانها في إيران، لكن طهران لا تنساها بسهولة"، حسب حديثه.

من جانبه، يرجح معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي معين الكاظمي أن يكون هناك "عملاء وجواسيس" ساعدوا في تقديم المعلومات إلى الجهات الأميركية.

أما الباحث هيوا عثمان فيرى أن القضية "تم تسييسها" حيث تتبادل المجموعات الاتهامات بالمسؤولية عن تقديم المعلومات إلى الجانب الأميركي، لافتًا إلى اتهام لمصطفى الكاظمي باعتباره كان رئيسًا لجهاز المخابرات العراقي.

كما يشير إلى أنّ البعض يتهم "سرايا الخراساني أو المجاميع في داخل الميليشيات الموالية لإيران، باعتبار أنها كانت تعرف أكثر من الحكومة العراقية بتحركات قاسم سليماني".

وفي هذا الإطار، يلفت الباحث يحيى الكبيسي إلى أنّه كان هناك اتهامات مباشرة للرئيس العراقي ورئيس الوزراء بالوقوف وراء "التسريب"، لكنه يؤكد أنها "كانت اتهامات مرسلة من دون وجود دليل عليها".

الرد الإيراني على الاغتيال

وتصاعدت الحملات الإعلامية في إيران وحلفائها وأطلقوا التهديدات والوعيد بكل الاتجاهات، فحبست دول الإقليم أنفاسها خوفًا من القادم. وجاء الرد الإيراني يوم الثامن من يناير/ كانون الثاني بقصف قاعدة عين الأسد بصواريخ بالستية.

وبشأن الرد الإيراني، يعلق الباحث في الشأن العراقي هيوا عثمان بأن هذا كان "أشبه برفع العتب ولم يكن ردًا حقيقيًا وأنه جاء لحفظ ماء الوجه"، حسب قوله.

لكن يحيى الكبيسى يعتبر أنه "جاء للرد على استهداف سليماني وهو أيضًا يعد نوعًا من استهداف السيادة العراقية تمامًا مثل العملية الأميركية".

ويلفت إلى أنه جرى إبلاغ رئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي بـ"قصف الجانب الإيراني للقاعدة العسكرية".

وعن الرسالة الإيرانية إلى بغداد، يشير معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي معين الكاظمي إلى أنّ تلك الرسالة "وصلت في حدود منتصف الليل إلى الحكومة العراقية احترامًا من الحكومة الإيرانية".

بدوره يرى الصحافي العراقي عمر الشاهر أنّ الرد الإيراني "كان أشبه بالعملية الاستعراضية والمسرحية"، لافتًا إلى أنه "نُقل إليهم أنّ الأميركيين كانوا يعرفوا أن إيران ستستهدف قاعدة عين الأسد وقد سحبوا جنودهم من تلك الأماكن".

اغتيال سليماني والمهندس ترك أثره على إيران في المنطقة

انتهاك سيادة العراق

باختصار، بدا الأمر بمثابة انتهاك صارخ لسيادة العراق من قبل الأميركيين لاستهداف سليماني، ورد إيراني بقصف قواعد أميركية ينتهك ما تبقى من سيادة العراق وتجاهل اللاعبين المؤثرين وجود العراق أصلًا.

ويؤكد الكبيسي أن ما جرى هو "استهداف بالمطلق لسيادة العراق، بمعني أن تستهدف مسؤولًا هو ضيف في العراق يعد خرقًا للسيادة".

من جهته، يعتبر هيوا عثمان أن "الأرض العراقية تحوّلت إلى ساحة لصراع بين الإيرانيين والأميركيين وبالنتيجة تفقد الحكومة كل احترامها أمام الطرفين".

أما المحلل الأمني أحمد الشريفي فيرى في حديث إلى "العربي" أن ما جرى "يدلل أنّ هناك غيابًا للسيادة العراقية، إضافة إلى عدم وجود حصانة للأداء الأمني والعسكري في العراق".

ويؤكد الشريفي أنّ العراق "كان ولا يزال ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية مع غياب للإرادة الوطنية والمؤسسات الضامنة لحصانة الجبهة الداخلية والخارجية".

من جهته، يصف الصحافي عمر الشاهر ذلك بـ"الوضع المحزن"، متسائلًا عن أسباب "تصفية" الأزمة الإيرانية الأميركية على أرض العراق واستهداف قاسم سليماني داخل هذا البلد بدلًا من سوريا مثلًا، إضافة إلى سؤاله عن أسباب الرد الإيراني داخل العراق أيضًا.

خلط الأوراق

قتل سليماني يوم الثالث من يناير/ كانون الثاني عام 2020 وردّت إيران بعدها بستة أيام واختلطت الأوراق حتى يومنا هذا: هل أصبح الأميركيون أكثر أمنًا بعد التخلص منه؟

يرى معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي معين الكاظمي أن وجود سليماني والمهندس "كان قد يسهل التواصل معهما، خصوصًا المهندس الذي كان يعد صمام أمان ويمكن التفاهم والتفاوض معه"، مشيرًا إلى وجود "جهات غير مسيطر عليها" الآن "يدعّون الثأر للشهداء وقد لا يستجيبون لكتل سياسية ومقاومة ووطنية".

ويرى الباحث هيوا عثمان أنّ استهداف مقر السفارة الأميركية من عدمه "لا يرتبط بوجود قاسم سليماني، لكنه يرتبط بالعلاقة الأميركية الإيرانية".

أما يحيى الكبيسي فيشير إلى تعرض السفارة الأميركية للقصف قد تم في "مرحلة لاحقة"، لافتًا إلى أن البداية كانت في شهر مايو/ أيار عام 2019.

ويصف تلك العمليات بأنها "لم تكن عمليات قصف حقيقية، بل رسائل سياسية عبر الكاتيوشا".

انقضى الحادث وأصبح من الماضي وغادر ترمب البيت الأبيض واستأنفت إيران مفاوضات الملف النووي مع أميركا والغرب لرفع العقوبات الاقتصادية عنها.

وما زالت دول الإقليم تعاني من صراعات نفوذ لا تبدو نهاياته قريبة، ولا يزال العراق أرضًا لتصفية الحساب بين الأميركيين من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى. أما الشباب العراقي فلا زال يؤمن بوطن حر مزدهر وآمن.

المصادر:
العربي
شارك القصة